السعي إلى اكتساب السيادة التكنولوجية والصناعية
بروجيكت سنديكيت
2025-07-10 03:33
بقلم: نيي سيموندز
واشنطن، العاصمة ــ أثارت اتفاقية الذكاء الاصطناعي الأخيرة بين الولايات المتحدة الأميركية والإمارات العربية المتحدة، والتي تمهد الطريق أمام الإمارات العربية المتحدة لإنشاء أحد أكبر مجمعات البيانات في العالم، جدالا ساخنا في الولايات المتحدة. فقد تساءلت صحيفة نيويورك تايمز ما إذا كان الرئيس دونالد ترمب "يتاجر بمستقبل أميركا التكنولوجي"، بينما حذرت بلومبرج من أن "نقل الذكاء الاصطناعي إلى الشرق الأوسط قد يمنح الصين فوزا عزيزا".
في صلب الصفقة التزام ببيع الإمارات العربية المتحدة 500 ألف شريحة من أشباه الموصلات الأكثر تقدما من شركة Nvidia سنويا (على سبيل المقارنة، يُقال إن 200 ألف شريحة تُستخدم لتشغيل حاسوب إيلون ماسك العملاق، الذي يُعتقد أنه أكبر حاسوب خارق للذكاء الاصطناعي في العالم). هذا مكسب واضح للإمارات العربية المتحدة، التي تسعى إلى ترسيخ مكانتها كرائدة في مجال التكنولوجيا. لكن الاتفاق يسلط الضوء أيضا على تحول عميق في ديناميكيات القوة العالمية: فلم تعد السيادة التكنولوجية خيارا؛ بل حتمية استراتيجية.
قد تكون التأثيرات الاقتصادية والجيوسياسية بعيدة المدى. فبينما تتنافس الدول على الهيمنة في مجالات الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والبنية الأساسية السحابية، يكمن التحدي الحقيقي في تحقيق الاستقلالية التكنولوجية دون اللجوء إلى سياسات الحماية. وهذا يتطلب إيجاد توازن دقيق بين التعاون الدولي ومعالجة مخاطر الأمن القومي.
يُـعَـد سعي الإمارات العربية المتحدة إلى تحقيق الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي مثالا بارزا على هذا. فلكي تصبح دولة الإمارات العربية المتحدة قوة تكنولوجية، فإنها تحتاج إلى تعزيز الإبداع المحلي مع الإبحار في مشهد رقمي تعتمد أجزاؤه على بعضها بعضا على نحو متزايد.
مع احتدام السباق لاكتساب التفوق التكنولوجي، أصبحت السيادة التكنولوجية أولوية قصوى للحكومات في مختلف أنحاء العالم. فقد أصبحت القدرة على تصميم وبناء وصيانة الأنظمة الحيوية والقدرة الإنتاجية بشكل مستقل أمرا ضروريا الآن لكل من القدرة التنافسية الاقتصادية والأمن القومي، خاصة مع إعادة تنظيم سلاسل التوريد العالمية.
تتعلق السيادة التكنولوجية والتصنيعية في جوهرها بالحفاظ على السيطرة على مجموعات التكنولوجيا الأساسية التي تدعم الاقتصادات الحديثة، من أشباه الموصلات إلى شبكات الجيل الخامس. فالاعتماد على شركات صناعة الرقائق الإلكترونية أو الخدمات السحابية الأجنبية من الممكن أن يؤدي إلى تأخيرات، ونقص، ونقاط ضعف استراتيجية. وعلى هذا فإن القدرة التنافسية الاقتصادية تتوقف بشكل متزايد على قوة الإبداع المحلي. عندما يتعلق الأمر بالبلدان النامية، على وجه الخصوص، يُـعَـد تعزيز القدرات المحلية شرطا أساسيا لخلق فرص العمل، وتوليد القيمة، والقدرة على الصمود في الأمد البعيد.
أبرزت الصدمات الاقتصادية العالمية في السنوات القليلة الأخيرة، وبشكل خاص الغزو الروسي لأوكرانيا، ونقص أشباه الموصلات المرتبط بالجائحة، الصلة بين الأمن القومي والاستقلال التكنولوجي. ولحماية القطاعات الرئيسية مثل الدفاع، والطاقة، والتمويل، والصحة من التأثير الأجنبي، تحتاج الحكومات إلى شبكات اتصالات آمنة، وأنظمة دفاعية غير قابلة للاختراق، وحلول ذكاء اصطناعي قائمة على بيانات يمكن التعويل عليها.
في العصر الرقمي، تعني السيادة أيضا حماية خصوصية المواطنين. ويشكل التحكم في إدارة البيانات والتشفير والبنية الأساسية للتخزين ضرورة أساسية لتجنب التعرض للمراقبة الأجنبية أو التشريعات التي تقوض حماية الخصوصية الوطنية والحريات المدنية.
لكن حِـزَم التكنولوجيا ليست مجرد مزيج من الأجهزة والبرمجيات. بل تُـعَـد أنظمة بيئية اجتماعية تقنية تضم رأس المال البشري، والمؤسسات البحثية، وسلاسل التوريد، وأطر الملكية الفكرية، وبيئة السياسات في عموم الأمر. وبالتالي، يتطلب تحقيق السيادة التكنولوجية أكثر من مجرد بناء مصنع للتصنيع أو استضافة البيانات على خادم محلي. فهو يستلزم عمل الحكومة والأوساط الأكاديمية والصناعية معا لتحقيق أهداف مشتركة.
الحكومات، على وجه الخصوص، قادرة على الاضطلاع بدور مهم في تحديد الأولويات الاستراتيجية، وتمويل البحوث، وتنظيم المنصات، وتهيئة المجال أمام المبدعين المحليين. بالإضافة إلى الاستثمارات في التعليم، والبحث والتطوير، والسياسة الصناعية، من الممكن أن تساعد المشتريات العامة في فتح فرص جديدة لمقدمي التكنولوجيا المحليين.
من المؤكد أن تسويق الإبداع أو توسيع نطاقه أمر غير ممكن بدون القطاع الخاص. فمن شركات صناعة الرقائق الإلكترونية إلى الشركات البادئة في مجال الذكاء الاصطناعي، تحتاج القوى العاملة في هذا القطاع إلى حوافز واضحة، وأطر سياسات داعمة، ومناخ استثماري مستقر داعم للنمو. ومن الممكن أن تساعد الشراكات بين القطاعين العام والخاص في التخفيف من المخاطر، وسد الفجوات المعرفية، وتسريع تطوير التكنولوجيات الرائدة.
من ناحية أخرى، يجب أن تستمر الجامعات والمختبرات البحثية في العمل كحاضنات للمواهب لصالح محركات الإبداع. فمن خلال تعزيز التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والشركات الخاصة، يصبح بوسع صُـنّـاع السياسات ضمان التدفق المستمر للمهنيين المهرة والأفكار الواعدة إلى الاقتصاد في عموم الأمر.
في سعيها إلى بناء نظام بيئي مزدهر للإبداع إذن، يتعين على دولة الإمارات العربية المتحدة أن تتطلع إلى ما هو أبعد من الاستثمارات الرأسمالية في البنية الأساسية المادية. سوف يعتمد نجاحها على تعزيز الروابط بين المؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص مع التحسين المستمر لأطر السياسات لاجتذاب قوة عمل متنوعة تتمتع بمهارات عالية، والاحتفاظ بها.
لكن السعي إلى اكتساب السيادة التكنولوجية يجب ألا ينحرف إلى تدابير الحماية الرقمية. فبدلا من السعي وراء رؤية غير واقعية للاكتفاء الذاتي الكامل، يتعين على صُـنّـاع السياسات أن يسعوا إلى تحقيق الاستقلالية الاستراتيجية من خلال وضع سياسات تكنولوجية وطنية في حين يظلوا منفتحين على التعاون الدولي.
يقدم الاتحاد الأوروبي نموذجا مفيدا في هذا الصدد. الواقع أن عشرات من شركات ومنظمات التكنولوجيا الأوروبية أعربت عن دعمها لمبادرة EuroStack، التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على البنية الأساسية الأجنبية من خلال تطوير بدائل محلية تنافسية في الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي والبرمجيات. من ناحية أخرى، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى الحد من القوة السوقية التي تتمتع بها الشركات الأميركية من خلال تطبيق قانون الأسواق الرقمية على الرغم من المقاومة من جانب شركات التكنولوجيا الكبرى.
برغم أن الاتفاقية بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة اجتذبت قدرا كبيرا من الاهتمام الإعلامي، فإن المعروف قليل عن نهجها في التعامل مع مخاوف الأمن القومي والمخاطر الجيوسياسية. سوف تحدد كيفية معالجة هذه القضايا ما إذا كان حرم الذكاء الاصطناعي في الإمارات العربية المتحدة ليصبح نموذجا للتعاون الدولي الاستراتيجي أو يعمل كقصة تحذيرية حول مخاطر التغاضي عن الأمن الرقمي.
الواقع أن العقبات التي تحول دون تحقيق السيادة التكنولوجية كبيرة ومتعددة الأوجه. فتكاليف إنتاج أشباه الموصلات المرتفعة، وتعقيد سلاسل التوريد العالمية، وهيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على السوق، تجعل من الصعب على أي دولة بمفردها تأمين السيادة الكاملة في غياب شراكات دولية جديرة بالثقة.
نظرا لهذا الواقع، يتعين على صناع السياسات العمل على دمج اعتبارات السيادة في الاتفاقيات التجارية وأطر مشاركة البيانات. إن تعميق الشراكة التكنولوجية بين الولايات المتحدة الأميركية والإمارات العربية المتحدة، وجهود الاتحاد الأوروبي لإيجاد التوازن بين التنظيم والقدرة التنافسية، والحواجز الهائلة التي تحول دون تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال أشباه الموصلات، جميعها تثبت أن التعاون الاستراتيجي يظل يشكل عنصرا بالغ الأهمية حتى في ظل مشهد جيوسياسي متقلب.
لا يقتصر ما أصبح على المحك الآن على من يطور أسرع الرقائق الإلكترونية وأقوى الخوارزميات فحسب، بل من يكتب القواعد التي تحكم العالم الرقمي. ويعتمد هذا النوع من التأثير على أكثر من مجرد البراعة التكنولوجية؛ فهو يتطلب إيجاد التوازن بين الأمن القومي والانفتاح الاقتصادي. والبلدان التي تنجح في تعزيز المرونة المحلية مع تشكيل شراكات دولية في الوقت ذاته هي التي ستتولى قيادة الإبداع العالمي لسنوات قادمة.