الفساد العالمي والهيمنة على اقتصادات الدول المتقدمة
2020-02-11 04:06
قد تزايد زخم التنديد بالفساد في العالم وضاق الناس ذرعا بالفساد المستشري اذ يمثل الفساد واحداً من أشد الأخطار العالمية في هذا العصر، وللفساد آثاراً كارثية على الاقتصاد والبيئة، وله صلة بأزمة الديمقراطية وبتزايد المظالم، وتُعاني أكثر من ثلثي الدول من الركود أو ظهور ملامح التراجع في جهود مكافحة الفساد، بما فيها العديد من الاقتصادات المتقدمة في العالم.
فقد أفادت دراسة أن بريطانيا تعدّ من أبرز الجهات في العالم لتحويل الأموال الفاسدة الى يخوت ومجوهرات وأملاك وطائرات خاصّة وحتى أقساط جامعية، وقالت الدراسة التي أعدّتها منظمة الشفافية العالمية إنّ أكثر من 300 مليار جنيه (386 مليار دولار) من الأموال المشبوهة تدفقت الى البلاد من خلال شركات محاسبة ومصارف ومكاتب محاماة موجودة في بريطانيا، وقد تمّ التوصل الى هذه الاستنتاجات من خلال دراسة 400 قضية فساد وتبييض أموال.
تاريخ هذه القضايا يعود الى العقود الثلاثة الأخيرة، لكنّ معظمها في السنوات ال10 او 15 الماضية، واستنتجت الدراسة أنّ "المملكة المتحدة هي ملاذ للثروات الفاسدة من كل أنحاء العالم"، وقالت الدراسة إنّ "هذه الأموال تمّ الحصول عليها بمساعدة شركات مرخّصة في المملكة المتحدة وفي مراكزها المالية الخارجية، وقد تم استثمارها في العقارات الفاخرة هنا، واستخدمت لشراء وسائل للتسلل الى مؤسسات مرموقة وأساليب حياة فاخرة".
وتابعت "كمّية كبيرة من (هذه الأموال) حصل عليها أشخاص أساءوا استخدام السلطات التي عهد بها اليهم من أجل تحقيق مكاسب خاصة"، وحدّدت منظمة الشفافية الدولية 86 مؤسسة مالية و81 مؤسسة قانونية و62 شركة محاسبة ساعدت أفرادا "عن غير قصد أو خلاف ذلك" على تحويل الأموال الفاسدة، وأضافت "قائمة الاكتشافات التي تفصّل الاستثمارات وانغماس فريق دولي من الأفراد الفاسدين في اقتصادنا، أصبحت أكبر من أن نتجاهلها"، وتابعت "على الرغم من أن هذا الأمر مثار قلق كبير، الا انه يتم الاعتراف به بشكل متزايد في اروقة السياسة والأعمال، وهي خطوة إيجابية نحو اتخاذ إجراءات ذات معنى".
ولاحظت المنظمة أن بعض المهن، مثل المهندسين المعماريين ومصممي الديكور الداخلي ومقدمي التعليم الخاص وشركات العلاقات العامة، تقع جميعها خارج قوانين مكافحة غسل الأموال، وحددت الدراسة أيضا 421 عقارا قيمتها نحو 5,0 مليار جنيه تم شراؤها "بثروات مشبوهة".
وحذرت من أن هذا قد يكون "رأس جبل الجليد"، لأن نحو 87,000 عقار في انكلترا وويلز مملوكة لشركات تابعة لدوائر قضائية سرّيّة ولا توجد معلومات عن أصحابها، كما أشارت الدراسة إلى سلسلة من عمليّات الشراء المشتبه بها والتي تشمل أيضًا يخوتا فخمة وسيارات فاخرة وطائرات خاصة وحتى جناحا لمشاهدة مباريات كرة القدم داخل ملعب ستامفورد بريدج التابع لنادي تشيلسي، وأضاف "الآن وللمرة الأولى سلّطنا الضوء على هوّيّة هذه الشركات وكيف أصبحت متورطة في بعض أكبر فضائح الفساد في عصرنا"، وتابع "يجب أن يكون هذا بمثابة دعوة للاستيقاظ بالنسبة إلى الحكومة والمشرّعين، ولتقديم إصلاحات نحن بأمسّ الحاجة اليها لتحصين المملكة المتحدة في وجه الأموال القذرة".
أمريكا
استقالت رئيسة بلدية مدينة بالتيمور في شرق الولايات المتحدة على خلفية اتهاماتٍ بفساد مرتبطة ببيعها كتب أطفال من إعدادها لشركات على علاقة بالإدارة المحلية وإدارة ولاية ميريلاند، كما أعلن محاميها، وواجهت كاثرين بو الديموقراطية التي انتخبت في عام 2016 دعوات متزايدة إلى التنحي منذ بروز تلك الادعاءات، وداهم مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) منزليها ومقرّ البلدية، لكن لم توجه إليها أي تهمة جنائية، وفي بيان تلاه محاميها ستيفن سيلفرمان، أعربت بو عن "اعتذارها عن الأذى الذي تسببت به لصورة مدينة بالتيمور ولصدقية مكتب العمدة". وتابع البيان أن "بالتيمور تستحق رئيس بلدية يستطيع دفع مدينتنا العظيمة إلى الأمام".
ورحب حاكم ولاية ميريلاند لاري هوغان الذي دعا بو إلى التنحي، بقرارها، واعتبر أنه القرار "الصحيح"، مضيفاً أنه "كان من الواضح أن رئيسة البلدية لم تعد قادرة على قيادة (المدينة) بشكل فعال"، وكتب هوغان على تويتر "التحقيقات الفدرالية والمحلية يجب أن تتواصل وستتواصل من أجل الكشف عن الحقائق"، وتعرضت بو لانتقادات بسبب "استغلال منصبها لمنفعة شخصية" بعدما كشفت صحيفة "بالتيمور صن" أن مؤسسة "البرنامج الطبي في جامعة ماريلاند" التي تدير عدة مستشفيات، دفعت 500 ألف دولار مقابل 100 ألف نسخة من كتاب كاثرين بو للأطفال "هيلثي مولي"، وكانت بو حينها عضواً في مجلس إدارة المؤسسة، وعلى الرغم من انها في بدء التحقيقات اعتبرت البحث في الأمر "مطاردة شعواء"، إلا أنها استقالت لاحقاً من مجلس الإدارة ودفعت له 100 ألف دولار، ووصفت بيعها الكتب للمؤسسة بـ"الخطأ الذي أندم عليه".
وقالت شركة كيزر للتأمين أنها دفعت لرئيسة البلدية السابقة 114 ألف دولار ثمن كتب "هيلثي مولي" حازت عليها بين عامي 2015 و2018، وفي 2017، فازت الشركة بعقد يخولها توفير التأمين الصحي لموظفي بلدية المدينة بين 2018 و2020، وغادرت بو البالغة من العمر 69 عاماً عملها في إجازة مرضية في الأول من نيسان/ابريل بعد تزايد الدعوات إليها للاستقالة.
وسيستكمل رئيس مجلس إدارة المدينة برنارد يونغ، الذي يديره كرئيس بلدية موقت بعد استقالة بو، ولاية الأخيرة التي تنتهي في 2020، ويبلغ عدد سكان بالتيمور 600 ألف نسمة والمدينة غارقة بارتفاع نسبة الجريمة والتوتر العنصري ومستويات الفقر التي هي بين الأعلى في الولايات المتحدة وسجلت في بالتيمور 300 جريمة قتل في العام منذ 2015، وجاء انتخاب بو بعد عام من أعمال شغب هزت المدينة بعد وفاة شاب أسود هو فريدي غراي، أصيب بغيبوبة عندما كان محتجزاً لدى الشرطة، وأجبر مكتب شرطة بالتيمور على إجراء إصلاحات بعدما اتهمته الحكومة الاتحادية في 2016 بالخرق الواسع للحقوق وبالفساد.
ليبيريا
خرج الآلاف في ليبيريا إلى شوارع العاصمة مونروفيا للمشاركة في احتجاج على الفساد والتدهور الاقتصادي الذي يلقي الكثيرون بمسؤوليته على الرئيس ولاعب كرة القدم السابق الذي كان يحظى بشعبية واسعة جورج ويا، وفي تناقض صارخ مع الاحتفالات العارمة بفوز ويا في انتخابات الرئاسة في عام 2017 حملت حشود من المحتجين الذين رددوا هتافات لافتات وصفت ويا بأنه "خائن" وتجمعت بالقرب من مقر الرئاسة.
ومن أهم أسباب الاحتجاجات ركود الاقتصاد حيث لا يزال معظم السكان يعيشون في فقر مدقع وفضيحة في العام الماضي فقدت البلاد فيها أوراقا نقدية جديدة قيمتها 100 مليون دولار كانت موجهة للبنك المركزي، وتضرر اقتصاد ليبيريا بشدة بسبب تفشي الإيبولا بين عامي 2014 و2016 ما تسبب في وفاة الآلاف إضافة إلى انخفاض أسعار الصادرات الرئيسية مثل خام الحديد والمطاط وتراجع المساعدات الأجنبية، وكان الكثيرون في ليبيريا يرون أن ويا، الذي نشأ في حي فقير في مونروفيا قبل أن يصبح مهاجما معروفا في بعض أهم فرق كرة القدم الأوروبية، سيجلب عصرا جديدا للبلاد لكنه بدلا من ذلك يواجه نفس الانتقادات بسبب الفساد التي لاحقت سلفه ايلين جونسون سيرليف.
ووزع منظمو الاحتجاج عريضة اتهموا فيها الحكومة بسوء استغلال الأموال العامة وانتهاك حريات الصحافة والفشل في تمويل الصحة وبرامج التعليم على نحو ملائم، وتتهم العريضة ويا نفسه ببناء "عشرات المنازل الفاخرة" بعدما امتنع عن الإفصاح عن ممتلكاته.
أنجولا والبرتغال
قال النائب العام في أنجولا إن بلاده قد تطلب من السلطات البرتغالية مصادرة أصول تملكها المليارديرة إزابيل دوس سانتوس إبنة الرئيس السابق خوسيه ادواردو دوس سانتوس المشتبه بها في قضية تحايل، وذكرت أنجولا اسم إزابيل دوس سانتوس كمشتبه بها رسميا في اتهامات بسوء الإدارة وتبديد أموال خلال رئاستها لشركة النفط الحكومية سونانجول في الوقت الذي فتحت فيه هيئة رقابة السوق بالبرتغال تحقيقات مع عدة شركات تملك فيها أسهم، ونفت دوس سانتوس الإبنة الكبرى لرئيس أنجولا السابق ارتكابها أي مخالفات.
وقالت في بيان لها: "عملت دوما في إطار القانون وكل تعاملاتي التجارية وافق عليها محامون وبنوك ومراجعون وجهات تنظيمية"، وقال النائب العام الأنجولي هيلدر بيتا جروز في مقابلة مع محطة (أر.تي.بي) التلفزيونية البرتغالية إنه التقى مع نظيره البرتغالي في لشبونة لبحث أمور من بينها كيفية تعاون البلدين في قضية إزابيل دوس سانتوس.وسئل بيتا جروز عما إذا كانت أنجولا طلبت من البرتغال مصادرة أصول إزابيل دوس سانتوس وخاصة أسهمها في الشركات البرتغالية وحساباتها في البنوك البرتغالية فقال: "قد يحدث ذلك لا أقول إن هذه حقيقة الآن.. ولكن عندما تبدأ الفرق في العمل قد تتوصل لهذه النتيجة"، وبشكل منفصل أكد بيتا جروز خلال مقابلة مع محطة(إس.آي.سي) التلفزيونية البرتغالية أنه قد يتم إغلاق القضية المدنية المقامة ضد إزابيل دوس سانتوس إذا دفعت هي وشركاؤها 1.1 مليار دولار تقول أنجولا إنهم مدينون بها للدولة بسبب الأموال العامة التي قيل إنهم اختلسوها، والقضية الثانية المنفصلة المقامة ضدها هي وثلاثة برتغاليين جنائية مرتبطة باتهامات بسوء إدارة شركة سونانجول والتي ستظل مفتوحة بصرف النظر عما إذا كان قد تم دفع الديون المستحقة.
دول عربية ضمن الدول "الأشد فسادا" في العالم
حلت أربع دول عربية ضمن قائمة أشد عشر دول فسادا في العالم، وفق التقرير السنوي لمؤشرات مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، والدول الأربعة هي السودان وليبيا واليمن وسوريا، ورصد التقرير تراجع سوريا بـ 13 نقطة، مقارنة بعام 2012. كما تراجع اليمن ثماني نقاط خلال الفترة ذاتها، وفي المقابل، كانت الإمارات العربية المتحدة هي الأقل فسادا بين الدول العربية، تليها قطر بفارق تسع نقاط.