كيف نجحت الصين في تحقيق الاصلاح الاقتصادي

2019-01-20 04:40

إن المتتبع لتجربة الصين صاحبة أعظم انجاز في تحقيق الاصلاح الاقتصادي ومكافحة الفقر ليصيبه العجب مما تحقق هناك، ووفقا لبيانات البنك الدولي، نجد أن عدد الفقراء الذين يعيشون بأقل من دولار واحد للفرد يوميا قد انخفض في الصين من 634 مليون نسمة في عام 1981 إلى 374 مليون نسمة في عام 1990، ثم إلى 128 مليون نسمة فقط في عام 2004. أي أن نسبة الانخفاض قد بلغت 495.3% فيما بين عام 1981 و2004، ونحو 292.2% خلال الفترة 1990 – 2004. وهي نسب كبيرة، بل كبيرة جدا بالفعل. بل إنه عند مقارنة نسب الفقراء الذين يعيشون على أقل من دولار واحد للفرد في اليوم إلى إجمالي السكان، نجد أنها قد شهدت انخفاضا كبيرا كذلك، من 32% في عام 1990، إلى 9.9% فقط في عام 2004(1).

بدأت الاصلاحات في امريكا اللاتينية كنتيجة لأزمة المديونية في الثمانينات، وعلى الرغم من انه لم توجد هكذا أزمة في الصين، الا انه كان هناك فترة طويلة من عدم الاستقرار ومن عدم الرضا من النتائج المتحققة في ظل الشيوعية، وهنا وضع قائد الاصلاحات الاقتصادية (دينغ كسياو بنغ) تلك الاشكالية على شكل خيار بين توزيع الفقر في ظل النظام القديم أو توزيع الثروة في ظل نظام جديد.

لم تكن هناك خطة رئيسة للاصلاحات وبدلاً من ذلك كانت هناك ازالة تدريجية وثابتة للسيطرة التي كانت تمارسها الدولة والحزب الشيوعي. اشتهر (دينغ) بوصفه الاصلاحات على انها مماثلة لتحسس الحجارة عند عبور النهر، اي ان تضع قدماً وتنظر الى ثباتها ثم تضع القدم الاخرى، ويعود السير بخطا ثابتة وبطيئة في طريق الاصلاحات في جزء منه الى نقص الخبرة والمعلومات حول كيفية المضي قدماً في هذا المجال وايضاً الى الخوف من ردة فعل المتشددين والمناهضين للاصلاح.

اقتصرت التغييرات في البداية على الزراعة وتضمنت تخفيف القيود عن الفلاحين المنتجين من خلال السماح لهم بحرية اكبر في التحكم بالاراضي وفي زيادة الملكيات الفردية منها. كما سُمح لهم ببيع منتجاتهم في الاسواق، وبالتالي زادت الكميات المنتجة الغذائية، وقد كانت التجارة الخارجية في النظام القديم تخضع لسيطرة 12 شركة للتجارة الخارجية، والتي بدورها كانت مرتبطة بعدة جهات حكومية. فقد كانت كل الصادرات والاستيرادات تتم من خلال هذه الشركات، ومن اجل التخلص من احتكار هذه الشركات قامت الصين بانشاء مؤسسات تجارية اضافية كما اصدرت سلسلة من الاجراءات لالغاء التحكم بالاسعار وانهاء دعم الصادرات.

كما انشأت مجموعة من المناطق الصناعية الخاصة على غرار مناطق معالجة الصادرات والتي تسمح بادخال الاستيرادات المعفاة من الرسوم الكمركية بشرط معالجتها واعادة تصديرها، وغالباً مايتم دمج تلك الاستيرادات في منتجات اخرى. فضلاً عن ذلك فقد ذهبت المناطق الصناعية في الصين الى ابعد من ذلك، من خلال اعطاء السلطات المحلية والاقليمية مجالاً واسعاً من الحرية في اختيار سياسات تجارية واقتصادية مختلفة جذرياً عما هو قائم حالياً. وقد كانت تمنح الحوافز بهدف تشكيل المشاريع المشتركة مع المنتجين الاجانب، كما نجحت الصين في جذب الاستثمارات الاجنبية وبشكل خاص من تايوان وهونغ كونغ، ونجحت ايضاً في توليد تدفقات كبيرة من الصادرات، وفي رفع معدلات النمو الاقتصادي.

إن الادعاء بأن الصين قد خلقت نموذجاً تنموياً خاصأ بها ليس بعيداً عن الخطأ، وميزة مهمة فيه يمكن أن تسمى "إدارة التنمية"، على النقيض من الإدارة العامة. ومن المؤكد أن الخطط الوطنية الخمسية للصين والمؤتمر الاقتصادي السنوي للحزب الشيوعى الصينى هي جزء من إدارة التنمية فى الصين. وينطبق الشيء نفسه على العديد من استراتيجيات وخطط التنمية المحلية. وقد تقدم الجامعات الصينية في نهاية المطاف دورات وحتى درجات علمية في إدارة التنمية مثلما أن درجة الإدارة العامة شائعة في كل مكان، ولكن القضية الصينية قد تكون فريدة من نوعها، حيث إن الدولة الصينية، تحت مفهوم" اقتصاد السوق الاشتراكي"، لا تدير فقط هذه الأدوات الكينزية مثل السياسات المالية والنقدية، ولكن أيضا " أدوات" أخرى قد لا تكون متاحة في بلدان أخرى، مثل الملكية العامة للأراضي والموارد الاستراتيجية فضلا عن القطاع الحكومي الكبير، وتعطي هذه " الأدوات" الدولة الصينية سلطة أكبر.

ذات صلة

مستقبل عضوية فلسطين في الأمم المتحدة وآثارهاالتعليم العالي: المشهد المحذوفضرورة الشراكة العراقية التركيةالخواطر النفسانية والوساوس الشيطانيةالسياسية الامريكية في المنطقة فقاعة ضارة