الأضرار غير المحدودة للمسؤولية المحدودة
بروجيكت سنديكيت
2020-02-08 04:10
بقلم: كاترينا بيستور
نيويورك- تساءل أوليفييه بلانشارد، كبير الاقتصاديين السابقين في صندوق النقد الدولي، في تغريدة نشرها مؤخرا، قائلا. "كيف يمكن أن يكون لدينا الكثير من عدم اليقين السياسي والجيوسياسي، وأن نفتقر لليقين الاقتصادي". فمن المفترض أن تقيس الأسواق المخاطر، وأن توزعها، ومع ذلك فإن أسهم الشركات التي تسبب التلوث، وتنشر مسكنات الألم المسببة للإدمان، وتبني الطائرات غير الآمنة، على ما يرام. والأمر نفسه ينطبق على الشركات التي تُثري المساهمين، والمديرين، والمسؤولين علانية، على حساب موظفيها الذين يكافح الكثير منهم لكسب العيش، وحماية خطط معاشاتهم التقاعدية. فهل الأسواق على خطأ، أم أن الأعلام الحمراء حول تغير المناخ، والتوترات الاجتماعية، والسخط السياسي هي في الواقع خداع تمويهي؟
ويكشف فحص دقيق أن المشكلة تكمن في الأسواق. إذ في ظل الظروف الحالية، لا يمكن للأسواق تسعير المخاطر تسعيرا كافيا، لأن المشاركين في السوق محميون من الأضرار التي تلحقها الشركات بالآخرين. ويطلق على هذا المرض اسم "المسؤولية المحدودة"، ولكن عندما يتعلق الأمر بالمخاطر التي يتحملها المساهمون، سيكون من الأدق أن يطلق عليها اسم "اللامسئولية."
ووفقًا للأحكام القانونية السائدة، يتمتع المساهمون بالحماية من المسئولية، عندما تلحق الشركات التي يمتلكون أسهمها ضررا بالمستهلكين، والعمال، والبيئة. ويمكن للمساهمين أن يخسروا أموالًا على ممتلكاتهم، لكنهم يحققون أرباحا أيضًا عندما تتسبب الشركات في أضرار لا حصر لها، عن طريق تلويث المحيطات، وخزانات المياه الجوفية، أو عن طريق إخفاء أضرار المنتجات التي تبيعها، أو عن طريق ضخ انبعاثات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي. وقد يواجه كيان الشركة نفسه المسؤولية، وربما حتى الإفلاس، ولكن يمكن للمساهمين ترك الحطام وراءهم بأرباح في متناول اليد.
لقد سُمح لحاملي الأسهم بالإفلات من العقاب في حالة تلو الأخرى– بما في ذلك حادث تسرب الغاز في عام،1984، في مصنع شركة، يونيون كاربايد، في بوبال، في الهند، والذي أدى إلى مقتل الآلاف، ومصنع بيغ توباكو، ومصنعي مادة الأسبستوس، وبريتيش بتروليوم في أعقاب كارثة ديب ووتر هورايزون. وحقق مساهمو شركة بوينغ، الشركة المسؤولة عن حادث تحطم طائرتين أودى بحياة 346 شخصًا، 43 مليار دولار، عن طريق إعادة شراء الأسهم بين عامي 2013 و2019– وهي بالتحديد الفترة التي تجاهلت فيها الشركة معايير السلامة لخفض التكاليف. وفي نفس الوقت، فُرض على عائلات الضحايا أن يكتفوا بقيمة 50 مليون دولار ممولة من صندوق الكوارث، وهي قيمة لا تتجاوز 144500 دولار لكل ضحية.
وفي مكان آخر، تحاول دعوى قضائية ضد أفراد من عائلة ساكلر، التي تمتلك بوردو فارما، إحدى الشركات التي تسببت في وباء الأفيون، مرة أخرى، مساءلة المستفيدين من سوء سلوك الشركات. وخوفاً من المسؤولية، باع بعض أفراد الأسرة ممتلكاتهم في نيويورك، ونقلوا أموالهم إلى سويسرا. ولكن ربما ليس هناك ما يدعو للقلق. وكما يوضح جون إيتش ماثيسون من كلية الحقوق، بجامعة مينيسوتا، نادراً ما تسمح المحاكم لضحايا سلوك الشركات المضر "باختراق حجاب الشركات" الذي يحمي المساهمين من المسؤولية.
والتبرير المعلن للمسؤولية المحدودة، هو أنه يشجع الاستثمار في الشركات، وتحَمُّل هذه الأخيرة للمخاطر، مما يؤدي إلى ابتكارات مفيدة اقتصاديًا. ولكن علينا أن ندرك أن إعفاء أصحابها من مسؤولية الأضرار التي تسببها شركاتهم، هو بمثابة دعم القانوني كبير جدا. وكما هو الحال مع جميع عمليات الدعم، ينبغي إعادة تقييم التكاليف، والفوائد من وقت لآخر. وفي حالة المسؤولية المحدودة، يجب أن يكون إخفاق الأسواق في تسعير مخاطر الأنشطة، المعروفة بأنها تسبب ضررًا كبيرًا، حقيقة تجعلنا نفكر.
والأسوأ من ذلك، أن هذا الدعم، بالكاد له معنى اقتصادي. إذ يدرك كل خبير اقتصادي أن حقوق الملكية تهدف إلى زيادة الكفاءة، عن طريق ضمان أن المالكين يستوعبون التكاليف المرتبطة بالأصول التي يمتلكونها. ولكن المسؤولية المحدودة تعزل المستثمرين عن العوامل الخارجية، التي تنشأ بواسطة الشركات التي يمتلكونها: أي أنهم فائزون في كل الأحوال.
إذاً، طالما أن المساهمين يمكنهم الاستفادة من هذه العوامل الخارجية، فإنهم سيدافعون عنها. وسوف يحاربون كل محاولة لفرض تكاليف داخلية، بما في ذلك ضريبة الكربون التي يروج لها الاتحاد الأوروبي حاليًا. ويقولون أن التنظيم التنازلي غير فعال، لأن الحكومات لا يمكنها تحديد معدل الضريبة الأمثل. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا نسمح للأسواق بتحديد مخاطر الأسعار بطريقة صحيحة، وذلك بإزالة التشويه الذي يمنعها في الوقت الحالي من القيام بذلك؟
ولا يمكن تغيير قوانين المسؤولية بين عشية وضحاها. ولكن، يمكن إجراء تغييرات تدريجية بعد فترة انتقالية تكون بمثابة إشعار للجميع. وليست هناك حاجة إلى معاهدة جديدة متعددة الأطراف، أو جهود تنسيق معقدة. وإذا اعتمدت حفنة من الدول "قوانين خارقة"، وضمنت أن يكون للمدعين مكانة في محاكمها، فسوف تستجيب الأسواق وفقًا لذلك.
ومما لا شك فيه أن المساهمين سيحاولون تجنب المسؤولية، عن طريق تحويل الأصول إلى الولايات القضائية التي تشكل ملاذا آمنا، والضغط على حكوماتهم لحمايتهم، مع التهديد بالعقوبات التجارية ضد الدول التي تعتمد قوانين خارقة. ولكن كلما زاد عدد الدول التي تعتمد مثل هذه القوانين، ضعفت قدرة أساليب الذراع القوية على النجاح.
أخيرا، إن الدعم الذي يشوه الأسواق، ويمنح المستثمرين ترخيصًا لإلحاق الضرر، ليس عديم الفعالية؛ بل هو تهديد لكل من نظام السوق، والبيئة الطبيعية التي نعتمد عليها جميعًا، من أجل بقائنا.