من روسيا البيضاء إلى البحرين: طموحات كبرى في عالم العملات المشفرة
وكالات
2019-08-18 08:45
(رويترز) - عندما التقى رئيس روسيا البيضاء الكسندر لوكاشينكو برائد الأعمال فيكتور بروكوبينيا في مارس آذار 2017 كان من المقرر أن يستمر حوارهما ساعة لكنه استغرق ثلاثة أمثال هذا الوقت، وقال بروكوبينيا إن الاجتماع انتهى بأن طلب منه لوكاشينكو اقتراح قواعد تنظيمية لتعزيز قطاع التكنولوجيا في البلاد. وتعاون بروكوبينيا مع شركات تكنولوجيا المعلومات ومع محامين في صياغة القواعد الأساسية للاستفادة من صناعة رقمية ناشئة وهي العملات المشفرة.
وبعد نحو عامين أصبحت القواعد سارية. وأصبح بإمكان المستثمرين التعامل في عملة البتكوين في بورصة يديرها بروكوبينيا وبدأت شركات أخرى تطلق منصاتها الخاصة للعملات المشفرة، وقال بروكوبينيا لرويترز في مقابلة في لندن ”الفكرة كانت استحداث كل شيء من الصفر. والتأكد من أنها طليقة في بعض الجوانب التي تحتاج أن تكون فيها طليقة وفي غاية الصرامة في جوانب أخرى“.
واتصلت رويترز بمكتب لوكاشينكو للتعليق فأحالها إلى تقرير عن الاجتماع على موقع الرئاسة الإلكتروني، وروسيا البيضاء من بين عدد يعد على أصابع اليد الواحدة من الدول الأصغر التي بدأت تضع قواعد تنظيمية للعملات الرقمية. ومن الممكن أن تسهم جهودها في تشكيل تطور السوق العالمية ونمو أطراف هذه الصناعة من منصات التداول إلى السماسرة، وحتى الآن تجد شركات العملات المشفرة نفسها مضطرة في كثير من الأحيان للاختيار بين طرفي نقيض عندما يتعين عليها البت في تأسيس النشاط.
فقد تكون للمراكز المالية الكبرى مثل لندن ونيويورك، التي تطبق لوائح الخدمات التقليدية على قطاع العملات المشفرة جاذبيتها للمؤسسات الكبيرة الساعية وراء الأمان غير أن تعقيدات الالتزام بالقواعد وكذلك التكلفة تمنع العديد من المشروعات الجديدة من دخولها.
وعلى النقيض فإن المناطق ذات الولاية القضائية التي تسري فيها قواعد خفيفة مثل سيشل وبيليز تتيح سهولة دخول السوق بشكل أكبر. غير أن المحامين يقولون إن هذه الدول ذات القواعد المخففة يمكن أن تتيح حماية أقل للمستثمرين وقيودا أخف على غسل الأموال.
ويسعى أمثال روسيا البيضاء وأطراف أخرى أحدث ومنها البحرين ومالطا وجبل طارق لإتاحة مسار ثالث بين هذين المسارين بصياغة قواعد محددة لقطاع العملات المشفرة. وهؤلاء يراهنون على أن بإمكانهم جذب شركات بالجمع بين الأمان التنظيمي وحوافز مثل الإعفاءات الضريبية.
ورغم أن النجاح غير مضمون فإن العملات المشفرة تمثل فرصة نادرة لهذه الدول أو الأقاليم لاقتناص شريحة من سوق ناشئة بما ينطوي عليه ذلك من جذب استثمارات وخلق وظائف في وقت تتبنى فيه المراكز المالية الكبرى نهجا أكثر تحفظا يقوم على التريث.
وقال جيس أوفرول المحامي لدى كليفورد تشانس في نيويورك والمتخصص في الجوانب التنظيمية للعملات الرقمية ”ثمة ولايات قضائية في معسكر لا يرى ضررا في شيء. وعلى الطرف الآخر توجد الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي. وفي الوسط يوجد الشق المغري في هذا الطيف“.
وأضاف أن الدول والشركات قد تستفيد من ظهور أطر عمل مخصصة للعملات المشفرة. غير أنه أوضح أن الدول التي تخطيء في وضع القواعد قد تخالف القواعد العالمية للقضاء على الاستخدام غير القانوني للعملات الرقمية.
