الاقتصاد المصري: أقرب للتعافي أم الانهيار؟
دلال العكيلي
2019-12-08 04:25
هناك إجماع بين الاقتصاديين على أن الاقتصاد المصري يعاني من مشاكل، ووقع المصريون والمهتمون بمتابعة تطورات أوضاع مصر الاقتصادية في حيرة شديدة بين تحليلات تشيد بالنمو الاقتصادي وتبشر برخاء معيشي مرتقب، وأخرى تحذر من انهيار اقتصادي، وإفلاس وشيك يضع ثروات ومقدرات مصر رهينة في يد الأجانب، والسؤال هل هذه المشاكل تقود إلى الانهيار أم تقود إلى التعافي؟
خبراء الاقتصاد يرون إذا صارت مصر في طريقها للاستدانة بنفس المعدل الذي تسير فيه بالوقت الحالي (زيادة في معدلات فوائد الدين بنحو 3 بالمئة كل عام) فإن مصر تحتاج إلى 50 عاما على الأقل حتى تكون هناك شبهة إفلاس، وكلما ارتفع هذا المعدل كلما اقتربنا من خطر الإفلاس والعكس صحيح، فإذا زاد إلى نحو 30 بالمئة على سبيل المثال فأنت تحتاج إلى 3 سنوات فقط للوصول إلى مرحلة الإفلاس.
والمتابع لتفاقم أزمة الديون في مصر، سيجد أن مدفوعات الدين بالموازنة العامة تزيد بنحو 10 بالمئة كل عام، فسيصل إلى نتيجة مباشرة أن الاقتصاد المصري في طريقه للانهيار بعد سنوات قليلة. لكن تبقى هذه النظرة أحادية وتتجاهل جوانب أخرى مضيئة كزيادة تحويلات المصريين العاملين في الخارج (نحو 26 مليار دولار سنويا)، وبعض المشاريع الإنتاجية في مجال الزراعة التي تساهم في توفير احتياجات السوق المحلي، والتي ساهمت في تراجع أسعار بعض السلع بنحو 10 بالمئة مقارنة بالعام الماضي كاللحوم وبعض أنواع الخضروات كالطماطم والبطاطس.
وأكد الخبراء أن مصر لديها مشكلة في توفير مدفوعات الدين العام، والاعتقاد الحكومي بأن زيادة الديون الخارجية دليل نجاح يمثل أزمة حقيقية يجب الالتفات إليها. وفي نفس الوقت يجب ألا نتجاهل في قرائتنا لمؤشرات الاقتصاد المصري وخاصة المتعلقة الدين العام، وجود زيادة في إنتاج بعض القطاعات.
فيما يرى محللون اقتصاديون ان البعض عندما ينظر إلى الدين الخارجي واستفحاله، ثم مدفوعات الدين العام (الخارجي والداخلي) يجد أن هذه المدفوعات تلتهم أكثر من 60 بالمئة من الإيرادات التي تحصل عليها مصر، وما يتبقى من إيرادات الدولة جزء صغير لا يفي بالاحتياجات المطلوب انفاقها على الصحة والتعليم والاستثمارات.
والموازنة العامة الجديدة بها 211 مليار جنيه فقط موجهة للاستثمارات (10 ملايين دولار)، وهو مبلغ زهيد جدا، وفي المقابل تجد أن المبلغ المخصص لسداد الديون الخارجية والداخلية يقترب من 25 مليون دولار (أي أن المبلغ المخصص لسداد الديون في الموازنة الجديدة يعادل مرة ونصف المبلغ المخصص للاستثمارات).
كما يرى هؤلاء المحللون أن البعض في قراءته للمؤشرات يتخوف من أن زيادة المدفوعات للفوائد تحرم الموازنة العامة من توفير الاستثمارات، وهو ما يؤدي إلى تراجع معدل النمو، وتراجع معدل النمو يؤدي إلى تراجع الدخل، وتراجع الدخل يقود إلى البطالة، وفي المقابل يرى البعض الآخر، أن زيادة معدلات الفوائد السنوية ليست كبيرة بالقدر الذي يشكل خطرا يؤدي إلى عجز الدولة عن توفير الأموال اللازمة لسدادها وانهيار الاقتصاد.
واليوم هناك تراجع وتشكيك في قدرة الحكومة المصرية على تنفيذ برنامج طروحات القطاع العام بالبورصة في الإطار الزمني المعلن إذ لم يُطرح منه سوى 4.5 في المئة من شركة واحدة، بشكل فاجأ الجميع رغم مرور 21 شهرا على الإعلان عنه ولم يتبق سوى تسعة أشهر وتنتهي المدة المحددة للبرنامج، ويتهم المحللون الحكومة بالتذرع بأسباب واهية لتأجيل الطروحات مثل انتظار التوقيت المناسب للطرح وقدرة السوق على استيعابها قائلين إن الطروحات هي التي ستنشط السوق وإن على الحكومة ألا تنتظر أن يحدث العكس.
وقال وائل عنبة رئيس مجلس إدارة رويال لتداول الأوراق المالية "التأجيل المتتالي للطروحات بيضعف موقف الحكومة بشكل كبير ويفقد الثقة في البرنامج خاصة أن هناك طروحات لشركات خاصة تحدث بالسوق"، وتساءل قائلا "إزاي القطاع الخاص بينجح ويغطي الطروحات والحكومة بتتحجج كل مرة بظروف واهية؟ كل ذلك يفقد الثقة في الطروحات وجودتها وخوفهم من الطرح... لابد من قرار جرىء... لن ينجحوا في الالتزام بالمواعيد التي أعلنوا عنها".
وكشفت الحكومة المصرية في مارس آذار 2018 عن عزمها طرح حصص من 23 شركة بالبورصة، في إطار برنامج لجمع 80 مليار جنيه (4.98 مليار دولار) عبر بيع حصص أقلية في فترة تتراوح بين 24 و30 شهرا، ورغم انقضاء ما يصل إلى نحو 21 شهرا من تلك المدة لم تطرح الحكومة سوى 4.5 بالمئة من أسهم الشركة الشرقية للدخان في وقت سابق من العام الجاري فقط وتم الطرح ليلا في خطوة مفاجئة.
لكن اثنتين من شركات القطاع الخاص دخلتا سوق الأسهم هذا العام إذ طرحت شركة فوري لتكنولوجيا البنوك والمدفوعات الإلكترونية، أكبر شركة مدفوعات إلكترونية في مصر، 36 بالمئة من أسهمها في البورصة ولاقت اقبالا كثيفا من المستثمرين، كما طرحت راميدا للأدوية 49 بالمئة من أسهمها في بورصة مصر ليبدأ التداول، وقال حسين شكري مؤسس ورئيس مجلس إدارة اتش.سي للأوراق المالية والاستثمار "الطروحات الحكومية من شأنها جذب مستثمرين جدد لما تقدمه من أوراق مالية جديدة وتعمق السوق مما ينتج عنه زيادة حجم التداول أسباب التأخير قد تكون لها علاقة بحالة السوق في الوقت الحالي مما يدفع الحكومة لتحين ظروف أفضل للطرح".
احتواء التضخم واهمال الديون
لاقت سوق السندات الحكومية المحلية لمصر نجاحا باهرا مع إقبال المستثمرين الساعين وراء العوائد في عالم تدفع فيه البنوك المركزية أسعار الفائدة نحو مزيد من الانخفاض وتقترب عوائد السندات السيادية المصرية على مؤشر جيه.بي مورجان القياسي للسندات المحلية الناشئة من 14 بالمئة - بما يجعلها الأعلى على المؤشر.
وفي أغسطس آب، بلغت حيازات الأجانب من أدوات الدين الحكومية شاملة الأذون والسندات 20 مليار دولار، في تعاف قوي من 31 مليون دولار فقط في 2015 عقب انتفاضات الربيع العربي، وقال تيموثي قلدس من معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط "الواقع هو أن مصر كوجهة للاستثمار الأجنبي في السنوات القليلة الماضية لم تكن جذابة إلا فيما يتعلق ببيع الدين قصير الأجل، بفضل تقديم بعض أعلى أسعار الفائدة في السوق".
لكن مزيج متطلبات التمويل الكبيرة - حيث تحتاج القاهرة لتدبير من ستة إلى سبعة مليارات دولار في السنة المالية القادمة، وفقا للمحللين - ونقص التفاصيل فيما يخص الانخراط مع صندوق النقد بعد نوفمبر تشرين الثاني يعني أن أفضل الأوقات للمستثمرين ربما ولت، وقال راي جيان رئيس ديون الأسواق الناشئة في أموندي إن لدى مصر احتياجات تمويلية كبيرة وهو ما قد "ينطوي على تحد دون ترتيب خاص مع صندوق النقد".
ولاقت الأسهم المدرجة في بورصة مصر البالغة قيمتها 12.2 مليار دولار رواجا هي الأخرى: فقد صعد مؤشر إم.إس.سي.آي للأسهم المصرية 32 بالمئة منذ بداية العام مقارنة مع مؤشر الأسواق الناشئة عموما الذي ارتفع 3.6 بالمئة فقط على مدى الفترة ذاتها، وزادت مخصصات الأسهم المصرية لدى مديري صناديق أسهم الأسواق الناشئة في الأشهر الأخيرة مع صعود متوسط أوزان الحيازات إلى أعلى مستوياته في أربع سنوات، بحسب تقديرات كوبلي لأبحاث الصناديق.
وقال أندرو يرودينيل مدير المحفظة الكبيرة لأسهم الأسواق المبتدئة لدى أشمور جروب إن هناك استياء حقيقيا في أوساط المصريين، مضيفا أن الإصلاحات تستغرق وقتا وفوائدها لم تصل بعد إلى شريحة كبيرة من السكان. وتابع "من المأمول أن يكون هذا على وشك التغيير لكن حسنين مالك العضو المتندب لاسترتيجية أسهم الأسواق المبتدئة لدى تيليمر قال إن هبوط مؤشر البورصة المصرية الرئيسي ستة بالمئة الأسبوع الماضي لم يكن مبررا".
وساعدت الإصلاحات على احتواء التضخم لكنها لم توفر فرص العمل بما يلبي حاجات بلد يقطنه 100 مليون نسمة، وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 5.9 مليار دولار في السنة المالية 2018-2019 من 7.7 مليار دولار في السنة المالية السابقة - وهو مستوى أقل كثيرا من توقع صندوق النقد الذي كان يبلغ 11.5 مليار دولار في بداية برنامجه في مصر ويظل أقل بكثير حتى بعد خفض الصندوق توقعه إلى 9.5 مليار دولار.
ويلقى رجال الأعمال باللوم في ذلك على البيروقراطية وبطء إجراءات التقاضي والتوسع في الشركات المرتبطة بالجيش وزاد النمو إلى 5.6 بالمئة في 2018-2019، وقال جريجوري سميث، استراتيجي الدين السيادي لدى رينيسانس كابيتال، "مصر تحتاج إلى نمو ستة أو سبعة أو ثمانية بالمئة يقوده القطاع الخاص لكي يشعر به الناس وتتحسن مستويات المعيشة عموما".
رد فعل غير مبرر
وصف محمد فريد رئيس بورصة مصر تراجعات سوق المال خلال أول ثلاث جلسات من هذا الأسبوع بأنه "رد فعل غير مبرر وليس له معنى على مستوى أسواق المال" تأتي تصريحات فريد، التي جاءت في مقابلة تلفزيونية في وقت مبكر، بعد أن فقد المؤشر المصري الرئيسي نحو 11 بالمئة خلال أول ثلاث جلسات من هذا الأسبوع بعد احتجاجات محدودة بعدد من المدن المصرية، وخسرت الأسهم حوالي 66 مليار جنيه من قيمتها السوقية خلال تلك الجلسات وهبط المؤشر الرئيسي للبورصة نحو 11 بالمئة، لكن السوق أوقفت الخسائر وصعدت 3.2 بالمئة.
وأضاف فريد أن صافي مشتريات الأجانب في الأسهم بالبورصة بلغ نحو 16 مليار جنيه منذ نوفمبر تشرين الثاني 2016 وحتى الثلاثاء 24 سبتمبر أيلول الجاري في حين بلغت مشترياتهم من سندات الخزانة نحو 36 مليار جنيه في نفس الفترة، وقال رئيس البورصة في تصريحات سابقة إن استثمارات الأجانب في الأسهم المصرية بلغت نحو 20 مليار جنيه منذ نوفمبر تشرين الثاني 2016 وحتى أغسطس آب 2018.
وأضاف فريد أن صافي ربح الشركات المقيدة بالبورصة بلغ نحو 62 مليار جنيه في 2018 مقابل 56.7 مليار في 2017، ويبلغ عدد الشركات المقيدة في بورصة مصر وبورصة النيل للشركات الصغيرة نحو 250 شركة ويبلغ عدد المستثمرين من أصحاب "الأكواد" التي تتيح حق التعامل في السوق نحو 500 ألف مستثمر لكن عدد المستثمرين النشطين فعليا في السوق بين 80 و100 ألف مستثمر فقط، وقال فريد الذي تدرس إدارته حاليا منهجيات المؤشر إي.جي.إكس 100 إن "البورصات لا تُقيم باليوم" مضيفا أن ما سيحدث في الجلسات القادمة "يُترك لقوى العرض والطلب في سوق المال".
خفض نسبة الفائدة الرئيسية
خفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة الرئيسية على التوالي، بعد أن تراجع التضخم بدرجة أكبر ومع قيام بنوك مركزية في أنحاء العالم بتيسير السياسة النقدية، وتقرر خفض أسعار الإيداع والإقراض لأجل ليلة واحدة 100 نقطة أساس إلى 13.25 بالمئة و14.25 بالمئة على الترتيب، كان 11 اقتصاديا في استطلاع لآراءهم قالوا جميعا إن لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك المركزي ستخفض أسعار الفائدة وقال خمسة إن البنك سيخفض 100 نقطة أساس، في حين توقع ثلاثة خفضا بمقدار 150 نقطة أساس وثلاثة آخرون 50 نقطة أساس، وقال آلين سانديب، مدير الأبحاث في نعيم للوساطة المالية المصرية التي توقعت خفضا قدره 150 نقطة أساس، "إنه أمر جيد للاقتصاد، لكن يتماشى عموما مع التوقعات".
وأضاف سانديب "نتوقع استمرار دورة التيسير النقدي حيث من المرجح أن يتراجع التضخم بدرجة أكبر قبل أن تجتمع لجنة السياسة النقدية مجددا" وقال البنك المركزي في بيان إنه خفض الفائدة بعد أن تراجعت معدلات التضخم إلى أدنى مستوياتها في أكثر من ست سنوات، وقال البنك "استمر تباطؤ معدل نمو الاقتصاد العالمي والتأثير السلبي للتوترات التجارية على آفاق النمو، مما ساهم في تيسير الأوضاع المالية العالمية من خلال خفض أسعار العائد الأساسية لعدد من البنوك المركزية ولاتزال الأسعار العالمية للبترول عرضة للتلقبات بسبب عوامل محتملة من جانب العرض والتي تتضمن المخاطر الإقليمية.".
كانت أرقام التضخم لشهرين جاءت أقل كثيرا من التوقعات، ونزل الرقم إلى أقل مستوياته في ست سنوات عند 7.5 بالمئة كان معدل التضخم الرئيسي بلغ أعلى مستوياته للعام 2019 عندما سجل 14.4 بالمئة، وخلال اجتماعه السابق في أغسطس آب، قلص البنك المركزي سعر فائدة الإيداع والإقراض لأجل ليلة 150 نقطة أساس إلى 14.25 بالمئة و15.25 بالمئة على الترتيب.
أخذت أرقام التضخم المنخفضة المحللين على حين غرة حيث توقعوا تنامي الضغوط التضخمية في أعقاب جولة من تخفيضات الدعم رفعت أسعار الوقود بين 16 و30 بالمئة، كانت زيادات أسعار الوقود الأحدث في سلسلة تخفيضات للدعم ترتبط بقرض حجمه 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات من صندوق النقد الدولي، وتضمن الاتفاق إصلاحات أخرى مثل خفض قيمة العملة نحو النصف وسن ضريبة قيمة مضافة.
عززت الإصلاحات جاذبية مصر بين الأسواق الناشئة، ونالت إشادة الاقتصاديين لكن ملايين المصريين ما زالوا يعانون لتلبية الحاجات الأساسية، رغم تحسن البيانات الاقتصادية، وقال أنجوس بلير، رئيس مركز سيجنت لتوقعات الأعمال والاقتصاد "كان في الإمكان عمل المزيد لكن يسرني أن لجنة السياسة النقدية خفضت الأسعار إنها خطوة جيدة".
وأضاف "لن تؤثر كثيرا على الاقتصاد لأن الاستدانة متدنية في القطاعين الاستهلاكي والتجاري بمصر.. لكنها ستساعد على تخفيف عبء الدين الحكومي وإعطاء مزيد من القدرة على المناورة المالية" جاء قرار البنك خفض الفائدة للمرة الثانية على التوالي بعد أن تكبد المؤشر الرئيسي للأسهم المصرية خسائر حادة عقب احتجاجات نادرة في عدة مدن، وانتعش المؤشر الرئيسي بعد ذلك، ليرتفع 3.2 بالمئة و1.9 بالمئة.
إلغاء الدولار الجمركي
أبدى محللون مصريون تخوفهم من تأثير إلغاء الدولار الجمركي على معدلات التضخم في البلاد خلال الفترة المقبلة في حالة تراجع الجنيه المصري مقابل الدولار بشكل كبير، أعلنت وزارة المالية المصرية عن إلغاء العمل بسعر الدولار الجمركي الذي كان يتم تحديده شهريا وبدأ تطبيقه في يناير كانون الثاني 2017 بعد تحرير سعر صرف الجنيه في نوفمبر تشرين الثاني 2016، وأنها ستعود للعمل بسعر الصرف الذي يحدده البنك المركزي بصفة يومية.
وقالت إسراء أحمد محللة الاقتصاد المصري في شعاع لتداول الأوراق المالية إن تأثير إلغاء الدولار الجمركي لن يكون كبيرا "في الفترة المقبلة طالما استقر سعر الدولار مقابل الجنيه عند المستويات الحالية" التخوف كله من حدوث أي ارتفاع كبير في العملة (الأجنبية)، حينها سيزيد التضخم بشكل كبير التخوف الثاني والأكبر عند حدوث أي ممارسات غير منضبطة في السوق نفسه، بمعنى استغلال كلمة تحرير الدولار الجمركي في زيادة غير مبررة للأسعار من قِبَل التجار".
وسجل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين بالمدن المصرية أقل مستوياته في أربع سنوات عندما هبط إلى 8.7 بالمئة في يوليو تموز الماضي من 9.4 بالمئة وتوقع طارق الشواربي رئيس قسم البحوث في بنك الاستثمار بلتون "تأثيرا محدودا في الأسعار لأن الفرق بعد إلغاء الدولار الجمركي ليس بالكبير التأثير الأكبر سيكون مع أي تذبذبات عالية في أسعار العملة".
نتوقع سعر الدولار في بلتون عند 16.7 جنيه بنهاية السنة المالية الحالية حررت مصر سعر الدولار الجمركي باستثناء السلع الأساسية والاستراتيجية حيث أبقت على سعر الدولار عليها عند 16 جنيها، قبل أن تلغي ذلك الليلة الماضية وتجعل سعر البنك المركزي هو السائد على جميع السلع المستوردة دون أي استثناءات، وبحلول الساعة 1109 بتوقيت جرينتش جرى تداول سعر الدولار في البنوك المصرية عند متوسط 16.51 جنيه للشراء و16.61 جنيه للبيع، وأفادت نشرة لمصلحة الجمارك أنه تم تحديد سعر الدولار الجمركي عند 16.6230 جنيه مقابل الدولار لليوم الاثنين.
وقالت سارة سعادة محللة الاقتصاد المصري في بنك الاستثمار اتش.سي "الوقت كان مناسبا لإلغاء الدولار الجمركي دون تأثير كبير على الأسعار ولكن قد يحدث تذبذب في الأسعار مع أي تذبذب في سعر الصرف في المستقبل" بدأ الجنيه المصري مساره الصاعد أمام الدولار في النصف الثاني من يناير كانون الثاني وحتى أيام قليلة، وهو ما يعزوه المركزي إلى زيادة التدفقات النقدية الدولارية بينما يعزوه بعض المصرفيين إلى تدخل مباشر من المركزي لتحديد الأسعار، الأمر الذي ينفيه البنك عادة.
واتفق معها محمد أبو باشا من المجموعة المالية هيرميس، أكبر بنك استثمار في الشرق الأوسط، في أن "التأثير الأكبر لإلغاء الدولار الجمركي سيكون مع أي تذبذبات كبيرة في سعر الدولار مقابل الجنيه سواء كان نزوليا أو صعوديا... الإلغاء في حد ذاته قد يكون له تأثير طفيف على الأسعار والتضخم".
ويشكو المصريون، الذين يعيش الملايين منهم تحت خط الفقر، من صعوبات في تلبية الحاجات الأساسية بعد قفزات متتالية في أسعار الوقود والدواء والمواصلات وجميع السلع والخدمات إثر برنامج إصلاح اقتصادي نفذته مصر بالتعاون مع صندوق النقد الدولي منذ أواخر 2016 وزادت نسبة الفقر في مصر خلال 2017-2018 إلى 32.5 بالمئة من 27.8 بالمئة في 2015، ويبلغ خط الفقر 8827 جنيها للفرد في السنة وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
رفع أسعار الوقود
رفعت الحكومة المصرية أسعار الوقود بنسب تتراوح بين 16 و30 بالمئة لجعلها متماشية مع التكلفة الفعلية، في الوقت الذي تقترب فيه من نهاية برنامج للإصلاح الاقتصادي مدعوم من صندوق النقد الدولي، وتقليص دعم الوقود بند رئيسي في حزمة إصلاحات ضمن برنامج قرض بقيمة 12 مليار دولار مدته ثلاث سنوات وقعته مصر مع صندوق النقد الدولي في 2016، بينما كان الاقتصاد يواجه صعوبات للتعافي من الاضطرابات التي أعقبت انتفاضة 2011.
لكن التغييرات سترفع أسعار النقل والمنتجات الغذائية وسلع أخرى، وهو ما يزيد الضغوط الاقتصادية على المصريين الذين عاشوا بالفعل بضع سنوات في تقشف، وكانت الحكومة قد أبلغت صندوق النقد أنها ستلغي الدعم بالكامل لمعظم منتجات الوقود بعد أن رفعت الأسعار بشكل مطرد على مدار السنوات الأربع الفائتة، ولم تشرح الحكومة سبب إرجاء زيادة الأسعار، لكن الإجراءات التقشفية مسألة حساسة سياسيا وأثرت سلبا على شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبثت الحكومة هذا الأسبوع رسائل تشرح سبب الحاجة لزيادة أسعار الوقود وقال السيسي للمصريين مرارا إن التقشف هو ثمن تعزيز الاستقرار الاقتصادي.
وشكل دعم الطاقة ما يصل إلى 20 بالمئة من الميزانية الحكومية في السنوات القليلة الماضية، وقالت وزارة البترول المصرية في بيان إنه تقرر رفع سعر البنزين 92 أوكتين إلى ثمانية جنيهات (0.4825 دولار) للتر من 6.75 جنيه، بزيادة نحو 18.5 بالمئة، والبنزين 80 أوكتين الأقل جودة إلى 6.75 جنيه (0.4071 دولار) من 5.50 جنيه، بزيادة 22.7 بالمئة، وذكرت الوزارة أن سعر البنزين 95 زاد إلى تسعة جنيهات (0.5428 دولار) للتر من 7.75 جنيه، بزيادة قدرها 16.1 بالمئة. وارتفع السولار إلى 6.75 جنيه للتر من 5.50 جنيه، بزيادة حوالي 22.7 بالمئة.
وبدأ تنفيذ القرار في الساعة التاسعة صباحا بالتوقيت المحلي يوم الجمعة (0700 بتوقيت جرينتش)، وقال مسؤول بوزارة البترول المصرية إن مصر تعتزم تطبيق آلية التسعير التلقائي للمنتجات البترولية بهدف ربطها بالأسعار العالمية بداية من الربع الأخير من العام الجاري، وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه أن الأسعار الجديدة للبنزين في مصر تعادل التكلفة الفعلية حاليا، وهذه المرة الخامسة التي ترفع فيها مصر أسعار الوقود منذ يوليو تموز 2014.
طرح الشركات التابعة للجيش في البورصة
قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ينبغي السماح للشركات المملوكة للجيش بطرح أسهمها في البورصة جنبا إلى جنب مع شركات حكومية أخرى يجري إعدادها للخصخصة، وقد اعلنت الحكومة عزمها بيع حصص أقلية في 23 شركة مملوكة للدولة في أول مرحلة من الخصخصة ضمن خطة لجمع ما يصل إلى 80 مليار جنيه مصري (4.97 مليار دولار) وفي وقت سابق من هذا الشهر قال مستشار حكومي يقدم المشورة في عملية الخصخصة إن البرنامج أرجئ مرارا بفعل ضعف الأسواق والعقبات القانونية وتجهيز كل شركة وثائقها المالية وتباطؤ دورة الأعمال في بعض الشركات.
وأضاف أنه من المزمع بيع حصص أقلية في شركتين حكوميتين، وقال السيسي خلال مراسم تدشين مصنعين جديدين للكيماويات في منطقة أبو رواش الصناعية غربي القاهرة "الطروحات اللي الدولة المصرية بتجهزها لطرحها في البورصة لابد يكون فيه فرصة منها لشركات القوات المسلحة...بالطريقة دي يبقى احنا فتحنا باب للشعب المصري والمجتمع في هذه الشركات".
استثمار يخبو بعد احتجاجات تتحدى الإصلاحات
فقدت سمعة مصر كنجم صاعد في سماء الأسواق الناشئة بعض بريقها الشهر الماضي حينما كشفت احتجاجات اندلعت سابقاً عن غياب الاستفادة الجماهيرية حتى الآن من إصلاحات اقتصادية استغرقت سنوات ونالت إعجاب المستثمرين لكن هذا النزول إلى أرض الواقع قد لا يكون مريحا.
تعيد تلك الاحتجاجات النادرة ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الأذهان ذكرى الاضطرابات التي أعقبت الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في 2011، حيث تسببت في هزة وجيزة لسوق الأسهم المحلية البالغ حجمها 12 مليار دولار وضغطت على الدين السيادي، وبخفضها قيمة عملتها في 2016 وشروعها في إصلاحات، نفذت مصر إجراءات تقشف للمساعدة في خفض العجز.
لكن المستثمرين يخشون من أن تتراجع السلطات عن إجراءات مثل خفض الدعم على الوقود وسلع أخرى وهو ما أوجع المصريين، الذين يعيش ثلثهم تحت خط الفقر، وقال فاروق سوسة، كبير الاقتصاديين لدى جولدمان ساكس، "المستثمرون قلقون من خطر حدوث انزلاق مالي من خلال التراجع عن إصلاح الدعم أو زيادة الإنفاق على أجور القطاع العام أو التحويلات النقدية" مبعث الخطر الرئيسي أن أي انزلاق مالي قد يقلص فرص مصر في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد على صفقة جديدة بعد انتهاء الحالية.
وفيما قد يكون أول علامة على مثل هذا الانزلاق، قالت وزارة التموين إنها أعادت 1.8 مليون مواطن إلى منظومة دعم الغذاء منذ فبراير شباط، في أعقاب تقليصات سابقة على البرنامج، وقال مارشال ستوكر، مدير المحفظة في إيتون الأمريكية لإدارة الاستثمار، "نراقب رد فعل الحكومة على هذه الأقلية الصغيرة عالية الصوت لنرى ما إذا كان هناك أي نوع من الاستجابة السياسية الشعبوية بما يخرج برنامج الإصلاح الاقتصادي عن مساره".