الاقتصاد العراقي وسوق النفط المضطرب

د. حيدر حسين آل طعمة

2017-03-29 05:50

يدخل هبوط اسعار النفط عامه الثالث وسط انحسار الآمال بتعافي الاسواق وعودة الاسعار لمستوياتها القياسية ما قبل حزيران 2014. يتزامن ذلك مع سريان اتفاق تقليص النفط الخام من داخل وخارج اوبك لضبط ايقاع الامدادات وامتصاص الفائض.

مع ذلك، لا تزال اسعار خام برنت تتأرجح حول معدل (50-55) دولار للبرميل تحت ضغوط عودة النفط الصخري لمستوياته السابقة وارتفاع المخزون الاستراتيجي العالمي وتواضع معدلات نمو الطلب العالمي على النفط.

وفي البلدان النفطية، تثير العجوزات المالية المتراكمة التساؤل حول مدى قدرة هذه الاقتصادات على الصمود والتعايش مع سعر نفط منخفض خصوصاً وأنها تعتمد على المورد النفطي في تمويل الموازنة وتنمية الاقتصاد من جهة وضعف التوقعات حول عودة الأسعار لمستوياتها السابقة من جهة اخرى.

اما في العراق فان اتجاه اسعار النفط الخام تدفع البلد باتجاه الجزء الحاد من الازمة، نظراً للاعتماد المفرط على النفط وضعف سياسات الحكومة في توليد موارد مالية بديلة تسهم في تغطية النفقات العامة المتزايدة نتيجة الحرب على داعش وما تخلفه من تكاليف انسانية وانهيار في البنية التحتية.

ويمكن رصد أبرز التحديات التي تطوق فرص العراق في اجتياز الازمة المالية الراهنة:

1- انحسار الايرادات النفطية بسبب تدهور اسعار النفط ودخول العراق في الاتفاق النفطي الجديد القاضي بتقليص انتاج البلد بما يفوق 200 الف برميل يوميا.

2- ضعف الحكومة المركزية في التصدي للمقاومة الناشئة عن تعبئة موارد مالية سيادية كالضرائب والرسوم وغيرها. فقد اخفقت الحكومة في تطبيق العديد من القوانين الضريبية التي شرعت خلال الاعوام 2016 و2017 بسبب الانصياع لرغبات التجار والمتنفذين وضعف تطبيق القانون في البلد.

3- تضخم الانفاق العام الاستهلاكي واخفاق الحكومة في ضبط مصادر الهدر المالي نظراً لاصطدامها بمصالح سياسية وحزبية راسخة كتقليص الامتيازات والمنافع الاجتماعية للدرجات الوظيفية الخاصة ودمج بعض الوزارات والهيئات الحكومية الفائضة.

4- انزلاق العراق في فخ المديونية من جديد بعد مفاوضات عسيرة انهت تركة الديون المتراكمة في عهد النظام السابق. فقد تراكم اجمالي الدين العام من جديد في البلد ليلامس عتبة 100 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية فقط، علماً بان العراق كان قد حقق فائض مالي قارب 18 مليار دولار حتى بداية العام 2013.

5- غياب المناخ الاستثماري المناسب لجذب الاستثمار الاجنبي وتحفيز الاستثمار المحلي على استغلال الفرص الاستثمارية الكبرى في البلد، ويعود ذلك بشكل اساس الى تدهور الوضع الامني وغياب الرؤية الحكومية في توفير القوانين والتشريعات المحفزة فضلاً على انعدام البنية التحتية الملائمة لانطلاق المشروعات الخاصة.

6- تفشي الفساد المالي والاداري والسياسي بشكل مذهل داخل معظم الحلقات الحكومية، خصوصاً مع وجود تنافس سياسي بشع حول ابتلاع موارد وامكانات الدولة لصالح تقوية وتمكين الاحزاب الحاكمة في الاستحواذ على السلطة.

7- تفاقم معدلات البطالة بشكل مرعب، وصل قرابة 30% من اجمالي القوى العاملة، مما يزيد من مخاطر تدهور وانكماش النشاط الاقتصادي المحلي وينذر كذلك بتراجع حركة التبادل والتجارة ويزيد من نمو مظاهر العنف والانخراط في الجريمة لأسباب مادية.

سياسات الاصلاح المالي والاقتصادي

ان التعويل على تعافي أسعار النفط في الأسواق العالمية لتوفير التمويل اللازم للموازنة والاقتصاد يشكل ركيزة هشّة تهدد مجمل الأنشطة الاقتصادية في العراق، خصوصاً مع إرهاصات ركود الاقتصاد العالمي وضعف التوقعات حيال عودة الأسعار لمستويات ما قبل الانهيار في ظل إغراق مستمر للأسواق النفطية. ومن شأن استمرار الهبوط السعري لأسعار النفط أنْ يضاعف الأعباء على كاهل الاقتصاد الوطني، بالتزامن مع أعباء داخلية متعددة، أهمها الاضطراب الأمني والسياسي. إلا أن اعتماد سياسات اقتصادية حصيفة قد تحوّل التحديات إلى فرص لإعادة هيكلة الاقتصاد والانسلاخ عن النموذج الريعي في النمو لصالح تنويع القاعدة الانتاجية وتعزيز النمو والاستقرار الاقتصادي المستدام.

