هل يمكن إيقاف الركود المتزامن؟
بروجيكت سنديكيت
2019-10-20 07:35
بقلم: إسوار براساد/إيثان وو
إيثاكا- يتحول التباطؤ الاقتصادي العالمي إلى ركود متزامن، كما أن بعض الاقتصادات الرئيسية تنمو بوتيرة ضعيفة فقط، بينما بالكاد تعرف الاقتصادات الأخرى أي نمو على الإطلاق– أو أنها تعرف انكماشا ضئيلا. وفي الوقت الحالي على الأقل، تبدو المخاوف من حدوث ركود عالمي وشيك، سابقة لأوانها. ولكن بالكاد لدى صناع السياسة الرغبة في إجراء إصلاحات أساسية، ولديهم مساحة محدودة لتحفيز الاقتصاد الكلي الفعال، ويجعلهم هذا في حيرة بشأن طرق إنعاش النمو.
إنه ليس صعبا إدراك جذور التباطؤ. إذ لا تزال التوترات التجارية المستمرة، وعدم الاستقرار السياسي، والمخاطر الجيوسياسية، والمخاوف بشأن الفعالية المحدودة للحوافز النقدية، تؤدي إلى ضعف معنويات الشركات والمستهلكين، مما يعيق نمو الاستثمار والإنتاجية. وتأثرت أيضا تدفقات التجارة الدولية بشكل مباشر. إذ في الآونة الأخيرة، خفضت منظمة التجارة العالمية توقعاتها بشأن نمو التجارة العالمية في عام 2019، من 2.6٪ إلى 1.2٪ فقط. وفضلا عن ذلك، فإن مؤشر البلطيق الجاف، وهو مقياس تجاري يراقَب على نطاق واسع، استنادًا إلى أسعار الشحن للسلع السائبة الجافة، قد تضاعف إلى حد ما، في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، لكنه انخفض منذ ذلك الحين بحوالي 30٪، ليقضي بذلك على آمال حدوث انتعاش تجاري.
وفي الوقت نفسه، أبقى عدم اليقين العالمي الدولار الأمريكي قويًا بالنسبة لمعظم العملات الرئيسية الأخرى. ومع أن ارتفاع قيمة الدولار قد أزال بعض الضغوط عن الاقتصادات غير الأمريكية التي تعتمد على الصادرات، أو رأس المال الأجنبي، إلا أنه زاد من خطر حرب عملات مفتوحة.
وفي الوقت نفسه، ليست كل المؤشرات قاتمة. إذ لا تزال أسواق العمل تتمتع بصحة جيدة إلى حد كبير، حتى في الاقتصادات الهزيلة مثل ألمانيا، ولا يزال استهلاك الأسر قويًا في معظم الاقتصادات الكبرى. بالإضافة إلى ذلك، فإن الزيادة في أسعار النفط في سبتمبر/أيلول، والتي أثارت مخاوفا من صدمة سلبية أخرى للنمو، قد تراجعت منذ ذلك الحين.
ويعكس الاقتصاد الأمريكي هذا الانقسام. إذ لا يزال أداء سوق العمل واستهلاك الأسر قويًا نسبيًا، لكن قطاعي التصنيع والخدمات يتباطآن. وأثرت التوترات مع الشركاء التجاريين الرئيسيين، بما في ذلك الصين والاتحاد الأوروبي، وعدم اليقين فيما يتعلق بالاتفاق بين الولايات المتحدة، والمكسيك، وكندا، على ثقة الأعمال والأرباح والاستثمار.
ومع أن ألمانيا تقترب من الركود في وقت تتجنب حكومتها التحفيز المالي، إلا أن اقتصادات أوروبية أخرى تحاول اللحاق بالركب. إذ تشهد فرنسا، وهولندا، وإسبانيا، نموا متواضعا وفرص عمل قوية، بغض النظر عن ضعف التجارة. ومع ذلك، يبدو أن الاقتصاد الإيطالي قد ظل ثابتًا، ولا يزال البلد يعاني من عدم اليقين السياسي.
وتواجه اليابان العديد من التحديات، بما في ذلك ضعف الطلب العالمي، والآثار الانكماشية لرفع ضريبة المبيعات، والتضخم المنخفض بشكل عنيد. ولا تزال الظروف المالية ضعيفة، شأنها في ذلك شأن الاقتصاد الحقيقي. وتراجعت معنويات الشركات والمستهلكين، التي، إلى جانب التحديات الهيكلية، والديموغرافية، والمالية في البلاد، تنذر بمزيد من الضعف الاقتصادي المطول.
ولا تزال الشكوك المتعلقة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تهيمن على المملكة المتحدة. وبالكاد تترك المخاوف من الخروج غير المنظم عن الاتحاد الأوروبي، والاضطرابات السياسية الداخلية المستمرة، مجالا للتفاؤل بشأن الآفاق الاقتصادية قصيرة الأجل للبلاد. ومعظم مؤشرات النشاط الاقتصادي في المملكة المتحدة إما ثابتة، أو تظهر الحد الأدنى من النمو.
لا شك أن معدلات الفائدة المنخفضة في الاقتصادات المتقدمة، إلى جانب الانخفاض الأخير في أسعار النفط، كلها عوامل ساعدت بعض اقتصادات الأسواق الناشئة الكبيرة. ومع ذلك، فإن الطلب العالمي الضعيف، والشكوك المرتبطة بالتجارة، بالإضافة إلى قيود السياسة المحلية، لا تزال تؤثر على نموها.
فعلى سبيل المثال، يتباطأ الاقتصاد الصيني بشكل واضح، ولو أن ذلك لم يكن بالقدر الذي كان يخشاه البعض في ظل الحرب التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة. ولكن لا يوجد هناك أي احتمال واضح لحل دائم لتلك الحرب، التي تواصل إضعاف معنويات الشركات الصينية ونمو الاستثمار الخاص. وكان انخفاض قيمة الرنمينبي التدريجي مقابل الدولار منظمًا حتى الآن، لكنه لم يكن له سوى تأثير متواضع على النمو. ومع أن الحكومة الصينية لديها مجال لمزيد من التحفيز المالي والنقدي، يبدو أن صناع السياسة على استعداد للسماح بتراجع النمو التدريجي إلى مستوى أكثر استدامة، بدلاً من زيادة الإنفاق، وتيسير إمكانية الحصول على الائتمان، مما قد يؤدي إلى زيادة المخاطر المالية، وغيرها من المخاطر على المدى الطويل.
وفي الوقت نفسه، تشهد الهند تباطؤًا اقتصاديًا حادًا، مدفوعًا إلى حد ما بشروط الائتمان المشددة وضعف استهلاك الأسر. وخفضت الحكومة مؤخرًا ضرائب الشركات، وخففت القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي المباشر، في حين ضخ بنك الاحتياطي الهندي حوافزا نقدية كبيرة عن طريق تخفيض أسعار الفائدة. ولكن دون رؤية واضحة لإصلاحات اقتصادية من الحكومة، من غير المرجح أن تؤدي هذه الإجراءات إلى إنعاش الاستثمار الخاص.
وفي الواقع، لقد تعممت حالة من الضيق الاقتصادي في العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة الرئيسية. وكانت البرازيل على شفا الركود في الأشهر الأخيرة، حيث ظلت مستويات التجارة، والتوظيف، والثقة راكدة. وكذلك، يشهد الاقتصاد الروسي نموًا صفريًا أو قريبًا من الصفر، وفقًا لمعظم مقاييس النشاط. وسجلت المكسيك، أيضًا، نموًا صفريًا في إجمالي الناتج المحلي في الربع الثاني من عام 2019. والملاحظة الاقتصادية الإيجابية الوحيدة في جميع البلدان الثلاثة هي النمو المستمر لائتمان القطاع الخاص.
ونظرًا لتزايد خطر الركود، قد لا يكون لدى الحكومات، قريبًا، خيار سوى تقديم المزيد من حوافز الاقتصاد الكلي. ولكي يكون ذلك فعالاً، سيحتاج صناع السياسة إلى تنسيق التدابير المالية والنقدية، والاضطلاع بها جنباً إلى جنب مع الإصلاحات الهيكلية الأوسع نطاقًا، والتي تهدف إلى تحسين آفاق النمو على المدى الطويل. ولكن مع افتقار العديد من الحكومات، على ما يبدو، إلى الإرادة السياسية لاتخاذ مثل هذا النهج، فمن المرجح أن تستمر السياسة النقدية في تحمل العبء الثقيل، وغير المستدام بشكل متزايد من أجل دعم النمو.
إن الاعتماد المستمر على أسعار الفائدة المنخفضة للغاية، أو السلبية على السياسة العامة يترك الأنظمة المالية أكثر عرضة للخطر، ودون تأثير إيجابي على النمو. وستستمر هذا المفاضلة غير الملائمة إن لم تلتزم الحكومات بتعهدات إصلاحية هيكلية وبحوافز مالية حكيمة على أوسع نطاق. وإذا فشل صناع السياسة في القيام بذلك، فإن الركود الاقتصادي المتزامن سيستمر- ويمكن أن يفسح المجال لنتائج أسوأ بكثير.