بين الركود والكساد: كيف سيعاني الاقتصاد العالمي بفعل كورونا؟
عبد الامير رويح
2020-03-30 04:25
الانتشار السريع لفيروس كورونا المستجد في مختلف دول العالم وخصوصا الدولي الكبرى، تسبب وبحسب بعض المصادر، في حدوث حالة شلل اقتصادي شبه تام بعدد من هذه الدول، التي اعتمدت اجراءات مختلفة لمواجهة تفشي هذا الفيروس، كما أدى أيضا إلى تباطؤ حركة التجارة بين الدول، ووقف استيراد بعض أنواع السلع مع صعوبة التواصل وإنهاء الإجراءات في بعض الأحيان. ومع تصاعد وتيرة الإصابات، يقبع الاقتصاد العالمي تحت ضغط هائل، أدى إلى فقدان الكثيرين لوظائفهم، ودفع الحكومات للعمل على توفير حزم اقتصادية لمساعدة أصحاب الأعمال. وتزيد الخسائر الاقتصادية بفعل فيروس كورونا يوما بعد يوم بسبب عمليات الإغلاق التي فرضها في الدول الكبرى.
وللعمل على الحد من تفشي الفيروس، تم إغلاق جميع المطاعم والفنادق وشركات الطيران والسلاسل العملاقة والمحلات التجارية الصغيرة، حيث أمرت مدن وولايات ودول بأكملها، بإغلاق الشركات غير الضرورية وأوعزت الناس بالبقاء في منازلهم. وتؤذي الإغلاقات وغيرها من الإجراءات التي اتخذتها الحكومات حول العالم، بغرض إبطاء تفشي الفيروس، الاقتصاد العالمي حيث بات العديد من المحللين يتوقعون ركودا طويلا وعميقا.
ويأتي ذلك بعد توقع صندوق النقد الدولي حدوث كساد عالمي هذا العام سيكون، على الأقل، في نفس درجة سوء ذلك الركود الذي شهده العالم عقب الأزمة المالية قبل عقد من الزمن. وتوقع صندوق النقد الدولي أن يحدث ركود أسوأ من ركود 2008، لكن التعافي يبدأ العام المقبل. وقال صندوق النقد الدولي إنه وضع تريليون دولار بتصرف الدول و80 دولة طلبت تمويلا عاجلا. وقدرت الأمم المتحدة أنه يمكن فقدان ما يصل إلى 25 مليون وظيفة في الاضطرابات الاقتصادية، أي أكثر مما حدث خلال الانهيار المالي العالمي عام 2008.
من جانبها أصدرت المؤسسات الدولية والبحثية في العالم العديد من التوقعات بشأن تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي واقتصادات الدولي الكبرى. وتوقعت مؤسسة اكسفورد ايكونوميكس أن يسجل الاقتصاد العالمي ركودا حاد لكنه قصير الأمد، فيما توقع أن تكون أوروبا الأكثر تأثرا.
وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن التداعيات السلبية لكورونا ستبقى لسنوات. وأوضحت أن عدد الشركات المتعثرة والوظائف المفقودة غير واضح بعد. وأشار كل من غولدمان ساكس وبلومبيرغ إلى أن الاقتصاد العالمي سيتراجع 1% في 2020.
وتوقعات الخبراء للاقتصاد الأميركي كارثية، فيرى غولدمان ساكس أن اقتصاد الولايات المتحدة سيتراجع 25%، فيما توقع مورغان ستانلي تراجع الاقتصاد الأميركي 20% في الربع الثاني من العام الجاري. ويتوقع بنك أوف أميركا تراجع الاقتصاد الأميركي بـ 25%، فيما يتوقع جي بي مورغان تراجعا قدره 14%. وتوقع غولدمان ساكس أن يراجع اقتصاد منطقة اليورو 11% في الربع الثاني 2020. وتوقع جي بي مورغان أن يتراجع اقتصاد الصين في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 40%، وهو أسوأ ركود في 50 عاما.
ركود عالمي
وفي هذا الشأن حذر أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة من ركود عالمي ”شبه حتمي“ ومن أن الاستجابات الوطنية لجائحة فيروس كورونا ”لن تعالج النطاق العالمي للأزمة وتعقداتها“. وأبلغ جوتيريش الصحفيين في مؤتمر عبر دائرة تلفزيونية ”هذه لحطة تستدعي تحركا منسقا وحاسما ومبتكرا على صعيد السياسات من الاقتصادات الرئيسية في العالم.. نحن في وضع غير مسبوق والقواعد العادية لم تعد مجدية.“ وقال ”إن ركودا عالميا - قد يكون ذا أبعاد قياسية - أصبح شبه حتمي.“
من جانب اخر قال صندوق النقد الدولي إن جائحة فيورس كورونا ستتسبب في ركود عالمي في 2020 قد يكون أسوأ من ذلك الذي أوقدت شرارته الأزمة المالية العالمية في 2008 و2009، لكن الناتج الاقتصادي العالمي سيتعافى في 2021. رحبت كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق النقد بالخطوات المالية الاستثنائية المتخذة حتى الآن من بلدان عديدة لتدعيم أنظمة الصحة وحماية الشركات والعمال المتأثرين، وبما اتخذته البنوك المركزية لتيسير السياسة النقدية. لكنها قالت ”هناك حاجة إلى المزيد، ولاسيما على الصعيد المالي.“
وأصدرت جورجيفا التوقعات الجديدة عقب مؤتمر بالهاتف لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لدول مجموعة العشرين، الذين قالت إنهم اتفقوا على أهمية تضامن دول العالم. وأضافت ”التكلفة البشرية لجائحة فيروس كورونا هي غير قابلة للقياس بالفعل وعلى كل الدول العمل سويا لحماية الناس والحد من الأضرار الاقتصادية.“ ويفرض المزيد من الدول إجراءات إغلاق لاحتواء الفيروس سريع الانتشار.
وقالت جورجيفا إن توقعات النمو العالمي سلبية وإن الصندوق يتوقع الآن ”ركودا لا يقل سؤا عما صاحب الأزمة المالية العالمية أو أسوأ.“ وفي وقت سابق حذرت جورجيفا من أن النمو العالمي في 2020 سيقل عن معدل 2019 البالغ 2.9 بالمئة، لكنها لم تتوقع ركودا. كانت حروب التجارة دفعت النمو العالمي العام الماضي إلى أدنى مستوياته منذ انكماش بنسبة 0.7 بالمئة في 2009. بحسب رويترز.
وقالت جورجيفا إن تعافيا متوقع في 2021، لكن تحقيقه يستلزم أن تعطي الدول الأولوية للاحتواء وتقوية الأنظمة الصحية. وقالت ”التأثير الاقتصادي سيكون حادا، لكن كلما كان توقف الفيروس سريعا، كان التعافي أسرع وأقوى.“ وتابعت أن الصندوق سيزيد تمويلات الطوارئ زيادة كبيرة، مشيرة إلى أن 80 دولة طلبت المساعدة بالفعل وأن الصندوق مستعد لاستخدام كامل طاقته الإقراضية البالغة تريليون دولار.
الى جانب ذلك حذر بنك الاستثمار الأمريكي جيه.بي مورجان من أن التأثير الاقتصادي المعرقل لفيروس كورونا سيدفع الدول الأفقر في العالم باستثناء الصين إلى ركود بحلول منتصف العام. وقال البنك ”نتوقع الآن ركودا في النصف الأول من 2020 في الأسواق الناشئة باستثناء الصين مع تعزيز الاحتواء وانكماش الأسواق المتقدمة“. وبعض من أكبر الخسائر متوقع في الأسواق الناشئة في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا حيث من المتوقع أن تسبب إجراءات التباعد الاجتماعي الصارمة وروابط منطقة اليورو خسائر دائمة بمقدار ثلاث نقاط مئوية في مستوى الناتج الاقتصادي لهذا العام. وأضاف البنك أن من المتوقع أن تعاني أمريكا اللاتينية وكولومبيا والبرازيل والمكسيك أكبر ضرر يلحق بناتجها المحلي الإجمالي للعام في المجمل، بما يقترب لديهم جميعا من ثلاث نقاط مئوية على أساس مقارنة الربع الرابع بنفس الفترة قبل عام.
مساعدات مالية
على صعيد متصل قال صندوق النقد الدولي إن نحو عشر دول في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى طلبت دعما ماليا من الصندوق لمواجهة تبعات فيروس كورونا على اقتصاداتها. وكتب جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في مدونة صندوق النقد الدولي الإلكترونية إن على الحكومات أن تبذل كل ما هو متاح لمساعدة أنظمتها الصحية وتقوية شبكات الأمان الاجتماعي لديها على الرغم من ميزانياتها التي تتعرض لضغوط بالفعل.
وأضاف ”يتعين توجيه استجابات السياسة الاقتصادية صوب منع الجائحة، وهي أزمة صحية مؤقتة، من أن تتطور إلى ركود اقتصادي لفترة طويلة له خسائر دائمة على الرفاه في المجتمع من خلال تزايد البطالة والإفلاس“. وأشار إلى أن البنوك المركزية يجب أن تكون مستعدة لتوفير السيولة للمصارف خاصة لدعم الإقراض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في حين يمكن النظر في أمر الإجراءات المالية التقليدية لدعم الاقتصاد مثل الإنفاق على البنية التحتية بمجرد بدء انحسار الأزمة.
وقال صندوق النقد الدولي إنه يعمل على تسريع الموافقة على طلبات تمويل عاجل من المنطقة وسيتم بحث الدفعة الأولى منذ التفشي لجمهورية قرغيزيا. وقال أزعور ”مع تسجيل ثلاثة أرباع الدول ظهور حالة مؤكدة واحدة على الأقل بالإصابة بكوفيد-19 ومواجهة بعضها تفشيا كبيرا، فقد أصبحت جائحة فيروس كورونا أكبر تحد في الأمد القريب للمنطقة“. وأضاف أن التحدي سيكون جسيما بشكل خاص بالنسبة للدول الهشة والتي تمزقها الحروب مثل العراق والسودان واليمن.
ويرى صندوق النقد الدولي، ومقره واشنطن، أن المنطقة تشهد صدمات متزامنة بسبب تقلص التجارة وتراجع الطلب المحلي والخارجي وتعطيلات الإنتاج وتشدد الأوضاع المالية. كما تواجه الدول المصدرة للبترول صدمة إضافية من الهبوط الحاد في أسعار النفط بعد أن بدأت حرب على الحصص السوقية بين السعودية وروسيا إثر انهيار اتفاق خفض الإنتاج مع شركاء أوبك. وقال أزعور ”من المتوقع أن تتسبب تلك الصدمات المتشابكة في توجيه ضربة قاسية للأنشطة الاقتصادية في المنطقة على الأقل خلال النصف الأول من هذا العام مع احتمال وجود تبعات دائمة“.
وأشار إلى أن انخفاض عائدات النفط للدول المصدرة له سيفرض ضغوطا على ميزانياتها ”ستمتد إلى بقية الاقتصاد“. وأضاف أن السياحة تأثرت في دول كانت تضطلع فيها بدور مهم للاقتصاد مثل مصر والإمارات وقال ”ستكون هناك أصداء أوسع نطاقا إذا زادت البطالة وانخفضت تحويلات“ العاملين في الخارج بالنظر للعدد الكبير من الموظفين في قطاع الخدمات. بحسب رويترز.
وتابع أن الارتفاع الكبير في العزوف عن المخاطرة حول العالم بسبب التفشي ونزوح رؤوس الأموال للأصول الأكثر أمانا أدى لتراجع بنحو ملياري دولار في محفظة التدفقات إلى المنطقة منذ منتصف فبراير شباط. وقال ”تلك الأوضاع المالية المشددة في التقلص قد تتحول إلى تحد كبير بالنظر إلى أن الدين السيادي الخارجي للمنطقة المُستحق السداد في 2020 يُقدر بما قيمته 35 مليار دولار“.
خطر الأوبئة
في السياق ذاته يقول الخبير الاقتصادي الجنوب إفريقي إيان غولدين إن "الأوبئة العالمية لطالما شكلت تهديدا أكبر من تهديد الحروب على البشرية"، وهو حذر منذ العام 2015 من المخاطر المعممة في عالم مترابط، ولا سيما المخاطر الناتجة من جائحة. وأوضح الخبير في جامعة أوكسفورد أن الدول "لم تقدر حجم هذا الخطر" مضيفا "نعطي جيشنا أكثر مما ينبغي (...) بالمقارنة مع نظامنا الصحي" الذي يعاني من سوء تمويل بعد سنوات من التقشف.
