ما هي السيناريوهات المحتملة للاقتصاد العراقي خلال الـسنين الـ 4 المقبلة؟
حيدر مرتضى
2019-05-07 08:12
بداية من الجيد الانتباه للفرق بين اقتصاد يعمل بصورة جيدة وبين مصانع تعمل بصورة جيدة، فمنذ 2003، كان الاقتصاد العراقي يعمل وينمو جيداً، ولكن الجميع يعلم، أن نموه كان نتيجة تصدير البترول، وليس نتاج عمل المصانع، ولذا يعتبر البعض ان الاقتصاد العراقي مشوهاً، وما زال في منطقة الخطر رغم كل معدلات نموه الجيدة.
بعد معرفة هذا الفرق البسيط، يصبح من السهل التطرق للخيارات المتاحة امام رئيس الوزراء العراقي!
بصورة عامة هناك طريقين أو سيناريوهين، سيسلك رئيس الوزراء أحدهما:
السيناريو الأول: والذي يعتبر الخيار التقليدي للساسة العراقيين، وهو جعل الاقتصاد يعمل بصورة جيدة، من خلال تصدير البترول، ثم توزيع عائداته على شكل:
- زيادة التوظيف الحكومي ومنح الرواتب.
- منح (القروض المصرفية)، سواء القروض الشخصية، أو قروض بناء المنازل.
وبالتأكيد فإن اتباع هذه الاستراتيجية ساهمت سابقاً، وستساهم مستقبلاً بنمو الاقتصاد العراقي حيث سيُقاس هذا النمو بمؤشر (الناتج المحلي الإجمالي GDP).
ومن ثم، في نهاية الـ 4 سنين، سيتحدث رئيس الوزراء في مؤتمره الصحفي: أنظروا (الاقتصاد العراقي ينمو، أن الاقتصاد بحالة جيدة)، ولكن اصبح من المعلوم أن نمو الاقتصاد، لم يأتي بسبب ازدياد انتاج المصانع، بل جاء من الثروة البترولية التي تُستنزف.
والسؤال الآن: هل قروض البناء والقروض الشخصية، هي أمر سيء؟
حسناً، في الاقتصاد الأمريكي مثلاً، فإن ارتفاع مؤشر بناء المنازل يعد دلالة إيجابية على صحة الاقتصاد الأمريكي؛ لأن المنازل الجديدة تتطلب مواد أولية وأثاث وهذا ما سيجعل المصانع الامريكية تعمل بصورة جيدة، اما في العراق فإن بناء المنازل سيُترجم لمزيد من الاستيراد الأجنبي، والمزيد من العجز التجاري.. هذا أولاً.
ثانياً: أن منح القروض الشخصية وقروض البناء، سيزاحم القروض المفترض منحها للمصانع والمشاريع الانتاجية، فالبنوك تفضل القروض الشخصية وقروض البناء، لأنها قروض مضمونة السداد؛ نظراً لأنها تُمنح بكفالة موظفين حكوميين، بينما القروض التجارية والرأسمالية، هي غالباً أعلى مخاطرة، ولذا تكاسلت البنوك عن إدارة المخاطر الانتاجية، وإتجهت للقروض المضمونة الاستهلاكية.
وهنا سيكون من الجيد الحديث في مقالة منفصلة (هل فوائد القروض المضمونة في العراق عادلة أم مرتفعة؟!)
التأثير الثالث: أن تقديم البنوك للقروض الشخصية وقروض البناء، يساهم بارتفاع التضخم، وهذا دفع البنك المركزي العراقي لرفع اسعار الفائدة لكبح جماح التضخم، وبالنتيجة تحمل (القطاع الإنتاجي) في العراقي فائدة اعلى على قروضه نتيجة (الانفاق الاستهلاكي).
كرأي شخصي، فإن رئيس الوزراء سينحى بأتجاه هذا السيناريو السهل في تسيير عجلة الاقتصاد العراقي خلال المرحلة المقبلة.
السيناريو الثاني الاقل احتمالاً: وهو أن يتبنى رئيس الوزراء استراتيجية أن (تعمل المصانع بصورة جيدة)، وهذا امر جيد، ولكنه تحدي كبير امامه، فالاقتصاد الذي ينمو بسبب عمل المصانع هو اقتصاد حقيقي منتج، وليس اقتصاد استهلاكي ريعي قائم على تصدير النفط.
افضل مؤشر لمعرفة أن رئيس الوزراء بدأ بتبني سيناريو (المصانع تعمل بصورة جيدة)، هو مؤشر سوق العراق للأوراق المالية، (ISX 60) يتألف مؤشر البورصة العراقية من 9 قطاعات (المصارف، التأمين، الاستثمار، الخدمات، الصناعة، الفنادق والسياحة، الزراعة، الاتصالات، التحويل المالي).
طبعاً إن لفظة "المصانع" هي مجازية، وهي يمكن ان تعني بصورة عامة المنشأت الفندقية، المصارف والمنشأت الزراعية والحيوانية، وشركات التأمين.
يمكن اعتبار هذا المؤشر أكثر صدقاً من مؤشر الناتج المحلي، وأن نمو هذا المؤشر يعني أن الشركات تنمو وستحتاج لتوظيف المزيد من الافراد، الذين سينتجون منتجات وخدمات حقيقية، يتم توفيرها للشعب وتصديرها للمجتمع العالمي.
عندما تعمل (مصانع العراق بصورة جيدة)، فإن استثمارات ضخمة ستتدفق لشراء أسهم هذه المصانع والشركات، ولهذا سينمو هذا المؤشر؛ ولكن ما حدث أن هذا المؤشر انهار، فبعد ان كان في 2015 عند مستويات 1000 نقطة، أصبح اليوم يتداول عند مستويات 500 نقطة!
وبهذا فإن هذا المؤشر هو افضل تعبير عن واقع الاقتصاد الانتاجي في العراق، وهل انه يتجه للنهوض أم المزيد من الانهيار.
أن العودة بهذا المؤشر لمستوياته الحقيقية، وجعل (المصانع تعمل بصورة جيدة) يتطلب كبح جماح السيناريو الأول! ومن هنا اعتبرنا الامر تحدياً لرئيس الوزراء الذي يُعتبر بمثابة الإبهام الذي يستطيع الوصول إلى جميع الأصابع وتنسيق حركة فريقه الاقتصادي وضبط إيقاع استراتيجية العراق الاقتصادية.
أن الانتقال من (الاقتصاد الذي ينمو) إلى (المصانع التي تعمل بصورة جيدة)، هي عملية تغيير، واي عملية تغيير هي صعبة بطبيعتها، وتستغرق وقتاً وتتطلب تضحيات ودبلوماسية عالية، فهل سيسلك السيد المهدي طريق السيناريو الاول السهل ويعتمد على البترول، أم سيقبل التحدي وينهض بالمصانع العراقية؟!، هذا ما سنراقبه خلال السنين الأربع القادمة.