الاقتصاد الإيراني: بين انهيار العملة والعقوبات الخانقة
ندى علي
2018-02-24 05:10
تظهر المعطيات الاقتصادية الراهنة الكثير من الشكوك ازاء مستقبل الاقتصاد الايراني الذي لا يزال يعاني نتيجة العقوبات الاميركية التي لا تزال مفروضة عليه ولو ان البعض يرون بوادر أمل رغم تلويح الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي.
وزاد من اجواء الغموض حول افاق الاقتصاد الايراني تصريحات ترامب بانه سيمدد العمل للمرة الاخيرة بتعليق العقوبات الدولية مطالبا اوروبا بالعمل مع بلاده من اجل "التصدي للثغرات الكبيرة" في نص الاتفاق النووي.
ففي أقلّ من عام كسرت العملة الإيرانية أرقاما قياسية في الهبوط أمام الدولار مستقرة عند حافة الخمسة آلاف تومان، أو الخمسين ألف ريال، بين التومان والريال صفر زائد لصالح الأخير، يحذفه الإيرانيون في تعاملاتهم، لكنه صامد على الأوراق الرسمية وحتى على أوراق العملة، ومن المتوقع أن يحذف بشكل رسمي قريبا بعدما أقرت الحكومة اعتماد التومان عملة رسمية للبلاد في تموز/ يوليو 2018.
خلال أقل من شهر ارتفع الدولار 400 تومان ليصل إلى 4985 يوم 13 فبراير/شباط 2018، وبذلك يكون رسميا قد قفز خلال أقل من عام على إعادة انتخاب الرئيس حسن روحاني لولاية ثانية ألف تومان، ولهذا أسبابه التي لا يمكن حصرها في الجانب الاقتصادي فقط.. الأبواب في إيران تفتح على بعضها البعض، وللسياسة باب على الإقتصاد والعكس صحيح.
في بازار طهران لصوت الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يصرح حول الإتفاق النووي وقع كبير. تهديد ترامب بإلغاء الإتفاق والردود الإيرانية عليه كلها تلعب دوراً في صياغة المشهد الإقتصادي للبلاد.
القاعدة الإقتصادية تقول، كلما زاد الطلب إرتفع السعر، والقاعدة الإيرانية تقول كلما إرتفع صوت ترامب أكثر كلما تأثرت العملة الإيرانية سلباً، ولهذا صلة بمستوى التوقعات من الإتفاق، أكثر منه مما قد يقوم به الرئيس الأميركي تجاه إيران في حال سقوط الإتفاق.
كان الاتفاق النووي مفتاح حسن روحاني للفوز في الدورة الأولى عام 2013 رئيسا للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وعود السياسي المخضرم ومؤسس تيار الإعتدال رفعت من منسوب التوقعات في الشارع لذا رسم الإعلان عن الإتفاق في تموز يوليو 2015 للإيرانيين مشهدا ظنوا فيه أنهم قادمون على مرحلة رخاء غير مسبوق، وهو ما لم يتحقق، عام فقط فصل بين دخول الإتفاق حيز التنفيذ وبين تنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، بعد ذلك دخل الإتفاق حيز التهديد، بالتالي دخل الإيرانيون مرحلة التشكيك. أول مظاهر حالة القلق العامة تمثل في الطلب المتزايد على الدولار وسحب الودائع خوفا من إنهيار العملة، الأمر الذي أدى إلى إفلاس مؤسسات مالية لم تستطع الإيفاء بطلبات المودعين.
في السنوات الماضية وصلت معدلات الفائدة على الودائع في بعض المصارف إلى أكثر من 20% سنويا. دفع هذا الأمر بالكثير من الإيرانيين لوضع أموالهم في المصارف مقابل دخل ثابت يسمح لهم بحياة مستقرة. حتى إيجار المنازل إرتبط بمعدلات الفائدة، فكان أصحاب المنازل يفضلون الحصول على مبلغ مقطوع من المستأجرين يضعونه في المصارف مقابل السكن على الحصول على أيجار شهري.
كان هذا المبلغ والمسمى ب "الرهن" يعاد للمستأجر متى قرر ترك المسكن، بذلك يربح مالك المسكن الفائدة دون أي مترتبات على المستأجر، اللهم إلا في حالة انهيار العملة، كما هو الحال اليوم. ولذا فالاضطراب في الأسواق المالية يوثر حتى على سوق العقارات لأن المؤجرين والمستأجرين يكونون أكثر ترددا في الدخول في مغامرات غير محسوبة.
كل ما سبق كان سببا في اشتعال موجة غضب واسعة في نهاية العام 2017 في مدن إيرانية عدة، بدأت بعناوين اقتصادية اجتماعية ورفعت فيها شعارات مناهضة للمؤسسة الحاكمة، وفي حين عُرف للتظاهرات محفزاتها السياسية الداخلية المرتبطة بالصراع الإصلاحي-الأصولي، فإن خروجها عن السيطرة وتحولها لمساحة للاعتراض على النظام حولها إلى مواجهة بين المحتجين والسلطات.
وانتهت موجة الغضب خلال أسبوعين وقد سقط خلالها أكثر من 22 قتيلا واعتقل المئات من المحتجين، جرى إطلاق سراحهم على دفعات لاحقا. المشهد دفع بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والرئيس روحاني لمخاطبة الإيرانيين عبر وسائل الإعلام، وفي حين ربط خامنئي بين الاحتجاجات وما وصفه بالمؤامرة الخارجية، فهو كما روحاني سلما بأن للاحتجاجات جذورها الداخلية المرتبطة بالتراجع الاقتصادي وبعدم تقديم الحكومة الحلول الجذرية للأزمات التي تواجه المجتمع الإيراني.
في الظاهر، يبدو الهجوم الشرس لترامب كارثيا على الاتفاق التاريخي الموقع في 2015 والذي ينص على رفع تدريجي للعقوبات الدولية لقاء امتناع طهران عن تطوير برنامجها النووي.
فقد اعلن ترامب ايضا فرض عقوبات جديدة متعلقة بحقوق الانسان وبرنامج الصواريخ الايراني ستضاف الى مجموعة كبيرة من العقوبات التي تشكل عائقا يحول دون اقبل العديد من الشركات الغربية على الاستثمار في هذا البلد.
وأبدى العديد من المصارف الاجنبية حذرا شديدا قبل العودة الى ايران اذ هناك مخاوف من تكرار العقوبة القياسية التي فرضت على مصرف "بي ان بي باريبا" الفرنسي لخرقه العقوبات الاميركية على ايران والتي بلغت 8,9 مليارات دولار.
وتبدو الامال ضعيفة بتحقيق هدف الحكومة بجذب استثمارات اجنبية بقيمة 50 مليار دولار في العام بعد ان قالت طهران ان قيمة الاستثمارات الاجنبية في العام 2016 كانت اقل من 3,4 مليارات دولار، لكن دبلوماسيين اوروبيين يقولون ان امورا كثيرة تحصل في الكواليس. اذ هناك ازدياد في وتيرة الاتفاقات حول تجهيزات صناعية وحقول الطاقة الشمسية ومزارع منتجات الالبان في العامين الماضيين.
والفارق الكبير خلال عهد ترامب هو السرية. ويقول رجل الاعمال الغربي ان "الاتفاقات تتم في الكواليس اذ ليس هناك فائدة من الاعلان عنها. هناك جهات كثيرة لديها مصالح في الولايات المتحدة او لدى مستثمر أميركي ولا تريد ان تصبح هدفا".
ومنذ العام الماضي، يعمد المركزي الإيراني إلى خفض تدريجي لقيمة الريال للتعويض عن التضخم المرتفع في إيران والمساعدة في جعل الصادرات أكثر قدرة على المنافسة، لكن هبوط الريال تسارع في الأسابيع الماضية مما يشكل تحديا للسلطات التي انتهت للتو من احتواء موجة احتجاجات شعبية، على خلفية مصاعب اقتصادية وفساد، امتدت إلى أكثر من 80 مدينة وبلدة وأودت بحياة 25 شخصا.
وقد يؤدي ضعف كبير للعملة إلى زيادة السخط برفع التضخم، الذي يبلغ حاليا حوالي 10 بالمئة، وتآكل دخول الإيرانيين العاديين، ويقول مصرفيون تجاريون إن أحد أسباب هبوط الريال، طلب موسمي على الدولارات يميل للارتفاع في هذا الوقت من العام مع سفر الإيرانيين إلى الخارج، لكن العملة الإيرانية ضعفت أيضا بسبب الاحتجاجات الشعبية والقلق من أن الروابط الاقتصادية مع الدول الأجنبية قد يلحق بها المزيد من الضرر إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق بشأن برنامج إيران النووي.
من جهة أخرى، قد يكون على الرئيس الإيراني حسن روحاني أن يتراجع عن بعض سياساته الاقتصادية الأساسية في مواجهة احتجاجات عشرات الآلاف من الأشخاص المحبطين في أنحاء البلاد بسبب ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض مستويات المعيشة.
وكان من شأن خيبة الأمل من أن رفع العقوبات عن إيران في يناير كانون الثاني 2016 لم يحدث ازدهارا اقتصاديا إذكاء الاحتجاجات التي شهدت مقتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص، وبدلا من ذلك، واصل الجانب غير النفطي من الاقتصاد معاناته حيث يبلغ المعدل الرسمي للبطالة نحو 12.5 بالمئة، بينما يصل معدل التضخم إلى نحو عشرة بالمئة. وفي واقع الأمر، يتجاوز معدل البطالة بين ملايين الشباب الإيرانيين تلك التقديرات.
لكن جميع تلك التحركات ستشمل تغييرا في السياسة. وينتهج روحاني سياسة محافظة فيما يتعلق بالميزانية من أجل السيطرة على الأوضاع المالية غير المستقرة في البلاد، وهو جزء من جهوده لخلق بيئة جاذبة للمستثمرين الأجانب. في الوقت ذاته، ستنذر محاربة الفساد برد فعل من أصحاب المصالح ذوي النفوذ الذين سيتضررون من الحملة.
وهبط سعر العملة المحلية إلى 42 ألفا و900 ريال مقابل الدولار من 36 ألفا قبل عام. وربما تدعم حكومة روحاني عملة البلاد من خلال إنفاق المزيد من الاحتياطيات الأجنبية، لكن ذلك يهدد الاستثمار الأجنبي، حيث حذر صندوق النقد الدولي من مثل تلك السياسة في الشهر الماضي، وعزا محللون اقتصاديون جانبا كبيرا من ضعف الأداء الاقتصادي إلى مشكلة هيكلية متجذرة، وهي تأثير الكيانات شبه العسكرية مثل قوات الحرس الثوري والمؤسسات الدينية على أنشطة الأعمال.
فيما يعتقد خبراء اقتصاديون كثيرون أن إيران يمكنها منع هبوط غير محكوم لعملتها. ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي فإن الاحتياطيات الأجنبية الرسمية لدى إيران بلغت أكثر من 130 مليار دولار أوائل العام الماضي، ومن المرجح أنها زادت بفعل ارتفاع أسعار النفط منذ ذلك الحين، لكن تقلبات الريال في الأسابيع القليلة الماضية أبرزت المهمة الصعبة التي تواجه البنك المركزي في إدارة العملة.
ايران تتخذ تدابير لدعم عملتها
أعلن البنك المركزي الإيراني عن تدابير لوقف تراجع الريال في مقابل العملات الأجنبية مثل الدولار، وفي طليعتها رفع معدلات الفائدة على حسابات الإيداع، على ما أفادت وسائل الإعلام، وتسمح هذه التدابير للمصارف الإيرانية أن تفتح في مهلة أسبوعين حسابات إيداع لسنة بمعدلات فائدة 20% مقابل 15% سابقا، لتشجيع الإيرانيين على إبقاء أموالهم داخل النظام المصرفي بدل شراء دولارات أو عملات أجنبية أخرى.
وخسر الريال الإيراني حوالى 25% من قيمته مقابل الدولار الأميركي خلال الأشهر الستة الماضية، وذكرت صحيفة "إيران" الحكومية أن السلطات أغلقت كذلك الحسابات المصرفية لـ775 شخصا اعتبرت أنهم "يثيرون اضطرابا في اسواق الصرف" وقد تداولوا بما يعادل 200 ألف مليار ريال (ما يزيد بقليل عن أربعة مليارات دولار). بحسب فرانس برس.
وبعد التوقيات والتدابير التي أعلنها البنك المركزي، شهد الريال تحسنا طفيفا الخميس بمواجهة الدولار ليصل إلى 47400 ريال للدولار الواحد مقابل 48400 ريال، وقال حاكم البنك المركزي ولي الله سيف في تصريحات نقلتها الصحافة الخميس "تم التعرف على المضاربين في سوق القطع (...) سنستخدم كل الوسائل للخروج من هذا الوضع وإعادة الهدوء إلى السوق"، وكان الدولار يساوي 10 الاف ريال في 2010 لكن تشديد العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي اعتبارا من نهاية 2011، أدى إلى تراجع العملة الإيرانية، وأثار الاتفاق النووي الموقع بين إيران والدول الكبرى الست في تموز/يوليو 2015، آمالا في تحسن الوضع الاقتصادي ووصول المستثمرين الأجانب وارتفاع قيمة العملة الوطنية، لكن انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يندد باستمرار بالاتفاق النووي وشدد الموقف الأميركي تجاه طهران، أدى إلى إبعاد المستثمرين الأجانب والمصارف الدولية الكبرى، حاول مسؤولون حكوميون بينهم الرئيس حسن روحاني في الأسابيع الأخيرة طمأنة المواطنين بشأن الريال، لكن السلطات واجهت انتقادات أخذت عليها تقاعسها وعدم اتخاذ تدابير عملية.
المضاربة على الريال
حذر محافظ البنك المركزي الإيراني المستثمرين الذين يضاربون على هبوط الريال بأنهم سيواجهون خسائر لأن البنك المركزي قد يتحكم في سوق الصرف الأجنبي ولأن العملة الإيرانية من المرجح أن تتعافى في الشهر القادمين.
ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء عن ولي الله سيف محافظ البنك المركزي قوله إن هبوط الريال إلى مستويات قياسية منخفضة مقابل الدولار يرجع بين أسباب أخرى إلى القلق بشأن مصير الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع قوى عالمية.
وقال سيف ”أولئك الذين يستثمرون مواردهم في النقد الأجنبي سيعانون خسائر في النهاية“ مضيفا أن ارتفع أسعار النفط أعطى إيران موارد إضافية لدعم عملتها، ومضى قائلا ”منذ أن وصل سعر النفط إلى 70 دولارا للبرميل، لا يوجد سبب لرؤية تقلبات طويلة الأجل في أسعار الصرف“، وقال متعاملون إن الريال هبط إلى حوالي 46500 مقابل الدولار في السوق الحرة من نحو 45750 يوم الأحد و37700 في منتصف 2017.
أزمة توقعات.. احتجاجات إيران
قال تامر بدوي الباحث الزميل لدى منتدى الشرق في اسطنبول ”هناك أزمة توقعات في إيران... إنه إحساس عميق بالإحباط الاقتصادي“، ومن أجل تخفيف هذا الشعور بعدم الرضا، قد يحتاج روحاني إلى إنفاق المزيد من أموال الحكومة على خلق الوظائف وكبح التضخم من خلال دعم سعر صرف الريال وعمل المزيد من أجل التخلص من الفساد المستشري في البلاد والذي يثير غضب المحتجين.
وقال مهرداد عمادي، وهو خبير اقتصادي إيراني يرأس قسم تحليلات مخاطر قطاع الطاقة لدى بيتاماتريكس للاستشارات في لندن، إن روحاني يواجه ”تحديا هرقليا“ في محاربة الفساد على وجه الخصوص. لكنه رجح أن روحاني قد لا يكون أمامه خيار، أضاف ”شعور الناس بالإحباط يتزايد... في مثل هذا الموقف، سيكون هناك اندلاع لموجات معارضة من آن لآخر“.
بعد أن تولى روحاني السلطة في عام 2013، ألغى على عجل سياسات سلفه محمود أحمدي نجاد المالية والنقدية التي كانت تتسم بالإسراف ليحد من نظام الإعانات النقدية التي كان يحصل عليها الإيرانيون من أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة.
ففي الشهر الماضي، تقدم روحاني للبرلمان بمقترح ميزانية منضبطة أخرى للسنة الإيرانية التي تبدأ في 21 مارس آذار القادم. والميزانية التي تبلغ 104 مليارات دولار مرتفعة بنحو ستة في المئة عن خطة ميزانية السنة الحالية.
وأصبح مثل هذا التقشف يثير استياء متزايدا بين الإيرانيين، حيث لا يزال الاقتصاد يواجه صعوبات على الرغم من إنهاء العقوبات. ولا تزال بنوك وشركات أجنبية كثيرة تحجم عن إبرام صفقات مع إيران، لأسباب من بينها أن الاتجاه المتشدد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيال طهران يعرقل التجارة والاستثمار.
وقال عمادي إنه تبين من دراسة شارك فيها أن الإيرانيين غير راضين عن الاقتصاد لخمسة أسباب رئيسية، وهي البطالة وضعف القوة الشرائية والفساد وضعف العملة الريال وعدم المساواة في توزيع الثروة بين المناطق في إيران، أضاف أن تصوراتهم للجوانب الثلاثة الأولى ساءت هذا العام. ففي بعض المناطق في جنوب شرق إيران، وصلت البطالة بين الشباب إلى 45 في المئة ويتجه سوق الوظائف للتقلص.
وأضاف أن أصحاب تلك المصالح، التي تسيطر وفقا لبعض التقديرات على ما يزيد عن 60 في المئة من الأصول في إيران، لا يدفعون ضرائب بشكل عام ويضرون المنافسة ويعرقلون خلق الوظائف، وتابع أن حكومة روحاني تحاول حل تلك المشكلة وتضغط على المؤسسات لفتح دفاترها أمام مسؤولي الضرائب وتطالب بمزيد من الشفافية في عالم أنشطة لأعمال.لكن بدوي توقع أن الحكومة ستجد أنه من الصعب عليها ضمان أي تحسن سريع في الاقتصاد، وقال إنه بينما قد تعلن الحكومة عن حزمة تحفيزية من أجل خلق وظائف، من غير المرجح أن تتراجع فيما يتعلق بالإعانات النقدية. وأضاف أن حل مشكلات مثل تنويع الاقتصاد وإصلاح النظام المصرفي المثقل بالديون يمكن فقط أن يتحقق في الأجل الطويل.
فرنسا في إيران
قال مسؤول كبير بوزارة المالية الفرنسية يوم الخميس إن فرنسا ستشجع شركاتها على القيام بأنشطة الأعمال في إيران على الرغم من حالة عدم اليقين التي تحيط بالاتفاق النووي الموقع في 2015، ومثل دول أوروبية أخرى، تتطلع فرنسا إلى زيادة التجارة مع إيران منذ أن وافقت باريس وواشنطن وقوى عالمية أخرى في 2016 على رفع معظم العقوبات الاقتصادية عن طهران في مقابل قيود على برنامجها النووي.
لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توعد في الثاني عشر من يناير كانون الثاني بإعادة فرض العقوبات الأمريكية ما لم تغير فرنسا وبريطانيا وألمانيا ما يسميه ”أسوأ اتفاق على الإطلاق“ بما يجعله يحظى برضاه، وهو ما يجمد فعليا الاتفاق حتى منتصف مايو أيار.
وأبلغ جوفري سيلستن أوربين مدير العلاقات الثنائية بوزارة المالية الفرنسية مؤتمر يوروماني إيران ”نحن نشجع الشركات على مواصلة القيام بالأعمال في إيران“، وأضاف قائلا ”نحن في حالة انتظار وترقب على الساحة الدولية. لا أحد يعرف ما سيحدث بعد مايو. هذه هي حالة عدم اليقين التي تواجه شركاتنا الفرنسية وهذا شئ على المرء أن يسلم به إذا كان يريد القيام بأعمال في إيران“.
وفرنسا كانت لها روابط أعمال وثيقة مع إيران قبل سقوط الشاه في 1979 وتشغل مصانع كبيرة هناك بما في ذلك مصانع لشركتي رينو وبيجو لصناعة السيارات، وتسعى إلى تعميق روابط التجارة منذ أن رفعت العقوبات عن طهران، وقال سيلستن أوربين إن الصادرات الفرنسية إلى إيران قفزت بنسبة 120 بالمئة في الأحد عشر شهرا الأولى من 2017 إلى 1.29 مليار يورو (1.6 مليار دولار) في حين نمت الواردات 80 بالمئة إلى 2.16 مليار يورو.
عقوبات موسعة
طلب ترامب قبل شهر من الاوروبيين ان يساعدوا في تلافي "الثغرات الرهيبة" في اتفاق 2015 حول البرنامج النووي الايراني والا فان واشنطن ستعبد فرض العقوبات على طهران وتخرج عمليا من الاتفاق المبرم في فيينا بين ايران والقوى الست (الولايات المتحدة وروسيا والصين والمانيا وفرنسا وبريطانيا).
وحذر سوبران من ان "الشركات كانت تعتقد ان العقوبات الاميركية يمكن ان ترفع. لكن في نهاية المطاف العقوبات بقيت ويمكن ان تزداد" متحدثا عن خطر قائم، وبعد غرامة مصرف بي ان بي تتوخى البنوك الكبرى الحذر في التعامل مع ايران.
ومن هنا جاءت مبادرة البنك الفرنسي للاستثمار للتمركز مباشرة واعتبر مديره العام ان مؤسسته لا يمكن ان تتعرض للعقوبات الاميركية لانها ليست مسجلة ككيان قانوني في الولايات المتحدة، وتحدث عن فتح امكانيات بحلول ايار/مايو او حزيران/يونيو في ايران تتيح لمشترين اجانب الحصول على قروض من البنك الفرنسي للاستثمار لتسهيل مشترياتهم. وقال ان حجم التمويل الذي سيتوفر سيكون في حدود "1,5 مليار يورو" لمشاريع مصدرين فرنسيين، واضاف انه على اتصال مع واشنطن "وليست لدينا اسباب لاخفاء الطريقة التي سنعمل وفقها"، غير ان سوبران ابدى مخاوف من ان تمضي واشنطن ابعد في مراقبة مبادلات دول اخرى مع ايران، وقال "احد المسائل (المطروحة) اليوم يتمثل في توسيع العقوبات لتشمل البريد الالكتروني الذي يمر بخوادم في الولايات المتحدة ويمكن ان يتم رصدها".
واضاف ان مراقبة تدفق المعلومات والمعطيات "سيجعل القواعد اكثر هيمنة وسيعقد مهام الشركات التي تريد تعزيز حضورها في ايران"، ويمكن بالتالي ان يحبط ذلك عزم المستثمرين خصوصا وان "آفاق النمو المتوقعة عند رفع العقوبات لم تتحسن حقيقة"، بحسب مارسيلي مشيرا الى اننا ازاء "احد البلدان التي تشهد احباطا اجتماعيا بالغ الشدة".
صفقات الطائرات
توقع مدير المبيعات في شركة صناعة الطائرات الأوروبية إيرباص أن تتسلم إيران عشرات الطائرات الأوروبية التي طلبتها بموجب اتفاق مع القوى الكبري لرفع العقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي، لكنه حذر من أن استكمال الصفقات قد يستغرق وقتا أطول من المخطط له، واتفقت إيرباص ومنافستها الأمريكية بوينج على بيع ما إجماليه 180 طائرة لإيران لتجديد الأسطول المتقادم للخطوط الجوية الإيرانية (إيران إير) ولكن ذلك يتوقف على دعم الولايات المتحدة للاتفاق بسبب عدد الأجزاء الأمريكية في جميع طائرات الشركتين.
وقال جون ليهي مدير المبيعات في إيرباص لرويترز في مقابلة ”أعتقد أن هذه الصفقات ستنفذ، (لكن) ربما ليس وفق الجدول الزمني الأصلي“ في إشارة إلى اتفاق الشركة لبيع 100 طائرة إلى إيران إير، وأضاف ”علينا ترتيب التمويل. وعليهم مراعاة سداد مدفوعات ما قبل التسليم“، وحتى الآن تسلمت إيران ثلاث طائرات من إيرباص وعددا قليلا من محركات شركة إيه.تي.آر الفرنسية الإيطالية التابعة لها.
ويقول مصرفيون إن إبرام مزيد من الصفقات مع إيران توقف بسبب إحجام مؤسسات مالية غربية عن التعامل مع طهران في ظل مخاوف من انهيار الاتفاق النووي أو انتهاك القيود المالية الأمريكية المستمرة.
وأشار ليهي، الذي سيتقاعد الشهر الجاري، إلى أن إيرباص ستتوخي الحذر بشأن تصنيع طائرات لإيران دون تلقي مدفوعات مقدمة. وقالت مصادر في القطاع إن بوينج أيضا امتنعت عن بناء الطائرات حتى تتلقى مدفوعات مقدمة.
اتفاقات نفط وغاز
ادت تصريحات الرئيس دونالد ترامب العدائية الى ارجاء ابرام اتفاقات نفط وغاز كما قال وزير النفط الايراني بيجان نمدار زنقنة خلال مؤتمر صحافي، وقال الوزير "يحاول ترامب زعزعة شروط السوق للراغبين في التعامل مع ايران (...) منذ عام يزعزع استقرار السوق باطلاق تهديدات كل ثلاثة او اربعة اشهر. لا يمكننا القول ان لا تأثير لذلك".
واثار ابرام الاتفاق النووي في تموز/يوليو 2015 بين ايران ودول مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين والمانيا) حماسة كبيرة لدى المستثمرين الاجانب للاستثمار في قطاعي النفط والغاز في ايران.
لكن وصول ترامب الى سدة الحكم قبل عام والذي يدين بانتظام هذا الاتفاق ويشدد لهجته حيال طهران، بدد حماسة الشركات الأجنبية، واوضح الوزير الايراني ان ايران تتفاوض حاليا مع "اكثر من 20 شركة اجنبية" لتطوير حقول النفط والغاز.
وتابع "لا اتجاسر حتى على ذكر اسماء المشاريع التي سنتفق عليها قريبا. اذا قمت بذلك سيتم منذ الغد ممارسة ضغوط (على الشركات الاجنبية) لكي لا توقع عقودا معنا"، واعلن ان بعض الدول "على المستوى الدولي والاقليمي" تمارس ضغوطا على الشركات الاوروبية والاسيوية لعدم توقيع عقود مع ايران بدون تحديد هذه البلدان.
واعرب الوزير عن تفاؤله بالعقد الذي ابرم في تموز/يوليو مع مجموعة توتال الفرنسية على رأس كونسورسيوم مع شركة "سي ان بي سي" الصينية لتطوير حقل غاز في ايران بقيمة خمسة مليارات دولار، واضاف "اعتبر شركة توتال جدية جدا (...) آمل في ان تطبق الاتفاق واظن انه خلال فترة زمنية قصيرة جدا ستوقع اتفاقات مع شركات تعمل من الباطن"، موضحا ان ايران ستتخذ اجراءات "في حال واجه الاتفاق مشاكل" بسبب الضغوط الاميركية.
البنك المركزي الايراني
يطالب البنك المركزي الإيراني شركة كليرستريم وهي شركة تعويضات متفرعة عن شركة "دويتشه بورسه" المالية ويوجد مقرها في لوكسمبورغ بمليارات الدولارات التي جمدتها بسبب اجراءات تستهدف ايران بتهمة التورط في هجمات، كما ذكرت المجموعة الألمانية، وقالت "دويتشه بورسه" في بيان الخميس ان الايرانيين قدموا الى قضاء لوكسمبورغ طلباً لاستعادة حوالى 4,9 مليارات يورو اضافة الى الفوائد التي تعادل نحو اربعة مليارات يورو، ويفيد الطلب ان نحو 3,9 مليارات دولار مودعة في حساب مفتوح لدى "كليرستريم" من قبل المصرف المركزي الايراني والباقي مودع في حساب في المصرف الايطالي "يو بي ايه اي" من قبل البنك المركزي الايراني أيضا، وفي حال لم تتم تلبية طلب استعادة الاموال، فسيطالب المصرف المركزي الايراني بتعويضات بقيمة مماثلة للمبلغ نفسه.
وتشمل القضية القديمة والمعقدة حوالى ملياري دولار جمدتها "كليرستريم" بسبب اجراءات ضد ايران في الولايات المتحدة وفي لوكسمبورغ، ومبلغ 1,9 مليار دولار تم تحويلها الى الولايات المتحدة بموجب حكم صدر عن القضاء الاميركي في 2013.
وكان القضاء حكم على ايران المتهمة بالوقوف وراء عدد من الاعتداءات الارهابية، بدفع تعويضات الى الف شخص هم طرف في دعوى مدنية اميركية تضم اقرباء 214 جنديا اميركيا قتلوا في 23 تشرين الاول/اكتوبر 1983 في هجومين انتحاريين اسفرا عن سقوط 299 قتيلا في المجمل في بيروت، وتشمل التعويضات ايضا ضحايا اعتداء وقع في 1996 في السعودية قتل فيه 19 اميركيا.
من جهة اخرى، جمدت غرفة التعويضات في لوكسمبورغ حوالى ملياري دولار (1,6 مليار يورو) اخرى بانتظار دعويين اخريين مرفوعتين ضد ايران من قبل مدعين اميركيين في الولايات المتحدة ولوكسمبورغ، وقالت مجموعة "دويتشه بورسه" الالمانية في بيانها ان "كليرستريم تعتبر ان الطلب الذي يستهدفها لا اساس له".