قصة ميزانيتين
بروجيكت سنديكيت
2025-07-12 05:22
بقلم: باري آيكينغرين
كوسكو، بيرو ــ كانت الأسابيع الأخيرة بالغة الأهمية للميزانيات الحكومية في الولايات المتحدة وألمانيا. في الولايات المتحدة، أَقَـرّ الكونجرس بمجلسيه نسخا من مشروع القانون الذي أسماه الرئيس دونالد ترمب "مشروع قانون واحد كبير وجميل"، والذي وقعه ترمب في يوم الاستقلال في الرابع من يوليو/تموز. وفي ألمانيا، وافقت حكومة المستشار فريدريش ميرتس على الخطوط العريضة لميزانية 2025 ومسار الإنفاق لبقية هذا العقد.
تُـنذِر كل من الخطتين الماليتين بعجز أكبر في الميزانية وديون أعلى. لكن هذا هو كل ما تشتركان فيه.
الواقع أن ميزانية الولايات المتحدة ستجعل تخفيضات ترمب الضريبية لعام 2017 دائمة وتضيف إليها إعفاءات على الدخل من الإكراميات، وأجر العمل الإضافي، وفوائد القروض على السيارات المجمعة محليا. وسوف "تدفع" الميزانية ثمن هذه التدابير، إذا كانت هذه هي الكلمة الصحيحة، من خلال خفض الرعاية الصحية والمساعدات الغذائية للأسر المنخفضة الدخل، وإلغاء مجموعة من الإعفاءات الضريبية المرتبطة بالطاقة النظيفة.
لا يخلو الأمر من أمور سلبية كثيرة من الممكن أن تُـقال عن "مشروع قانون ترمب الرديء الكبير" حتى أنه من الصعب أن نعرف من أين نبدأ. فالتشريع رجعي بدرجة كبيرة، حيث يجمع بين التخفيضات الضريبية الدائمة لصالح الشركات والأثرياء مع تخفيضات في الدعم المقدم للأسر الأكثر فقرا. وبإلغاء الإعفاءات الضريبية الخاصة بالطاقة الشمسية على أسطح المنازل، والمركبات الكهربائية، والكهرباء العديمة الانبعاثات تدريجيا، يمثل هذا القانون كارثة على البيئة. ونظرا للتخفيضات في تمويل العلوم وإضافة ضرائب جديدة على الجامعات، فمن الصعب أن نتخيل أن هذا التشريع قد يطلق العنان لموجة تسونامي من النمو الإنتاجي.
والميزانية، فضلا عن ذلك، غير مسؤولة من الناحية المالية. إذ تشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس، هيئة الرقابة المالية غير الحزبية في الولايات المتحدة، إلى أنها ستزيد العجز بمقدار 3.5 تريليون دولار على مدار العقد القادم. قد لا يبدو هذا عبئا ثقيلا على اقتصاد بحجم 30 تريليون دولار. ولكنه يأتي علاوة على عجز يبلغ بالفعل 6% من الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 120%، وأسعار فائدة مرتفعة وآخذة في الارتفاع.
في حقيقة الأمر، توظف الولايات المتحدة قاعدة مالية ملزمة في حالات المصالحة في الكونجرس، وهو الاسم الذي يُطلق على العملية التشريعية التي سمحت للأغلبية العارية (صوت واحد زيادة على النصف عادة) في مجلسي النواب والشيوخ بفرض مشروع القانون النهائي. يمنع هذا الترتيب المعروف بمسمى قاعدة بيرد استخدام المصالحة إذا استمرت الميزانية في زيادة العجز، نسبة إلى خط الأساس السابق، بعد السنوات العشر الأولى ــ كما قرر مكتب الميزانية في الكونجرس أن مشروع القانون الحالي سيفعل.
"عالج" مجلس الشيوخ هذه المشكلة من خلال إعادة تعريف خط الأساس بشكل خَـلّاق ليشمل تخفيضات ترمب الضريبية المنتهية صلاحيتها، الأمر الذي يجعل الزيادة المتبقية تبدو أصغر. وهذا يتناقض تماما مع خطاب الحزب الجمهوري الورع حول تثبيت استقرار الدين.
ألمانيا أيضا خففت من قاعدتها المالية، ولكن بشكل جزئي فقط، وقطعا ليس بطريقة تهدد القدرة على تحمل الديون. في مارس/آذار، جرى تعديل البند الدستوري الذي يحد من الاقتراض بنسبة 0.35% فقط من الناتج المحلي الإجمالي على أساس معدل دوري، والذي أطلق عليه مسمى "كبح الديون"، لاستبعاد كل من الإنفاق العسكري الذي يزيد عن 1% من الناتج المحلي الإجمالي وحزمة ثابتة من الإنفاق على البنية الأساسية.
الأساس المنطقي هنا واضح ومقنع. ذلك أن زيادة الإنفاق الدفاعي مطلوبة لضمان أمن ألمانيا، في وجود روسيا العدوانية على أعتاب أوروبا وواقع جديد مفاده أن الولايات المتحدة لم تعد حليفا جديرا بالثقة. على نحو مماثل، نجد أن الاستثمار الإضافي في البنية الأساسية لازم لسد العجز الذي طال أمده والذي يهدد النمو الاقتصادي الآن.
في حين تتضمن ميزانية الولايات المتحدة 12.5 مليار دولار أميركي لتحديث البنية الأساسية للحركة الجوية، تتوقع الميزانية الألمانية 42 مليار يورو (49 مليار دولار أميركي) سنويا على مدار 12 عاما للاستثمار في السكك الحديدية، والطرق، ونقل الطاقة والحد من تغير المناخ ــ وهذا في اقتصاد لا يتجاوز سدس حجم اقتصاد الولايات المتحدة. ليس من الصعب أن نرى أي استراتيجية مالية في البلدين ستخلف الأثر الأكبر على النمو الاقتصادي.
ولكن في حين خففت ألمانيا من كبح ديونها، وبرغم أن الاقتراض الحكومي سيزداد الآن، فإن الأحكام التي لا تزال سارية ستمنع الدين العام الألماني من الارتفاع بلا حدود. الأمر الأكثر أهمية هو أن البنود التي لا تزال خاضعة لسقف العجز بنسبة 0.35% تشمل مدفوعات الفائدة ــ حتى الفائدة على الديون المتكبدة نتيجة لزيادة الإنفاق الدفاعي وتحديث البنية الأساسية. ومع إصدار مزيد من الديون لهذه الأغراض وسداد مزيد من الفوائد، سيكون من اللازم خفض أوجه إنفاق أخرى، أو رفع الضرائب، للوفاء بالحد 0.35%.
سوف يؤدي هذا تلقائيا إلى تثبيت استقرار نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وإن كان ذلك عند مستوى أقرب إلى 100% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنسبة 63% الحالية. ولكن إذا لم تنبذ ألمانيا كبح الديون بالكامل، فلن تشهد أزمة في القدرة على تحمل الديون حيث ترتفع النسبة دون حد.
وهذا احتمال بعيد بالطبع. لكن أي شخص يعرف ألمانيا يعرف أن الألمان ملتزمون، أخلاقيا وسياسيا، بالقدرة على تحمل الديون. إن تخفيف تدابير التقشف في الميزانية لأسباب وجيهة ــ مثل الأمن والنمو في الأمد البعيد ــ شيء، والتخلي عن كل المنطق المالي السليم شيء آخر تماما. الألمان يعرفون الفرق. ولكن من المحزن أن أميركا في عهد ترمب لا تعرفه.