مساعدة الــ 66% الآخرين
بروجيكت سنديكيت
2021-05-08 04:47
بقلم: كينيث روجوف
كمبريدج ــ إنه لأمر مذهل أن تأتي هذه الزيادة في المشاعر القومية في مختلف أنحاء العالم المتقدم في السنوات الأخيرة في وقت حيث بات من الواضح بشدة أن العديد من تحديات اليوم الأكثر إلحاحا، بما في ذلك تغير المناخ وجائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، هي في الأساس مشكلات عالمية تتطلب حلولا عالمية. الواقع أن حالة الغضب التي تختمر بين مواطني البلدان التي تفتقر إلى اللقاحات ــ ثلثي البشر الذين يعيشون خارج الاقتصادات المتقدمة والصين في الأساس ــ قد تعود لتطارد العالم الغني في وقت قريب للغاية.
يجب أن تكون خطط الرئيس الأميركي جو بايدن الطموحة لمعالجة فجوات التفاوت في أميركا موضع ترحيب، شريطة أن تنجح الإدارة في تغطية التكاليف البعيدة الأمد من خلال فرض ضرائب أعلى أو تحقيق نمو أقوى، وهذان احتمالان غير مؤكدين على الإطلاق باعتراف الجميع. وهذه أيضا حال مخطط الاتحاد الأوروبي الأصغر حجما لكنه يظل كبيرا، "جيل الاتحاد الأوروبي التالي"، لمساعدة بلدان الاتحاد الأوروبي، مثل إيطاليا وإسبانيا، التي تضررت بشكل غير متناسب بالجائحة.
صحيح أن 16% من سكان العالم، الذين يعيشون في اقتصادات متقدمة، ضربتهم الجائحة بقسوة، لكنهم الآن يتطلعون إلى التعافي. وكانت الصين، التي تمثل 18% أخرى من سكان العالم، أول اقتصاد رئيسي يرتد إلى التعافي، ويرجع الفضل في ذلك في الأساس إلى استعدادها الأفضل في التصدي للجائحة وقدرة الدولة الأكبر على احتواء فيروس كورونا.
لكن ماذا عن الآخرين؟ كما يوضح صندوق النقد الدولي في تقريره لشهر إبريل/نيسان بشأن آفاق الاقتصاد العالمي، لا يخلو الأمر من تباعد عالمي بالغ الخطورة. فمن المحتمل أن تكون موجة كوفيد-19 المروعة التي تجتاح الهند مجرد عينة توضيحية للأهوال التي من المنتظر أن تجتاح قسم كبير من العالم النامي، حيث تفشى الفقر. ومن غير المرجح أن تعود معظم البلدان إلى مستويات الإنتاج التي سبقت الجائحة حتى نهاية عام 2022 على الأقل.
حتى الآن، كان القرن الحادي والعشرين يحكي قصة محاولات اللحاق التي يبذلها العالم النامي، وبصورة أعظم كثيرا مما بدا محتملا في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. لكن أزمة كوفيد-19 ضربت البلدان الفقيرة في وقت حيث بدأ العالَـم الغني ينتبه إلى حقيقة مفادها أن احتواء الجائحة والكارثة المناخية التي تلوح في الأفق يتوقف بشكل كبير على الجهود المبذولة في الاقتصادات النامية. هذا فضلا عن التعاون الذي من المرجح أن يشكل ضرورة أساسية لاحتواء الجماعات الإرهابية والقوى الفعالة في الدول المارقة في عالَـم ساخط إزاء فجوات التفاوت العالمية التي كشفت عنها الجائحة بوضوح.
ما يزيد الطين بلة أن قسما كبيرا من العالم النامي، بما في ذلك الأسواق الناشئة، دخل الجائحة وهو مُـثـقَـل بديون خارجية مرتفعة بشكل حاد. قد تكون أسعار الفائدة لليلة واحدة، والتي تحددها السياسة النقدية، عند مستوى الـصِـفر أو سلبية في الاقتصادات المتقدمة، لكنها تتجاوز 4% في المتوسط في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، حيث الاقتراض الأطول أمدا ــ ذلك النوع المطلوب للتنمية ــ أكثر تكلفة بكثير. وقد تخلفت عن سداد ديونها بالفعل عدة بلدان، بما في ذلك الأرجنتين، وزامبيا، ولبنان. وقد يلحق بها عدد أكبر من البلدان عندما يدفع التعافي غير المتكافئ أسعار الفائدة العالمية إلى الارتفاع.
كيف إذن قد تتمكن البلدان الأكثر فقرا من تغطية تكاليف لقاحات كوفيد-19 وتدابير الإغاثة من آثاره، ناهيك عن الانتقال إلى اقتصاد أخضر؟ يخضع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لضغوط هائلة لإيجاد حلول، وكان كل منهما يؤدي وظيفته بنجاح، في شرح وتفسير المشكلة على الأقل. لكن مثل هذه المنظمات تفتقر إلى البنية المالية اللازمة للتعامل مع تحديات بهذا الحجم. في الأمد القريب، من الممكن أن يساعد تخصيص حقوق السحب الخاصة (الأصل الاحتياطي الذي يصدره صندوق النقد الدولي)، لكن هذه الأداة بدائية للغاية وغير مصممة للاستخدام على أساس روتيني.
كانت مؤسسات بريتون وودز التي تأسست في نهاية الحرب العالمية الثانية مصممة للعمل بشكل أساسي كمرافق إقراض. لكن مثلما أعطت الدول الغنية مواطنيها تحويلات صريحة أثناء الجائحة، يجب أن يحدث ذات الشيء في الاقتصادات النامية. ذلك أن الديون المرتفعة لن تؤدي إلا إلى تفاقم حالات العجز عن السداد المحتملة في أعقاب الجائحة، وخاصة في ضوء الصعوبات التي تنطوي عليها عملية تحديد الأقدمية بين مختلف المقرضين من القطاعين العام والخاص. لفترة طويلة، كنت أنا وجيريمي بولو من جامعة ستانفورد نزعم أن المنح المباشرة أنظف من أدوات الإقراض، وهي بالتالي مفضلة عليها.
ما العمل إذن؟ بادئ ذي بدء، يحتاج العالم الغني إلى إزالة تكلفة اللقاحات من على طاولة التفاوض مع الاقتصادات النامية، جزئيا من خلال تمويل المرفق المتعدد الأطراف للوصول العالمي إلى لقاح كوفيد-19 بشكل كامل. الواقع أن تكلفة القيام بذلك، التي تبلغ مليارات الدولارات، لا تُـقَـارَن بتريليونات الدولارات التي تنفقها البلدان الأكثر ثراء لتخفيف تأثير الجائحة على اقتصاداتها.
لا يجوز للاقتصادات المتقدمة أن تكتفي بتغطية تكلفة اللقاحات، بل يتعين عليها أن تقدم أيضا إعانات دعم ومساعدات فنية واسعة النطاق في تسليمها. لأسباب عديدة، منها بشكل خاص أن جائحة أخرى تنتظرنا في المستقبل، يُـعَـد هذا حلا أكثر فعالية من مصادرة الملكية الفكرية من مطوري اللقاحات.
في الوقت ذاته، يجب أن تكون الاقتصادات المتقدمة، التي لا تمانع في إنفاق تريليونات الدولارات على تطوير طاقة خضراء محلية، قادرة على إيجاد بضع مئات من المليارات سنويا لدعم ذات التحول في الأسواق الناشئة. يمكن تمويل هذه المساعدة بالاستعانة بضرائب الكربون، التي قد تفرض في ظروف مثالية بوساطة من بنك كربون دولي يمثل مؤسسة عالمية جديدة تركز على مساعدة البلدان النامية على إزالة الكربون.
من الأهمية بمكان أيضا أن تظل الاقتصادات المتقدمة منفتحة على التجارة العالمية، العامل الرئيسي وراء تراجع حدة التفاوت بين البلدان. وينبغي للحكومات أن تعكف على التصدي لفجوات التفاوت في الداخل من خلال توسيع نطاق التحويلات وشبكات الأمان الاجتماعي، وليس من خلال إقامة الحواجز التجارية التي تلحق الضرر بمليارات البشر في أفريقيا وآسيا. وسوف يستفيد هؤلاء الأشخاص أيضا من التوسع الكبير الذي طرأ على ذراع المساعدات في البنك الدولي (مؤسسة التنمية الدولية).
قد يكون التصدي لفجوات التفاوت داخل البلدان الضرورة السياسية الحتمية في اللحظة الحالية. لكن معالجة فجوات التفاوت الأضخم كثيرا بين البلدان هي المفتاح الحقيقي لصيانة الاستقرار الجيوسياسي في القرن الحادي والعشرين.