كيف نطور القطاع الخاص من خلال المنافسة: النموذج الهندي

إيهاب علي النواب

2018-02-17 05:28

برامج الخصخصة والشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص تعتبر من أهم الأدوات الاقتصادية في برامج الإصلاح الاقتصادي، والفرق بينهم يكمن في أن الخصخصة تتمثل في البيع المباشر «الجزئي أو الكلي» للأصول الحكومية من خلال طلب عروض أو مزاد أو لمستثمر إستراتيجي، أما الشراكة بين القطاعين فتكمن في تقديم الخدمات «إلى أو بدلا من» القطاع الحكومي، ومن المفترض أن تكون العلاقة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص علاقة تكاملية تشاركية وليست تنافسية كما نشهده من بعض الجهات، فالمنطق يقول إن هناك حاجة لتنمية الشراكة بين القطاعين وليس العكس حتى لا ندخل في منافسة غير عادلة، وهذا التوجه التنافسي بدأ منذ سنوات قريبة بحجة التحكم في المصاريف والتكاليف المالية للجهات الحكومية، وبالرغم من القناعة بهدف ترشيد المصروفات إلا ان لااحد يتفق مع التوجه لمزاحمة ومنافسة القطاع الخاص مما ينتج عنه بيئة غير تنافسية لكليهما.

وبأستعراض التجارب الدولية والتي منها نجد فيها رؤيا واضحة في مدى النجاح الذي وصلت فيه الهند في هذا المجال، اذ واجهت الهند صعوبات اقتصادية كبيرة أدت إلى تغير في نموذج التنمية خلال 1991 - 1996 حين شهدت الهند تحرير الاقتصاد من القيود، والانفتاح على العالم واستقبال الاستثمارات الأجنبية وتخفيض التعرفة الجمركية وتعزيز المنافسة في الأسواق الدولية ونمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تراوحت بين 5 و7,6%. وجاء عام 1997 الذي شهد بداية الأزمة المالية في جنوب شرقي آسيا، علماً أن الهند لم تشهد أزمة لكنها تأثرت فانخفض النمو الاقتصادي والنمو في قطاع الصناعة وجرت إعادة هيكلة وتقلص الإنتاج، وواجهت الهند صعوبات كبيرة خلال 1997 - 2002.

وهكذا شهد الاقتصاد الهندي تحولاً من اقتصاد محمي إلى اقتصاد منفتح ونام ثم إلى اقتصاد ضعيف النمو يواجه صعوبات جمة. لكن هذه الفترة شهدت أيضاً تغيراً في القطاع الخاص. فخلال 2003 - 2007، كانت الصناعة الهندية منافسة لا تخشى العولمة فتمكنت من تجاوز صعوبات السنوات الخمس السابقة وأصبحت تتطلع إلى الاستثمارات خارج الاقتصاد الهندي وارتفع النمو الاقتصادي إلى نحو 8 – 9%.

ومن المعروف أن القطاع الخاص الهندي تقليدياً هو الشركات العائلية الكبيرة، بعضها اندثر في 1947 - 2000، وبعضها أعاد الهيكلة وتمكن من المنافسة عالمياً وتعمل ووضعها جيد. وكثر من الهنود الرواد دخلوا قطاع الأعمال الكبيرة. أما الشركات الصغيرة والمتوسطة فعانت كثيراً من سوء إدارة الاقتصاد وكانوا غير أكفياء، لكنهم أعادوا الهيكلة في البيئة الجديدة للاقتصاد الهندي. ونمت وتوسعت هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة بالقرب من وفي محيط 50 عنقوداً في مواقع جغرافية محددة. وأنجز القطاع الخاص تغيرات مهمة وواجه تحديات جمة نذكر منها التالي:

- بناء الطاقة البشرية: تبنى القطاع الخاص الهندي طواعية برنامج عمل تدريب في أنحاء البلاد وخصوصاً للضعفاء وتأهيلهم وتوظيفهم أو مساعدتهم على العمل لأنفسهم. وعلى رغم وفرة الملايين من البشر برز نقص في المهارات التي يحتاجها القطاع الخاص لذلك قام القطاع الخاص من خلال الحكومة التي كانت أنشأت معاهد تدريب في أنحاء البلاد، وهناك نحو خمسة آلاف معهد. لكن القطاع الخاص وجد أن هذه المعاهد لا تلبي الاحتياجات فأنشأ مراكز تنمية وتطوير المهارات لرفد ودعم عمل الحكومة. وفي المجال نفسه، أنشأت شركات القطاع الخاص مؤسسات لتوصيل التعليم الأساسي إلى القرى والمناطق الريفية.

- تطوير البنية التحتية والاستثمار: كانت الحكومة الهندية تملك وتدير وتشغل البنية التحتية، وتغير ذلك وأصبح القطاع الخاص شريكاً في بناء وإدارة البنية التحية في الهند.

- العناية بالصحة: دور مهم للقطاع الخاص برفد ودعم خدمات الحكومة وخصوصاً للأشخاص غير القادرين على دفع ثمن الخدمات الصحية في أنحاء الهند.

لقد أدى الانفتاح الاقتصادي ورفع القيود إلى قدرة الشركات الهندية على المنافسة داخلياً وفي الأسواق العالمية. وكانت نقطة التحول للقطاع الخاص الهندي النجاح في تكنولوجيا المعلومات في تسعينات القرن العشرين، ووفرت تكنولوجيا المعلومات ثقة للقطاع الخاص بأنه قادر على أن يكون في المقدمة، أما نقطة التحول الثانية فهي النظرة إلى الناس، فحتى التسعينات من القرن العشرين، كانت النظرة إلى سكان الهند باعتبارهم عبئاً على الاقتصاد. وتغيرت النظرة وأصبح السكان ثروة والاستفادة من الثروة بعد تأهيلها في ظل تكنولوجيا المعلومات.

إن التجربة الهندية مهمة وضرورية في أخذ العبر والاستفادة منها سيما وأن المشتركات كثيرة، ففضلاً عن ارتفاع حجم السكان هناك التنوع العرقي والأثني والديني وارتفاع مستوى الفقر والبطالة، وتدني مستوى النشاط الاقتصادي كلها عوامل مشتركة. توضح كيف إن الهند استفادت من واقعها في تطوير حاضرها ومستقبلها وبالتالي يمكن أن يكون النموذج الهندي خير دليل لنا في تجاربنا الاقتصادية، سيما بعد الطفرات الكمية والنوعية التي حققها الفيل الهندي، فهل سيكون هناك أسد عراقي كالتنين الصيني والنمر الكوري والفيل الهندي.؟!

ذات صلة

التقية المداراتيّةأثر التعداد السكاني على حقوق المواطنينبناء النظرية الدينية النقديةأهمية التعداد العام للسكان في داخل وخارج العراقالأيديولوجية الجندرية في عقيدة فرويد