صندوق النقد الدولي يجب أن يُـنهي رسومه الإضافية

بروجيكت سنديكيت

2024-10-01 05:44

نيويورك- في السنوات الأخيرة، أصبحت مجموعة تتألف من 22 دولة منكوبة ماليا، بما في ذلك باكستان وأوكرانيا، المصدر الأكبر لإيرادات صندوق النقد الدولي الصافية، حيث تتجاوز المدفوعات تكاليف تشغيل الصندوق. الواقع أن المؤسسة المؤتمنة على توفير المنفعة العامة العالمية المتمثلة في نظام مالي دولي قائم بوظيفته على النحو الأمثل لا تجد في حقيقة الأمر حَرَجا في مطالبة البلدان التي بالكاد تستطيع سداد فواتيرها بتحمل الفاتورة عن بقية العالم.

يرجع هذا الوضع غير اللائق إلى السياسة التي ينتهجها صندوق النقد الدولي، والتي تفرض رسوما إضافية على البلدان التي تتجاوز الحدود القصوى لمقدار أو مدة اقتراضها من الصندوق. الواقع أن فرض غرامات على بلدان مثل أوكرانيا التي مزقتها الحرب أو باكستان، وهي إحدى الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى حيث غمرت الفيضانات قبل عامين ثلث أراضيها، مناقضا تماما لمهمة صندوق النقد الدولي: صيانة استقرار النظام المالي العالمي.

إن الرسوم الإضافية لا تضمن السداد ولا تحمي موارد الصندوق المالية. بل يتلخص تأثيرها الرئيسي في زيادة أعباء سداد الديون على وجه التحديد في وقت حيث لا تستطيع البلدان تحملها على الإطلاق، وهذا يتعارض مع المنطق الأساسي الذي قام عليه الصندوق، الذي أنشئ لتوفير التمويل المضاد للدورة الاقتصادية.

ما يزيد الطين بلة أن الرسوم الإضافية أصبحت أشد إرهاقا للدول المدينة في السنوات الأخيرة، وبالتالي أصبح تبريرها أصعب كثيرا. في عام 2020، كانت عشر دول تدفع هذه الرسوم لصندوق النقد الدولي؛ وبحلول عام 2023، مع صدمة جائحة كوفيد-19، والحرب الدائرة في أوكرانيا، وارتفاع أسعار الفائدة، ارتفع الرقم إلى 22 دولة. ومن المهم أن سعر الفائدة الأساسي الذي يتقاضاه صندوق النقد الدولي ارتفع من أقل من 1% إلى ما يقرب من 5%، ليرتفع إجمالي سعر الإقراض للبلدان التي تدفع رسوما إضافية إلى 7.8%. ولا عجب أن تجد هذه البلدان صعوبة في الخروج من ضائقة الديون. الآن حان وقت إنهاء الرسوم الإضافية.

يزعم أنصار الرسوم الإضافية أنها تثني المدينين عن الإفراط في الاقتراض من صندوق النقد الدولي. لكن حجة الخطر الأخلاقي هذه تتجاهل حقيقة مفادها أن القروض تتطلب موافقة المجلس التنفيذي للصندوق، الذي يمكنه رفض الطلبات المتهورة، وتتغافل عن حقيقة أخرى مفادها أن الرسوم الإضافية تجعل البلدان أكثر اعتمادا على صندوق النقد الدولي.

صندوق النقد الدولي هو الدائن المفضل، وهذا يعني أن البلدان لابد وأن تسدد ديونها للصندوق قبل الدائنين الآخرين. وفرض رسوم إضافية فوق ما تدين به البلدان بالفعل يجبرها على تخصيص مزيد من العملات الأجنبية النادرة لسداد ديونها للصندوق، الأمر الذي يحد من قدرتها على تجميع احتياطيات النقد الأجنبي واستعادة القدرة على الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية. وعلى هذا فلن تجد بلدان عديدة أي خيار سوى الاستمرار في الاعتماد على الإقراض من الصندوق لسداد قروضها السابقة المستحقة للصندوق.

وحتى بعيدا عن خصوصيات وضع صندوق النقد الدولي كدائن مفضل، فإن الرسوم الإضافية مُـسايرة للدورة الاقتصادية بطبيعتها. وفي كثير من الأحيان، تتسبب عوامل خارجية مثل ارتفاع أسعار الفائدة، وصدمات أسعار السلع الأساسية، والعملات المبالغ في تقدير قيمتها، وأحداث الطقس القاسية في دفع البلدان إلى اقتراض مبالغ كبيرة من الصندوق. على نحو مماثل، تعتمد القدرة على الوصول إلى أسواق الائتمان الدولية وسداد ديون صندوق النقد الدولي "في وقت أبكر" إلى حد كبير على الظروف المالية العالمية، والتي تشكل أيضا عاملا خارجيا. في بيئة دولية معاكسة، تشكل زيادة العبء على البلدان التي تعاني من أزمات الديون سلوكا هَـدّاما لهدف استعادة مسارات النمو المستقرة.

يزعم المدافعون عن الرسوم الإضافية أيضا أنها ضرورية لبناء مخازن صندوق النقد الدولي المالية. ولكن بصرف النظر عن النقطة الواضحة التي تتمثل في حقيقة مفادها أن فرض عبء إنشاء هذه المخازن على بلدان متعثرة يتعارض مع مهمة الصندوق المتمثلة في حماية الاستقرار المالي، لم يعد هذا المنطق صالحا، إن كان صالحا على الإطلاق.

هذا العام، من المنتظر أن يصل صندوق النقد الدولي إلى هدفه المتوسط الأجل للتوازنات الاحترازية (التي كانت الحاجة إليها موضع مبالغة إلى حد بعيد، خاصة وأن حالات التخلف عن السداد من جانب المقترضين نادرة للغاية). بمجرد تحقيق هذا الهدف، فإن الرسوم الإضافية ستأخذ الأموال من البلدان المتوسطة الدخل المثقلة بالديون لتشغيل صندوق النقد الدولي ــ وهذا من شأنه أن يقلل العبء الملقى على عاتق البلدان الغنية. ومن الخطأ مطالبة البلدان المثقلة بالديون بتمويل المنافع العامة العالمية التي يوفرها الصندوق، وخاصة في وقت حيث يتعين على البلدان أن تزيد من استثماراتها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة لعام 2030 ومساهماتها المحددة وطنيا بموجب اتفاق باريس للمناخ.

توفر المراجعة التي أطلقها صندوق النقد الدولي مؤخرا لسياسة الرسوم الإضافية الفرصة لإصلاح نظام معطل. ينبغي لصندوق النقد الدولي أن يستمع إلى أولئك الذين يطالبون بإصلاح نظام الرسوم الإضافية، بما في ذلك رئيسة وزراء باربادوس ميا أمور موتلي، ومجموعة الدول النامية الأربع والعشرين، وعدد كبير من المشرعين في الولايات المتحدة.

يتلخص الخيار الأكثر بساطة وفعالية في إلغاء الرسوم الإضافية بالكامل. وإذا تبين أن هذا مستحيل سياسيا، فقد تتضمن الإصلاحات تحديد سقف لإجمالي رسوم الفائدة (السعر الأساسي بالإضافة إلى الرسوم الإضافية). وبهذا، يفرض صندوق النقد الدولي أعباء زائدة أقل على البلدان المدينة، وخاصة في ظل الظروف النقدية الـمُـحـكَـمة، وتنخفض الرسوم الإضافية مع ارتفاع سعر فائدة الصندوق الأساسية.

من شأن تعديلات فنية أخرى أن تساعد في الحد من عبء الرسوم الإضافية. على سبيل المثال، يستطيع صندوق النقد الدولي أن يرفع عتبات فرض الرسوم الإضافية، وأن يتماشى مع حدود "الوصول الاستثنائي" الحالية، والتي بتجاوزها يصبح وضع البلد استثنائيا بما يكفي للسماح بالإقراض خارج إطار صندوق النقد الدولي المعياري. كما أن احتساب ما تدفعه أي دولة كرسوم إضافية باعتباره مدفوعات من القروض الأساسية المستحقة لصندوق النقد الدولي من شأنه أن يحدث فارقا كبيرا.

حتى لو كان فرض الرسوم الإضافية يُـعَـد سياسة معقولة في السابق، فإنها لم تعد كذلك الآن بكل تأكيد. ذلك أن موارد صندوق النقد الدولي المالي قوية؛ أما موارد دول مثل باكستان وأوكرانيا فهي ليست قوية بكل تأكيد. وإجبار الدول على دفع رسوم إضافية مُـرهِـقة لا يؤدي إلا إلى زيادة أعبائها. وهذه ليست الطريقة المناسبة لحماية الاقتصاد العالمي أو تمويل المؤسسة المسؤولة عن الاستقرار المالي العالمي.

.....................................

* بقلم: جوزيف إي. ستيجليتز حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد وأستاذ جامعي في جامعة كولومبيا، وكبير خبراء الاقتصاد الأسبق في البنك الدولي (1997-2000)، ورئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين لرئيس الولايات المتحدة، والرئيس المشارك للجنة العليا لشؤون الاقتصاد. لجنة المستوى المعنية بأسعار الكربون. وهو الرئيس المشارك للجنة المستقلة لإصلاح الضرائب الدولية على الشركات، وكان المؤلف الرئيسي لتقييم المناخ الذي أجرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عام 1995. وهو مؤلف كتاب "الطريق إلى الحرية: الاقتصاد والمجتمع الصالح"

** كيفن بي غالاغر، أستاذ سياسة التنمية العالمية في جامعة بوسطن ومدير مركز سياسات التنمية العالمية بجامعة بوسطن.

*** مارتن جوزمان، وزير الاقتصاد الأسبق في الأرجنتين، وأستاذ في كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا.

**** ماريلو أوي، المدير السابق لأمانة مجموعة الأربعة والعشرين الحكومية الدولية المعنية بالشؤون النقدية والتنمية الدولية (G24)، وهو زميل أقدم غير مقيم في مركز سياسات التنمية العالمية بجامعة بوسطن.

https://www.project-syndicate.org/

ذات صلة

كيف تتخلص من الفخ الدنيوي؟مركز آدم ناقش الحق في الخصوصية الجينيةماهي فدك ولماذا انتزعت من السيدة الزهراء (ع)؟أسباب فوز دونالد ترامب والتداعيات المحتملةتجربة المسفرين العراقيين وتجربة اللاجئين اللبنانيين