هل يُـقْـدِم ترمب على إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي؟

بروجيكت سنديكيت

2025-07-23 05:19

بقلم: مايكل آر سترين

واشنطن، العاصمة ــ ذَكَرَت بعض تقارير أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب استطلع رأي مجموعة من الجمهوريين في مجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي حول ما إذا كان ينبغي له إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، حتى أنه عرض عليهم مسودة خطاب إنهاء الخدمة. ستكون إقالة باول خطأ فادحا على أساس موضوعي ــ وسوف تتسبب في زيادة أسعار الفائدة في حين يريد ترمب أن يراها منخفضة.

مع تنامي إحباط ترمب إزاء باول، تصاعدت هجماته. أعطى ترمب رئيس الاحتياطي الفيدرالي كنية "بعد فوات الأوان"، في إشارة إلى فشل مجلس الاحتياطي الفيدرالي في إدراك التضخم المتسارع في عام 2021، وقرار باول بعدم خفض أسعار الفائدة في عام 2025. ثم أرسل إلى باول مذكرة مكتوبة بخط اليد زعم فيها إن الاحتياطي الفيدرالي "كلف الولايات المتحدة ثروة" بالامتناع عن خفض أسعار الفائدة. وهو الآن يلاحق باول بشأن تكلفة تجديد مقر الاحتياطي الفيدرالي.

حافظ باول وزملاؤه في الاحتياطي الفيدرالي على سعر الفائدة عند نحو 4.3% منذ تولي ترمب منصبه في يناير/كانون الثاني. يعتقد الرئيس أن سعر الفائدة الذي تفرضه سياسة الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يكون قريبا من 1%. من الواضح أن ترمب مخطئ ــ وقد فعل الاحتياطي الفيدرالي الصواب بالامتناع عن خفض أسعار الفائدة هذا العام.

لنتأمل هنا الظروف الاقتصادية والسوقية الحالية. يشير حجم الأدلة المتوفرة بوضوح إلى أن قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي بالامتناع عن خفض أسعار الفائدة في وقت سابق من هذا العام لم يؤد إلى ضعف سوق العمل، أو انخفاض التضخم إلى ما دون المستوى المستهدف ــ أو حتى تباطؤه بدرجة ملحوظة ــ أو إحكام الظروف المالية.

ومعدل البطالة منخفض ولا يتجه نحو الارتفاع، فهو ثابت عند مستوى 4.1% ــ وهو ذات المعدل الذي كان عليه قبل 12 شهرا. صحيح أن المعدل ارتفع بمقدار عشر نقاط أساس منذ يناير/كانون الثاني، لكنه انخفض في يونيو/حزيران مقارنة بشهر مايو/أيار. وفقا لحساباتي، أضاف الاقتصاد 111 ألف وظيفة ثابتة جديدة صافية شهريا في المتوسط في الربع الأول من عام 2025، وهذا أقل من متوسط الربع الثاني، 150 ألف وظيفة. ولا توجد أي إشارة في بيانات تسريح العمال أو مطالبات إعانات البطالة إلى أن هذا قد يتغير في أي وقت قريب.

من ناحية أخرى، نجد أن تضخم أسعار المستهلك أعلى كثيرا من المستوى 2% الذي يستهدفه الاحتياطي الفيدرالي، وبوسعنا أن نقول إنه قد تسارع بشكل طفيف. في شهر يونيو/حزيران، كان معدل التضخم الأساسي قياسا على مؤشر أسعار المستهلك (CPI) 2.9%، ارتفاعا من 2.8% في شهر مايو/أيار، وهو أعلى معدل شهري منذ شهر فبراير/شباط. كما تسارع بشكل معتدل التضخم الأساسي قياسا على مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) في الربع الثاني من هذا العام، وأتوقع أن تُظهر بيانات شهر يونيو/حزيران (التي ستصدر في نهاية هذا الشهر) ارتفاع التضخم مقارنة بشهر مايو/أيار.

يُحدد بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على أمل التأثير على الأوضاع المالية العامة، بما في ذلك قيم الأسهم في عموم الأمر، وأسعار الفائدة، وفروق أسعار الائتمان، وأسعار الصرف. ولا يبدو أن معدل الفائدة على الأموال الفيدرالية عند مستوى 4.3% كان مرتفعا بالقدر الكافي لجعل تلك الظروف مُـحـكَـمة. وفقا لمقياس جولدمان ساكس، على سبيل المثال، أصبحت الظروف المالية أكثر لينا مقارنة بما كانت عليه في بداية العام.

هذا لا يعني أن ترمب محق بشأن قرارات الاحتياطي الفيدرالي حول أسعار الفائدة في النصف الأول من عام 2025. لكن السياسة النقدية تعمل مع تأخير، وينبغي للاحتياطي الفيدرالي أن يتخذ قرارات بشأن أسعار الفائدة في النصف الثاني من هذا العام بهدف التأثير على الظروف الاقتصادية بدرجة أكبر في المستقبل.

في وقت كتابة هذا التعليق، تعتقد الأسواق أن احتمالات خفض أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي بحلول نهاية العام تزيد عن 93%. ربما، لكن الأمر لا يخلو من مخاطر واضحة ترتبط التوقعات. فقد استقر إنفاق المستهلك هذا العام. في الواقع، تُظهر بيانات مبيعات التجزئة الصادرة الأسبوع الماضي انخفاضا طفيفا في الإنفاق في شهر يونيو/حزيران مقارنة بشهر مارس/آذار. وارتفاع الأسعار المرتبط بالرسوم الجمركية قادم، فضلا عن ذلك، وهذا من شأنه أن يقلص القوة الشرائية بين الأُسَر ويبطئ الإنفاق الاستهلاكي. ومن الواضح أن الطلب على العمالة آخذ في التراجع.

كل هذا قد يعني ضمنا أن البنك المركزي الذي يتطلع إلى المستقبل يجب أن يفكر في خفض أسعار الفائدة في النصف الثاني من هذا العام. العامل الـمُـعَـقِّـد بالطبع هو زيادة الأسعار الناجمة عن التعريفات الجمركية. يشير التحليل الأكاديمي إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي ينبغي له أن يتجاهل الزيادات في التعريفات الجمركية، والتي تعد صدمة عرض لمرة واحدة من شأنها أن تغير الأسعار النسبية، وليس مستوى الأسعار الإجمالي. لكن أسباب القلق من أن تؤدي الحرب التجارية إلى زيادة التضخم الأساسي وفيرة.

على سبيل المثال، وفقا لاستطلاع رأي المستهلكين الذي أجرته جامعة مشيجان، تُظهر توقعات الأسر للتضخم في الأمد المتوسط ارتفاعا كبيرا ومقلقا، ويرجع هذا في الأرجح إلى الحرب التجارية. على الرغم من انحسار هذه التوقعات في الأشهر الأخيرة، فإنها لا تزال مرتفعة إلى حد مقلق. ونظرا لأهمية توقعات التضخم في تشكيل التضخم الفعلي، سيكون لزاما على الاحتياطي الفيدرالي أن يمضي قُـدُما بحذر في حين ينظر فيما إذا كان ليخفض أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام. 

يرغب ترمب في خفض أسعار الفائدة، لكن إقالة باول من شأنها أن تثير فزع الأسواق. ورغم أن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الجديد قد يخفض أسعار الفائدة القصيرة الأجل على الفور، فإن أسعار الفائدة الأطول أجلا التي تهم الأسر والشركات ــ معدلات القروض التجارية وقروض الرهن العقاري للمساكن، على سبيل المثال ــ تحددها الأسواق، وليس الاحتياطي الفيدرالي.

وقد تُـفضي إقالة باول إلى توتر المستثمرين بشأن استقرار بنك الاحتياطي الفيدرالي وقدرته على تحقيق تضخم أسعار منخفض ومستقر. هذا من شأنه أن يدفع أسعار الفائدة الطويلة الأجل إلى الارتفاع ــ وهذا عكس هدف ترمب.

يوم الأربعاء الماضي، نفى ترمب أنه يخطط لإقالة باول. ولكن حتى لو انتظر ترمب حتى انتهاء فترة ولاية باول، فإن تعيين رئيس تعتقد الأسواق أنه سينفذ أوامر الرئيس سيكون له تأثير مماثل على أسعار الفائدة الطويلة الأجل.

كانت استقلالية الاحتياطي الفيدرالي أحد أهم التطورات وأكثرها استقرارا في السياسة الاقتصادية في عقود من الزمن. لكن ترمب كفيل بإلحاق الأذى بالشركات والأسر بالإضرار بهذه الاستقلالية. لعل الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للرئيس هو أن تقويض استقلالية الاحتياطي الفيدرالي سيضر حتما بأهدافه الاقتصادية والسياسية شخصيا.

* مايكل آر سترين، مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد أمريكان إنتربرايز، مؤلف كتاب الحلم الأمريكي لم يمت: لكن الشعبوية يمكن أن تقتله

https://www.project-syndicate.org

ذات صلة

استراتيجيات الإمام الشيرازي في رفع الوعي الدينيالنهضة الحسينية.. ثورة ثقافية ضد الجهالةبناء الإنسان: مفتاح مكافحة الفساد من منظور حسينيالمثقفون.. بلاغة التساؤلات وتراجع القيمةاتمنى لو لم يُفتتح: فهل فرحتم بالافتتاح؟