التوطن الصناعي والحفاظ على التوازن البيئي
إيهاب علي النواب
2017-11-15 05:20
تقوم فكرة المناطق الصناعية (التوطن او التكتل الصناعي) على وجود مجموعة مصانع في منطقة او مدينة معينة تتوفر فيها مزايا موقعية مثل طرق النقل والمواصلات والخدمات ودرجة كثافة سكانية معينة، والاساس في هذا التوطن او التكتل هو التقارب المكاني او الموقعي للمنشآت وترابطها مع بعضها في علاقات اقتصادية مشتركة من خلال التشابك الصناعي، نتيجة الوفورات الناجمة عن سهولة الحصول على المواد الاولية والسلع الوسيطة ومصادر الطاقة والاتصالات والنقل وغيرها.
ويعد مارشال صاحب الفكرة الاصيلة لمفهوم التوطن الصناعي، والتي من خلالها بين الاسباب الرئيسية التي تؤدي الى التوطن او التكتل الصناعي، المتمثلة في المناخ، الموارد الطبيعية، وتفضيل الاعضاء اصحاب القرار لأماكن معينة لتصريف منتجاتهم ودور المصادفة في وقوع حوادث معينة تجعل التوطن ممكناً وعندما تقام صناعة معينة في موقع معين فأنها سترغب بالبقاء طويلا، وهذا سيمثل فائدة كبيرة للاشخاص الذين يملكون مهارات وخبرات في المناطق القريبة او المجاورة لهذه الصناعة، اذ أن هولاء الاشخاص سيكون من السهل عليهم معرفة وجهتم واماكن الطلب على مهاراتهم، وعلى هذا الاساس فأن المصانع والمؤسسات ستتجه نحو التركيز في ضواحي المدن الكبيرة وفي مناطق التصنيع المجاورة.
ان تحديد مفهوم اقتصاديات التوطن الصناعي (التكتل الصناعي) والتمييز بين الوفورات الداخلية والخارجية ترجع كلها لـ (مارشال)، اذ يرى ان الوفورات الداخلية لتوطن المناطق الصناعية هي تلك التي تعتمد على موارد المشاريع لذلك النشاط وتنظيمه وكفاءة ادارته، في حين تتمثل الوفورات الخارجية بالتطور العام لنشاط معين اي انها تشمل جميع الامتيازات التي يمكن الحصول عليها مجاناً (دون اي كلفة) لأي فعل اقتصادي سواء أكان منتجاً أم مستهلكاً، وعليه فأن وفورات المناطق او التكتلات الصناعية التي يمكن ان تستفيد منها اي مؤسسة صناعية تتضمن الأتي :
أ - الوفورات الخارجية لتجمعات صناعية متخصصة ناجمة عن التوطن او التكتل الصناعي او من تطور مجموعة من الفعاليات المتنوعة التي تنتمي اليها تلك المؤسسة.
ب - الوفورات الخارجية لفعاليات صناعية غير متخصصة سواء ناجمة عن التوطن او التكتل او من تطور مجموعة او بعض النشاطات الانتاجية لمجموعة اقتصادية معينة.
ج - المزايا الخارجية الناجمة عن التوطن او التكتل او من تطور الاستهلاك او في بعض أصناف الاستهلاك لمجموعات اقتصادية معينة .
وقد بين مارشال إن ثمة عقبات تواجه التوطن الصناعي ممثلة بتراجع اسعار وسائل الاتصال وسهولة تبادل الافكار بين الاماكن البعيدة وزيادة الهجرة وتدفق العماله الماهرة، وأفترض انه يمكن الوصول للاقتصادات الكاملة لتقسيم العمل من خلال تركيز عدد كبير من المنشآت والمؤسسات الصغيرة في موقع معين وزيادة مخرجاتها (الوفورات الخارجية) من خلال الزيادة في وفورات هذه المؤسسات المتركزة وهو مايسمى (الوفورات الداخلية)، التي تقود لزيادة العائدات . وقد تكون هذه الوفورات الخارجية سلبية او ايجابية، ثابتة او ديناميكية ومالية او تكنولوجية، وترتبط بالتطور التكنولوجي، زيادة التخصص وزيادة تقسيم العمل، هذه الافكار الخاصة بمارشال قادت الى ظهور مايعرف بـ (الجو الصناعي) بالمعايير المعاصرة، والذي يشير له بالجانب الجماعي لخلق المعرفة ونشرها، وهو السمة المميزة للمناطق الصناعية بحسب تصور مارشال.
وللمناطق الصناعية فوائد متعددة، إذ من من خلال تقسيم العمل سيكون هناك تخصص في الانتاج وتكامل في المنظومة الانتاجية، وسيكون هناك دعم للانشطة الصناعية وتطوير للتنسيق والتمثيل الجماعي ودور للثقة المتبادلة، وعليه ستسعى الكثير من الصناعات والمشاريع نحو تعظيم المنافع وتقليل التكاليف من خلال الافادة من التجاور المكاني ومن ثم ظهور المناطق الصناعية المتمثلة بالتكتلات الصناعية، اذ ان مزايا هذا التجاور المكاني للصناعات وترابطها مع بعضها يُسهم في توفير سوق العمل الماهر بالشكل الذي يساعد الصناعة في الحصول على العمال المتخصصين والحصول على المواد الأولية وتصريف المنتجات وبأسعار تنافسية، اذ ان الصناعات المتركزة في موقع معين تسمح في الحصول على وفورات تسويق المنتجات ، فضلاً عن امكانية توفر الحصول على التمويل اللازم لهذه المناطق، اذ ان البنوك والمصارف سوف تهتم بمناطق توطن الصناعة في تقديم كافة التسهيلات المالية المطلوبة لها، كما ويُسهم التجاور المكاني في المناطق الصناعية في توفير مستلزمات التسهيلات الفنية واكتساب الخبرة من خلال الوفورات الفنية والمعرفية والتكنولوجية.
الاعتبارات البيئية للتوطن الصناعي
من الضروري أخذ الاعتبارات الاتية في اختيار الموقع الصناعي :
1- أن تكون بعيدة عن اتجاهات نمو المناطق السكنية .
2- أن تكون في عكس اتجاه الرياح السائدة على المناطق السكنية .
3- أن تكون في موقع يخدم البيئة المحلية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية .
المحافظة على التوازن البيئي
ويشمل ذلك الأتي:
1- التوزيع الأمثل للاستعمالات داخل المدن الصناعية .
2- التخطيط الهندسي الجيد مثل اتساع الشوارع الرئيسية والفرعية وترك مساحات على جوانب هذه الشوارع لزراعة الأشجار.
3- تخصيص مساحات لزراعة الحدائق والمسطحات الخضراء ، في مواقع مختلفة في المدينة .
4- تخصيص محطة تنقية لكل مدينة صناعية مصممة لتستوعب الحمل الهيدروليكي الكامل.
5- تصميم شبكة صرف صحي تخدم جميع قطع الأراضي ومراكز الخدمات داخل المدينة الصناعية .
6- تصميم شبكة صرف مياه الأمطار.
7- تحديد نسبة البناء المشيد حيث لا يتجاوز نسبة البناء المشيد مقدار 50% من مساحة الأرض بالإضافة إلى تحديد ارتفاع المباني، وتتيح هذه الاعتبارات للملوثات إن وجدت فرصة الانتشار والتشتت بدلا من التركز والتجمع بالإضافة إلى أن مصدر الطاقة المعتمد داخل المدن الصناعية يعتبر مصدرا نظيفا ، حيث تعتمد معظم الصناعات على الطاقة الكهربائية في عملية الإنتاج.
الإجراءات الإدارية والإدارة البيئية الكاملة التي تكفل المحافظة على البيئة من التلوث
إنشاء مديرية البيئة والسلامة العامة وأقسام البيئة في المدن الصناعية التي تتولى تقديم الخدمات
وإدارة المخلفات الصناعية لتحقيق شعار ( تنمية بلا تدمير للبيئة ) وبالتعاون مع المؤسسات
الأهلية والرسمية داخل المدن الصناعية والجهات الرسمية المعنية وذلك في المجالات التالية :
1) في مجال الزراعة (التخضير) :
- تخصيص مساحات كبيرة وزراعتها بالأشجار على جوانب الطرق ومحيط المدينة .
- زراعة الحدائق داخل ارتدادات المصانع المقامة.
- تنظيم الحدائق داخل المصانع المقامة .
2) في مجال التخلص من المخلفات الصناعية :
تقدم المؤسسة كافة الخدمات للتخلص من مخلفات الصناعة بأشكالها المختلفة وعلى النحو التالي :
أ- مخلفات الصناعة السائلة :
على المؤسسات القيام بإنشاء محطات تنقية في المدن التي يتم إنشاؤها لمعالجة المياه العادمة الصناعية حيث يتم من خلال شبكة الصرف الصحي تجميع المياه الناتجة عن المصانع ومعالجتها بحيث تحقق هذه المخلفات متطلبات الصحة العامة ومتطلبات نوعية المياه الصالحة للزراعة .
ب- يتم مراقبة المخلفات السائلة في مجاري مياه الأمطار .
ج- التشدد في التقيد بشروط استخدام المياه العادمة المعالجة للزراعة المقيدة :
1) أن لا تتعدى كمية المياه الخارجة من المصنع الكمية المقررة في العقد المبرم بين المؤسسة والمصنع .
2) عدم تصريف المياه التي تحتوي على مواد صلبة مثل الخشب الرمال ، الزجاج ، البلاستيك ...الخ والتي تسبب أضراراً لمشروع الصرف الصحي أو تتعارض مع أعمال الصيانة وتشغيل محطة التنقية.
3) عدم تصريف المياه التي تحتوي على الأصباغ ، أو أية محاليل ناتجة عن العمليات الصناعية.
4) عدم تصريف المنتجات النفطية أو أية مواد سائلة أو صلبة قابلة للاستعمال أو الانفجار .
5) عدم تصريف الزيوت والشحوم والدهون غير القابلة للذوبان بالماء أو السوائل التي تحتوي على
الزيوت والشحوم والدهون والشمع بشكل مستحلب أو خلافه وفي حال تصريف الزيوت والشحوم
يجب أن لا يتعدى تركيزها عن (النسب المسموح بها) 50 ملي غرام / لتر.
6) التشديد على التقيد بشروط استخدام المياه العادمة المعالجة للزراعة المقيدة .
إجراءات دورية للمحافظة على البيئة :
تقوم المؤسسة المعنية بشكل دوري بالتأكد من التزام المصانع بتقيدها بالمواصفات القياسية حيث
يجب أن تقوم هذه المصانع بمعالجة المخلفات بواسطة أجهزة معالجة خاصة قبل طرحها وتصريفها
في شبكة الصرف الصحي ويتم التأكد من نوعية هذه المياه بإجراء فحوصات يومية في مختبرات
محطات التنقية في كل مدينة ليصار إلى إعادة استخدامها لري الأشجار، وتشمل :
- المخلفات الصناعية الصلبة :
1) مخلفات يعاد تدويرها مثل الورق ، الكرتون ، البلاستيك ، الحديد ، الزيوت ، والخيوط.
2) المخلفات الصلبة الناتجة عن العمليات الصناعية مثل مصانع الطلاء ،الزيوت وغيرها والتي تكون مخلفاتها عبارة عن بقايا من المعادن الثقيلة ومادة Bleaching Earth ، حيث يتم تجميع هذه المخلفات في براميل خاصة داخل المصانع .
3) المخلفات الصلبة الناتجة عن محطة التنقية وهي الحمئة التي يتم التخلص منها في مكب خاص.
4) نفايات صلبة يتم جمعها بواسطة حاويات خاصة ووسائل متطورة (حاويات مغلقة ومضغوطة) ومن خلال التعاقد مع شركات متخصصة لجمع ونقل النفايات .
-المخلفات الغازية :
مراقبة تلوث الهواء من حيث انبعاث الغازات والروائح وتحديد مصدرها وإعطاء الحلول المناسبة
من قبل المختصين ومتابعة تنفيذها من قبل جهاز المؤسسة ولجان السلامة العامة حيث تقوم
بالأعمال الاتية :
- مراقبة أعمال النظافة داخل المدينة الصناعية .
- مكافحة الحشرات والقوارض داخل حدود المدينة وكافة القرى والمدن المحيطة بالمدنية الصناعية.
- المشاركة في لجان السلامة العامة.
وتقوم المؤسسة بتنظيم مناوبات لمراقبة الوضع البيئي ليلا لتحديد موقع المخالفة إن وجدت
ومعالجتها بالإضافة إلى مراقبة الأمور التي تتعلق بأمور السلامة العامة بشكل عام .