الشراكة بـيـن الـدولـة والـقـطـاع الـخـاص
أنموذج المصفوفة الرباعية في حوكمة الثوة السيادية
د. مظهر محمد صالح
2021-09-07 09:27
1. تمهيد:
لكي نبحث عن مستقبل الرفاهية في العراق فإن تحريك استثمار مكونات الثروة الوطنية وتوفير الشروط الموضوعية نحو استدامتها (التنمية المستدامة) التي امست حاجة ملحة في بناء مستقبل الاقتصادي لبلادنا وازدهاره.
فكثير ما تبحث التنمية المستدامة عن نماذج ادارة محفظة الموجودات الوطنية ولاسيما اجراء تغيير على مكونات الثروة الحقيقية لتحقيق فوائض صافية منها (اي ادخارات حقيقية تستثمر لاستدامة المستقبل الاقتصادي). اذ تنصرف مكونات الثروة الوطنية الى مناحي ثالثة رئيسية هي رأس المال المنتج (الطاقات القائمة المنتجة) ورأس المال الطبيعي كالنفط والغاز وغيرها ورأس المال غير الملموس أي رأس المال البشري والملكية الفكرية ونوعية المؤسسات وغيرها.
اذ يتفوق رأس المال غير الملموس في قيمة مكونات الثروة فلابد من ان تنخفض مساهمة رأس المال الطبيعي مع ارتفاع مكونات الثروة من مصادر اخرى. ولكي يبلغ العراق نقطة مغادرة رأس المال الطبيعي الذي يتفوق على رأس مال المنتج في مكونات الثروة فلابد من هيكلة وتنمية مكونات الثروة في مصلحة رأس المال المنتج ورأس المال غير الملموس. اذ اقدر شخصياً أن رأس المال المنتج في العراق لايتجاوز 16% ازاء رأس المال الطبيعي الذي يقترب من 40% او ربما اكثر والنسبة المتبقية من رأس المال هي من غير الملموس. إذ تقتضي التنمية المستدامة احداث توازن بين رأس المال الطبيعي ورأس المال المنتج ورأس المال غير الملموس بكونهما من مكونات الثروة الوطنية. ونظراً لتفوق رأس المال الطبيعي في العراق على رأس المال المنتج ولاسيما خلال العقود الاربعة الاخيرة ما يعني حرمان البلاد من التنوع والتطور الاقتصادي.
لذا لابد من البحث عن أنموذج في تطوير رأس المال المنتج بشكل أفضل من خلال التلاحم مع المؤسسات المنتجة عالمياً والتكنلوجيا المتقدمة والدخول في العصر الصناعي الرابع بقدرات اقتصادية عالمية.
2. الأنموذج التقليدي في تمويل الملكية الخاصة لرأس المال Private Equity
افرزت العولمة الراهنة ظواهر جديدة في التعاون الاستثماري والإنتاجي للبلدان جاء من بينها تأسيس روافع مستحدثة في التمويل تتدفق من نمط يسمى: التملك الخاص لرأس المال ويطلق عليه Private Equity والتي عُدت كصنف تمويلي واستثماري بديل يتكون من مساهمات في رأس المال تتدفق من خارج اسواق رأس المال ولاسيما ممن لم تدرج أسهمها للتداول في أسواق الأوراق المالية.
ويأتي التملك الخاص لرأس المال Private Equity من (صناديق أموال ومستثمرين) لتتولى استثمار الأموال مباشرةً في تلك الشراكة الخاصة وتذهب المساهمات المذكورة أيضاً نحو (الاستحواذ) Equistions على شركات عمومية كانت مدرجة في الغالب وبات من المتعذر إدراجها في سوق الأوراق المالية. حيث يتولى المستثمرون وأصحاب رؤوس الأموال تقديم رأس المال للكيان المساهم الخاص الجديد الذي يسمى (الشريك العام) أو الشراكة ذات المسؤولية المحدودة (Limited Liability Partnership) كما يتوجه الاندماج الجديد في رأس المال لتمويل تكنولوجيا حديثة أو تحقيق الاستحواذ قانونياً كما ذكرنا على شركات أخرى أو توسيع رؤوس الأموال التشغيلية لنشاطات إنتاجية قائمة. فضلا عن تقويم المراكز المالية النشطة شركات مختلفة وتعظيم ميزانياتها العمومية.
وتتجمع رؤوس الأموال في صندوق التملك الخاص المسمى Private Equity Fund ليتألف من مساهمة شراكات بمسؤولية محددة تمتلك 99% من أسهم الصندوق في حين أن الشريك العمومي G P الذي سيمتلك 1% من الأسهم سيتحمل المسؤولية كاملة، أي مسؤولية تشغيل وادارة وتمويل الاستثمارات في هذا الأنموذج التقليدي بعيدا من مشكلات الوكالة المزدوجة.Dual Agency وعليه، فان التمويل والتملك الخاص Private Equity (إضافة الى كونه شكلا محددا من أشكال التمويل البعيدة عن آليات التمويل في السوق المالية) فإنه يتيح الاستثمار المباشر في الشركات المساهمة من خلال الاستحواذ القانوني على تلك الشركات. منوهين أن هذا النمط من سابقا الشراكات التمويلية يمتلك حرية المطاولة والمرونة بعيدا عن ضغوط المساهمين العمومين في الشركات المساهمة. وأن التقيمات التي تجري على الشراكات الجديدة لا تخضع لضغوط قوى السوق كما هو حال في الشركات المساهمة تحديداً.
وهنا تأخذ الحُصص التمويلية ذات الملكية الخاصة الرأسمالية Private Equity أشكال مختلفة تبتدأ (من) الاستحواذ برافعة مالية معقدة، وتنتهي (الى) رأس المال الاستثماري البسيط.
3ـ الأنموذج الافتراضي المقترح لبلادنا:
بناءً على ماتقدم، سنتعرف على موديل أو أنموذج بديل جرى تطويره من أجل معالجة أوضاع الشركات العامة المتروكة في العراق على سبيل المثال أو من مشاريع القطاع الخاص الصناعي والزراعي المتروكة (كثروة رأسمالية منتجة معطلة) ضمن التشغيل المشترك وعبر الآلية المذكورة آنفاً وإمكانية تأسيس صندوق سيادي عراقي من خلال إعتماد فكرة الملكية الخاصة لرأس المال Private Equity المنوه عنها آنفاً وبرؤوس أموال تساهم فيها الحكومة والقطاع الخاص الوطني معاً مع نظرائهم الدوليين وعلى النحو الآتي:
أ- تعد المشاركات الاستثمارية الدولية (كروافع للتمويل والاستثمار) نمطاً منسقاً من أنماط الشراكة بين الحكومات والقطاع الخاص في العلاقات الاقتصادية الدولية وتأخذ شكل مصفوفة Matrix رباعية العناصر هم: الدولة الأم، الدولة الأجنبية، القطاع الخاص الوطني والقطاع الخاص الأجنبي. اذ يولد هذا الأنموذج ضمانات الحيازة والتملك المتبادل وبقوة متكاملة تجعل مايسمى بمخاطر البلدان Country Risk عند النقطة الدنيا بسبب ضمانات الملكية وتركيبتها بين الدولة والقطاع الخاص في الداخل والخارج لبلوغ حالة مثلى من اليقين Certainty وتوفير أساسين إداريين مهمين: أولها: الحوكمة بصورتها الجيدة Good.Governance وثانيها: تتمثل بالتطبيقات الفضلى لنظرية الوكالة Agency Theory لتفادي مشكلات الانفصال الثنائي بين الملكية والإدارة.
ب- ولإيجاد نماذج تمويل مشتركة مع دول متقدمة صناعياً مثل اليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وغيرها، فقد اتضح من خبراتنا التشاورية أن هناك أنماط من التمويل المشترك تتولاها شركات كبرى من البلد الأم (كاليابان وكوريا وغيرها) لتنفيذ مشاريع استثمارية ممكنة في بلادنا عن طريق أسلوب الشراكة الاستثمارية بين المالك العراقي (حكومة أو قطاع خاص) والمالك الأجنبي من شركات البلد الأم وبضمانات توفرها حكومة البلد الأم الأجنبي نفسها ومن خلال صندوق يسمى (صندوق التملك الخاص Private Equity Fund) أي صندوق المساهمة الخارجية في رأس المال الذي يضم أيضاً مساهمات صناديق الثروة السيادية وصناديق التقاعد وغيرها، فضلا عن وجود الكيان الإداري العلوي المسمى (بالشريك العام أو الشراكة ذات المسؤولية المحدودة Limited Liability Partnership LLP–) وهي أشبه بإدارة صندوق علوي أو مركزي في البلد الأم تساهم به الشركات والمصالح اليابانية أو الكورية، فضلا عن مساهمة الحكومة العراقية والقطاع الخاص العراقي بغية تكوين رأس مال بحصص مختلفة وبمسؤولية محدودة لكل المشاركين وبنسبة مساهمة 99% على أن تساهم إدارة الكيان بنسبة 1% وتتحمل المسؤولية الكاملة في التنفيذ والتشغيل والاستثمارات كافة كما نوهنا.
ويتولى الصندوق LLP دعم الاستثمارات اليابانية أو الكورية أو غيرها لإقامة مشروعات في بلادنا بصيغة شركات مشتركة يطلق عليها (بالعربة ذات الأغراض الخاصة SPV) أو تسمى بالمنشأة التملك الخاص في رأس المال Private Equity Firm التي تنفذ بهيكلية مشاريع مشتركة بين المستثمر العراقي (عام أو خاص) والمستثمر الياباني أو الكوري للنهوض بمشروع معين. كما يجري تمويل هذه المشاريع أما عن طريق رأس مال الصندوق مباشرةً أو من مصرف ياباني أو مصرف كوري بكفالة بنك الاستيراد والتصدير الياباني JEXIM أو بنك الاستيراد والتصدير الكوري KEXIM حسب البلد.
اذ يفترض الأنموذج قيام الحكومة اليابانية من خلال بنك الاستيراد والتصدير الياباني JEXIM أو الحكومية الكورية من خلال بنك الاستيراد والتصدير الكوري KEXIM ضمان أي قروض إضافية تقدمها المصارف اليابانية أو الكورية لتمويل المشاريع في العراق حسب الحالة من خلال آلية (صندوق التملك الخاص في رأس المال ودور الشريك العام LLP المنوه عنه أنفاً).
جـ - يتسلم الجانب العراقي أرباح صافية عن عوائد الصندوق أو الشريك العام المدار في البلد الأم LLP مقابل حصته في رأس المال اضافة الى عوائده من المشاريع المقامة في العراق على سبيل المثال. هو من يعين الشريك العام (G P) يحكم قوة وهيمنة الصندوق السيادي العراقي في صندوق التملك الخاص.
4. الاستنتاجات:
عادةً ما يدرج هكذا نمط من المشاريع ذات التمويل المشترك في جانب منها تحت مفهوم الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص (PPP) فضلا عن إمكانية تشغيل المشاريع المتوقفة عن العمل المملوكة للدولة أو غيرها بمثل هذا الاسلوب التمويلي والاستثماري والإنتاجي الواسع. كما يمكن تسديد حصة العراق في (الصندوق) / LLP بنسبة من مبيعات النفط العراقي الى اليابان أو كوريا، اذ يمكن على سبيل المثال تخصيص Χ الف برميل نفط يومياً لتكون جزءاً من حصة العراق في رأس مال الصندوق وبما يعزز آلية التمويل الاستثماري المشترك وتحريك المشاريع المتوقفة في بلادنا بالخبرة والتكنلوجيا اليابانية أو الكورية وغيرها. وهنا سيكون بمثابة صندوق ثروة سيادي عراقي ويمتلك قدرة الإشراف والمساهمة في مشاريع تؤسس داخل العراق.