الاقتصاد السوري وفرص انقاذ الليرة من الانهيار

دلال العكيلي

2020-01-27 04:35

انهيار وخسارة افقدت الليرة السورية قيمتها امام الدولار وبالاخص بعد الاحداث الاخيرة التي مرت بها البلاد، هذا التدهور أثقل كاهل الشعب السوري كانت هنالك الكثير من الاسباب منها المباشر وغير المباشر، في كلّ الحالات هذا الوضع ترك أثره البالغ على الشعب السوري، اذ أصبح اليوم عدد السوريين اليوم يقدر بحوالي 90% تحت خط الفقر بحسب بيان المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

الان هل بالامكان تدارك هذا الانهيار ومعالجة الوضع الاقتصادي السوري المتأزم؟ وهل بالامكان انعاش الليرة السورية وخاصة انها تلفظ انفاسها الاخيرة؟

في اطار هذا الموضوع أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوماً تشريعياً نصّ على تشديد العقوبات بحق كل من يتعامل بغير الليرة السورية، التي سجلت انخفاضاً قياسياً مقابل الدولار في الفترة الأخيرة، بينما يوشك النزاع أن يتم عامه التاسع، وأوردت حسابات الرئاسة على مواقع التواصل الاجتماعي أن الأسد أصدر مرسوماً تشريعياً "بتشديد عقوبة كل من يتعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري أو التسديدات النقدية، سواء كان ذلك بالقطع الأجنبي أم المعادن الثمينة"، ورفع المرسوم العقوبة بالأشغال الشاقة الموقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات بعدما كانت تنص على الحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات، مع غرامة مالية.

وشهدت الليرة السورية انخفاضاً قياسياً، وبات الدولار في السوق السوداء يعادل أكثر من 1200 ليرة لأول مرة في تاريخها، فيما لا يزال سعر الصرف الرسمي 434 ليرة، وقبل اندلاع النزاع في آذار/مارس العام 2011 كان الدولار يساوي 48 ليرة سورية، وتزامن انخفاض قيمة الليرة مع ارتفاع قياسي في اسعار معظم المواد الغذائية والتموينية، بينها السكر والأرز وحليب الأطفال.

وأعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدء توزيع عدد من المواد الأساسية الضرورية عبر نظام البطاقة الذكية، وقال معاون الوزير جمال الدين شعيب، وفق تصريح نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" أن "التوزيع سيكون شهرياً ويتضمن مادة السكر بمعدل كيلوغرام واحد للشخص على ألا تتجاوز حصة الأسرة 4 كيلوغرامات، ومادة الرز كيلوغرام للشخص بحيث لا تتجاوز حصة الأسرة ثلاثة كيلوغرامات والشاي 200 غرام للفرد على أن لا تتجاوز الكمية كيلوغراماً واحداً للأسرة".

وأكدت الوزارة أن "هذا الاجراء يأتي في إطار الجهود الحكومية لاستمرار توفير المواد الغذائية ومنع الاحتكار والحد من تداعيات الإجراءات الاقتصادية القسرية الأحادية الجانب المفروضة على سوريا"، ويكرر مسؤولون سوريون أن بلادهم تواجه حرباً جديدة تتمثل بالحصار الاقتصادي والعقوبات، ويعزو محللون تسارع "انهيار" الليرة مؤخراً إلى الأزمة الاقتصادية في لبنان المجاور، حيث يودع التجار السوريون ملايين الدولارات في المصارف التي فرضت قيوداً مشددة على عمليات السحب في ظل أزمة سيولة حادة.

ويأتي تراجع قيمة الليرة السورية بعد أزمة وقود حادة شهدتها مناطق سيطرة القوات الحكومية خلال الصيف، وفاقمتها العقوبات الأميركية على إيران بعدما توقف لأشهر عدة خط ائتماني يربطها بإيران لتأمين النفط بشكل رئيسي، وتشهد سوريا نزاعاً دامياً منذ العام 2011، تسبب بمقتل أكثر من 380 ألف شخص وألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتية والقطاعات المنتجة وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان.

أزمة لبنان تعصف باقتصاد سوريا

ألحقت أزمة مالية في لبنان ضررا شديدا باقتصاد سوريا المجاورة بتجفيف منبع حيوي للدولارات ودفعت الليرة السورية إلى مستويات قياسية منخفضة، ويعتمد اقتصاد سوريا، الذي تحجبه عقوبات غربية عن النظام المالي العالمي، على الروابط المصرفية مع لبنان للإبقاء على أنشطة الاعمال والتجارة منذ تفجرت الحرب في البلاد قبل أكثر من ثمانية أعوام.

لكن في الوقت الذي تفرض فيه البنوك اللبنانية قيودا مشددة على سحوبات العملة الصعبة والتحويلات النقدية إلى الخارج، يتعذر وصول أثرياء سوريين إلى أموالهم. وبحسب ثلاثة رجال أعمال وخمسة مصرفيين في دمشق وفي الخارج، فإن تدفق الدولارات إلى سوريا من لبنان شبه متوقف، وقال مصرفي لبناني بارز يتعامل مع حسابات أثرياء سوريين "تلك الودائع حبيسة الآن يمكنك تصور تبعات ذلك التي تبدأ بالظهور على السطح في الاقتصاد السوري" وتحدث شريطة عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الأمر.

فيما قال رجال أعمال ومصرفيون إن من المعتقد أن لدى سوريين أثرياء ودائع بمليارات الدولارات في البنوك اللبنانية، والفوائد التي تدفع على ودائع السوريين في لبنان وتحول إلى داخل البلاد هي مصدر مهم للدولارات للاقتصاد، ومع عدم قدرتهم على تحويل الدولارات مباشرة إلى سوريا، يلجأ السوريون خارج منطقة الشرق الأوسط إلى النظام المالي اللبناني كقناة لإرسال أموال إلى أقاربهم تقدر بمئات الملايين كل عام وتضرر أيضا هذا التدفق، ويشعر العمال السوريون في لبنان أيضا بآثار انكماش حاد لاقتصاد يخسر الوظائف بخطى سريعة.

الاسد يصدر موازنة 2020 بقيمة 9,2 مليارات دولار

أصدر الرئيس السوري بشار الأسد قانون الموازنة العامة بمبلغ إجمالي قدره 9,2 مليارات دولار، من دون أن تلحظ عجز قطاع الكهرباء الذي مني بأضرار ضخمة خلال الحرب المستمرة منذ أكثر من ثمانية أعوام، وتسبّب النزاع الذي تشهده سوريا منذ العام 2011 بدمار هائل في البنى التحتية وألحق خسائر كبرى بالاقتصاد، وقدرت الأمم المتحدة قبل أكثر من عام كلفة الدمار بنحو 400 مليار دولار.

ونشرت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" أن الأسد أصدر القانون القاضي "بتحديد اعتمادات الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2020 بمبلغ إجمالي قدره 4000 مليار ليرة سورية"، ويبلغ سعر صرف الليرة الرسمي 434 مقابل الدولار الأميركي، وفق مصرف سوريا المركزي، فيما انخفضت قيمة الليرة بشكل حاد في السوق السوداء إلى 800 ليرة، في أدنى مستوياتها منذ اندلاع النزاع، ولم تختلف القيمة الإجمالية لموازنة 2020 عن موازنة العام 2019، إلا أن الموازنة الجديدة لا تلحظ خسائر شركة الكهرباء.

وكان أعضاء مجلس الشعب انتقدوا خلال جلسات نقاش الموازنة حجم العجز المالي الذي ازداد بنسبة 54 في المئة عن الموازنة الحالية، وفق صحيفة الوطن السورية، ويأتي إصدار الموازنة بعد أسبوع من قرار أصدره الأسد وقضى بزيادة على رواتب العاملين المدنيين والعسكريين، تراوح بين 37 و46 دولاراً، استفاد منها أكثر من 2.1 مليون موظف ومتقاعد.

ويعاني السوريون من ظروف معيشية صعبة مع تفشي البطالة وانخفاض قيمة العملة المحلية الذي يشكل دليلاً ملموساً على الاقتصاد المنهك، في ظل تقلّص المداخيل والإيرادات وانخفاض احتياطي القطع الأجنبي، وتخضع سوريا لعقوبات اقتصادية أميركية وأوروبية تسبّبت بمزيد من الخسائر وبأزمة محروقات العام الحالي فرضت تقنيناً في الكميات الموزعة على المستهلكين.

حملة على المتربحين لتخفيف أزمة العملة

أعلن مجلس الوزراء السوري حزمة إجراءات اقتصادية للمساعدة في تخفيف أزمة العملة وذلك بتشديد الرقابة على الأسعار وشن حملة على المتربحين، وقال وزير المالية مأمون حمدان إن الحكومة وافقت على الإجراءات اللازمة والاحترازية لتخفيف تأثير التقلبات الحادة للعملة المحلية التي دفعتها إلى مستوى قياسي منخفض، وأضاف للصحفيين بعد اجتماع للحكومة أن الحكومة ستعمل على "ضبط الأسواق والتشدد في الإجراءات الرقابية وضرب المحتكرين والمهربين بيد من حديد".

وقال تجار عملة ورجال أعمال إن الليرة السورية هبطت إلى مستوى قياسي في السوق السوداء متأثرة بعدم تدخل البنك المركزي وتضرر الاقتصاد الذي مزقته الحرب بسبب تشديد العقوبات الغربية، وقال تجار إن الليرة بعد أن ارتفعت إلى مستوى قياسي بلغ 690 مقابل الدولار، تحسنت منذ ذلك الحين وتذبذبت حول 620 مقابل الدولار، كان يتم تداول الليرة عند مستوى 47 مقابل الدولار قبل اندلاع الاحتجاجات ضد الرئيس بشار الأسد في مارس آذار 2011.

وقال حمدان إن الحكومة ستخصص مزيدا من الأموال لسلسلة من مئات المتاجر الكبرى التي تديرها الحكومة والتي تبيع السلع الاستهلاكية بأسعار أقل من السوق في محاولة لخفض أسعار المستهلكين وأضاف أن البنك المركزي سيقدم أيضا الدولار بسعر تفضيلي للمتداولين الذين يستوردون السلع الأساسية الضرورية، وتشمل الخطوات الأخرى منح القروض الحكومية دون فوائد لموظفي الدولة.

مع تنامي الغضب العام من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ألقت الحكومة السورية باللوم على المضاربين و"الأيدي الأجنبية" في التلاعب بأسواق العملات واشتكى البعض من أن المتسوقين خزنوا بعض المنتجات خوفا من تأثير ارتفاع الدولار على أسعار البضائع، وقال رئيس الوزراء عماد خميس للبرلمان إن البلاد تعاني من تأثير العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة التي تفرض حصارا على الاقتصاد وتضر بمعيشة السوريين، وقال إن الحكومة لم تتدخل مباشرة لدعم العملة المحلية منذ عام 2016 للمساعدة في الحفاظ على ما تبقى من الاحتياطيات المستنزفة والتي قدرها خبراء الاقتصاد والمصرفيون بنحو 17 مليار دولار قبل بدء الاحتجاجات.

وقال مصرفيون إن استقرار العملة أصبح مؤشر ثقة الاقتصاد السوري وعلامة على قدرة الحكومة على تخفيف آثار الحرب والعقوبات المالية الغربية، ومع ذلك، تضررت سوريا بفعل تشديد العقوبات الأمريكية والأوروبية منذ نوفمبر تشرين الثاني ضد رجال الأعمال السوريين، الأمر الذي أثار قلق السوريين الأثرياء في الخارج الذين كانوا يدرسون الفرص في الاقتصاد الذي مزقته الحرب.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا