ضبابية عملية اكتتاب أرامكو: ما أسبابها وما مستقبلها؟
عبد الامير رويح
2019-11-18 07:26
اتخذت السلطات السعودية ومنذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، العديد من الخطط والقوانين والاصلاحات الحكومية، ومنها قرار طرح اسهم شركة النفط العملاقة (أرامكو) للاكتتاب العام، حيث اكد بعض الخبراء أن المملكة العربية السعودية تسعى ومن خلال هكذا خطط، الى معالجة بعض الازمات والمشكلات الداخلية ومنها التخلص من أثر انخفاض أسعار البترول، وقال ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، مهندس خطة الاكتتاب العام في وقت سابق، إنه يتوقع أن تصل قيمة أرامكو إلى أكثر من 2 تريليون دولار، لكنَّ المحللين يرون أن 1.5 تريليون دولار أكثر واقعية. وتدرس الشركة بيع الأسهم فى البورصة السعودية مع إمكانية إدراج أسهم دولية فى وقت لاحق.
وتجهز أرامكو كما نقلت بعض المصادر، لبيع حصة تصل إلى 5% بحلول 2020-2021، فيما قد يكون أكبر طرح عام أولي في العالم. والطرح العام الأولي ركيزة أساسية لخطة سعودية لتحقيق التحول الاقتصادي لجذب الاستثمار الأجنبي والتنويع بعيدا عن إيرادات النفط. وكشفت وكالة بلومبيرغ الأمريكية، نقلاً عن مصادر وصفتها بـ «المطلعة»، أنَّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان «أعطى الضوء الأخضر للإعلان، عن المرحلة الأولى من الطرح العام لشركة أرامكو».
ويرى مراقبون، أن الهجوم على أرامكو، منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، أدى إلى تنامي مخاوف ترافق المستثمرين العالميين في الملتقى إزاء قدرة المملكة على حماية واحد من أهم منشآت الطاقة العالمية. ووفقاً لبعض المصادر فإن مسؤولين ومستشارين من أرامكو عقدوا اجتماعات اللحظات الأخيرة مع مستثمرين على مدى الأيام القليلة الماضية، في محاولة للوصول إلى تقييم أقرب ما يمكن إلى تريليوني دولار قبيل إطلاق طرح أسهم الشركة، كما عقدت الحكومة السعودية آخر اجتماعاتها لاتخاذ قرار بشأن المضي قدماً في الإدراج. وتدرس أرامكو زيادة أرباح العام المقبل، بنحو 5 مليارات دولار، لتصل إلى 80 مليار دولار، وذلك بهدف اجتذاب المستثمرين.
ويتوقع أن تكون المرحلة الأولى من طرح أسهم أرامكو في بورصة الرياض، لحصة تتراوح بين 1 و2%، ثم يعقب ذلك طرح الشركة ببورصة عالمية في عام 2020 بإحدى البورصات العالمية، على أن يكون الطرحان المحلي والدولي على حصة إجمالية تبلغ 5% من قيمة أرامكو. وتسعى الرياض إلى أن يجمع الإدراج الأوّلي لأسهم أرامكو، ما بين 20 مليار و40 مليار دولار على الأقل. وإذا تجاوزت القيمة 25 مليار دولار فسوف يكون هذا هو أكبر طرح عام أوّلي على مستوى العالم، ويتجاوز الطرح العام الأولي لشركة علي بابا الصينية في عام 2014 والذي جمع 25 مليار دولار. ويُعد طرح أرامكو ركيزة الأساسية لخطة بن سلمان لإحداث تغيير شامل في الاقتصاد السعودي بتنويع منابعه بعيداً عن النفط، لكنه أُرجئ عدة مرات منذ الإعلان عنه أول مرة في 2016.
أرامكو: تحديد أولي لقيمتها بـ 1.7 تريليون
أعلنت شركة "أرامكو" السعودية طرحا أوليا لأسهمها للأفراد بنطاق سعري بين 30-32 ريالاً للسهم (8 إلى 8.5 دولار أمريكي)، مع إعطاء أولوية للمستثمر السعودي، ووفقا للنطاق السعري، فإن قيمة الشركة الأكثر ربحية في العالم تراوحت بين 1.6 إلى 1.7 تريليون دولار، وستعلن الشركة عن سعر السهم النهائي في 5 ديسمبر/كانون الأول.
وأصدرت الشركة نشرة محدثة للاكتتاب العام لطرحها الأولي، والتي تضمنت طرح أسهم بقيمة 96 مليار ريال سعودي ( 25.6 مليار دولار) مقابل 1.5 في المئة من القيمة الأولية للشركة، مما قد يجعله أكبر طرح أولي في العالم، وحال تنفيذ الطرح وفقا لهذه الأرقام، يكسر عملاق النفط السعودي الرقم القياسي المسجل لشركة "علي بابا" الصينية للتجزئة التي نفذت طرحا أوليا بقيمة 25 مليار دولار في 2014.
وكان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يأمل أن يبلغ تقييم الشركة الأولي 2 تريليون دولار، في إطار الخطة المعروفة باسم "رؤية 2030" التي تهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي وتنويع مصادر الدخل وعدم الاقتصار على صادرات النفط ومشتقاته وتشجيع السعوديين على العمل في مجال القطاع الخاص.
وفي نشرة الاكتتاب العام التي أصدرتها الشركة الأسبوع الماضي، ألقت أرامكو الضوء على قائمة بالمخاطر التي ينطوي عليها الاستثمار في أسهمها بدء من الهجمات الإرهابية وانتهاء إلى المخاطر الجيوسياسية بسبب التنافس بين السعودية وإيران على النفوذ في المنطقة.
كما ذكرت النشرة، التي صدرت في 600 صفحة، أن سيطرة الحكومة على النفط تُعد من بين المخاطر المحتملة للاستثمار في أسهمها، وأشرفت مجموعة من المؤسسات المالية العملاقة، كمستشارين ماليين، على دراسة وتقييم الفائدة من بيع السهم وتحديد السعر، والتي تضمنت سيتي بانك، وكريديه سويس، وإتش إس بي سي.
وأثيرت قضية الطرح الأولي للشركة السعودية العملاقة منذ حوالي أربع سنوات، لكن التنفيذ تأجل أكثر من مرة وسط انتقادات واجهتها الشركة لأسباب تتعلق بقدر الشفافية الذي تتمتع به أرامكو، وحققت الشركة السعودية العملاقة صافي أرباح بلغ 111 مليار دولار العام الماضي، هذه الأرباح تراجعت بواقع 18 في المئة منذ بداية العام الجاري حتى سبتمبر/ أيلول الماضي إلى 68 مليار دولار.
اول خطوة
وفي هذا الشأن خطت شركة أرامكو السعودية خطوتها الاولى نحو الاكتتاب العام التاريخي المرتقب، مع تأكيدها نيّتها إدراج أسهم في السوق المحلية، وإعلان هيئة السوق المالية الموافقة على تداول الأسهم. وتفتح هذه الخطوة الباب أمام بيع أسهم مجموعة النفط السعودية العملاقة في السوق المحلية وإن بنسبة ضئيلة كما هو متوقّع، على الأرجح في منتصف كانون الأول/ديسمبر، على أن تلي ذلك عملية طرح ثانية في بورصة عالمية في موعد لم يتّضح بعد.
والاكتتاب العام لأكثر شركة تحقيقا للأرباح على مستوى العالم، هو حجر الزاوية في برنامج الإصلاح الاقتصادي لولي العهد الأمير محمد بن سلمان المسمّى "رؤية 2030" والذي يسعى إلى استقطاب عشرات مليارات الدولارات لتمويل مشاريع ضخمة. وقال بيان نشر على موقع "تداول" (السوق المالية المحلية) إنّ هيئة السوق المالية قرّرت "الموافقة على طلب شركة الزيت العربية السعودية (ارامكو السعودية) تسجيل وطرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام".
وفي وقت لاحق، أكّدت أرامكو في بيان أنّها تنوي "طرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام وإدراجها في السوق الرئيسية لدى السوق المالية السعودية". وأضافت أنّه "سيتم تحديد سعر الطرح النهائي (سعر اكتتاب أسهم الطرح لجميع المكتتبين) في نهاية فترة بناء سجل الأوامر". وأكّد مصدر قريب من الملف أنّ عملية الاكتتاب ستشمل بيع 5 بالمئة فقط من أسهم أرامكو في السوقين، بينها 2 بالمئة في السوق المحلية الشهر المقبل.
وفي 2020، سيتم طرح 3 بالمئة من أسهم الشركة في البورصة العالمية التي لم تتحدّد بعد. لم وتشر الشركة إلى أي طرح محتمل في أي سوق أجنبية لدى إعلانها الأحد نيتها طرح الأسهم للتداول محليا. وقال ياسر الرميان رئيس مجلس إدارة أرامكو في بيان "يمثّل هذا اليوم علامة فارقة في تاريخ الشركة، وخطوة مهمة نحو تحقيق رؤية المملكة 2030 الرامية إلى تحقيق النمو والتنوع الاقتصادي المستدام".
من جهته، اعتبر أمين الناصر رئيس شركة أرامكو أن شركته "تسهم بثبات في أمن الطاقة العالمي"، موضحا أن "احتياطياتها المؤكدة من السوائل بلغت في نهاية عام 2018 أكثر من خمسة أضعاف احتياطيات شركات النفط العالمية الخمس الكبرى مجتمعة". وتقرّر تأجيل الاكتتاب أكثر من مرة لان تقييم الشركة وفقا لحسابات المصرفيين بعد اجتماعات مع مستثمرين محتملين، كانت دون مستوى تريليوني دولار، وهو ما يتطلع إليه ولي العهد منذ 2016 حين تحدّث للمرة الاولى عن الاكتتاب العام. وكان من المقرّر أن يبدأ تداول الأسهم في تشرين الاول/اكتوبر الماضي، قبل أن يتم تأجيله.
يتوقّع مراقبون أن يتم طرح النسبة الضئيلة من شركة النفط العملاقة على أساس تقييم للشركة بين 1,5 و 1,7 تريليون دولار، ما يعني أنّ ولي العهد قرّر التراجع عن السقف الذي سبق وأن حدّده. وقال كريستيان اولريشسون الباحث في معهد بيكر في الولايات المتحدة "يبقى أن نرى ما إذا كانت السلطات السعودية ستتوصل إلى تسوية بين ما يريده ولي العهد وواقع تقييم أرامكو في السوق". ورأى أنّ "تأجيل الطرح مرارا وتقديمه على أنه مكوّن رئيسي في خطة ولي العهد لتحويل السعودية، يجعل المستثمرين الدوليين يراقبون عن كثب أداء أرامكو في السوق المحلية".
وأرامكو، التي تضخ نحو 10 بالمئة من نفط العالم، هي أكثر شركة تحقيقا للأرباح، وينظر إليها على أنها الدعامة الرئيسية لاقتصاد المملكة ولاستقرارها الاجتماعي. وحاولت السلطات تحفيز السوق المحلية على الاكتتاب في الشركة قبل عملية الطرح، وذلك عبر دعوة العائلات الثرية إلى شراء حصص، بينما روّجت وسائل إعلام محلية لعملية الشراء على أنّها عمل وطني. وكانت أرامكو فتحت دفاتر حساباتها للمرة الأولى منذ تأميمها قبل 40 عاما، لوكالتي "فيتش" و"موديز" الدوليتين للتصنيف الائتماني في نيسان/ابريل الماضي، في إطار استعداداتها لجمع الأموال من المستثمرين.
وحقّقت الشركة العملاقة أرباحا صافية بلغت 111 مليار دولار العام الماضي، لتتفوق على أكبر خمس شركات نفطية عالمية، وبلغت العائدات 356 مليار دولار. وفي آب/أغسطس الحالي، أعلنت أرامكو إيراداتها النصفية للمرة الاولى في تاريخها، مشيرة إلى تراجعها في النصف الأول من عام 2019 إلى 46,9 مليار دولار، مقابل 53,0 مليار دولار للفترة ذاتها من العام الماضي. وتقدّر أرامكو احتياطات النفط المثبتة بـ227 مليار برميل، واحتياطاتها من الهيدروكربون بـ257 مليار برميل. بحسب فرانس برس.
لكن الشركة التي تأسست عام 1933، واجهت في موازاة ذلك شكوكا من قبل المستثمرين الدوليين في لندن ونيويورك حيال الشفافية التي تحكم الشركة وإدارتها، وقالت شينزيا بيانكو، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجيّة، إن خطوة الطرح في السوق المحلية "لا تواجه عراقيل مهمة مقارنة بالعملية ذاتها في البورصة الدولية". وتابعت أنّ الخطوة المحلية "تسمح للأمير محمد بأن يظهر بأنّه حفظ على وعوده" بشأن الاكتتاب العام.
أرامكو والهجمات الاخيرة
على صعيد متصل قالت شركة النفط الوطنية أرامكو السعودية إنها لا تتوقع أن يؤثر الهجوم الأخير على منشأتي نفط تابعتين للشركة بشكل جوهري على الأوضاع المالية والعمليات مع اطلاقها طرحها العام الأولي بإعلانها عن نيتها الإدراج في بورصة الرياض. استهدف الهجوم الذي وقع في 14 سبتمبر أيلول منشأتي بقيق وخريص وأوقف لبعض الوقت إنتاج 5.7 مليون برميل يوميا بما يتجاوز خمسة بالمئة من الإمدادات العالمية.
وهز الهجوم، الذي حملت الرياض إيران مسؤوليته، أسواق النفط ودفع الولايات المتحدة لنشر قوات عسكرية ومعدات لتعزيز دفاعات المملكة. ونفت طهران ضلوعها في الحادث. وقالت أرامكو في البيان إنها لا تتوقع أن يكون للهجمات أثر جوهري على الأعمال أو الوضع المالي أو النتائج. وأعلنت شركة النفط الوطنية العملاقة عن صافي ربح قدره 68 مليار دولار لفترة الأشهر التسعة المنتهية في 30 سبتمبر أيلول.
وأوضحت الشركة أن الإيرادات ومصادر الدخل الأخرى المرتبطة بالمبيعات بلغت 244 مليار دولار للفترة ذاتها مع تدفقات مالية حرة 59 مليار دولار. وبلغ صافي ربح أرامكو في الربع الثالث من العام الجاري 21.1 مليار دولار، وهو ما تتضاءل أمامه أرباح شركات عملاقة مثل إكسون موبيل التي تجاوز صافي ربحها للفترة ذاتها الثلاثة مليارت دولار بقليل. وقالت أرامكو إنها تحركت سريعا لتقليص تأثير الهجوم على العملاء للحد الأدنى عبر وسائل من بينها السحب من مخزونات الخام وتوريد خامات بديلة وخفض شحنات سوائل الغاز الطبيعي لبعض العملاء مع زيادة الإنتاج من حقول أخرى. ولم يذكر البيان ما إذا قد جرى تبني إجراءات لتعزيز الأمن في منشآت النفط الحيوية.
روسيا والنرويج
الى جانب ذلك قال كيريل ديمترييف الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي إن صندوق الثروة السيادية الروسي لن يقوم باستثمار ضخم في الطرح العام الأولي لشركة النفط السعودية العملاقة أرامكو. وقال ”بالتأكيد روسيا لن تقوم باستثمار ضخم في أرامكو بسبب أنها بالفعل منكشفة تماما على النفط“. وأضاف ”لكن الكثير من صناديق التقاعد تعتقد أن أرامكو تقدم عرضا مثيرا للاهتمام جدا... هناك اهتمام مؤكد من جانب صناديق تقاعد روسية وعدد من صناديق الاستثمار وبنوك الاستثمار الروسية“. كما قال ديمترييف إن مستثمرين روس يبحثون ما يزيد عن عشرة مشاريع وفرص جديدة في السعودية في قطاعات الطاقة والسياحة والبتروكيماويات والبناء. بحسب رويتر.
من جانبه قال الرئيس التنفيذي لصندوق الثروة السيادي النرويجي إن الصندوق لا يخطط للاستثمار في أرامكو السعودية وقال ينفا سلينجستاد في مؤتمر صحفي ”السعودية ليست جزءا من مؤشرنا المرجعي“. وأضاف أن الصندوق النرويجي يملك بعض الاستثمارات الأصغر في شركات سعودية عبر محفظة للأسواق الناشئة، لكن شركة كبيرة مثل أرامكو لن تكون جزءا طبيعيا من هذه المحفظة.