وجلبت العولمة ازدهارا للعديد من مناطق العالم، غير أنها أسفرت على الصعيد الصحي عن كثافة سكانية في مدن مترامية الأطراف مع قيام مدن صفيح غير صحية وأسواق حيوانات بعضها بري على مقربة من مطارات، تنتشر منها الفيروسات عبر العالم، فيما باتت مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية تطرح أيضا خطرا كبيرا. وقال الخبير الذي كان في الماضي مستشارا لنلسون مانديلا "لم نواجه منذ وقت طويل جائحة بحجم" الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 "التي طالت ثلث سكان العالم وقضت على حوالى خمسين مليون شخص". وتابع أن العالم شهد مؤخرا أوبئة مثل إيبولا وسارس وإنفلونزا الطيور، لكنه "تم احتواؤها، ما أعطانا ثقة مفرطة بالنفس".
وحصل ذلك في وقت يبتعد العالم عن المؤسسات المتعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي والحلف الأطلسي والأمم المتحدة أو هيئات التفاوض حول المناخ. وشدد غولدين على أن "هذا ينطبق بصورة خاصة على الولايات المتحدة، في وقت كانت أوروبا في وسط أزمة اليورو وبريكست، ولم يكن أحد يثق في الصين لتقود العالم". وهذا ما أوجد "فراغا في القيادة"، في حين أن الولايات المتحدة بادرت خلال الازمة المالية الأخيرة عام 2008 بالدعوة إلى قمة لمجموعة العشرين غداة إفلاس مصرف ليمان براذرز.
وتابع "الآن أيضا تتولى الولايات المتحدة رئاسة مجموعة السبع، لكن (الرئيس دونالد) ترامب يلقي اللوم على باقي العالم ولا سيما على الصين". ومن غير المتوقع أن تعقد مجموعة السبع اجتماعا قبل حزيران/يونيو وسيكون عبر دائرة الفيديو. ورأى غولدين أنه يجدر بالدول على العكس "التعاون، أولا لإيجاد لقاح، وتقاسم المعدات واللوازم الطبية وإعادة الناس إلى بلدانها".
وما يزيد من ضرورة التعاون أن الأزمة الاقتصادية نتيجة الجائحة الحالية ستكون برأيه "أسوأ بكثير" من أزمة 2008. وقال "قد نشهد سلسلة من الصدمات المالية المتتالية" مع إفلاس شركات إنما كذلك دول. وأورد مثل إيطاليا التي كانت تعاني قبل وباء كوفيد-19 وضعا اقتصاديا سيئا، وستكون بعده في "العناية الفائقة" على قوله. ورأى أن "مدى خطورة ما سيحصل يتوقف" على قدرتنا على التعاون، متسائلا "هل العالم قادر على وضع خطة عمل منسقة؟" واعتبر أن رد السلطات يبقى في الوقت الحاضر غير كاف بالرغم من مئات المليارات التي وعدت المصارف المركزية والحكومات بضخها.
وقال "كان لدينا بالأساس معدلات (فوائد) قريبة من الصفر (...) لا تكمن المشكلة في السيولة"، مشيرا إلى أن سياسات الإنعاش الاقتصادي قد لا تكون مجدية لأن "العرض والطلب كلاهما معطل". وهو يرى أن المطلوب أولا تخصيص دخل أساسي لذوي "الدخل المتدني" والذين "لا يملكون تغطية طبية"، وهم سيصرون في حال إصابتهم على مواصلة العمل، ما يعرض الآخرين للعدوى.
كما يتحتم برأيه تقديم مساعدات للشركات "التي لم يعد لديها مزودون أو زبائن" من خلال تأجيل أو ألغاء الضرائب والنفقات طوال مدة الأزمة وتدابير الحجر المنزلي السارية في العديد من الدول، ما يشل الاقتصاد ويؤثر على شركات الطيران والقطاع السياحي وصالات العروض والمسارح. وليس المطلوب برأيه إبقاء الشركات التي كانت بالأساس في وضع صعب على قيد الحياة إلى ما لا نهاية، غير أنه يتحتم في الوقت الحاضر "ترميم الثقة" واستخلاص العبر من الأزمة السابقة. بحسب فرانس برس.
وذكّر بأنه في 2007 و2008، أعطت المصارف المركزية والهيئات المتعددة الأطراف والحكومات "الأفضلية للمصارف" أو شركات السيارات، في حين خسر ملايين العمال وظائفهم ومنازلهم وضمانهم الاجتماعي. وتابع "شهدنا ركودا كثيفا في الأجور" وزيادة كبرى في عدد المشردين، في حين أن قسما من الـ"1% (الأكثر ثراء) كسبوا مبالغ طائلة ولم يودع أحد في السجن" مؤكدا "لم يتحمل أحد أي مسؤولية عما حصل".