هل يشن ترمب حرب عُملة أيضا؟

بروجيكت سنديكيت

2018-04-08 06:07

BENJAMIN J. COHEN

 

سانتا باربرا ــ في الأسابيع الأخيرة، خرجت إلينا إدارة ترمب بسلسلة من التدابير التجارية والاستثمارية التي وضعت الصين في مرمى نيرانها بشكل مباشر. ومن الواضح أن ترمب ومستشاريه ينظرون إلى الصين باعتبارها "العدو الاقتصادي" الرئيسي لأميركا. والسؤال الآن هو ما إذا كانوا يعتزمون مواصلة جهودهم بشن هجوم على الرنمينبي، عُملة الصين المتزايدة الشعبية.

حتى الآن، فرضت الولايات المتحدة تعريفات شاملة على الاستيراد بنسبة 25% على الصلب و10% على الألومنيوم، والتي أعلن عنها ترمب شخصيا في أوائل الشهر الفائت. ومنذ ذلك الحين، وزعت الإدارة الإعفاءات على بعض حلفاء الولايات المتحدة، في حين استخدمت التعريفات كورقة مساومة لانتزاع تنازلات من دول أخرى.

الواقع أن الصين ليست موردا رئيسيا للصلب أو الألومنيوم للولايات المتحدة. لكن القدرة الفائضة لدى الصين كانت تفرض ضغوطا دفعت أسعار الصلب والألومنيوم إلى الانخفاض على مستوى العالَم، الأمر الذي ألحق الضرر بالمنتجين الأميركيين. وعلى هذا فإن هدف إدارة ترمب يتلخص في إجبار الصين على خفض إنتاجها بشكل حاد.

وعلى نحو أكثر درامية، كشفت إدارة ترمب النقاب عن خطط لفرض تعريفات الاستيراد على مجموعة واسعة من السلع الصينية، بقيمة تصل إلى 60 مليار دولار. وهي تعمل أيضا على تشديد القيود المفروضة على عمليات الاستحواذ على الشركات والاستثمارات التي تقوم بها شركات أجنبية؛ كما أشارت إلى اعتزامها الطعن في شروط نقل التكنولوجيا القسرية التي تفرضها الصين في إطار منظمة التجارة العالمية.

علاوة على ذلك، تتحرك الإدارة نحو منع الشركات الصينية من الاستثمار في قطاعات أميركية حساسة مثل أشباه الموصلات وتكنولوجيات الاتصالات اللاسلكية 5G. وبالفعل، اعترض ترمب سبيل عرض بقيمة 117 مليار دولار تقدمت به شركة برودكوم ــ وهي شركة مقرها سنغافورة وتربطها علاقات وثيقة بالصين ــ للاستحواذ على عملاق التكنولوجيا الأميركي كوالكوم.

على نحو مماثل، وافق مفوض لجنة الاتصالات الفيدرالية آجيت باي، المعين بواسطة ترمب، على التعامل مع شركة هواوي، الشركة الصينية الرائدة في تصنيع معدات الاتصالات، باعتبارها خطرا يهدد الأمن القومي. وبموجب قاعدة جديدة مقترحة، لن تتمكن الشركات التي تحمل هذا التصنيف من إمداد الشركات التي تعمل في تشييد البنية الأساسية للإنترنت في الولايات المتحدة بالمعدات.

حتى وقتنا هذا، لم تتخذ إدارة ترمب أي إجراء مباشر ضد الرنمينبي. ولكن ما دامت تعتبر الصادرات والاستثمارات الصينية تهديدا، فربما تكون مسألة وقت فقط قبل أن تستهدف العملة الصينية أيضا.

منذ الأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008، بذلت حكومة الصين جهودا عظيمة لتعزيز مكانة الرنمينبي الدولية. فعملت على تبسيط القواعد حتى يتسنى تسوية المزيد من المعاملات المرتبطة بالتجارة بالرنمينبي، وبالتالي تجاوز عملات تحرير الفواتير التقليدية مثل الدولار الأميركي. كما أنشأت شبكة من بنوك مقاصة الرنمينبي تمتد عبر المراكز المالية في مختلف أنحاء العالَم. وتولت رعاية أسواق نشطة لودائع الرنمينبي والسندات المقومة بالرنمينبي في هونج كونج وأماكن أخرى. كما أبرمت اتفاقيات لمبادلة العملات مع العشرات من البنوك المركزية الأجنبية، على أمل أن يصبح الرنمينبي أحد الأصول الاحتياطية العالمية الجديدة.

من ناحية أخرى، حققت الصين إنجازا رئيسيا في عام 2015، عندما وافق صندوق النقد الدولي على إدراج الرنمينبي في سلة العملات التي تحدد قيمة أصوله الاحتياطية المركبة، أو حقوق السحب الخاصة. في السابق، كانت هذه المكانة المتميزة لتمنح فقط للدولار الأميركي، والجنيه البريطاني، والين الياباني، واليورو. وبالتالي، كان ضم الرنمينبي إلى سلة عملات حقوق السحب الخاصة بمثابة دفعة قوية لمكانة الرنمينبي الدولية، وشجع الصين على الذهاب إلى مسافة أبعد في الترويج لعملتها. فمؤخرا أطلقت الصين بورصة جديدة لعقود النفط الخام الآجلة المقومة بالرنمينبي، والتي يرى بعض المراقبين أنها تمثل تحديا مباشرا للدولار.

كجزء من محاولتها الطموحة لنيل مكانة عالمية مؤثرة، تهدف الصين إلى تطوير عملة جديرة بقوة عالمية كبرى. فقد استفادت الولايات المتحدة لفترة طويلة من وضع الدولار المهيمن في الأسواق المالية واحتياطيات البنوك المركزية، والآن تريد الصين جني مكافآت مماثلة. وإذا جاء صعود الرنمينبي على حساب الدولار، فإن هذا أمر سيئ للغاية.

قبل ترمب، كانت السياسة التي انتهجتها الولايات المتحدة للحفاظ على صدارة الدولار سلبية إلى حد كبير، إن لم تكن استرضائية. وحتى عندما كان من الواضح أن الصين تروج للرنمينبي كبديل للدولار، لم تفعل إدارة أوباما شيئا يُذكَر للدفاع عن الدولار. بل إن الولايات المتحدة دعمت في واقع الأمر ضم الرنمينبي إلى سلة حقوق السحب الخاصة، على الرغم من الشكوك المنتشرة حول مؤهلات هذه العملة، لأنها كانت تريد تشجيع الصين على التحول إلى صاحبة مصلحة جديرة بالثقة في النظام النقدي القائم.

ثم جاء دونالد ترمب، وألغيت كل الرهانات بعد أن أصبح المستقبل غامضا. وعلى الرغم من ارتفاع مكانتها الدولية، لا تزال عمل الصين على مسافة بعيدة من مكانة اللاعب الأساسي. ولعل ترمب، الذي يعتبر نفسه صانعا بارعا للصفقات، يدرك هذا، وربما يميل إلى الاستسلام لإغراء استغلال نقاط ضعف الرنمينبي.

على سبيل المثال، إذا اختارت الصين مقاومة مطالب ترمب في ما يتصل بتقديم تنازلات بشأن التجارة، فربما تمنع الولايات المتحدة استخدام الرنمينبي في تحرير الفواتير أو التسويات من قِبَل الشركات الأميركية التي تتعامل مع شركاء صينيين. وقد تعمل على تثبيط الاستثمار في الأصول المقومة بالرنمينبي أو قد تقيم حواجز جديدة أمامه. أو ربما تعرض اتفاقيات مبادلة بشروط ميسرة على أي بنك مركزي على استعداد للتخلي عن اتفاقه مع الصين. وتطول قائمة التدابير العقابية المحتملة.

لا شك أن شن حرب العملة، إلى جانب الحرب التجارية، تطور بالغ الخطورة، وربما يفضي إلى عواقب كارثية. فعلى أقل تقدير، قد يتزعزع استقرار الأسواق المالية، وقد تتعطل عمليات الإقراض الدولية. من المؤسف أن الرجل الذي يعتقد أن "الحروب التجارية مفيدة، ويسهل الفوز بها" من غير المرجح أن يرتدع إزاء هذه الاحتمالات. ولا نملك إلا الأمل في أن تكون الغَلَبة للعقول الرزينة.

* بنيامين جي. كوهين، أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي بجامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا ومؤلف كتاب قوة العملة: فهم التنافس النقدي
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي