استثمارات أرامكو ولعبة خلط الأوراق
عبد الامير رويح
2017-09-14 04:40
خطة طرح حصص صغيرة من شركة أرامكو السعودية للاكتتاب العام، والتي اعلن عنها في وقت سابق من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ضمن برنامج التحول الوطني و"رؤية 2030"، ماتزال محط اهتمام واسع داخل وخارج المملكة العربية السعودية، فهده الخطوة لها وكما نقلت بعض المصادر، الكثير من الدلالات الاقتصادية والسياسية وستلقي بظلالها على الاقتصاد السعودي، الذي تأثر كثير في السنوات الاخيرة بسبب تراجع اسعار النفط العالمية، فقد فادت صحيفة "ذا وول ستريت جورنال" الاقتصادية، أن الطرح الأولي العام لاكتتاب شركة النفط الحكومية السعودية "أرامكو" سيجلب للبنك المشرف على العملية ربحا قياسيا قد يصل إلى مليار دولار.
وأرامكو هي شركة سعودية حكومية تأممت عام 1988 وتتخصص بكل الأعمال المتعلقة بالنفط والغاز والبتروكيماويات وذلك بدءاً من التنقيب والبحث عن الحقول، والإنتاج المجدي، وتكرير النفط والحصول على منتجاته، والنقل، والتسويق وغيرها. ما يميز هذه الشركة أنها تعد أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، لكن هذا اللقب يُعطى لآبل كونها شركة مطروحة في البورصة ونعرف قيمتها بدقة، أما أرامكو فالتقديرات الحديثة تشير إلى أن قيمتها يمكن أن تصل إلى 10 تريليون دولار وهو يساوي 35 مرة قيمة شركة إكسون موبيل أكبر شركة نفطية مطروحة للاكتتاب، و17 مرة قيمة شركة آبل التي تعتبر أكبر شركة يتم تداول أسهمها في البورصة.
ووفقا لخبراء فإن بيع نحو 5% من أسهم الشركة سيدّر على المملكة مليارات الدولارات، وبحسب التقديرات التقريبية، فإن حجم الاكتتاب يساوي 125 مليار دولار في مختلف البورصات. متجاوزا بفارق كبير جدا اكتتاب العملاق الصيني "علي بابا" في عام 2014 والبالغ 25 مليار دولار، والذي اعتبر آنذاك بأنه الاكتتاب الأكبر في التاريخ. وفي وقت سابق، كشفت وكالة "بلومبرغ" أن السعودية اختارت بنك "جيه بي مورغان" والخبير الاقتصادي مايكل كلاين للطرح العام الأولي لـ"آرامكو". حيث سيعمل البنك على الاستعدادات للطرح العام الأولي وقد يكون من بين البنوك التي تضمن الاكتتاب خلال عامين كحد أقصى.
وبحسب "ذا وول ستريت جورنال" فإن هناك الكثير من المخاطر التي يمكن أن تعترض عملية الاكتتاب، أبرزها عدم وجود ضمان برغبة المستثمرين في شراء أسهم شركة لبلاد ترغب أصلا بالتخلص من الاعتماد على النفط. يذكر أن "أرامكو" تمتلك احتياطات تفوق 260 مليار برميل من النفط الخام، أي نحو 18% من الاحتياطات المؤكدة عالميا، فيما يصل إنتاج الشركة إلى 10 ملايين برميل يوميا، لكنها صرحت بأنها قادرة على رفع هذا الإنتاج خلال أشهر إلى 12.5 مليون برميل يوميا، ما يشكل 10% من إجمالي الإنتاج العالمي.
وفي ظل مواجهة الرياض لعوز مالي كبير بسبب متطلبات النمو والحرب التي تشنها على عدة جبهات، لاسيما بعد انخفاض أسعار النفط إلى مستويات متدنية جدا، طرحت خطة اقتصادية ترمي إلى تنويع مصادر دخلها وتخفيف الاعتماد على إيرادات النفط، من زيادة نسبة الاستثمارات العالمية من 5% إلى 50% لتقي نفسها خطر انخفاض إيرادات النفط بتعويضها بإيرادات الاستثمارات العالمية المتنوعة.
أرباح قياسية
وفي هذا الشأن وعندما تكشف أرامكو السعودية عملاق قطاع النفط عن أوضاعها المالية للمرة الأولى العام القادم سيكون لزاما عليها إما أن تفاجئ المستثمرين بأرباح قياسية عالميا أو أن تخفض تطلعاتها بتحقيق قيمة قدرها تريليوني دولار في الطرح العام الأولي. ولطالما تجادل المستثمرون حول ما إذا كان باستطاعة أرامكو أن تصل بقيمتها إلى أي رقم يقترب من التريليوني دولار الذي اقترحه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الراغب في جمع سيولة من خلال الطرح العام الأولي لتمويل استثمارات تهدف إلى مساعدة أكبر بلد مصدر للنفط في العالم على التخلص من الاعتماد على الخام.
واستنادا إلى احتياطيات أرامكو النفطية البالغة 261 مليار برميل والقيمة التي تتراوح بين سبعة وثمانية دولارات لبرميل الخام، والتي تتماشى مع الاستحواذات التي تمت في القطاع في الآونة الأخيرة مثل شراء توتال لأصول ميرسك النفطية، تستحق أرامكو قيمة تقترب من التريليوني دولار. لكن هذا ليس هو المعيار الأوحد لتحديد القيمة التي تستحقها شركة عاملة في قطاع الطاقة. وبمقاييس أخرى، قد تمثل القيمة المستهدفة لأرامكو تحديا.
ومعظم المعايير الأخرى لأكبر شركة منتجة للنفط في العالم هي ببساطة غير معروفة ولن يتم الكشف عنها قبل أن تنشر أرامكو نتائجها المالية قبيل الطرح العام الأولي المزمع في عام 2018. بيد أن حسابا بسيطا باستخدام النسب المقبولة عالميا لنظراء أرامكو، وهي قيمة الشركة مقابل الأرباح الأساسية (الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك)، تُظهر أن على الشركة السعودية الإفصاح عن أرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك بنحو 130 مليار دولار لكي تبلغ قيمتها تريليوني دولار.
ومثل هذه الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك ستكون في طليعة الأرقام الأهم عالميا. ولم يسبق أن أعلنت أي شركة في أي من القطاعات عن أرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك فوق 100 مليار دولار. في المقابل أعلنت أبل، عملاق التكنولوجيا وأكبر شركة مدرجة في العالم من حيث القيمة السوقية التي تفوق 830 مليار دولار، أرباحا قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك بلغت 82 مليار دولار في 2015.
وأعلنت إكسون موبيل، أكبر شركة طاقة مدرجة في العالم بقيمة سوقية بلغت 365 مليار دولار في 2016، أرباحا قبل الفوائد والضرائب الإهلاك والاستهلاك بلغت 23 مليار دولار العام الماضي بحسب بيانات تومسون رويترز ايكون. وفي عام 2012 أعلنت الشركة أرباحا قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك بلغت 65 مليار دولار، لكن ذلك وقت أن كان النفط يجري تداوله فوق 100 دولار للبرميل بينما يبلغ سعر خام القياس العالمي مزيج برنت الآن نحو 54 دولارا للبرميل.
وفي العام الماضي، جرى تداول إكسون عند نسبة تجاوزت 15 مرة قيمة الشركة مقابل الأرباح الأساسية، وهي قيمة مرتفعة بمعايير قطاع الطاقة. وإذا ماثلت أرامكو النسبة المرتفعة تلك فستحتاج أن تبلغ أرباحها الأساسية نحو 130 مليار دولار للوصول بقيمة الشركة إلى المستوى المستهدف. وعادة لا ترد أرامكو على طلبات التعليق على الكيفية التي ستصل بها إلى رقم التريليوني دولار. وقالت الشركة في بيان ”هذا الأمر ينطوي على قدر كبير من التكهن. لا نعلق على التكهنات أو الشائعات“. وقال مصدر في القطاع بالسعودية إن قيمة أرامكو لا يمكن حسابها قبل اكتمال بناء دفتر الأوامر لتقييم إقبال المستثمرين.
وأصاف المصدر أن مقارنة أرامكو بإكسون، التي لديها إنتاج يقل عن نصف ما تنتجه الشركة السعودية من النفط ولا تملك حتى عشرة بالمئة من احتياطيات الثانية، أمر مضلل مضيفا أن الأرباح الأساسية لا يجب أن تكون المعيار الوحيد. بيد أن أرامكو ستبذل قصارى جهدها لبلوغ النسبة المرتفعة التي حققتها إكسون. ويميل المستثمرون إلى إكسون أكثر من أي من شركات النفط الأخرى وهو ما يجعلهم يعطونها نسبا تكون في بعض الأحيان أكثر سخاء من شركات التكنولوجيا الشهيرة مثل جوجل وأبل.
على سبيل المثال تصل قيمة منافسي إكسون شل وبي.بي وتوتال إلى نحو ستة أمثال الأرباح الأساسية. وإذا جرى تقييم أرامكو عند ذلك المستوى، ستكون بحاجة للوصول بأرباحها الأساسية إلى رقم مذهل يبلغ 330 مليار دولار سنويا لتكون قيمتها السوقية تريليوني دولار. وقال مصرفي غربي في قطاع الاستثمار كان قد انخرط من قبل في إدراج شركة طاقة حكومية أخرى ”من الأشياء التي لا تفعلها أبدا قبيل طرح عام أولي أن تقول للسوق كم ستبلغ القيمة التي تستحقها الشركة حيث تصير على الفور أسيرا لرقم أو جدول زمني“.
لكن أرامكو ما زال بإمكانها أن تكون مربحة جدا بالنظر إلى إنتاجها من النفط البالغ نحو عشرة ملايين برميل يوميا وبعض معدلات الاستخراج الأرخص عالميا إلى جانب شبكة مصافيها التي تضيف المزيد من القيمة. بالمقارنة، لدى إكسون إنتاج يقل عن نصف ما تحققه أرامكو إذ وصل إنتاجها من المكافئ النفطي إلى أربعة ملايين برميل يوميا في 2016 بينما تمثل احتياطيات الشركة الأمريكية رقما هامشيا من احتياطيات المكافئ النفطي المثبتة لدى أرامكو والبالغة نحو 20 مليار برميل.
ولم يسبق أن نشرت أرامكو نتائجها لكن الاستنتاجات بشأن أرباحها يمكن استقاؤها من حسابات السعودية بالنظر إلى أن النفط يشكل نصيب الأسد في إيرادات المملكة حسبما قال فريد محمدي كبير الاقتصاديين لدى مجموعة رابيدان التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا. وقال محمدي “استنادا إلى ميزان المعاملات الجارية السعودي، كان لدى أرامكو إيرادات بلغت 160 مليار دولار العام الماضي من صادرات المنتجات المكررة والنفط فقط عندما كان متوسط سعر النفط 43 دولار للبرميل. بحسب رويترز.
”من ثم، إذا وصل سعر النفط إلى 70 دولارا للبرميل فليس من المستحيل أن تصل إيرادات أرامكو إلى 250 مليار دولار سنويا. وبالنظر إلى أن التكاليف التشغيلية لأرامكو من الأقل عالميا، فليس من المستحيل أن نراهم يحققون 100 مليار دولار سنويا وأكثر كأرباح“. وبالإضافة إلى الجوانب المالية، سيقيم المستثمرون المخاطر المرتبطة بالبلاد عند تحديد قيمة أرامكو. وتستفيد إكسون من أن مقرها في الولايات المتحدة وإن كانت بعض عملياتها وإنتاجها في دول غير مستقرة سياسيا. أما مقر أرامكو الرئيسي ففي السعودية التي تقع في منطقة متقلبة وتربطها حدود باليمن الدائرة بها حرب حاليا. وقال مصرفي غربي ”أرامكو دون شك شركة رائعة وحديثة وعالية الجودة... لكن للأسف، لا يمكن لأحد أن يقول إن السعودية بلد رائع من وجهة نظر جيوسياسية“.
10 مليار دولار
الى جانب ذلك قالت مصادر مطلعة إن جولدمان ساكس اشترى جزءا من تسهيل ائتماني لأرامكو السعودية بعشرة مليارات دولار مع سعيه للاضطلاع بدور في الإدراج التاريخي لشركة النفط. ويعد تأسيس علاقات مصرفية بداية من خلال صفقات قروض تتبعها لاحقا عمليات أخرى ممارسة شائعة في أسواق المال. واشترى جولدمان حصة من التسهيل الائتماني المتجدد الموقع مع عدد من البنوك في 2015. وقال اثنان من المصادر إن جولدمان اشترى عدة ملايين من الدولارات في السوق الثانوية من مجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية (ايه.إن.زد).
لم يكن البنك جزءا من القائمة الأصلية التي شملت 27 بنكا في التسهيل الائتماني وضمت بنوكا أمريكية وأوروبية وآسيوية وإقليمية بينها سيتي جروب وجيه.بي مورجان وإتش.إس.بي.سي وبنك الصين. زتخطط أرامكو لجمع 100 مليار دولار من خلال إدراج خمسة بالمئة من الشركة في السعودية وبورصة أخرى أو أكثر في الخارج. وامتنع جولدمان ساكس وايه.إن.زد عن التعليق بينما لم ترد أرامكو على طلب للتعقيب.
كانت مصادر قالت في مارس آذار إن جيه.بي.مورجان تشيس ومورجان ستانلي وإتش.إس.بي.سي قد عُينوا مستشارين ماليين دوليين للطرح العام الأولي لأرامكو. وقال اثنان من المصادر إنه كان من المتوقع أن ينضم جولدمان ساكس إلى الثلاثة كمنسق عالمي ومدير دفاتر عند استكمال تلك المراكز. ويتجه البنك إلى تعزيز حضوره في المملكة. وتقدم في الآونة الأخيرة إلى هيئة السوق المالية السعودية للحصول على رخصة لتداول الأسهم في المملكة حسبما ذكرت رويترز في يونيو حزيران.
وقالت المصادر إن جولدمان ساكس كان "يتسوق" مخاطبا البنوك الأخرى بشأن التسهيل لمعرفة ما إذا كانت تريد التخارج منه. ووصف أحد المصادر تسعير التسهيل بأنه "ضيق جدا" وأنه من الصعب على بعض المقرضين جني المال من ورائه لكنه أضاف أنه ما زال جذابا لتلك البنوك التي تتطلع إلى بناء علاقة قوية مع أرامكو. وكان هامش القرض الدولاري 12 نقطة وعشر نقاط أساس للتسهيلين لأجل خمس سنوات و364 يوما على الترتيب بحسب بيان العملية الصادر عام 2015. بحسب رويترز.
وليست هذه المرة الأولى التي تكون فيها البنوك مراكز في صفقة واحدة في السعودية على أمل الفوز بدور في صفقة ذات صلة في وقت لاحق. وكان للبنوك التي اشتركت في باكورة السندات الدولية السعودية العام الماضي بقيمة 17.5 مليار دولار دور في قرض مجمع سابق بعشرة مليارات دولار. وفي مؤشر آخر على تنامي حضور جولدمان ساكس في السعودية، جرى تعيين البنك لإدارة بيع حصة في مطار الرياض الذي سيكون أول عملية خصخصة كبرى لمطار في المملكة.
إمدادات النفط
من جهة اخرى قال الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية أمين الناصر إن العالم ربما يكون متجها صوب نقص في إمدادات النفط عقب انخفاض حاد في الاستثمارات وقلة اكتشافات النفط التقليدي الجديدة. وذكر الناصر أن مصادر النفط الصخري والطاقة البديلة عامل مهم للمساهمة في تلبية الطلب في المستقبل ولكن من السابق لأوانه افتراض أنه يمكن تطويرها سريعا لتحل محل النفط والغاز.
وأضاف "على سبيل المثال إذا نظرنا لوضع إمدادات النفط على المدى الطويل فإن الصورة تثير قلقا متزايدا". وتابع "المستثمرون الماليون يحجمون عن تقديم الاستثمارات الضخمة اللازمة للتنقيب عن النفط والتطوير على المدى الطويل والبنية التحتية المرتبطة بذلك". وتسبب هبوط أسعار النفط منذ 2014 بالفعل في فقد استثمارات بنحو تريليون دولار. وقال الناصر إن الدراسات أظهرت أن العالم بحاجة إلى إنتاج جديد قدره 20 مليون برميل يوميا لتلبية نمو الطلب وتعويض أثر التراجع الطبيعي للحقول المطورة خلال السنوات الخمس المقبلة.
وتابع "الاكتشافات الجديدة تشهد أيضا تراجعا كبيرا. حجم النفط التقليدي الذي تم اكتشافه في العالم خلال الأربع سنوات الأخيرة تراجع أكثر من النصف مقارنة مع السنوات الأربع السابقة". وقال الناصر لشبكة سي.إن.بي.سي "نقص الاستثمارات لا يفيد بالتأكيد، ومن ثم إذا استمر ذلك خلال العامين المقبلين سيكون هناك منعطف سيؤثر فيه ما نشهده اليوم على المستهلكين في نهاية المطاف وسيتأثر المعروض خلال العامين المقبلين". وأضاف "ما نحتاج إليه هو مزيد من الاستثمارات من مختلف القطاعات لضمان توفير معروض كاف في الأمد الطويل". بحسب رويترز.
وتواصل شركة أرامكو العملاقة، التي تنوي بيع حصة نحو خمسة في المئة من أسهمها في العام المقبل في طرح عام أولي، الاستثمار من أجل الحفاظ على طاقة الإنتاج عند 12 مليون برميل يوميا. وقال الناصر "ننوي استثمار أكثر من 300 مليار دولار في الأعوام العشرة المقبلة لتعزيز موقعنا البارز في مجال النفط والحفاظ على فائض طاقة الإنتاج النفطي وتنفيذ برنامج ضخم للتنقيب والإنتاج يركز على مصادر الغاز التقليدية وغير التقليدية". وأكد الناصر على أن الطرح العام الأولي سيتم في النصف الثاني من عام 2018.