بل إن ثمة تساؤلات كبرى حول قدرة هذه الدول على أن تمنع باستمرار الحيل والأنشطة غير القانونية، مثل غسل الأموال، التي تجتاح هذا القطاع وربما تضر بسمعتها كمراكز آمنة، ومن المخاطر الأخرى في وضع القواعد لصناعة تشهد تحولات سريعة ولا يمكن التنبؤ بمسارها أن هذه القواعد قد يتجاوزها الزمن بشكل سريع.
جزر ولا عصي
قررت شركة زد.بي.إكس المتخصصة في التشفير ومقرها سنغافورة إطلاق منصة لتداول العملات المشفرة اسمها ”كيوم“ الشهر المقبل لخدمة المؤسسات الاستثمارية مثل شركات التداول ذات النشاط العالي وكذلك صناديق التحوط.
وقد قررت الشركة إقامة هذا النشاط في المنامة عاصمة البحرين وتلخص الاعتبارات التي واجهتها المأزق الذي يواجه لاعبين كثيرين في هذه الصناعة، وقال راماني راماتشاندران الرئيس التنفيذي لشركة زد.بي.إكس إن الشركة استبعدت فكرة العمل في إطار نظام وحدات المعاملات الخارجية سواء بقواعد تنظيمية محدودة أو دون أي منها.
وأضاف أن مثل هذه القاعدة ربما تردع مستثمرين كبارا مع اشتداد التدقيق في العملات الرقمية من جانب جهات تنظيمية عالمية ومن الساسة، وتابع ”مع نضج السوق على غرار ما حدث لأسواق المال التقليدية ستتطلع مؤسسات المال الرئيسية على نحو متزايد إلى البورصات التي تحظى بالتنظيم مثل كيوم بدلا من البورصات خفيفة القبضة في الولايات القضائية للمعاملات الخارجية“، وأطلقت البحرين قواعد في فبراير شباط لشركات العملات الرقمية مثل منصات التداول بما في ذلك وضع ضوابط صارمة لخلفيات الزبائن ومعايير الحوكمة والقيود على مخاطر الأمن السيبراني.
وقال راماتشاندران إن إقامة النشاط في مواقع أصغر مثل البحرين أرخص بكثير في العادة من حيث الالتزام بالقواعد وكلفة الإدارة مقارنة بالمراكز المالية الكبرى، وتقدر شركة زد.بي.إكس أن هذه التكاليف قد تبلغ نحو 200 ألف دولار سنويا في البحرين مقارنة مع 750 ألف دولار على الأقل في لندن، وقال أديتيا ميشرا الشريك المؤسس لشركة زد.بي.إكس إن ثمة مزية أخرى في تأسيس النشاط في بلد أصغر هي التواصل الوثيق الذي يمكن أن يتاح للشركات مع الهيئات التنظيمية وهو ما قد لا يتيسر في مركز مالي كبير. وأضاف أن البحرين تيسر أيضا دخول أسواق الخليج.
وبدأت منصة أخرى لتداول العملات المشفرة هي آي إكستشينج نشاطها في مينسك عاصمة روسيا البيضاء هذا الشهر بهدف جذب مستثمرين من سوق كومنولث الدولة المستقلة الذي يشمل روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة.
وقال إيجور سنيجكو الشريك المؤسس للشركة إن روسيا البيضاء هي الخيار الأفضل لأن بها إطار عمل تنظيمي تفتقر إليه دول أخرى في المنطقة، وتشترط روسيا البيضاء تقديم مراجعات حسابية لمصدري العملات الرقمية وتفاصيل المشروعات التي يستند إليها أي إصدار. وبالنسبة لمنصات التداول تتضمن القواعد مراقبة المعاملات المشبوهة للوفاء بمعايير غسل الأموال الدولية، وأضاف سنيجكو ”بالنسبة لكثيرين يعد سوق كومنولث الدول المستقلة واعدا للغاية وخطيرا للغاية في الوقت نفسه. ولا يزال كثير من كبار اللاعبين البارعين يخشون عاملا واحدا هو غياب الشفافية. ونحن لم نكن نريد أن نعمل في أي ولاية قضائية ’رمادية‘“، ومن الحوافز التي تعرضها روسيا البيضاء إعفاءات ضريبية للشركات التي تقوم باستخلاص العملات المشفرة وتداولها. كما تتيح القواعد، التي تسميها شركة برايس ووترهاوس كوبر ”جزر بلا عصي“، لوائح أقل تشددا فيما يتعلق بالقيود على العملات وتأشيرات الدخول.
وعلى النقيض فإن معاملات العملات الرقمية تخضع للضرائب في الولايات المتحدة. أما في بريطانيا فتسري الضرائب على أرباح رأس المال، وقالت منصة آي إكستشينج إنها درست في البداية الوضع في دول أخرى منها إستونيا ومالطا لكنها اختارت روسيا البيضاء بسبب قربها من سوقها المستهدفة.
نهج حسب الطلب
من الصعب تقدير حجم قطاع العملات المشفرة العالمي بسبب تعقيداته وغياب الشفافية فيه. ومع ذلك فإن شركة ريسيرش آند ماركتس ومقرها أيرلندا تقدر أن القطاع سينمو إلى 1.4 مليار دولار بحلول العام 2024 من مليار دولار فقط هذا العام. وتتوقع تقديرات أخرى نموا بوتيرة أسرع، وتتباين القواعد التنظيمية للعملات المشفرة في مختلف أنحاء العالم. ففي حين أدى كشف شركة فيسبوك النقاب عن عملتها ليبرا إلى ظهور مؤشرات على رد فعل منسق ضد العملات المشفرة من جانب القوى الاقتصادية الكبرى فلا يزال النهج يختلف من دولة لأخرى، فقد حظرت الصين العملات المشفرة بالكامل في حين أوصت لجنة حكومية هندية الأسبوع الماضي باتخاذ إجراء مماثل، وقال سوي تشونج من شركة كريبتو فاسيليتيز، وهي بورصة للمعاملات الآجلة في العملات المشفرة مقرها لندن، إن ثمة مزايا واضحة في العمل في مركز مالي كبير منها سهولة توظيف عاملين يتمتعون بمهارات عالية.
وقالت آن صوفي كلوتس التي شاركت في دراسة عن تنظيم العملات المشفرة بجامعة كمبردج إن العمل في إطار قواعد تنظيمية في مركز راسخ يمكن أن يتيح للشركات دخول أسواق أعمق وأكثر سيولة ويوفر قدرا أكبر من التيقن فيما يتعلق بقانون الأوراق المالية، وأضافت ”ربما يعني ذلك أن تكون لديك قاعدة مستثمرين أكثر تطورا وسهولة أكبر في الحصول على رأس المال. كما أن هذا يمثل عاملا مهما للسمعة“، والحق أن صياغة قواعد العملات المشفرة لم يقتصر على أمثال روسيا البيضاء والبحرين. فقد خطت بعض الدول الكبرى مثل فرنسا واليابان خطوات في هذا الاتجاه، غير أن الدراسة التي أجريت في جامعة كمبردج توضح أن الدول الأصغر هي التي اتجهت لاتباع نهج أكثر تطورا ”حسب الطلب“.
وقالت كلوتس إن هذا ربما يحقق الوضوح لكل من شركات العملات المشفرة والخدمات المرتبطة بها مثل البنوك التي كانت تخشى في السابق غموض الوضع القانوني للقطاع، وسلم بروكوبينيا رائد الأعمال في روسيا البيضاء، الذي يتابع 5.6 مليون شخص ما ينشره على تطبيق انستجرام من صور لسيارات رياضية في قبرص وشواطيء في دبي، بأن مخاطر ظهرت مع تكنولوجيا سلاسل الكتل بما في ذلك إمكانية غسل الأموال.
لكنه أضاف أن من الممكن التخفيف من حدة المخاطر بالقواعد التنظيمية الواضحة وأن على دول مثل روسيا البيضاء ألا تفوت فرصة اقتناص شريحة من سوق ناشئة، وقال ”أكبر المخاطر تأتي من عدم القيام بأي مخاطرة“.