ولابد من التذكير، قبل الاشارة للسياسات الاقتصادية المطلوبة، بان نجاح اي من الاصلاحات الاقتصادية يعتمد على ارادة وجدية الاحزاب السياسية الحاكمة في الشروع بتنمية وبناء الاقتصاد العراقي، نظرا لكونها تمثل ماكنة تشريع وتنفيذ القرار الاقتصادي في البلد.

ومن أبرز الحلول المطروحة في هذا السياق:

1- ترشيق النفقات العامة: من أبرز اسباب الازمة المالية الجارية الافراط في النفقات العامة خلال السنوات السابقة بسبب ارتفاع اسعار النفط وغياب التخطيط السليم والرقابة، على حساب انشاء صندوق ثروة سيادي اسوة بدول الخليج استعداداً للصدمات النفطية التي تتعرض لها البلدان النفطية باستمرار.

2- تنويع الايرادات الحكومية: تفصح التجربة بان الحكومة غير قادرة على تنويع ايرادات الموازنة لا من الضرائب ولا من تفعيل شركات القطاع العام ولا عبر الدوائر الحكومية وذلك لضعف سيادة القانون وعدم قدرة الحكومة المركزية على تطبيق القانون النافذ على الاقليم مما يدفع محافظات الوسط والجنوب الى عدم الانصياع الى القوانين والتشريعات الحكومية الخاصة بالضرائب والتعرفة الجمركية ما لم يلتزم بها الاقليم اولاً، وقد تكررت هذه الحالة منذ سنوات.

3- تشجيع القطاع الخاص: هناك جهود تبذل لأجل تحفيز انطلاق القطاع الخاص لما له من دور محوري في استيعاب الايدي العاملة وتحريك كافة القطاعات الاقتصادية الراكدة، وقد اعلن مجلس الوزراء لأكثر من مرة سعيه على تذليل كافة العقبات التي تعيق انطلاق القطاع الخاص واخذ دوره الريادي في تحقيق التنمية وامتصاص الايدي العاملة وتنويع الاقتصاد العراقي، ولكن بدون بنية تحتية مناسبة ووضع امني مستقر وتشريعات قانونية وضريبية ملائمة وحماية جمركية فعالة فان هذه الاجراءات لن تكون سوى خطابات انشائية بعيدة عن الواقع العراقي.

4- اعتماد موازنة البرامج: احد ابرز اسباب تعثر الاقتصاد العراقي خلال السنوات السابقة غياب البرنامج الاقتصادي عن ابواب النفقات والايرادات الحكومية التي تضمنتها موازنات الاعوام السابقة. لذا من الضروري ان تتضمن الموازنة القادمة برنامج اقتصادي يحاكي الازمة الاقتصادية في البلد ويؤسس لنمط جديد في ادارة الملف الاقتصادي يجنح الى تنويع الموارد وتحفيز القطاعات الاقتصادية الزراعية والصناعية والسياحية والنهوض بالقطاع الخاص للحد من احادية الاقتصاد العراقي واتكاله المزمن على المورد النفطي.

5- عدم الانخراط في برامج القروض الدولية: لم تكن معظم تجارب البلدان النامية في الاقتراض مشجعة وانتهت في نهاية المطاف الى جدولة الديون وبيع القطاع العام والثروة الوطنية للشركات الاجنبية، ويُعتقد بان هناك مؤامرة للاستيلاء على النفط العراقي من قبل الشركات العملاقة خصوصاً بعد ما عانته من صعوبة مع المفاوض العراقي، في المركز. لذا يجب الحذر من الاقتراض الدولي وبفوائد عالية خشية السقوط في فخ المديونية وما له من تبعات اقتصادية خطيرة.

6- الاستعانة بمؤسسات تدقيق ورقابة دولية بعيدة عن التوافقات السياسية والمحاصصة، لأجل كشف ملفات الفساد وتنظيم عمليات صرف النفقات ومنح العقود بشكل شفاف.

7-اصلاح الجهاز المصرفي وسن قوانين رادعة لعمل المصارف في البلد لأجل تحويل المصارف الاهلية الى جسور للتنمية والتمويل لا مكاتب لغسيل الاموال وتهريب الدولار.

8- إبعاد المناصب الاقتصادية العليا في البلد عن المحاصصة والمحسوبية ومن ابرزها البنك المركزي العراقي ووزارة المالية ووزارة التخطيط ووزارة التجارة ووزارة الصناعة والهيئة العليا للاستثمار، وان لم يكن بالإمكان ذلك على مستوى الوزراء فلا باس ان يكون ذلك على مستوى الوكلاء والمستشارين والمدراء العاميين.

9- التنسيق الكامل مع مؤسسات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في دعم واسناد عمل كافة الوزارات من خلال التعاون المشترك لأجل اضفاء الجانب العلمي في ادارة مؤسسات الدولة ورفدها بأحدث ما وصل اليه العلم والتكنلوجيا، فضلاً على ضمان ان تكون مخرجات الوزارة ضمن متطلبات سوق العمل لتامين الوظائف اللازمة للخريجين.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا