التفاوت الاقتصادي بعد جائحة كورونا
حامد عبد الحسين الجبوري
2021-10-23 07:15
لم يكُن الأمرُ مثالياً قبل جائحة كورونا فيما يتعلق بمسألة التفاوت الاقتصادي لكنه أصبح أكثر تفاقماً بعدها، وهذا ما صرح به كثير من الخبراء والمؤسسات البحثية والمنظمات الدولية.
فعلى الرغم من شمول جائحة كورنا الجميع بلا استثناء إلا إنها لم تسهم في تحقيق التقارب الاقتصادي بل أدت لتفاقمه.
حيث دفعت جائحة كورونا إلى زيادة التفاوت الاقتصادي بين الاغنياء والفقراء في العالم وذلك لأسباب معينة.
تتمثل هذه الأسباب في جانبين هما: إغلاق الاقتصادات داخلياً وخارجياً من جانب واستمرار نشاط الاعمال التي تعتمد على الجانب الالكتروني -شركة مايكروسوفت وشركة أمازون مثالاً- من جانب ثانٍ.
الاغلاق أدى لزيادة الفقراء
حيث أثّرَ اغلاق الاقتصادات داخلياً وخارجياً على اصاحب الدخول الثابتة والدخول المنخفضة بشكل مباشر، من حيث العمل والصحة والتعليم.
حيث أدى هذا الاغلاق لفقدان كثير من العاملين لأعمالهم أو انخفاض دخولهم، إضافةً لتراجع أوضاعهم الصحية والتعليم، التي ترتبط في الأصل بعلاقة عكسية مع الفقر؛ والدخول في دائرة الفقر.
وبهذا الصدد، يشير البنك الدولي، في تقديراته؛ إلى زيادة عدد الفقراء في العالم.
حيث يُقدر عدد الفقراء الجدد في العالم بسبب جائحة كورونا بنحو 119 إلى 124 مليون شخص في عام 2020. وفي عام 2021، من المتوقع أن يرتفع عدد الفقراء بسبب هذه الجائحة إلى ما بين 143 و163 مليون شخص[i].
سرعة التعافي وثراء الاغنياء
وفي المقابل ظلت الاعمال التي لا تتطلب في طبيعتها إلى اجتماع الافراد على أرض الواقع لأدائها؛ في نشاط دائم، وهذا ما أدى إلى زيادة نموها وإكساب أفرادها المزيد من الدخول وزيادتهم ثراءً.
وحتى وإن تضررت هذه الأعمال فهي سرعان ما تعود للنشاط مقارنة بأعمال المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتعوض ما فقدته إثناء التوقف، وهذا ما ذكرته مؤسسة أوكسفام في ملخص تقريرها عن "فيروس اللا مساواة" في ص 6.
" لم يستغرق الأمر سوى تسعة أشهر فقط لعودة ثروات أغنى 1000 ملياردير إلى أعلى مستوياتها التي كانت عليها ما قبل الجائحة، ولكن بالنسبة لأفقر الناس في العالم فقد يستغرق انتعاشهم 14 ضعف تلك المدة-أي أكثر من عقد من الزمن"
وفي موقع آخر وبالتحديد في ص 11 تؤكد هذه المؤسسة زيادة الاغنياء ثراءً بقولها:
"في جميع أنحاء العالم، شهد أصحاب المليارات زيادة هائلة في ثرواتهم بمبلغ مذهل يُقدر بحوالي 3.9 تريليون دولار بين 18 اذار/مارس و31 كانون الاول/ديسمبر2020. ويبلغ مجموع ثرواتهم 11.95 تريليون دولار. ويعادل ذلك ما أنفقته حكومات مجموعة العشرين في التصدي للجائحة. شهد أغنى 10 مليارديرات في العالم زيادة ثرواتهم مجتمعة بمقدار 540 مليار دولار خلال هذه الفترة.
الجائحة والتفاوت في العراق
قبل انتقال جائحة كورونا إلى العراق في بداية عام 2020 كان الوضع السياسي ملتهباً وكانت الاحتجاجات الشعبية كما عُرفت بـ " ثورة تشرين" في ذروتها احتجاجاً على الوضع المتردي من فساد وبطالة وفقر وسوء خدمات ونقص كهرباء وغيرها.
وفي الوقت ذاته كان ولازال الاقتصاد يعاني من الخلل والضعف في توفير فرص العمل للأيدي العاملة وغياب التوزيع العادل للثروة مما تسبب في صعود طبقة أقليّة مقابل تهميش الأغلبية وجعلهم يعيشون على الهامش.
ما زاد الطين بِلّه، هو انتقال جائحة كورونا وإغلاق الاقتصاد وتوقف الاعمال وتسريح العاملين وزيادة البطالة بالتزامن مع انخفاض اسعار النفط الذي دفع البلد ليعاني من أزمة مالية حادّة.
إن انخفاض أسعار النفط من جانب وهشاشة المالية العامة من جانب ثاني وضعف الاقتصاد من جانب ثالث وانتشار جائحة كورنا من جانب رابع، كل هذه الجوانب دفعت لزيادة الفقر إلى ما 31% في عام 2020 في حين لم يتأثر الأغنياء إلا بنسب محدودة.
اتضح مما سبق، إن الجائحة أسهمت في عميق التفاوت الاقتصادي الموجود بالأساس قبل وقوع الجائحة، وإن هذا التفاوت سيستمر مالم تتعاون الدول والحكومات لوضع خطط مدروسة تسهم في تسريع التعافي من منها لتقليص حدة التفاوت الاقتصادي وإرجاعه لمستوى ما قبل الجائحة واستمرار التخفيف من خدته.
خطوات تخفف الجائحة والتفاوت
وفي هذا الصدد يمكن العمل على مجموعة من الخطوات التي تسهم في معالجة الجائحة والتخفيف من حدتها والتفاوت الاقتصادي، والتي تتمثل بالآتي:
أولاً: العمل بالضرائب التصاعدية وذلك من أجل توفير الأموال للازمة لمعالجة الجائحة من جانب والتخفيف من حدّة التفاوت الاقتصادي.
ثانياً: الاهتمام بالرعاية الصحية من أجل التخفيف من الاعباء المالية التي تتحملها أصحاب الدخول المحدودة.
ثالثاً: تطوير نظام الحماية الاجتماعية وزيادة كفاءته، ليسهم في تأمين حياة الناس سواء الذين فقدوا عملهم وأصبحوا في حالة بطالة أو الذين توقفوا عن العمل بسبب وضعهم الصحي.
رابعاً: حثّ المجتمع على التكاتف والتراحم فيما بينهم ليسهم في امتصاص أثر الجائحة والتخفيف من آثار حدّة التفاوت الاقتصادي.