كيف سيكون أداء الاقتصاد السعودي بعد اكتتاب أرامكو؟
دلال العكيلي
2019-12-19 05:44
أرامكو هي أعلى الشركات ربحية في العالم وتخطط لتوزيع 75 مليار دولار العام المقبل أي أعلى من خمسة أمثال توزيعات أبل الأعلى بدورها من توزيعات أي شركة مدرجة علي ستاندرد اند بورز 500، وكان من المفترض أن يكون الطرح العام الأولي لشركة أرامكو السعودية حجر الزاوية في الخطة الطموح التي نسج خيوطها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لفتح أبواب الاستثمار الأجنبي في المملكة.
لكن ليست هناك أي بادرة على إقبال كبير من المستثمرين الأجانب، فقد أكدت شركة النفط العملاقة أن الطرح الأولي لأسهمها سيكون الأكبر في التاريخ إذ بلغت حصيلته 25.6 مليار دولار، وبذلك يتجاوز طرح أرامكو طرح أسهم شركة علي بابا في نيويورك عام 2014، وبناء على ذلك تبلغ قيمة شركة أرامكو 1.7 تريليون دولار وهم رقم لا يزال أقل من الهدف الذي كان الأمير محمد يسعى إليه وهو تريليونا دولار، ومع ذلك سينأى العديد من المستثمرين العالميين الذين يركزون على الأسواق الناشئة بأنفسهم عن أسهم أرامكو في سوق الأوراق المالية بالرياض لدى استهلال تداولها من 26 شركة لإدارة الأصول من خارج منطقة الخليج يتجاوز مجموع ما تديره من استثمارات معا سبعة تريليونات دولار.
وقال أغلب مديري الصناديق النشطة إنهم سينأون بأنفسهم على الأرجح عن الطرح الأولي وذلك استنادا لمخاوف ملحة تتعلق بمخاطر الحوكمة والعوامل البيئية والجيوسياسية في المنطقة، كما قال جميع مديري الصناديق الخاملة، الذين يتبعون مؤشرات بعينها بدلا من أخذ قرارات استثمارية تتعلق بأسهم بعينها، إنهم لن يشتروا أسهم أرامكو في الطرح العام الأولي، غير أن النسبة الأكبر منهم سيصبحون بطبيعة الحال مستثمرين في الشركة عندما تقرر مؤسسات المؤشرات مثل إم.إس.سي.آي وفوتسي راسل وستاندرد آند بورز إدراج أسهمها في مؤشراتها، وهو الأمر الذي قد يحدث.
ورغم أن ردود مديري الاستثمار تعطي مؤشرا لطلب المؤسسات الاستثمارية فإنها لا تتيح سوى نظرة محدودة على الإقبال العالمي إذ أنها تتعلق إلى حد كبير بالاستثمارات التي تبت فيها صناديق مفتوحة للمستثمرين الأفراد، وفي كثير من الأحوال يتم استثمار مبالغ أضخم بكثير على أساس خاص لحساب مستثمرين كبار مثل صناديق التقاعد وصناديق الثروة السيادية، وامتنعت شركة أرامكو السعودية عن التعليق على ردود المستثمرين.
ولم يتوقع أحد يذكر من الخبراء في عالم الاستثمار أن يكون الاهتمام العالمي فاترا عندما أحدث ولي العهد السعودي ضجة في عالمي الطاقة والمال عام 2016 لدى إعلانه خطط إدراج أرامكو أكبر شركات العالم ربحية بما في ذلك إدراجها في بورصات عالمية من خلال أكبر طرح عام أولي في التاريخ، وقال تشارلز هوليس الدبلوماسي البريطاني الذي عمل في السابق في السعودية ومدير شركة فالانكس أسينت للاستشارات "عندما تم الإعلان عن ذلك كان السعوديون وخاصة ولي العهد يتطلعون إلى شيء من شأنه أن يضع أرامكو على خريطة المستثمرين العالميين ومن الواضح أن شيئا من ذلك لم يحدث".
وبلغ مجموع طلبات المشاركة في الاكتتاب من المؤسسات الاستثمارية 106 مليارات دولار وهو ما يمثل زيادة بأكثر من 4.6 مرة على الأسهم المعروضة، لكن لم يتم الكشف عن النسبة التي يمثلها المستثمرون من الخارج في هذا الإقبال، وكان آخر تحديث ينشر عن ذلك اذ وأظهر أن إقبال المؤسسات الاستثمارية الأجنبية بلغ 10.5 في المئة من إجمالي الأسهم المطروحة وقيمتها 38.4 مليار دولار.
أرامكو تسابق نحو طرح قياسي
حددت أرامكو السعودية نطاقا سعريا لإدراجها يصل بتقييم شركة النفط العملاقة إلى 1.7 تريليون دولار، أي أقل من التريليوني دولار التي كان ولي العهد السعودي يستهدفها سابقا، لكن بما قد يجعله رغم ذلك أكبر طرح عام أولي في العالم، لكن أرامكو لن تتمكن من بيع الأسهم مباشرة للمستثمرين في الولايات المتحدة وأسواق أخرى ليقتصر البيع الآن على السعوديين والمؤسسات الأجنبية التي يمكنها أن تستثمر في بورصة المملكة.
وقالت أرامكو إنها تعتزم بيع 1.5 بالمئة من أسهمها، أي نحو ثلاثة مليارات سهم، بسعر استرشادي بين 30 ريالا و32 ريالا، مما يعني تقييما للطرح الأولي يصل إلى 96 مليار ريال (25.6 مليار دولار) وتقييما سوقيا محتملا للشركة بين 1.6 و1.7 تريليون دولار، وقد يعني ذلك تفوق أرامكو بفارق طفيف على الحصيلة القياسية التي جمعتها شركة علي بابا الصينية العملاقة للتجارة الإلكترونية في طرحها الأولي ببورصة نيويورك في 2014 وبلغت 25 مليار دولار.
ويمكن أن يكون حجم الطرح الأولي أكبر إذا استخدمت الشركة خيارا يسمح بتخصيص إضافي بنسبة 15 بالمئة، وقال زكاري سفاراتي الرئيس التنفيذي لدلما لإدارة الأموال في دبي "ننوي الاكتتاب في الطرح الأولي من خلال صندوقين نديرهما"، مضيفا أن التقييم المبدئي "يتفق مع توقعاتنا".
وتوقع محللون من بنوك تعمل ببورصة الرياض نطاقا واسعا من التقديرات لأرامكو دار بين 1.2 و2.3 تريليون دولار والنزول عن الهدف الأصلي للأمير محمد يبرز التحديات التي تواجهها الشركة، تعد
إقبال عارم في الداخل
ورغم الشكوك في الخارج، من المتوقع أن يلقى السهم إقبالا كبيرا من المواطنين السعوديين الذين ستطرح لهم نسبة تبلغ 0.5 بالمئة من الشركة، وأمام المستثمرين الأفراد حتى 28 نوفمبر تشرين الثاني للاكتتاب في الطرح الأولي بينما تستمر فترة الاكتتاب للمؤسسات حتى الرابع من ديسمبر كانون الأول، وإدراج أرامكو يعني مزيدا من الازدحام في أسواق الأسهم نهاية العام إذ تتلقى علي بابا حاليا طلبات الاكتتاب لإدراج في هونج كونج ويتوقع أن تجمع شركة التجارة الإلكترونية 13.4 مليار دولار، ويأتي إدراج الرياض بعدما تبددت في العام الماضي الآمال في طرح أولي لنسبة خمسة بالمئة من الشركة في بورصات محلية ودولية وسط جدل بشأن التقييم ومكان الإدراج الخارجي.
وقالت أرامكو إن الجدول الزمني للطرح الأولي تأجل بعدما بدأت إجراءات الاستحواذ على 70 بالمئة بصانع البتروكيماويات الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، وكلفت أرامكو 27 بنكا بالعمل على الصفقة، بينها سيتي جروب وجولدمان ساكس وإتش.إس.بي.سي وجيه.بي مورجان ومورجان ستانلي.
هل يؤثر التغير الناخي على ارامكو؟
ستطرح شركة أرامكو السعودية أسهمها للاكتتاب العام مطلع الشهر المقبل، بعدما يقيّم المستثمرون المحتملون مجموعة من المخاطر الرئيسية التي قد تؤثر على تقييمها، وبينها تغير المناخ، وبينما يستعد أكبر منتجي الهيدروكربون في العالم للإعلان عن النطاق السعري للأسهم، يرى محللون أن المخاوف من التغير المناخي والضغوط للانتقال إلى الطاقة النظيفة ستكون أحد العوامل المحددة لقيمة الشركة الأكبر تحقيقا للأرباح في العالم.
وكانت أرامكو حدّدت في نشرة الإصدار الخاصة بالاكتتاب العام، عددا من المخاطر التي قد يواجهها مشترو الأسهم، من احتمال وقوع هجمات مماثلة لتلك التي استهدفت الشركة في أيلول/سبتمبر، إلى إمكانية انخفاض الطلب، لكن الشركة المملوكة من الدولة والتي تضخ نحو عشرة بالمئة من النفط العالمي يوميا، أعطت أهمية خاصة للتغير المناخي ولتأثيراته على عمل الشركة، على خلفية المطالب بخفض انبعاثات الكربون والانتقال إلى وسائل الطاقة المتجددة والبديلة.
وقالت في نشرة الإصدار "قد تؤدي المخاوف المتعلّقة بتغير المناخ (...) إلى خفض الطلب العالمي على المواد الهيدروكربونية واللجوء إلى استخدام الوقود الاحفوري الأقل كثافة لانبعاث الكربون (مثل الغاز) أو المصادر البديلة للطاقة كبديل لهذه المواد"، ويُعتبر الوقود الأحفوري السبب الرئيسي لغالبية الغازات المضرّة، وبالتالي عاملا مؤثرا في التغير المناخي، في وقت تمارس المنظمات البيئية والأمم المتحدة ضغوطا كبرى على الدول والشركات النفطية لخفض انبعاثات الكربون.
اذ تقرّر تأجيل الاكتتاب مراراً لأنّ تقييم الشركة وفقا لحسابات المصرفيين بعد اجتماعات مع مستثمرين محتملين، كان دون الحد الذي سعى إليه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وهو ترليوني دولار، بحسب مصادر مطّلعة على الملف.
وسيتم طرح نسبة ضئيلة من أسهم شركة النفط العملاقة على أساس تقييم للشركة بـ 1,5 تريليون دولار، وفقا للمصادر ذاتها وفي حال تأكيد هذه الارقام، فإن الشركة ستجمع نحو 30 مليار دولار من نسبة بيع 5 بالمئة، ويقول توربيورن سولتفيدت، كبير المحللين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة "فيريسك مابلكروفت" الاستشارية، "لا شك في أن المخاطر البيئية والاجتماعية (...) عوامل مهمّة في حسابات المستثمرين".
ويضيف "أصحاب المصارف والمستثمرون (...) يواجهون المزيد من التدقيق في محافظهم الاستثمارية من المساهمين والمنظمات غير الحكومية"، وقاومت السعودية وشركاؤها في الخليج الذين تعتمد إيراداتهم إلى حد كبير على الوقود الأحفوري، لا سيما في مجال النفط، تدابير للانتقال السريع إلى الطاقة الخضراء، وبدلاً من ذلك، تدعو هذه الدول إلى استخدام التكنولوجيا المتقدمة لخفض انبعاثات الكربون من الوقود الأحفوري لجعل الانتقال "تدريجيًا ومنصفًا" لاقتصاداتها.
حمى نفط في الرياض
قالت أرامكو إنها تخطط لبيع 1.5 بالمئة من أسهمها أو حوالي ثلاثة مليارات سهم، بسعر استرشادي في نطاق 30 إلى 32 ريالا، مقدرة قيمة الطرح الأولي بما يصل إلى 96 مليار ريال (25.6 مليار دولار) عند سقف النطاق، وقد تتجاوز بذلك الطرح العام الأولي القياسي لشركة علي بابا الصينية في 2014 والذي بلغت حصيلته 25 مليار دولار، وقال رئيس لشركة أخرى مدرجة في الرياض إنه يتطلع مع آخرين في مجتمع الأعمال للاستثمار، وأضاف "إنها الأعظم جودة بأي معيار، الأفضل في المجال".
وتستحث الحكومة السعوديين الأثرياء للاستثمار في الطرح الأولي باستخدام السيولة المحتفظ بها في الخارج، إذ ينظر سعوديون كثيرون إلى الأمر كفرصة لإظهار مدى وطنيتهم عقب هجوم سبتمبر أيلول على منشأتين لأرامكو والذي استهدف قلب صناعة الطاقة بالمملكة، ألقت واشنطن والرياض باللوم على المنافس الإقليمي إيران في الهجمات التي أوقفت مؤقتا أكثر من خمسة بالمئة من المعروض العالمي. وتنفي طهران أي دور لها، وقال الكاتب السعودي أنور أبو العلا في تغريدة له "الاكتتاب في أرامكو واجب وطني لمن استطاع إليه سبيلا".
وأبلغ مصرفيان رويترز أن آلاف السعوديين يسعون للاستثمار نيابة عن جميع من يعولونهم - كطريقة لزيادة عدد الأسهم التي يمكنهم شراؤها، وقال سعود التخيفي، الذي اكتتب لنفسه ولزوجته وثلاثة من أطفاله، إنها فرصة "لنكون شركاء" مع ولي العهد الأمير محمد الذي شجع على طرح أسهم أرامكو للمساعدة في تمويل إصلاحات تهدف للحد من اعتماد الاقتصاد على النفط.
الحيرة تنهش المستثمرين حيال تقييم أرامكو
مازال الإدراج الضخم لشركة أرامكو السعودية يكتنفه الغموض، بعد يوم من إعلان الشركة أخيرا عن خططها، حيث لم تفصح إلا عن تفاصيل ضئيلة للغاية في حين تتباين تقييمات الخبراء بشدة من حوالي 1.2 إلى 2.3 تريليون دولار، وأطلقت أرامكو، الطلقة الأولى في طرح عام أولي محلي، بعد مسلسل بدايات كاذبة أثارت حيرة عالم الاستثمار، لكن المستثمرين المحتملين، القلقين بالفعل من الهجوم على منشأتين لأرامكو في سبتمبر أيلول، لم يحصلوا على تفاصيل رئيسية عادة ما تكون متضمنة في مثل "إفصاحات نية الطرح" هذه - مثل حجم الحصة التي ستبيعها الشركة وتوقيت البيع.
ويعكف مديرو الصناديق على أبحاث البنوك بشأن الشركة المعروفة بالسرية، لكنهم لم يتلقوا إلا أقل القليل حتى من محللي البنوك الكبرى في وول ستريت التي تضطلع بأدوار في طرح أرامكو ببورصة الرياض، حسب رويترز.
جولات ترويجية ومخاطر
قدر اثنان من المصرفين العاملين على العملية أن نحو 80 بالمئة من سهم الطرح ستباع إلى مستثمرين محليين من الأفراد والمؤسسات، بينما ستٌباع نحو 20 بالمئة إلى مستثمرين دوليين، ومن المتوقع أن يساهم تكوين قاعدة كبيرة من المستثمرين المحليين في تيسير الحصول على تقييم أعلى للشركة، وقالت ثلاثة مصادر مطلعة لرويترز إن لجنة حكومية عملت على ضمان نيل تعهدات بالشراء من سعوديين أثرياء، بينما سَيُمنح المستثمرون الأفراد قروضا منخفضة التكلفة.
وأمدت أرامكو المستثمرين بمزيد من المعلومات المالية، بما في ذلك تفاصيل النتائج المالية لتسعة أشهر، التي أظهرت هبوط صافي ربح الشركة إلى 68.2 مليار دولار في نهاية سبتمبر أيلول، من 83.1 مليار دولار قبل عام، ولم تذكر الشركة سببا لتراجع الأرباح، لكن هذا الانخفاض يرجع على الأرجح لهبوط أسعار النفط مقارنة مع 2018، وفي 2016، حينما سجلت أسعار النفط أدنى مستوياتها في 13 عاما، بلغ صافي ربح أرامكو 13 مليار دولار فقط، بحسب نشرة إصدار سندات للشركة هذا العام، مقارنة مع 111 مليار دولار في 2018، وبلغ صافي ربح أرامكو في الربع الثالث من 2019 نحو 21.1 مليار دولار، وفقا لحسابات رويترز، بينما حققت إكسون موبيل ربحا أعلى قليلا فحسب من ثلاثة مليارات دولار في الفترة نفسها.
يذكر أن الجولات الترويجية ستتضمن مشاركة الإدارة العليا للشركة بعد اجتماعات المحللين والمستثمرين، مضيفا أن التسعير سيعلن، وقال مصدر إن من بين الأماكن الأخرى التي ستشهد جولات ترويجية اليابان والصين، إضافة إلى الأماكن المعتادة مثل لندن ونيويورك وبوسطن وهونج كونج وسنغافورة.