رفع الفائدة الاميركية يهدد مسار الاقتصاد العالمي
إيهاب علي النواب
2017-03-15 05:50
يرى المستثمرون أنه من شبه المؤكد أن يرفع البنك المركزي الأمريكي )الاحتياطي الفيدرالي) سعر الفائدة ، وذلك بناء على مؤشرات على نمو قوي في فرص العمل، ورجحت الأسواق، التي تتابع توقعات المستثمرين بسعر الفائدة الأساسي، أن يكون الارتفاع بنسبة نحو مئة في المئة، وستكون هذه المرة الثالثة فقط خلال عقد من الزمن التي يرفع فيها البنك المركزي سعر الفائدة، ويرى محللون إن احتمالات رفع سعر الفائدة قد زادت ، وذلك بعد أن أظهرت بيانات نموا أكبر من المتوقع في سوق العمل ، اذ يتضح من بيانات مكتب إحصاء العمل أن أماكن العمل الأمريكية قد وفرت 235 ألف فرصة عمل جديدة، وكانت محافظ البنك المركزي جانيت يلين قد صرحت بأن البنك قد يرفع سعر الفائدة في حال جاءت مؤشرات التضخم وفرص العمل في مستوى التوقعات.
لماذا تم رفع الفائدة؟
بدأ الاقتصاد الأمريكي في العامين الأخيرين التعافي بشكل جيد وملحوظ من آثار الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم عام 2008. وبالتالي فإن البنك المركزي الأمريكي يسعى من خلال الإقدام على هذه الخطوة إلى التأكيد على تعافي الاقتصاد الأمريكي من الأزمة المالية السابقة، وتعزيز ثقة المستثمرين في قوة أكبر اقتصادات العالم.
مشاكل للاقتصادات النامية
مع ارتفاع الفائدة الأمريكية فإن جميع الأصول التي تم تقييمها باستخدام الدولار الأمريكي تصبح أكثر جذباً للمستثمرين في جميع أنحاء العالم، هذا الأمر يؤدي بالتالي إلى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي على حساب العملات الأخرى، هذا الأمر ينعكس بالسلب على الاقتصادات الخاصة بالدول النامية مثل روسيا والبرازيل وتركيا. لماذا؟
ببساطة، لأن اختلاف نسب الفائدة سيصب في صالح الولايات المتحدة مما يؤدي إلى تدفق رؤوس الأموال من اقتصادات هذه الدول باتجاه الولايات المتحدة طمعاً في الفوائد الأعلى، أمر آخر سينتج عنه متاعب للاقتصادات النامية، يتمثل في أن ارتفاع الفائدة الأمريكية سيؤدي إلى تراكم في أعباء الديون الدولارية على الدول التي أخذت قروضاً بالدولار الأمريكي، ما يعد ثقلاً جديداً على الأعباء التي يتحملها اقتصاد هذه الدول، ونتيجة ارتفاع سعر الفائدة الأمريكية فإن أسعار الذهب تميل للانخفاض، ويرجع هذا الأمر إلى أن الاحتفاظ بالذهب سيكون أكثر تكلفة على المستثمر، كما أن ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي سيجعل الذهب (المقوم بالعملة الأمريكية) أكثر كلفة على أصحاب العملات الأخرى. كل هذه الأمور تجعل عمليات بيع الذهب أكثر من عمليات الشراء، فيزداد المعروض عن الطلب وتنخفض قيمة الذهب، وقد كان من المتوقع منذ فترة طويلة إقدام البنك المركزي الأمريكي على خطوة رفع نسبة الفائدة، وهو ما أدى لانخفاض قيمة الذهب منذ شهور عديدة، وتشير التوقعات إلى عدم انخفاض سعر الذهب في الفترة القادمة بنسبة كبيرة خصوصاً وأن رفع الفائدة كان بنسبة ضئيلة.
البنوك المركزية الأخرى
في الوقت الذي يتجه في البنك المركزي الأمريكي إلى رفع الفائدة، تقوم غالبية البنوك المركزية حول العالم بخفض أسعار الفائدة في خطوة معاكسة، خصوصاً البنك المركزي الأوروبي والبنك المركزي الصيني. هذا الاختلاف يحمل الكثير من المخاطر ويحذر الاقتصاديون من آثاره السلبية على الاقتصاد العالمي، ورفع الفائدة يؤدي إلى رفع قيمة الدولار الأمريكي. هذا الأمر يجعل من قيام بعض البنوك المركزية حول العالم ببناء احتياطات من العملات الأجنبية شيئاً صعب التحقيق؛ وذلك لارتباط غالبية العملات الأجنبية الكبرى بالدولار. روسيا ستكون أحد هذه الدول بالتأكيد، ومن المعروف اقتصادياً أن ارتفاع سعر الدولار يؤدي لانخفاض سعر النفط؛ لأن النفط هو إحدى السلع الأولية المقومة بالدولار، وعند ارتفاع سعر الفائدة فإن قيمة الدولار سترتفع مما يجعل قيمة النفط أغلى ثمناً، وهو ما يقوض الطلب فتهبط أسعاره، وبالطبع أضف إلى هذا سبب الانخفاض الرئيس المتعلق بزيادة المعروض من النفط نتيجة عدم اتفاق دولة أوبك على تخفيض الانتاج خصوصاً مع الإصرار الإيراني على ضخ كميات كبيرة من النفط في الأسواق بعدما تم رفع العقوبات التي كانت تقيد من صادراتها النفطية.
ورحبت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالبيانات الجديدة حول فرص العمل، والتي تغطي الشهر الأول للرئيس في السلطة، وقد لوحظ زيادة فرص العمل المتاحة في الولايات المتحدة خلال الشهور الماضية، وكانت هناك مؤشرات أخرى لاكتساب الاقتصاد الأمريكي قوة إضافية اذ بلغ معدل البطالة 4.7 في المئة، ووفر قطاع البناء أكبر عدد من فرص العمل لأول مرة خلال عقد من الزمن، كما ارتفع معدل الأجور في الساعة بقيمة 6 سنتات ليبلغ 26.09 دولار، أي بزيادة 2.8 في المئة عنه قبل عام من الآن، وكان ترامب قد وعد بتأمين 25 مليون فرصة عمل على مدى عشر سنوات.
الشركات تتحوط مع ارتفاع محتمل لتكلفة الإقراض
يمثل قرار الاحتياطي الفيدرالي برفع معدل الفائدة لأول مرة منذ عام 2006 “لحظة حاسمة للاقتصاد العالمي ٬ لُينهي سياسة تسهيل الاقتراض التي اتبعها لدعم النمو الاقتصادي الأميركي بعد الأزمة المالية في عام 2008، اذ قررت لجنة السياسة النقدية في ختام اجتماعها ٬ استمر لمدة يومين في العاصمة الأميركية واشنطن٬ رفع معدلات الفائدة الرئيسية التي ظلت قريبة من الصفر منذ أواخر عام ٬2008 بـ0.25%٬ لتصل إلى 0.5%،
ويعد قرار رفع الفائدة يعد خبراً سيئا بالنسبة لأسواق الأسهم إذ تنسحب السيولة من أسواق المال فى ظل عائد أفضل على النقد يمكن الحصول عليه فى اى وقت ونسبة مخاطرة تكاد تكون معدومة . كما أن ارتفاع الدولار يؤثر أيضا على الذهب والذى يأخذ فى الغالب اتجاهاً معاكسا للدولار، ودعت رئيسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي- جانيت يلين، إلى عدم المبالغة في تقييم آثار أول زيادة لمعدلات الفائدة قررها المصرف المركزي.
ومن ناحية أخرى ترى وكالة التصنيف الائتماني فيتش، أن ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية يؤكد التوسع القوي في الاستهلاك المحلي، وانتعاش سوق العمل، إلى جانب معدلات البطالة المستمرة في الانخفاض، وانتعاش الأجور الحقيقية، وأضافت “فيتش” في تقرير لها عقب قرار الفيدرالي برفع الفائدة، أن التصنيفات السيادية للأسواق الناشئة لن تتأثر فقط بقرار رفع سعر الفائدة الأمريكي، ولكن أيضاً سيكون هناك تأثيرات كبيرة إذا ما تمت إعادة توجيه التدفقات النقدية الدولية إلى الأصول الأمريكية.
إلا أن هناك سيناريو يتعارض مع رؤية فيتش يرى أن زيادة أسعار الفائدة تؤدي إلى إعاقة تعافي الاقتصاد الأمريكي بشكل مباشر. فارتفاع أسعار الفائدة سيؤدي إلى زيادة تكلفة الاقتراض للاستثمار ويجعل الادخار أكثر جاذبية بالمقارنة مع الاستهلاك. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى إضعاف الطلب المحلي. علاوة على ذلك، فقد يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة قيمة الدولار الأمريكي، مما سيضر بالصادرات الأمريكية. وبينما يعترف بنك الاحتياطي الفيدرالي بهذه المخاطر، إلا أنه يثق في الأسس القوية للاقتصاد الأمريكي بالنظر إلى الوضع الصحي للاستهلاك الخاص وتعافي سوق المنازل. وعلى أية حال، يجب أن ننتظر البيانات القادمة لنرى إذا كان هذا السيناريو سيتحقق فعلاً
وبعد 30 دقيقة من إعلان مجلس الفدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة، قامت البنوك المركزية في السعودية والكويت والبحرين برفع أسعار الفائدة، إذ رفع البنك المركزي السعودي سعر اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس (الريبو العكسي) ليوم واحد بواقع 25 نقطة أساس، ليصل إلى 50 نقطة أساس، لكنه ترك سعر الفائدة الأساسي لاتفاقيات إعادة الشراء ثابتا عند مستوى 2.0 في المئة.
ومن ناحية أخرى، رفع بنك الكويت المركزي سعر الخصم الأساسي بواقع 25 نقطة أساس ليصل إلى 2.25 في المئة، في حين أبقى البنك المركزي البحريني على سعر اتفاقيات إعادة الشراء ثابتا عند مستوى 2.25 في المئة، ورفع سعر الفائدة ليوم واحد بمعدل 25 نقطة أساس ليصل إلى 0.5 في المئة، كما رفع سعر الفائدة ليوم واحد بمعدل 25 نقطة أساس ليبلغ 0.5 في المئة، وسعر الفائدة لأسبوع واحد بواقع 25 نقطة أساس ليصل إلى 0.75 في المئة.
كان الإجراء الذي اتخذته هذه البنوك المركزية الخليجية الثلاثة متوقعا، حيث إن دول الخليج ربطت أسعار صرف عملاتها بالدولار (باستثناء الدينار الذي يرتبط سعر صرفه بسلة من العملات يهيمن عليها الدولار). من ناحية أخرى، فإن عدم رفع أسعار الفائدة كان سيحث المستثمرين لبيع أصولهم في منطقة الخليج، وتوظيف عائداتها في الاستثمارات المقومة بالدولار ذات العوائد المرتفعة. إضافة إلى ذلك، فإن عدم رفع أسعار الفائدة كان سيضع مزيدا من الضغوط على العملات الخليجية.
وجاءت الزيادة في أسعار الفائدة في وقت تعاني دول الخليج تباطؤا حادا في النشاط الاقتصادي، بسبب اعتمادها المفرط على الإيرادات النفطية. إضافة إلى ذلك، تأثرت البنوك في منطقة دول الخليج سلبا بظروف السيولة المقيدة في الشهور الأخيرة، بسبب انخفاض أسعار النفط. وقد أثر تراجع عائدات النفط على تدفق الإيرادات النفطية في شكل ودائع مصرفية، إضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع أسعار الفائدة على القروض المصرفية من شأنه أن يشكل عائقا أمام المقترضين في المنطقة، ومن الواضح أن التعديلات التي أجريت على سعر الفائدة الأساسي تؤثر على سلوك المستهلكين والشركات وأسواق الأسهم على حد سواء، وإن كان تأثيرها على الأخيرة ليس فوريا.