بعد البريكست: الاقتصاد البريطاني ينتظر المجهول

إيهاب علي النواب

2019-01-23 06:03

تفيد تقارير صندوق النقد الدولي إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق إطار للحفاظ على بعض التكامل الاقتصادي هو أكبر خطر في الأجل القريب على الاقتصاد البريطاني. وترى دراسة بأن البريكست سيكلف بريطانيا 100 مليار استرليني سنويا بحلول عام 2030، بحسب دراسة للمعهد الوطني للدراسات الاقتصادية والاجتماعية. في حين لايزال الغموض يلف اسواق المال والقلق يساور جميع المستثمرين في بريطانيا.

رغم أن انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي لم يتم حتى الآن، إلا أن آثاره السلبية بدأت في الظهور على قطاع الخدمات المالية، حيث حولت البنوك والشركات المالية الأخرى ما لا يقل عن 800 مليار جنيه إسترليني(تريليون دولار تقريبا)، من أصولها إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبي بسبب خروج بريطانيا حسب تقرير لإيرنست آند يونج. وأسست العديد من البنوك مكاتب جديدة لها في أماكن أخرى من دول الاتحاد الأوروبي، لحماية عملياتها الإقليمية بعد قرار بريطانيا بالانسحاب من الاتحاد، وهو ما يعني أنه يتعين عليها أيضا نقل أصول ضخمه لتوافق قوانين الاتحاد الأوروبي، وتنقل شركات أخرى أصولها لحماية العملاء من تقلبات السوق.

وذكرت إيرنست آند يونج، إن الرقم يمثل حوالي 10٪ من إجمالي أصول القطاع المصرفي في المملكة المتحدة، وهو ما يعتبر "تقديرًا متحفظًا" لأن بعض البنوك لم تكشف بعد عن خططها، في حين بين عمر علي رئيس الخدمات المالية في إيرنيست آند يونج: "أرقامنا تعكس فقط التحركات التي أعلنت، ونعلم أنه من وراء الكواليس، تستمر الشركات في التخطيط لسيناريو الانفصال بدون صفقة". وتضمن تقرير إيرنست آند يونج 222 مؤسسة من أكبر المؤسسات المالية البريطانية، ومن المقرر أن تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي خلال 81 يوما فقط، ولازالت رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، بحاجة لكسب تأييد البرلمان البريطاني لاتفاق الانفصال الذي أبرمته مع أعضاء الاتحاد الأوروبي.

ومن المقرر أن يصوت البرلمان على الاتفاقية الايام القادمة، وإذا صوت النواب ضد الاتفاق، سوف ترتفع احتمالية انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون صفقة، وصرح بنك إنجلترا إن تداعيات هذا السيناريو ستكون أسوأ من الأزمة المالية في 2008. وبالنسبة للمؤسسات المالية، سيكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق بمثابة "كابوس"، حيث ستتوقف اتفاقيات البلاد، وستتعرض البنوك لحالة من الفراغ القانوني، مما يعني أنها لن تكون قادرة على الاستمرار في القيام ببعض أعمالها.

وأفاد الاتحاد الأوروبي، إنه سيطبق بعض الخطوات لتجنب الانهيار التام، لكن خطته للطوارئ ليست سوى حل قصير الأجل، يهدف إلى حماية مصالحه الخاصة، وأضاف عمر علي: "شركات الخدمات المالية ليس أمامها خيار سوى الاستمرار في الاستعداد على الإنسحاب دون اتفاق". وأوضح تقرير إيرنست آند يونج، أن الشركات التي تتابعها وظفت بالفعل نحو 2000، في بلدان أخرى من الاتحاد الأوروبي بعد بريكست، وقام كل من دويتشه بنك، وجولدنمان ساكس، وسيتي بنك بنقل أجزاء من أعمالهم خارج المملكة المتحدة، وكانت دبلن ولكسمبورج وفرانكفورت وباريس أكثر الوجهات إقبالا.

وشكلت لندن العاصمة المالية لأوروبا بلا منازع منذ عقود، وتعد موطناً للمقر الدولي لعشرات البنوك العالمية، ويعمل بقطاع الخدمات المالية نحو 2.2 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد، ويساهم القطاع بنسبة 12.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، كما يدر دخلاً ضريبياً قدره 72 مليار جنيه إسترليني (100 مليار دولار) سنوياً، وفقاً لشركة مدينة لندن. ويعانى الاقتصاد البريطاني بالفعل من تداعيات"بريكست"، حيث ارتفع التضخم وانخفضت ثقة المستهلك، مما أضر بقطاع التجزئة في البلاد. وانخفض الاستثمار التجاري بشكل كبير، بعد أن أوقفت الشركات خططها التوسعية بسبب عدم اليقين، وحذرت الشركات الصناعية، بما في ذلك إيرباص، من أنها قد تضطر إلى ترك المملكة المتحدة، إذا لم يتم التوصل لاتفاق "بريكست".

مستقبل الجنيه الإسترليني في حالة تمرير اتفاق البريكست

تعرض الجنيه الاسترليني لتقلبات حادة منذ أن صوّت البريطانيون للانفصال عن الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران 2016، ولا يزال متراجعا بنحو 14٪ أمام الدولار منذ يوم الاستفتاء. وذكر محللون إن التوصل إلى اتفاق سيعزز وضع الجنيه الإسترليني في مواجهة العملات الأخرى، إلا أنه سيواجه انتكاسة في حالة عدم تمرير البرلمان البريطاني للاتفاق، الذي ينتظر تنفيذه بنهاية مارس/آذار.

وكتبت كيت جوكس، الخبيرة الاستراتيجية ببنك سوسيتيه جنرال، في مذكرة إلى العملاء: "إذا كان الاتفاق كما هو موصوف في الصحافة سيصبح قانونًا، وسيستفيد منه كلا من الجنيه الإسترليني واليورو". ورجح كالوم بيكرينج، الاقتصادي الأول في بنك بيرينبيرج، أن يقفز الاسترليني مرتفعا على مرحلتين، إلى جانب عائدات السندات الحكومية وأسهم الشركات التي تعمل في بريطانيا.

وتوقع بيكرينج أن تكون الزيادة الأولى بمجرد موافقة البرلمان البريطاني على صفقة الانفصال، والتي يمكن أن تحدث في ديسمبر/كانون الأول، والثانية خلال العام التالي مع حصول المستثمرين على رؤية أوضح لمستقبل المملكة المتحدة بعد مغادرتها للاتحاد الأوروبي. بينما أفادت كارين وارد، التي تعمل على استراتيجية السوق في جي بي مورغان لإدارة الأصول، إن المستثمرين ما زالوا "قلقين" بشأن الصفقة التي سيصوت عليها البرلمان، وإن توقعت أن تتم الموافقة عليه وبينت أنه في العام المقبل نتوقع أن تشهد استثمارات الشركات موجة انتعاش وأن يرتفع الاسترليني ليضغط على معدلات التضخم، مما سيحسن القدرة الشرائية للمستهلكين، ليتسارع الانفاق الاستهلاكي بالتبعية.

وكان الجنيه الاسترليني يتداول دون تغيير تقريبا حول 1.3 دولار، قبل أن ينخفض في تعاملات اليوم بنسبة 1٪ ليبلغ نحو 1.28 دولارا، على خلفية استقالة وزير البريكست البريطاني دومينيك راب من منصبه اعتراضا على الاتفاق المبرم بين بلاده والاتحاد الأوروبي. وتوقع ستاندرد آند بورز أن ينخفض سعر صرف الجنيه الاسترليني بنسبة 15٪ مقابل الدولار، إذا فشلت الصفقة وخرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.

ماهو مصير استثمارات العرب في بريطانيا عقب البريكسيت؟

استطاعت رئيسة وزراء بريطانيا، تريزا ماي، التوصل إلى توافق داخل حكومتها، لصفقة مبدئية ربما تساعد على انفصال سلس لبلادها عن الاتحاد الأوروبي، وتبديد حالة عدم اليقين منذ التصويت على الانفصال في يونيو/حزيران 2016. ويطرح خروج بريطانيا، من مظلة الاتحاد الأوروبي، تساؤلات حول مصير الاستثمارات الأجنبية الموجود في بريطانيا بشكل عام، والاستثمارات العربية خاصة، فهل سيؤثر انفصال بريطانيا عن منطقة "اليورو" على استثمارات العرب؟.

واستبعد البعض، أن تتأثر الاستثمارات العربية عامة، والخليجية بشكل خاصة، بخروج بريطانيا من مظلة منطقة "اليورو"، خاصة وأن غالبية هذه الاستثمارات تتركز في قطاع العقارات، كما أن أغلبها استثمارات طويلة الأجل. فقد شكلت سوق العقارات في بريطانيا على مدى عقود نقطة جذب رئيسية للمستثمرين الخليجيين، خاصة الفنادق، والمجمعات التجارية، القصور الخاصة والمنازل الفارهة. وتشير تقديرات غير رسمية أن قيمة الاستثمارات الخليجية في بريطانيا تبلغ نحو 200 مليار دولار، تستأثر سوق العقارات على أكثر 45 مليار دولار منها.

وقد أوضح أحمد شمس، رئيس البحوث بالمجموعة المالية هيرميس، إنه من المُبكر تقدير أثر البريكست على الاستثمار في انكلترا، إذ ستوقع انكلترا اتفاقيات ثنائية للتجارة وللخدمات المالية، وتوقع شمس أن يكون تأثير انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي على مستثمري الشرق الأوسط محدودا. وفسر شمس ذلك، بأن معظم استثمارات الشرق الأوسط في بريطانيا ليست استثمارات مالية بل هي عبارة عن حصص أقلية في شركات متداولة عالميا، إضافة إلى استثمارات في القطاع العقاري، إلا إذا دخل الجنيه الاسترليني في "دوامة" تراجع حادة، وهو ما يمكن أن يؤثر على عوائد هذه الاستثمارات.

أما عن وضع العملة البريطانية، فيرى شمس أن تستمر التذبذبات السعرية، إلا أن التأثير على العائد لا يرتبط بالضرورة بالتخارج السريع لأن معظم الأصول غير متداولة علي المدي المتوسط و القصير. وأضاف أن انكلترا ستبقى أحد أكبر الأسواق السياحية والتعليمية في العالم، وبالتي بعد هدوء العاصفة قد تستمر العقارات في تحقيق عوائد جيدة، مع الأخذ في الاعتبار سعر الأصل، وسعر صرف الاسترليني، وفي النهاية ختم شمس إنه يُفضل السوق الأمريكي عن باقي الأسواق المُتقدمة.

وكخلاصة لكل هذا فأن الحكومة ترى إن الانسحاب بدون صفقة سيقلص اقتصاد المملكة المتحدة بنسبة 7.7٪ خلال 15 عاماً من الانفصال، مقارنة بترتيبات التجارة الحالية، وتستند تقديرات الحكومة أيضا إلى افتراضات أخرى، بما في ذلك مدى قدرة بريطانيا على عقد صفقات تجارية حرة وطموحة مع الاقتصادات الكبرى بما فيها الولايات المتحدة.كما ستتضرر بعض القطاعات الرئيسية للاقتصاد من "بريكست"، وتُظهر التقديرات الرسمية أن صناعات السيارات والكيماويات والأدوية، المرتبطة تجاريا مع الاتحاد الأوروبي، ستتقلص بـ20٪ على المدى الطويل.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا