الابداع في عالم المنتجات
ندى علي
2018-12-27 06:52
ان المعمارين والمصممين هم اكثر المبدعين عالمياً، كما انهم من بين افضل العاملين تعاوناً، فهم لايتعاونون فقط فيما بينهم، بل ومع كتلة متنوعة من البشر الذين لايقاسمونهم شيئاً خلا ذلك، فهم يتعاونون مع الزبائن، وسلطات التخطيط والتقسيم المحلية، والمهندسين الانشائيين والمصممين الداخليين.
ان ريتشارد روجرز هو اكبر المعماريين في العالم، وهو امر لم يكن يتوقع الوصول اليه، حيث كان متخلفاً في طفولته وبطيء التعلم، وفي مرحلة من حياته نصحه احدهم بأن يصبح شرطياً! الا ان الاصدقاء والعائلة في فلورنسا، حيث ولد ريتشارد، لاحظوا لديه موهبة في التصميم والعمارة. فتدرب لدى جمعية المعماريين في لندن وفي جامعة يال، وهو يعمل في لندن منذ ذلك الحين، وفي عام 1971 فاز هو ورينزو بيانو من 680 متنافس بعقد لتصميم مركز جورج بومبيدو في بوبورغ في باريس، وهو ما اصبح فيما بعد اكثر المباني الجديدة شهرة في اوربا في ذلك العقد، ثم انه بعد ذلك فاز بعدة منافسات لتصميم مقر لشركة لويد في لندن، وللمحكمة الاوربية لحقوق الانسان في سترا سبورغ، ولمقر القناة الرابعة في لندن، وكان مسؤولاً عن التصميم العام لقبة الالفية وليس لجميع محتوياتها.
ان العمارة مهنة جماهيرية جداً، "يوجد دائماً زبونان المستخدم والعابر"، وهو يرى في بومبيدو بناء في غاية البساطة فهو مفتوح للجميع ويعرض نفسه للعالم، من شأن بناء اصيل وانيق ومثير ان يحسن الكوكب اما البناء القبيح فهو اهانة لنا.
عندما سؤل عن اكثر ابنيته ابداعاً بالمعنى الذي اوضحه قال: "بالنسبة الي العملية اكثر تشويقاً من النتيجة دائماً، لذا فان ما اقوم به للحظتي هو دائماً الاكثر ابداعاً والاكثر تشويقاً"، وقد اقترح مبنيين على كل حال، البيت الذي بناه لوالديه في ويمبلدون، لانه يوفق بين العائلة والمهنة، ومركز بومبيدو الذي يمثل اكبر توافق بين الداخل والخارج والعام والخاص.
يرى روجرز في الابداع موهبة عالمية لكلً ابداعيته، ولا يمكنك القول ان العلماء من امثال انشتاين لم يكونوا مبدعين، ولايمكنك اقامة اي مقارنة بين بيكاسو وانشتاين من حيث الابداعية، ويمكنك القول ان العالم اقل فنية الا ان تلك مسألة مختلفة، ويعتقد ان من يعمل في مجال الاعمال مبدع بالطريقة نفسها التي تنطبق على الفنان والعالم.
الابداع والتقانة
هناك علاقة بين الابداع والتقانات الرقمية للمعلومات والاتصالات، ويقصد بالرقمية اللغة الرمزية الرقمية التي ترمز البيانات سواء كانت نصاً او صوتاً او فيديو، وتحولها الى قناة من البتات الرقمية، وبالمقارنة مع الذرات التي تشكل العالم المادي فأن هذه الرقمية عديمة الوزن وغير محسوسة، وهذا الترميز الرقمي هو احد التأثيرات التقانية الكبرى على كيفية وصولنا الى الافكار وتعبيرنا عنها ومشاركتنا ونقلنا لها، سوف نعطي نظرة على طريقة تأثير محتوياتها والاقتصاد المرتبط بها.
يروي تأريخ هذه التقانات منذ اختراع الترانزستور في 1947 قصة تصميم وتصنيف اصناف نواقل ومعالجات رقائق ما انفكت تزداد قوة، تعمل على معالجة البتات الرقمية، فقد ضمت اول رقاقة سيليكون في عام 1958 على 200 ترانزستور، بينما ضمت اخر الرقائق التي طورتها بنتيوم نحو 100 مليون، وبحلول عام 2003 كان يتوقع ان تنتج المخابر شرائح تحتوي على ما يزيد على المليار ترانزستور، ونحن نستخدم هذه الرقائق لتأمين حواسب اقوى واسرع وشبكات اوسع واكثر مرونة، اكبر مثال عليها يتمثل بالانترنت.
ان الانترنت لاتوفر فقط ارتباطات ممتازة بين طرفين كما تفعل شبكة الهاتف، بل انها وهو الاهم تقدم طيفاً واسعاً من الاتصالات متعدد الاتجاهات، وقد صاغ الباحث في معهد ماساشوستيس للتقانة ميشيل شريج وهو مؤلف "تشارك العقول" في عام 1990 نظرية مفادها ان الاستخدام الرئيس للشبكات يهدف الى الوصول الى شبكات اخرى، اما روبرت ميتكيلف الذي اخترع اتصالات الانترنت، واسس بعد ذلك شركة ثريكوم ومصنع بالم بايلوت، فقد اقترح قانون الشبكات الذي يفيد" ان القيمة التواصلية للشبكة تنمو بمقدار مربع ازدياد عدد العقد"، اي ان الاشخاص والحواسب المتصلة بها، فأصغر شبكة ممكنة تتألف من شخصين يخاطبان كل منهم الاخر فقط، وفي هذه الحالة تكون قيمة ميتكيلف هي 4، فأذا انضم شخص جديد فأن عدد الاتصالات يرتفع الى 3 ةتصبح قيمة ميتكيلف 9، ويزداد عدد الاتصالات الممكنة دوماً بمعدل اسرع من عدد العقد، فمع 200 مليون نقطة وصول يمكن الاتصال ب 200 مليون شخص اخرين وتكون قيمة الشبكة 40 مليون مليار ومع مليار، تكون القيمة مليار المليار، انه رقم اكبر من ان يستوعب الا انه يبين بالفعل التدرج الاسي للتواصلية.
مع ان الانترنت هو عبارة عن شبكة من الحواسب، فأن الحواسب والاسلاك التي تربط بينها لاتعتبر جوهرها، والتشبيه بطريق المعلومات السريعة غير صحيح تماماً، فهو يشير الى وجود طريق سيارات تتخلل الارياف من مركز مدينة الى اخرى، الا ان الانترنت ليس مجرد شبكة موصولة بأسلاك مادية مثلها مثل شبكة الهاتف، بل شبكة غير مادية تتألف من البرتوكولات، والقواعد، والاجراءات التي نستخدم من خلالها الشبكة المادية، وافضل ماتوصف به هو انها مجموعة من التدابير الادارية التي تسمح للمستخدمين بالاتصال بالمعلومات عبرها، كما يتوقع شريج، شبكات اخرى، انها هواء وليست اسفلتاً.
مراحل تنامي دور الانترنت
يكاد مالكو الشبكات المادية (مثل ATNT،BT) لا يلاحظون الانترنت فعلى مدى سنوات لم يكن لها تأثير على بنيتهم التحتية، وخدماتهم واسعارهم، في سبعينيات القرن العشرين كانت الحواسب غليظة وبطيئة، اذ لم يصل الحاسوب الشخصي الاول واول جهاز ماك من ماكنتوش حتى اواخر السبعينيات، وكانت الانترنت وما سبقها محصورة بالتبادل الضيق للبيانات والجمل القصيرة.
لم تكن الحواسيب ولا الشبكات قادرة على اكثر من معالجة الافكار التي كان يمكن التعبير عنها بسهولة وسرعة سواء بصورة رقمية ام لغوية، وكان الاسلوب السائد مقتضباً ومتقطعاً، وفي التسعينيات ومع نمو طاقة الحاسوب وبدء انتشار الشبكة العنكبوتية العالمية، اجتمع العاملان لمعالجة طيف واسع من الافكار ونصوص اطول ورسوم واشكال بسيطة وصار بأمكانها مشاركة هذه الافكار مع مزيد من الاشخاص، وفي المرحلة الثالثة (الحالية)، يمكن للحواسب الشخصية واجهزة ماك انتاج ونسخ الالوان والاصوات والصور بل وحتى الصور المتحركة، ويمكن للانترنت توزيعها للملايين حول العالم، وفي المرحلة الرابعة ستكون بمقدور هذه التقانات محاكاة معظم النوعيات والكميات التي سبق للعالم المادي ان اشتمل عليها من النصوص والاصوات والصور انتاج وتوزيع، وستقوم بذلك بالتكلفة نفسها او بأقل منها وسيكون بقدرتها الوصول الى سوق تعد بالملايين بل وبالمليارات وبالطريقة نفسها بل وربما اكثر، اذ ستقوم بربط بين مجموعات خاصة صغيرة، وبالطبع فأن ذلك سيكون فورياً دائماً.
وفي العام 2005 افيد عن وجود مليار مشترك بخط ثابت، ومليار مشترك بخط نقال، ومليار مستخدم انترنت، اي ان مليار شخص واصدقائهم وعائلاتهم يمكنهم الوصول الى شبكة متكاملة ومخصصة لعملية تصنيع الكثير من المنتجات الابداعية وتتمتع بفعالية عالية في توزيع هذه المنتجات.
ان المبادئ التقنية ستبقى على حالها، فهذا النظام يحول الافكار الى رموز رقمية ويمكنهم من وضع هذه الرموز على الانترنت تحت شتى انواع الترتيبات الادارية، واكثرها شيوعا هي اما الطريقة الخصوصية، اي الى عنوان محدد، او بالنشر لتصل الجميع ودعوة الجميع الى الحصول عليها من الانترنت بعد نشرها والى استخدامها وتخزينها وتحريرها بل واعادة بيعها، الا ان محتوياتها اي منافعها تتحدد بعوامل تقنية واقتصادية وبمسائل متعلقة بالملكية.
لا تفتأ الحواسب تزداد سرعة وتتهاوى سعرا، ولا ينطبق ذلك على الحواسب فحسب، بل نظريا على العمليات ايضا كالاجراءات الادارية على سبيل المثال، التي تعتمد على الحواسب، وبينما تنطبق القاعدة تماما على الشرائح نفسها، فان التطبيقات تتأثر بعوامل خارجية المنشأ، الا ان توجه هذا التطور وسرعته ثابتان على نحو لافت، وثانيا فان التخفيض في التكلفة يساعد على بناء نوع جديد من الشبكات التي توصف بتنويعها فهي مطيعة وشفافة، ويساعد هذان العاملان بدورهما على نشوء عملية افضل ما توصف به هو الابداعية التعاونية، بما لها من اثار على ملكية المنتجات الابداعية وتعويضها، تقود مناقشة الابداعية التعاونية الى بعض التعليقات حول الرموز الحاسوبية بصفتها قانونا خاصا.
واتضح ان استخدام الانترنت بتحويل الافكار الى رموز رقمية، ووضع هذه الرموز على الانترنت والعمل عليها ومن ثم تحويلها الى منتجات ابداعية، يثمل انتقالة في عالم المنتجات، فنتقلت من المنتجات التقليدية الى الابداعية، وايضا الاستفادة من الانترنت في الاعلان والتسويق لهذه المنتجات لتصل الى اكبر شريحة ممكنة مستهدفة، نظرا لاستخدام الانترنت من قبل اعداد هائلة من الناس، بما يوفر قاعدة اكبر لتصريف هذه المنتجات المختلفة التي كان للحواسب دورا في تكونها وهذا الدور يتنامى ويتزايد كلما اتجهنا نحو المستقبل.