موازنة العراق الاتحادية لعام 2023.. والحاجة الى السياسات المالية الذكية
د. سلطان جاسم النصراوي
2023-04-27 07:40
قرر مجلس الوزراء بجلسته الاعتيادية المنعقدة في 13/3/2023 الموافقة على مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنوات 2023 و2024 و2025 واحالته الى مجلس النواب استناداً الى احكام المادتين 61/ البند أولاً و80/ البند ثانياً من الدستور.
الموازنة بالأرقام
1- تُقدر إيرادات الموازنة العامة نحو 143.522.919.063 دينار عراقي (نحو 143.5 ترليون).
2- تم احتساب الإيرادات المخمنة على أساس سعر صرف 70 دولار للبرميل وبمعدل تصدير 3.5 مليون برميل يومياً بضمنها 400 ألف برميل عن كميات النفط المنتج من إقليم كوردستان.
3- تخصيص مبلغ قدره 199.022.11.663 دينار عراقي (ما يقارب 199 ترليون) كإجمالي للإنفاق، منها 133.221.694.002 دينار عراقي (نحو133 ترليون) نفقات تشغيلية، و49.462.151.754 دينار عراقي (تقريباً 49.5 ترليون) كنفقات استثمارية.
4- تخصيص مبلغ 3.587.284.886 دينار عراقي (ما يقارب 3.6 ترليون) للبرامج الخاصة منها نحو 1.5 ترليون لأولويات البرنامج الحكومي.
5- تخصيص مبلغ وقدره 500 مليار دينار كاحتياطي للطوارئ.
6- تخصيص مبلغ 2.5 ترليون دينار لإعمار وتنمية مشاريع في المحافظات.
7- تخصيص مبلغ 10.5 للاتفاقية الصينية العراقية بموجب آلية الاتفاق بين وزارة المالية ومؤسسة ضمان الصادرات (سينوشور) للاستمرار بتمويل مشاريع البنية التحتية.
8- بلغ اجمالي العجز في الموازنة 64.496.192.600 دينار عراقي (تقريباً 64.5 ترليون)، يُغطى هذا العجز من الوفرة المتحققة من زيادة أسعار النفط والبالغة 23 ترليون وخصم حوالات الخزينة بما يقارب 23.5 ترليون الى جانب القروض من المؤسسات المالية والمصارف المحلية والدولية.
9- بلغ الإقراض من مؤسسات الصادرات الدولية 3.4 مليار دولار لتمويل مشروع تحلية المياه في محافظة البصرة لصالح وزارة الاعمار والإسكان والبلديات والاشغال العامة بكلفة 3 مليار دولار، و400 مليون دولار لصالح وزارة البيئة لمشروع إزالة الألغام.
10- الاقتراض من مؤسسة Exim الأمريكي أو بضماناته مبلغ 1.472 مليار دولار لتنفيذ مشاريع في الكهرباء والصحة.
11- تضمنت المادة 13 من قانون الموازنة على تسوية الخلافات المالية بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان للسنوات 2004-2022، ويلتزم إقليم كوردستان بتصدير النفط وبمعدل 400 ألف برميل يومياً، كما تلتزم حكومة الإقليم بتسليم الإيرادات غير النفطية الى خزينة الدولة ويقوم ديوان الرقابة المالية بالتنسيق مع ديوان الإقليم بالتدقيق وتلتزم وزارة المالية بتسديد مستحقات الإقليم بموجب احكام القانون شهرياً.
12- تضمن المحور الرابع من القانون مبادئ التعاون حول الطاقة (المرحلة الثانية) والمتضمن التعاون مع شركة سيمنس انيرجي أي جي (المرحلة الأولى) لتمويل مشاريع وزارة الكهرباء بمبلغ 1.860 مليار يورو، والتعاون مع شركة جنيرال الكتريك إنترناشيونال لتمويل مشاريع الكهرباء بمبلغ 3.45 مليار دولار.
13- بلغت النفقات الحاكمة في الموازنة ما يقارب 10 ترليون دينار منها 4.662 ترليون دينار لدعم البطاقة التموينية و1.651 ترليون دينار لدعم الادوية، 2.5 ترليون دينار لدعم شراء الحنطة والشلب و358.620 مليار دينار استيراد الطاقة و350 مليار للتعداد العام للسكان و345.5 مليار دينار نفقات انتخابات مجالس المحافظات و50 مليار نفقات دعاوي نزاعات الملكية.
14- اشارت المادة 45 من القانون الى تأسيس صندوق العراق للتنمية لتحسين البيئة الاستثمارية وإطلاق التنمية الاقتصادية برأسمال يبلغ 1 ترليون دينار عراقي ويرتبط بمجلس الوزراء ويتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي، كما نصت المادة 57 على تأسيس صندوق يُسمى (صندوق الاعمار للمحافظات الأكثر فقراً) وبرأسمال يبلغ 500 مليار دينار عراقي ويرتبط بمجلس الوزراء ايضاً.
بيان وزارة المالية حول الموازنة:
تضمنت الموازنة بيان لوزارة المالية تكون من 16 ورقة تناول أسس اعداد الموازنة وتحدياتها ومحددات الاستجابة واولويات البرنامج الحكومي واسس تقدير الموازنة وأشار البيان الى الإيرادات والنفقات والعجز.
أشار البيان الى إن الموازنة تمثل مرآة عاكسة لأولويات الحكومة وترجمة لبرامجها، وأشار البيان ايضاً الى إن عودة الاستقرار السياسي الذي اوجده تشكيل الحكومة والظروف المواتية في أسواق النفط يوفران فرصة للتعامل مع هذه المتغيرات وتحقيق الإصلاح، وأفاد البيان الى إن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة من الاضطراب غير المسبوق وتقوده حالة اللايقين المتجدد بسبب استمرار الحرب الروسية–الأوكرانية واستمرار الازمات والاوبئة وحالة الركود الاقتصادي والتغيرات المناخية وهو ما يؤثر على 10% من انتاج النفط العراقي، ومن ثم أشار البيان الى إن الموازنة الاتحادية أوجدت حيزاً مالياً وفرته الموارد المالية التي أُتيحت لها واجتهدت في توجيه الموارد المالية نحو الاستخدامات الأكثر أهمية وانتاجية لتحقيق الكفاءة، وأشار البيان الى اعتبارات الكفاءة والاستدامة المالية والاتساق مع الرؤية الاقتصادية لتقليل وضغط الانفاق الاستهلاكي لصالح الانفاق الاستثماري، وبقاء الدين العام ضمن حدود مقبولة اقتصادياً ومالياً ومغادرة التقشف المفرط الذي الحق الضرر بالاقتصاد وعلى نحو عمق الركود واربك النشاط الاقتصادي، كما أشار البيان الى جملة من التحديات منها حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في العراق والمنطقة والجدل حول سعر الصرف وارتهان الوضع المالي لأوضاع السوق النفطية العالمية، ولعل أبرز التحديات هو إنه قد يؤدي التباطؤ الى تقليل عائدات النفط.
ملاحظات حول الموازنة والحاجة الى سياسات مالية ذكية
على الرغم من وجود بعض الإيجابيات في الموازنة مثل الإشارة الى الاتفاقية الصينية والاشارة الى التعاون مع الشركات العالمية في مجال الطاقة وكذلك الإشارة الى تأسيس صناديق مثل صندوق العراق للتنمية وصندوق الاعمار للمحافظات الأكثر تضرراً وغيرها... إلا إنه يمكن ادراج الملاحظات حولها وحول بيان وزارة المالية وكالآتي:
1- إن تشريع الموازنة العامة للبلد لم يتم لغاية النصف الأول من شهر نيسان/2023 وهو مخالف لقانون الإدارة المالية والذي ينص على ضرورة الالتزام بالتوقيتات المحددة.
2- مقدار العجز في الموازنة وبحسب اتفاقية ماستريخت وبحسب المعايير الدولية وكذلك المادة 6/ رابعاً من قانون الإدارة المالية لعام 2019 يجب ألا يتجاوز 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وبحسب البيانات الواردة فإن العجز المخطط البالغ 64.469 ترليون قد تجاوز حاجز الــــ 20% وهو أكبر بنسبة 17% من المسموح به، وعلى الرغم ان العجز هو عجز مخطط الا إن ارتفاعها بهذا الشكل يمثل خطر داهم على مستقبل المالية العامة واستدامتها في العراق.
3- تم تحديد سعر نفط برميل النفط في الموازنة بــ 70% وهو سعر مرتفع جداً ومبالغ به على الرغم من إن التنبؤات والدراسات وحتى بيان وزارة المالية أشار الى إن الاقتصاد العالمي يمر بحالة من عدم اليقين وهذا من شأنه أن يؤثر على أسعار النفط بالانخفاض (وهو ما حدث خلال الشهر الرابع من 20123) ومن ثم قد يفاقم من مشكلة العجز في الموازنة، وقد يؤدي الى ارتفاع الدين العام الى مستويات خطيرة جداً.
4- لغاية 5/4/2023 لم تتم مناقشة الموازنة في البرلمان وقد تحتاج مناقشتها الى وقت طويل جداً وقد تحتدم النقاشات حولها مما قد يؤخر إقرارها الى مدة طويلة جداً، وعليه ينبغي إعادة النظر بذلك وعدم إقرار موازنة بهذا الحجم وتنفيذها بنصف سنة فقط. والاستفادة من الحيز المالي المتوفر لوضع وبناء خطط مستقبلية وإقرار موازنات ضخمة بوقت مبكر نسبياً.
5- تم تقدير إيرادات الموازنة على أساس تصدير 3.5 مليون برميل يومياً منها 400 ألف برميل من إقليم كوردستان، وفي ظل قرار المحكمة بإجبار الشركات على وقف انتاج النفط وتصديره، ومن جانب أخر فإن قيام (أوبك +) بتخفيض الإنتاج بنحو 1.6 مليون برميل كان نصيب العراق منها نحو 200 ألف برميل يومياً من أجل الحفاظ على استقرار الأسعار سوف يؤثر بشكل سلبي على الإيرادات العامة للبلاد.
6- على الرغم من ضخامة الانفاق الحكومي في الموازنة إلا إن تخصيصات تنمية المحافظات والاقاليم بلغت 2.5 ترليون بالمقارنة مع 4 ترليون في عام 2021 وهو ما يمثل خلل كبير يؤثر على تنمية المحافظات.
7- لم تُشر الموازنة لا من قريب ولا من بعيد الى موضوع التغير المناخي وانعكاساته على الاقتصاد العراقي ولم يتم تخصيص أي مبالغ لذلك، على الرغم من قيام وزارة المالية الى الإشارة الى ذلك في بيانها.
8- فيما يتعلق ببيان وزارة المالية فقد حمل هذا البيان الكثير من التناقضات لعل أبرزها:
- أشار البيان الى إن عودة الاستقرار والظروف المواتية في أسواق النفط يوفران فرصة للتعامل مع المتغيرات في حين يُشير البيان في مكان آخر الى إن الاقتصادي العالمي يمر بمرحلة من الاضطراب غير المسبوق وحالة من عدم اللايقين المتجدد من شأنه أن ينعكس على أسعار النفط العالمية وهذا تناقض واضح.
- أشار البيان الى إن الموازنة اوجدت حيزاً مالياً واسعاً وفرته الموارد المالية واجتهدت في توجيه الموارد نحو الاستخدامات الأكثر أهمية والأكثر إنتاجية ولتحقيق الكفاءة، وهذا الكلام غير دقيق تماماً، فلا يوجد حيز مالي في الموازنة وكان من الاجدر بناء حيز مالي مناسب لمواجهة الظروف غير المواتية التي قد يشهدها الاقتصاد العراقي مستقبلاً واستخدام هذا الحيز في أوقات الضغط المالي والازمات (مثلاً عند انخفاض الأسعار الى مستويات متدنية جداً).
- أشار البيان أيضا الى إنه ولاعتبارات الكفاءة والاستدامة والاتساق مع الرؤية الاقتصادية التنموية تم اعادة هيكلة الموازنة لتقليل ضغط الانفاق الاستهلاكي لصالح الانفاق الاستثماري والابقاء على العجز المالي بنسب مقبولة، وهنا يمكن القول إنه صحيح الانفاق الاستثماري ارتفع بشكل واضح، إلا إن الانفاق الاستهلاكي فقد ارتفع بشكل كبير جداً وبنحو 24 ترليون دينار بالمقارنة مع عام 2021 (وهو ارتفاع موازي لارتفاع النفقات الاستثمارية) وهذا غير مرغوب فيه، فضلاً عن ارتفاع نسب العجز المالي الى مستويات غير مقبولة وفقاً للمعايير الدولية وخطرة جداً.
- كما أشار البيان الى إن هذه الموازن قد غادرت التقشف المفرط والذي الحق الضرر بالاقتصاد على نحو عمق الركود وأربك النشاط الاقتصاد؟ وهنا نقول إن التقشف المفرط لم يكن سياسة معتمدة وانما كان مرتبطاً بسعر برميل النفط وكانت الموازنة مجبرة عليه بسبب هيكل الاقتصاد العراقي وعدم تنوعه.
ختاماً وفي ضوء الملاحظات أعلاه نقترح الآتي:
أولاً: طالما لغاية منتصف الشهر الرابع ولم يتم إقرار الموازنة العامة للبلد، ينبغي إعادة النظر بموضوع هكذا موازنة ضخمة وانفجارية لا يمكن تنفيذها في 6 أشهر، والعمل على اعداد موازنة نصف سنوية يكون تركيزها منصب على الانفاق الاستثماري فقط مع بقاء النفقات الانفاق الاستهلاكي والنفقات الحاكمة كما هي بعد إضافة التعيينات الجديدة لها، وتقليص النفقات غير الضرورية لما تبقى من السنة المالية والعمل على اعداد موازنة ضخمة وانفجارية يتم إقرارها قبل بداية السنة الجديدة ليتنسى لوحدات الانفاق انفاقها بشكل سليم وصحيح وغير مستعجل.
ثانياً: أصبح الاقتصاد العراقي في ظل الظروف الراهنة التي يعيشها احوج ما يكون الى سياسات مالية ذكية وحلول إبداعية وابتكارية تتلاءم مع التغيرات التي يعيشها الاقتصاد العالمي. ذلك إن عملية الاعتماد المفرط على النفط والافراط في عملية الاقتراض وارتفاع نسب المديونية وتفاقم نسب العجز وارتفاعها في الموازنة العامة للبلد من شأنه أن ينعكس بشكل سلبي على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وعلى مستقبل العراق.
ومن ثم ينبغي التخلي عن الخيارات التقليدية واتباع سياسات مالية ذكية تساعد في الحفاظ على الاستقرار والتخفيف من حدة الازمات، وإيجاد الحلول الملاءمة للتحديات والمتغيرات التي يعيشها الاقتصاد العالمي وذلك من خلال حوكمة الإيرادات والنفقات والإدارة المالية الرشيدة وتطوير آليات تحصيل إيرادات المال العام، والعمل على تعزيز الصلابة الاقتصادية لمواجهة الصدمات المعاكسة، لا سيما وان جائحة كورونا والأزمات المتوالية أوضحت إنه ينبغي للحكومات أن تكون مستعدة للأوقات العصيبة، ومن شأن اتباع سياسات ذكية يمكن من اصدار استجابات سريعة ومرنة لمواجهتها.