الاقتصاد الصيني: الخوف من النمو المفرط والتحالفات المضادة

إيهاب علي النواب

2017-07-17 05:00

تراجع نمو الاقتصاد الصيني الى ادنى مستوياته منذ ربع قرن، اذ سجلت الصادرات والواردات الصينية في حزيران/يونيو نموا تخطى التوقعات بحسب ما اظهرت الارقام الرسمية لكن محللين حذروا من انه قد يكون مرحليا، ومن المتوقع ان يتراجع زخم ثاني أكبر اقتصاد في العالم في النصف الثاني من 2017 مع فرض بكين ضوابط على الاقتراض وشراء العقارات اللذين شكلا عاملين رئيسيين في تحقيق النمو على مدى سنوات، مما دفع كبير خبراء الاقتصاد الصيني في مجموعة "نومورا" يانغ تشاو أن يصرح أنه لا نزال نتوقع تراجع نمو الصادرات في النصف الثاني من 2017 مع ارتفاع قيمة اليوان هذه السنة كما والشكوك التي تحوم حول الطلب الخارجي، ويتابع يانغ تشاو ان الضوابط في مجال العقارات تؤدي الى تراجع الاستثمارات الداخلية، الامر الذي قد يلقي بثقله ايضا على نمو الصادرات.

من جهة أخرى تسعى الصين الى كبح جماح المصارف في منح قروض تنطوي على مخاطر ووضع ضوابط على شراء العقارات حيث ان ارتفاع نسبة الدين الصيني يعزز المخاوف من حصول ازمة قد تنفجر على الصعيد العالمي، وتأتي الارقام المفاجئة قبل انعقاد محادثات صينية اميركية في واشنطن حيث من المتوقع ان يجري الطرفان تقييما لنتائج اول مئة يوم لخطة العمل الهادفة الى تحسين العلاقات الجارية بين البلدين، واشتد التوتر بين البلدين في الاشهر الاخيرة وسط تباينات حول آلية مواجهة التهديد الكوري الشمالي، ولطالما شكل الفائض التجاري الصيني مع بقية دول العالم حجر عثرة في العلاقات مع الولايات المتحدة، الا ان الارقام الاميركية الاخيرة التي نشرت في وقت سابق أظهرت تراجع العجز الاميركي في التجارة مع الصين في ايار/مايو الى 30,1 مليار دولار اي بنسبة 6,2 بالمئة.

المانيا تشدد الضوابط على الاستثمارات الأجنبية لحماية نفسها من الصين

أقرت الحكومة الألمانية مرسوما يشدد ضوابط الاستثمارات الأجنبية في شركاتها الاستراتيجية تزامنا مع تنامي القلق في أوروبا حيال شهية الصين، في نفس الوقت حذرت المستشارة أنغيلا ميركيل قبل قمة مجموعة العشرين الأسبوع الماضي من التوسع الاقتصادي الصيني، مشيرة الى أن بكين تعتبر أوروبا "شبه جزيرة آسيوية"، وفي ألمانيا، يخضع كل استثمار حجمه اكثر من 25% من رأس مال اي شركة من جانب مستثمرين من خارج الاتحاد الأوروبي أو رابطة التجارة الحرة الأوروبية حكما لمراجعة وزارة الاقتصاد.

ويتعلق الامر بالتحقق مما إذا كانت الصفقة المحتملة ستؤدي الى تقويض النظام العام أو أمن البلاد، وبمواجهة العدد المتزايد للشركات التي يتم شراؤها، والتي "تزداد تعقيدا، أكثر فأكثر"، ترى ألمانيا أنه من الضروري "التكيف مع أساليب آليات التدقيق"، وترغب برلين خصوصا في ان تكون فترة التدقيق في العروض أربعة أشهر بدلا من شهرين حاليا، وتشمل مجالات الخضوع لموافقتها مقدمي الخدمات أو الشركات المصنعة للبرامج المستخدمة في قطاعات استراتيجية، مثل شبكات الكهرباء ومحطات الطاقة النووية وإمدادات المياه وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية والمستشفيات والمطارات، وفي حين تواجه الشركات الألمانية مستثمرين من بلدان "اقتصادها ليس مفتوحا كما هي الحال في بلدنا"، فان الاجراءات المتخذة يجب ان تسمح "بحماية أفضل وتعزيز التعامل بالمثل".

من جهته، انتقد اتحاد الصناعة الألمانية الواسع النفوذ هذا الموقف، مؤكدا أن ألمانيا "تقدم نفسها بشكل واضح على أنها بلد منفتح على المستثمرين الأجانب"، واعتبر المسؤول في الاتحاد ستيفن ماير في بيان إن "التعريف الواسع للعديد من قطاعات الاقتصاد بانها من البنى التحتية الاستراتيجية هو إشكالية بحد ذاتها"، مشيرا الى ان هذا الامر يجعل أكبر اقتصاد في أوروبا "أقل جاذبية" بالنسبة للمستثمرين، وهذا الموقف هو نتيجة لماحصل في عام 2016، عندما لم تتمكن ألمانيا والاتحاد الأوروبي من وقف عملية بيع تكنولوجيا "صنع في ألمانيا" عندما اشترى العملاق الصيني "ميديا" صانع الآلات الألماني "كوكا" بمبلغ 4,6 مليارات يورو، وبعد تقلبات عدة، نجت شركة اكسترون الصناعية من براثن صندوق الاستثمار الصيني "غراند شيب" بسبب فيتو الولايات المتحدة التي تخشى من استخدام منتجات الشركة الألمانية لأغراض عسكرية.

وألمانيا ليست هدفا رئيسيا للمستثمرين الصينيين فقط، فقد استحوذت الشركة الأميركية لتصنيع السيارات الكهربائية "تيسلا" العام الماضي على شركة "غروهمان" المتخصصة بالروبوتات والتي كانت تزود قطاع صناعة السيارات في البلاد مثل "دايملر" و"بي ام دبليو"، وأيدت ميركل منذ البداية اقتراح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إعطاء مزيد من الصلاحيات الى بروكسل لمراقبة عمليات الاستحواذ الخارجية في الاتحاد الأوروبي من أجل حماية القطاعات الاستراتيجية، وتشارك برلين حاليا في مبادرة مع فرنسا وإيطاليا من أجل تعزيز النظم في الاتحاد الأوروبي، لكن الفكرة تصطدم بمقاومة داخل الاتحاد الأوروبي، لا سيما من البرتغال واليونان وإسبانيا، بسبب خشيتها من ان يؤدي مثل هذا الإجراء الى عرقلة الاستثمار الأجنبي فيها.

"موديز" تخفض التصنيف الائتماني للديون الصينية لأول مرة منذ 28 عاما

خفضت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني للصين لأول مرة منذ 28 عاما، مبدية مخاوف حيال مخاطر زيادة ديون ثاني قوة اقتصادية في العالم وتباطؤ نموها الاقتصادي، وخفضت تصنيف الدين الصيني من "إيه إيه 3" إلى "إيه 1" مع توقعات مستقرة لهذا البلد، معتبرة أن "المتانة المالية للصين ستقوض قليلا خلال السنوات المقبلة، مع استمرار ارتفاع الحجم الاجمالي للديون، مقابل تباطؤ إمكانات النمو"، ورفضت وزارة المالية الصينية تصنيف موديز متهمة الوكالة بالمبالغة في تقديرها للمصاعب التي يواجهه هذا البلد، وتباطأ ارتفاع إجمالي الناتج الداخلي الصيني العام الماضي إلى 6,7%، أسوأ مستوياته منذ ربع قرن، ومع شيخوخة السكان وتباطؤ الاستثمارات والانتاجية، ذكرت موديز إنها تتوقع تراجع النمو إلى ما يقارب 5% سنويا خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو رقم أدنى بكثير من التوقعات الرسمية الصينية التي تراهن على متوسط يزيد عن 6,5% خلال الخطة الخمسية الثالثة عشرة لفترة ما بين 2016 و2020، وبعد عقود شهدت نسبة نمو تزيد عن 10%، يسعى النظام الشيوعي لدعم الاقتصاد من خلال استثمارات مكثفة في البنى التحتية وإبقاء معدلات الفائدة بمستويات متدنية جدا، لكن هذه السياسة تسببت بفورة مالية ولا سيما في القطاع العقاري، ما يثير مخاوف صندوق النقد الدولي.

