يد النيوليبرالية الميتة تعيق النمو الأخضر
بروجيكت سنديكيت
2024-07-25 05:55
بقلم: لورا كارفالهو
ساو باولوــ ربما تبشر الانتصارات الانتخابية الأخيرة التي أحرزتها أحزاب يسارية في فرنسا والمملكة المتحدة بعصر جديد من صنع السياسات المناخية في أوروبا. فحكومة حزب العمال الجديدة في بريطانيا لديها خطط طموحة لتوسيع قدرة الطاقة المتجددة؛ ورغم أن بناء الائتلاف لا يزال صعبا، فقد أُحـبِـط اليمين المتطرف المتشكك في العمل المناخي في فرنسا.
نأمل أن يكون في الإمكان نقل هذا الزخم إلى اجتماع وزراء مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو في الرابع والعشرين من يوليو/تموز. هناك، ستنظر الدول الغنية في الاقتراح الرائد المقدم من البرازيل والذي يقضي بفرض ضريبة ثروة سنوية بحد أدنى 2% على أصحاب المليارات على مستوى العالَـم. من الممكن أن تعمل هذه الضريبة، إلى جانب أدوات تمويل العمل المناخي الجديدة التي من المتوقع الإعلان عنها، على دعم الاستثمارات في النمو الأخضر، والتكيف مع المناخ، والتدابير الرامية إلى معالجة أوجه التفاوت داخل البلدان.
لكن أدوات الاستثمار الجديدة لن تكون كافية. وكما أظهرت تجربتنا مع كوفيد-19، فإن الأساليب البحتة القائمة على السوق لم تكن كافية للتصدي للجائحة، ولا يمكنها المساعدة في مقاومة الدمار البيئي أو فجوة الثروة الشديدة الاتساع في العالم. وحتى العالم الغني بدأ يبتعد عن العقيدة النيوليبرالية المتمثلة في الخصخصة وإلغاء القيود التنظيمية. ولكن ما دامت البلدان النامية مقيدة بالقواعد القديمة، فسوف تجد صعوبة شديدة في تطوير نماذج اقتصادية خاصة بها وتشكيل مصائرها بنفسها.
في حين كان دُعاة التجارة الحرة الغربيون في السابق ينتقدون استخدام الصين لتدابير الحماية وإعانات الدعم لمحاباة قطاعات استراتيجية، أصبحت هذه الممارسات الآن من لوازم اللياقة في الاقتصادات المتقدمة. تضخ الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات إلى صناعات المركبات الكهربائية والبطاريات المحلية من خلال قانون خفض التضخم، مستخدمة الدولة لتحفيز الاستثمار وخلق فرص العمل في القطاعات الخضراء. لكن التصدي لتغير المناخ نضال عالمي، ولا تسمح قواعد التجارة الدولية للدول النامية في عموم الأمر بتعزيز صناعاتها الخاصة على هذا النحو. على سبيل المثال، عوقبت إندونيسيا ــ الدولة الرائدة عالميا في إنتاج النيكل، وهو معدن أساسي في تصنيع بطاريات المركبات الكهربائية ــ في منظمة التجارة العالمية لملاحقتها استراتيجية صناعية.
وعلى هذا ففي حين فَـقَـدَت وصفات السياسة النيوليبرالية شعبيتها في الاقتصادات المتقدمة، فإنها الآن تُـعَـبـأ من جديد في صناديق خضراء وتُـشـحَـن للدول الأقل ثراء. يستطيع صناع السياسات في البلدان المرتفعة الدخل الاعتماد على أدوات السياسة الصناعية المكلفة مثل الحوافز الضريبية وضمانات القروض، في حين لا تتمتع البلدان النامية بمثل هذا الـتَـرَف. يتعين على الدول النامية أن تتوصل إلى كيفية خلق فرص العمل، والحد من التفاوت، وإزالة الكربون من اقتصاداتها، وكل هذا بالاستعانة بمجموعة محدودة للغاية من الأدوات والقدرات التكنولوجية.
علاوة على ذلك، تدفع الدول الأكثر ثراء الدول النامية إلى "القفز" إلى مصادر الطاقة المتجددة بوتيرة غير واقعية. وهي تفشل في إدراك احتياج الدول النامية إلى استخدام الوقود الأحفوري بشكل محدود في الأمد القريب، أو أن قواعد التجارة غير العادلة تحد من قدرة الدول الأكثر فقرا على الوصول إلى التكنولوجيا الخضراء بأسعار معقولة ورأس المال الرخيص. تدل مثل هذه المعايير المزدوجة على ذات اختلالات توازن القوى التي لوحظت في السنوات الأخيرة عندما احتكرت الدول الأكثر ثراء اللقاحات، وخفضت ميزانيات المساعدات، وفشلت في الوفاء بوعود تمويل العمل المناخي التي بذلتها في السابق.
لا تمر أشكال النفاق هذه دون أن ينتبه إليها أحد. الواقع أن قادة شعبويين مستبدين مثل الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، والرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رَوَّجَ كل منهم لرواية مفادها أن سياسات المناخ تقوض النمو الاقتصادي. قد يكون هذا صحيحا في كثير من الحالات، ولكن فقط بسبب المقايضات التي تفرضها السياسات النيوليبرالية.
إذا كانت البلدان النامية قادرة على تشكيل سياساتها الخاصة، فإن الاستثمارات المناخية من شأنها أن تدفع جهود خلق فرص العمل ودعم النمو الشامل. تحتاج الحكومات التي يُطلب منها أن تجعل اقتصاداتها خضراء إلى تمويل مرن بمعدلات فائدة تفضيلية. كما أنها سوف تستفيد من خطط الضرائب الوطنية والدولية التقدمية التي تبني على نجاحات أخيرة مثل اتفاقية الأمم المتحدة الضريبية، وهو جهد تقوده البلدان النامية لإضفاء الطابع الديمقراطي على قواعد الضرائب وانتزاع السيطرة من المتاجر المغلقة مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
الواقع أن انحسار الـفِـكر النيوليبرالي يمنح الاقتصادات النامية والناشئة فرصة للتعاون في تصميم نموذج جديد. ومن خلال ابتكار نماذج تقودها الدولة تربط بين الاستراتيجيات الخضراء والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، يصبح بوسع هذه الاقتصادات حماية أجندة المناخ من هجمات الانتهازيين المستبدين. وكما توجد أنماط مختلفة من الرأسمالية، فهناك مسارات مختلفة للتنمية الخضراء.
لنتأمل هنا حالة المكسيك، القوة الصناعية ومنتجة النفط التي انتخبت للتو عالِـمة المناخ كلوديا شينباوم لرئاسة البلاد. تعتزم إدارة شينباوم استثمار 13.6 مليار دولار في الطاقة المتجددة، بهدف تلبية 50% من الطلب على الكهرباء من خلال مصادر خالية من الكربون بحلول عام 2030. إذا أُديرَت هذه الجهود على النحو الصحيح، فإنها كفيلة بتعزيز خلق فرص العمل وتضييق فجوات التفاوت، مع الاستفادة من الشركات المملوكة للدولة في دعم نشر التكنولوجيات الخضراء. كما أن الإعلان المشجع عن إنشاء وزارة جديدة تشرف على العلوم والابتكار من شأنه أن يدعم تطوير التصنيع المتقدم والصناعات التكنولوجية الفائقة.
البرازيل أيضا في وضع يسمح لها بريادة السياسات الخضراء في العالم النامي. فبعد تحررها من حكم بولسونارو المزعزع للاستقرار، تعمل إدارة الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا على دفع عجلة التنمية المستدامة والإصلاح الضريبي. وإذا تمكنت من تنسيق سياستها الصناعية، وأهداف البنية الأساسية، والمبادرات الخضراء مثل خطة التحول البيئي، بشكل فَـعّال، فسوف يكون بوسعها أن تنطلق إلى الأمام بالاستعانة بأجندة نمو أخضر قوية في الداخل، مع توسيع نفوذها الإقليمي والعالمي كمضيف لاجتماع مجموعة العشرين هذا الشهر ومؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (مؤتمر الأطراف 30) في العام المقبل.
نحن قادرون على بناء عالم جديد من العدالة المناخية والمساواة الاجتماعية على أنقاض النيوليبرالية. ولكي ننجح في هذا، فنحن في احتياج إلى بُـنـى اقتصادية جديدة مستنيرة، تصممها وتصونها البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. إن النظام العالمي الأكثر عدالة يتطلب دولا أكثر قوة واستباقية قادرة على تصميم وتنفيذ سياسات تدفع النمو الاقتصادي، وتخلق فرص العمل، وتعمل على تضييق فجوات التفاوت، وإزالة الكربون.