صادرات الصين الجديدة التي لا تُـقـهَر

بروجيكت سنديكيت

2025-07-15 05:02

بقلم: جيفري وو

هونج كونج ــ "من غير الممكن السماح للصينيين بالعودة إلى الازدهار عن طريق التصدير"، هكذا يزعم وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، الذي يدّعي أن الاقتصاد الصيني هو "الأكثر اختلالا في التاريخ". تعكس مثل هذه التصريحات الخوف المتزايد في واشنطن من أن تتسبب الطاقة الإنتاجية المفرطة، وإعانات الدعم، والإغراق في تشويه التجارة العالمية.

بيد أن سبب التخوف الأكثر إلحاحا لا يتمثل في ما تُـصَـدِّره الصين، بل كيف تصدر. الواقع أن هياكل التكلفة العالمية يُـعاد تشكيلها بالفعل، ولكن من خلال قوة أكثر هدوءا وأشد تعقيدا: التحسينات المستمرة في الإنتاجية. الصين لا تنقل مزيدا من السلع فحسب؛ بل إنها تُـصَـدِّر نموذج إنتاج جديدا مدعوما بالأتمتة (التشغيل الآلي)، والذكاء الاصطناعي، والتحسين الصناعي الموجه من قِـبَـل الدولة. هذا التحول مُـخِـل بالنظام القائم، وانكماشي، ويظل موضع سوء فهم إلى حد كبير.

كان صعود الصين لتصبح مصنع العالم في أواخر القرن العشرين مدفوعا بالعمالة والحجم. ولكن الآن، تسعى الصين إلى تحقيق شكل جديد من أشكال الهيمنة من خلال البنية الأساسية الذكية. لم يعد الذكاء الاصطناعي مقتصرا على التطبيقات أو روبوتات الدردشة الآلية، بل أصبح مدمجا برسوخ في مختلف قطاعات الاقتصاد المادي ــ حيث يوجه كل شيء بدءا من الأذرع الآلية وأساطيل المستودعات إلى خطوط الإنتاج المستقلة. 

على سبيل المثال، يستطيع مصنع "lights-out" التابع لشركة Xiaomi في بكين تجميع عشرة ملايين هاتف ذكي سنويا مع الحد الأدنى من التدخل البشري. يقود الذكاء الاصطناعي سيمفونية من أجهزة الاستشعار، والآلات، والتحليلات التي تشكل حلقة صناعية منسوجة بإحكام، فيحقق كفاءات لا يتسنى للمصنعين التقليديين الاقتراب منها إلا بشكل تدريجي.

هذا النظام البيئي القائم على التكنولوجيا لا يقتصر على مصنع واحد. الآن، بدأت شركة DeepSeek بالفعل تنشر نموذجها اللغوي الضخم المفتوح المصدر الذي يحتوي على 671 مليار معيار، ليس فقط للترميز بل وأيضا لتحسين الخدمات اللوجستية والتصنيع. وتعمل شركة تجارة التجزئة جيه دي. كوم (JD.com) على تجديد شبكات التوريد التابعة لها من خلال الأتمتة. وتعمل شركة Unitree في تصدير روبوتات المستودعات ذات الساقين. وتقوم شركة Foxconn (شريك التصنيع الرئيسي لشركة آبل) بتطوير وحدات، مصانع مصغرة قائمة على الذكاء الاصطناعي لتقليل اعتمادها على خطوط الإنتاج الثابتة.

قد لا تشكل هذه الأمثلة "إبداعا معتبرا"، لكنها تشهد على ثقافة التحسين الصناعي الواسعة الانتشار. تحت شعار "قوى إنتاجية جديدة عالية الجودة"، تطرح الحكومة الصينية مناطق تجريبية للذكاء الاصطناعي، وتدعم عمليات إعادة تأهيل المصانع؛ وتقدم مدن مثل خِفي وتشنجدو مِنَـحا محلية تنافس حجم المبادرات الوطنية في أماكن أخرى.

تحاكي هذه الاستراتيجية تلك التي لاحقتها الصناعة اليابانية في ثمانينيات القرن العشرين، عندما ساعدت الأتمتة، والإنتاج المرن، والدمج الصناعي الشركات على التفوق على منافسين عالميين. لكن النهج الصيني يذهب إلى أبعد من ذلك، حيث يمزج الذكاء الاصطناعي مع اقتصادات الحجم الكبير، وحلقات المردود، وديناميكية ثقافية فريدة من نوعها تُعرف بمسمى الانكفاء (neijuan): سباق ذاتي مستديم لتحسين الأداء والتفوق على المنافسين، غالبا على حساب هوامش الربح. ومؤخرا، قررت شركة BYD، وهي من بين أكثر شركات صناعة السيارات تكاملا على المستوى الرأسي في العالم، خفض الأسعار عبر عشرات من الطرازات، فأدى هذا إلى بيع أسهم بقيمة 20 مليار دولار بأسعار شديدة الانخفاض.

في القطاعات من التجارة الإلكترونية إلى المركبات الكهربائية، أفضت هذه الممارسة إلى ضغط التكلفة دون هوادة، حتى أن الدولة رأت من حين لآخر أنها من المناسب أن تتدخل. في أبريل/نيسان 2025، حذرت صحيفة الشعب اليومية من أن الانكفاء الشديد يشوه استقرار السوق، مستشهدة بحرب أسعار مدمرة في مجال توصيل الطعام بين JD.com وMeituan وEle.me. والمشكلة أكثر حدة في صناعة المركبات الكهربائية. فبينما تتنافس أكثر من 100 علامة تجارية صينية لصناعة المركبات الكهربائية في الوقت الحالي، فإن أكثر من 400 توقفت عن العمل منذ عام 2018.

إن ساحة المنافسة العالمية لا ترحم. فأولئك الذين ينجون يخرجون أكثر مرونة، وقدرة على التكيف، وأفضل وضعا من نظرائهم القدامى. هذه هي الطريقة التي تمكنت بها شركات صناعة المركبات الكهربائية الصينية الناجحة من التقدم في أوروبا، حيث تقدم نماذج بأسعار تناضل الشركات المحلية لمضاهاتها. عندما نراقبها عن بُـعـد، تبدو هذه العملية فوضوية. لكنها في الممارسة العملية تشبه الانتقاء الطبيعي. فالصين تشجع عمدا التطور الصناعي: فترعى الدولة مجالا واسعا من المتنافسين ثم تسمح للسوق بغربلة المجال.

هذا النهج ينتشر عبر الصناعات. في مجال الألواح الشمسية، يستحوذ المصنعون الصينيون الآن على أكثر من 80% من الطاقة الإنتاجية العالمية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الأسعار بأكثر من 70% على مدار العقد الماضي. ويبرز اتجاه مماثل في بطاريات المركبات الكهربائية، حيث تهيمن الشركات الصينية على منحنى التكلفة لكل كيلوواط. ولكن لا مجال للشك في أن هذا الانكماش لا ينبع من زيادة العرض أو الإغراق. بل يعكس هياكل التكلفة بعد إعادة تصميمها، والتي هي نتيجة للذكاء الاصطناعي، والمنافسة الشديدة، والتكرار المستمر.

وعلى هذا فقد جعلت الصناعة الصينية من الكفاءة أصلا قابلا للتداول ــ والذي يعيد تشكيل ديناميكيات التسعير العالمية. وبمجرد أن يترسخ هذا التحول حقا، ستجد الشركات في مختلف أنحاء العالم نفسها مضطرة إلى تعديل استراتيجيات التسعير، ونشر العمالة، وتكوينات سلاسل التوريد.

لكن هذا التطور يطرح تحديات جديدة أمام عدد كبير من الاقتصادات. لنتأمل هنا دور البنوك المركزية، التي تتمثل مهمتها في ضمان استقرار الأسعار. ماذا يمكنها أن تفعل إذا انخفض التضخم ليس بسبب ضعف الطلب، بل بسبب الكفاءة الفائقة على جانب العرض في الخارج؟ في الأرجح، سوف تفقد السياسة النقدية قوتها في مثل هذا السيناريو. ولن تتباطأ مسيرة تقدم البرمجيات لمجرد ارتفاع أسعار الفائدة أو انخفاضها. بدلا من ذلك، سيكون لزاما على السياسة الصناعية أن تبرز إلى الواجهة ــ ليس من باب تدابير الحماية، بل كضرورة تكيفية. ولن يكون الانقسام الأساسي بعد الآن بين الرأسمالية وتخطيط الدولة، بل بين الأنظمة الثابتة والديناميكية.

كان قانون الحد من التضخم في الولايات المتحدة وقانون الرقائق الإلكترونية والعلوم، وقانون الاتحاد الأوروبي خطة الصفقة الخضراء الصناعية، تمثل جهودا غربية مبكرة لتحدي الصدارة الصينية؛ لكن هذه الـحِـزَم كانت إلى حد كبير تفاعلية، أو منعزلة، أو تركز على عُـقَـد المنبع مثل الرقائق الإلكترونية. وبينما تنشر الولايات المتحدة وحلفاؤها التعريفات الجمركية، وإعانات الدعم، وضوابط التصدير، فإن المنافسة الحقيقية تدور حول دمج الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الحقيقي: ليس من يبني أذكى روبوت دردشة آلي، ولكن من يبني أذكى مصنع، ومن يمكن تكرار نموذجه على نطاق ضخم بشكل مستدام.

بطبيعة الحال، لا يخلو النموذج الصيني من مقايضات. فقد تزداد ظروف العمل سوءا في ظل خفض التكاليف بلا هوادة؛ ويظل العرض المفرط يشكل خطرا جهازيا؛ وقد يؤدي التجاوز التنظيمي إلى عرقلة التقدم؛ وليس كل مكاسب الكفاءة تُترجم إلى ازدهار مشترك. قد يستفيد المستهلكون، لكن العمال والشركات الأصغر حجما ستتحمل القدر الأعظم من عبء التكيف.

ولكن حتى لو لم يكن النموذج الصيني قابلا للتكرار عالميا، فإنه يطرح تساؤلات مهمة أمام صُنّاع السياسات في كل مكان. كيف سيتنافس الآخرون مع أنظمة تنتج أكثر، وأسرع، وأرخص ــ ليس بقمع الأجور، بل من خلال الإبداع؟

إن رفض نهج الصين على أنه مجرد نهج مشوّه يخطئ الهدف المقصود. ذلك أن الحكومة الصينية لا تمارس لعبة التجارة القديمة بشكل أكثر صرامة فحسب، بل إنها تغير القواعد، وهي لا تفعل ذلك بفرض التعريفات الجمركية، بل من خلال التحول الصناعي. إذا كانت الموجة الأخيرة من العولمة لاحقت العمالة الرخيصة، فإن الموجة التالية ستلاحق أنظمة أكثر ذكاء. ولن يعيش الذكاء بعد الآن في السحابة فحسب ــ بل في الآلات، والمستودعات، وخطوط التجميع على مدار الساعة.

إن أهم صادرات الصين اليوم ليست منتجا، بل عملية. وسوف تعيد هذه العملية تعريف طبيعة المنافسة العالمية.

* جيفري وو، مدير في MindWorks Capital.

https://www.project-syndicate.org/

ذات صلة

العقيلة زينب: امرأة دافعت عن العالم كلهمركز الامام الشيرازي ناقش.. دور الوعي الاجتماعي بثقافة التعددية في بناء الاستقرارالامام علي السجاد (ع) والثبات على المبادئ في مقارعة الطاغية والفاسدالركود السياسي في العراق: لماذا لا تتغيّر الوجوه منذ 2003؟تعريف الدولة الوطنية والهوية الدينية