وأخذ الصندوق على بكين إعطاء الأفضلية للنمو القريب المدى على حساب تصحيح نظامها المالي، ولفتت وكالة موديز في بيانها إلى أن الإصلاحات التي يعتزم النظام الشيوعي تنفيذها للتصدي للمخاطر المالية قد "تبطئ ارتفاع الديون من غير أن تمنعه"، وتبدي موديز مخاوف خصوصا بشأن ديون الشركات الرسمية التي غالبا ما تواجه عجزا ماليا والتي تمتص قسما كبيرا من القروض المصرفية، على حساب القطاع الخاص، وإن كانت بكين تبدي عزمها على إصلاح القطاع العام، إلا أن وكالة التصنيف الائتماني تقول "نعتقد أن هذه الجهود الإصلاحية لن يكون لها تأثير كاف ولن تتم بسرعة كافية لتفادي تقويض" المكانة المالية الصينية.

ولم يسبق لموديز أن خفضت تصنيف الدين الصيني منذ 1989، فيما واصل هذا الدين الارتفاع منذ ذلك الحين بموازاة بروز البلد كقوة اقتصادية. وانعكس الخبر على الأسواق المالية وعلى اليوان، لكن بورصتي شنغهاي وشينزن عوضتا في منتصف النهار عن خسائرهما، وكذلك العملة الوطنية الصينية، وكان مجموع الدين الصيني يمثل 256% من إجمالي الناتج الداخلي في نهاية العام الماضي. لكن الدين الخارجي لا يزيد عن 12% من المجموع، وتتوقع وكالة موديز أن يصل الدين العام وحده إلى 45% من إجمالي الناتج الداخلي بحلول نهاية العقد، وانخفض مؤشر شنغهاي المجمع أكثر من واحد بالمئة في المعاملات المبكرة قبل أن يعوض خسائره وتراجع اليوان لفترة وجيزة في الأسواق الخارجية مقابل الدولار الأمريكي بنحو 0.1 بالمئة عقب إعلان خفض التصنيف الائتماني.

اقتصاد الصين يفقد الزخم مع استهداف صناع السياسات مخاطر الديون

اتخذ النمو في الصين خطوة للوراء في أبريل نيسان بعد بداية قوية مفاجئة للعام حيث تراجع إنتاج المصانع والاستثمارات ومبيعات التجزئة مع قيام السلطات بتضييق الخناق على مخاطر الدين في مسعى لتفادي الإضرار بالاقتصاد، وتبرز البيانات الصادرة الأثر الاقتصادي الواسع لهذه القيود التنظيمية إذ جاءت بيانات إنتاج المصانع في أبريل نيسان والاستثمار في الأصول الثابتة في الأشهر الأربعة الأولى من العام دون التوقعات مما يعزز الدلائل على ضعف قطاع الصناعات التحويلية وتباطؤ قوة الدفع بثاني أكبر اقتصاد في العالم، وارتفع إنتاج المصانع 6.5 بالمئة في أبريل نيسان من مستواه قبل عام، في تباطؤ من 7.6 بالمئة في مارس آذار، وزاد الاستثمار في الأصول الثابتة 8.9 بالمئة في الأشهر الأربعة الأولى، منخفضا عن الوتيرة البالغة 9.2 بالمئة للفترة بين يناير كانون الثاني ومارس آذار.

وتباطأ نمو الإنتاج بفعل هبوط أسعار الصلب والحديد وسط مخاوف إزاء زيادة المخزونات بعد أن أنتجت المصانع الصينية أكبر قدر ممكن من المعدن لدفع إنتاج المصانع صوب أعلى مستوياته منذ ديسمبر كانون الأول 2004، لكن على أساس الكمية، يكون إنتاج الصلب قد ارتفع إلى مستوى قياسي في أبريل نيسان ، مما يثير المخاوف من تخمة معروض في الوقت الذي يظل فيه الطلب ثابتا بينما تقول الصين إنها بلغت أهداف خفض الطاقة الإنتاجية قبل الموعد المحدد لذلك، وتباطأ الاستثمار في الأصول الثابتة بقطاع الصناعات التحويلية في الفترة من يناير كانون الثاني حتى أبريل نيسان ليسجل نموا بنسبة 4.9 بالمئة انخفاضا من 5.8 بالمئة في الربع الأول، لكن الإنفاق على البنية التحتية واصل النمو بأكثر من 23 بالمئة على أساس سنوي في نفس الفترة مدعوما بمبادرة الحزام والطريق التي تتبناها بكين لتوسيع الروابط الاستثمارية مع آسيا وافريقيا وأوروبا.

وأظهرت البيانات الصادرة أن الاستثمار في تطوير العقارات زاد في أبريل نيسان لكن نمو المبيعات كان أبطأ كثيرا بما يشير إلى أن الاستثمار في القطاع يظل قويا حتى في الوقت الذي بدأت فيه قيود حكومية مشددة تستهدف كبح السوق تدخل حيز التنفيذ، وزادت مساحة العقارات المبيعة 7.7 بالمئة على أساس سنوي في أبريل نيسان، وهو أدنى مستوى منذ ديسمبر كانون الأول 2015، ودون الزيادة البالغة 14.7 بالمئة في مارس آذار، وزادت مبيعات التجزئة 10.7 بالمئة في أبريل نيسان من مستواها قبل عام، ودون الزيادة البالغة 10.9 بالمئة في مارس آذار في الوقت الذي تباطأ فيه نمو مبيعات الأجهزة المنزلية والسيارات مقارنة مع مارس آذار، في الوقت ذاته، تباطأ النمو في قطاع الخدمات إلى 8.1 بالمئة على أساس سنوي، منخفضا من نمو بلغ 8.3 بالمئة في مارس آذار ومسجلا أبطأ وتيرة منذ ديسمبر كانون الأول.

وبلغ النمو الاقتصادي في الربع الأول 6.9 بالمئة متجاوزا التوقعات، وهي أسرع وتيرة منذ 2015 بفعل ارتفاع الإنفاق الحكومي على البنية التحتية وطفرة قطاع العقارات، وخفضت الصين هدفها للنمو الاقتصادي إلى نحو 6.5 بالمئة هذا العام كي تمنح صناع السياسات مجالا أوسع للمضي في إصلاحات مؤلمة واحتواء المخاطر المالية بعد سنوات من النمو الذي ظلت تغذيه القروض.

الا إن بكين لن تسمح بإنهيار اقتصادها الذي يشهد تباطأ والرسالة التي وجهتها الحكومة خلال الدورة السنوية للبرلمان الصيني كانت واضحة في هذا الشأن، المخطط الخماسي الذي تمّ اعتماده بأكثر من 97% من الأصوات مؤشر قوي لتدارك الوضع، بالنسبة لرئيس الوزراء الصيني، فاقتصاد البلاد يواجه صعوبات ولكن الآمال قائمة لتجاوز مختلف المشاكل، اذ إن مشروع المخطط الخماسي الثالث عشر يطمح إلى الحفاظ على معدلات النمو بين 6.5% و7% من 2016 إلى 2020، وفي نفس الوقت سيزيد الناتج المحلي الإجمالي من 67.700 مليار يوان إلى 92.700 مليار يوان بحلول 2020، أي ضعف الناتج المحلي حاليا، ولإعادة التوازن إلى الاقتصاد، لابد من تغيير النموذج. وبصرف النظر عن الصناعة، فقطاع البناء والعقارات يواجه صعوبات على خلفية تراجع الطلب وارتفاع العرض بشكل كبير وهو ما ساهم في انخفاض المبيعات والأسعار وأدى إلى تباطؤ الاستثمارات، ويتمثل جزء من التحدي: التحرك نحو قطاعات جديدة، الخدمات والتكنولوجيات الجديدة والاستهلاك المحلي الذي يحتاج إلى تحفيز كبير، لاسيما من خلال تخفيضات ضريبية أو من خلال تسهيل الحصول على قروض.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي