الاستقرار الاقتصادي العالمي: وجهة نظر صندوق النقد الدولي

إيهاب علي النواب

2017-10-28 05:49

بعد سنوات من الأداء الباهت، يتوقع للنمو العالمي أن يزداد قوة هذا العام – مسجلا 3.6%، ونتوقع أن يستمر هذا الزخم الإيجابي إلى عام 2018، والأهم من ذلك أن الانتعاش الاقتصادي واسع النطاق؛ فهو يشمل 75% من الاقتصاد العالمي، مقيسا بإجمالي الناتج المحلي، وهذا يتيح فرصة عظيمة – لكي نؤمِّن التعافي ونوسِّع نطاقه ليشمل من لم يحصدوا ثماره بعد، بالإضافة إلى المستبعدين أو المعرضين للاستبعاد، ويتضمن هذا أكثر من 40 بلدا صاعدا وناميا – تمثل حوالي 15% من سكان العالم – يعانون الآن من تراجع نصيب الفرد من الدخل.

كما يتضمن الكثيرين الذين يواجهون أجورا جامدة، وفرصا وظيفية محدودة، وفقدان للوظائف بسبب التغير التكنولوجي، والتجارة، وتركة الأزمة المالية العالمية، وتزداد صعوبة المهمة بسبب التوترات الجغرافية-السياسية، وعدم اليقين السياسي، وكذلك الكوارث الطبيعية الأخيرة – وهي أمر محزن، ويجب اغتنام هذه الفرصة لنصل إلى تعافٍ أقوى من جميع الأوجه – بالسعي لتحويل الانتعاش الواعد إلى رخاء دائم لجميع المواطنين وجميع البلدان؟

التحدي الذي يجب أن التصدي له.

ويشمل هذا التحدي الأتي :

1- تعاف يشمل الجميع: ثلاث أولويات

هناك ثلاث أولويات في هذا الصدد، وهي التوصل إلى أساسيات الاقتصاد الصحيحة؛ ومعالجة قضية عدم المساواة المفرط بمزيد من الحسم؛ ومعالجة الشواغل الأساسية لدى الشباب للمساعدة على ضمان فتح آفاق مشرقة لهم ولأجيال المستقبل، وهي :

(أ) التركيز على أساسيات الاقتصاد

أولا، أساسيات الاقتصاد. في عالمنا الذي يزداد ترابطا، تتحرك البلدان معا، ولكن في مسارات مختلفة وبسرعات مختلفة. وينبغي للسياسات أن تواكب هذه الحركة، ويعني هذا استخدام مزيج دقيق التصميم من السياسات النقدية وسياسات المالية العامة والسياسات الهيكلية لتدعيم التعافي وتعزيز آفاق النمو، ومن الضروري إدارة عملية سلسة لاستعادة السياسة النقدية العادية، كما أنه من الضروري اتباع استراتيجيات للمالية العامة تخفض الدين المرتفع دون الإضرار بالنمو والثقة، ويجب الوقاية أيضا من تراكم مواطن الضعف المالية، وبالإضافة إلى ذلك، نحتاج إلى إصلاحات يمكن أن ترفع الإنتاجية والناتج الممكن. ويشير تحليلنا للإصلاحات الهيكلية على مدار الدورات الاقتصادية أن إصلاحات أسواق العمل والمنتجات تكون أكثر فعالية أثناء فترات الانتعاش الاقتصادي، ويجب ألا نفوت هذه الفرصة؛ فهي تحمل أمل زيادة النمو وزيادة الوظائف وزيادة الدخل.

(ب) المعالجة المباشرة لعدم المساواة المفرط

كما يجب ألا نفوت فرصة المعالجة الأكثر حزما – وأكثر مباشرة – للقضية التي ألحقت ضررا بالغا بشعوبنا ومجتمعاتنا، والكلام هنا عن عدم المساواة المفرط. فهو يعوق النمو ويقوض الثقة ويشعل التوترات السياسية، ورغم ما شهده الجيل الماضي من تخفيض للفقر وعدم المساواة بين البلدان، فلا يزال عدم المساواة في الدخل والثروة يواصل الارتفاع داخل البلدان. واليوم يمتلك أصحاب الدخول التي تمثل أعلى 1% حوالي نصف ثروة العالم .

فكيف يمكن معالجة هذه القضية على نحو أكثر مباشرة؟

الاستثمار في البشر أمر أساسي: الصحة والتعليم والتعلم مدى الحياة، وتقوية شبكات الأمان أمر أساسي، بما في ذلك الدعم المباشر للأفراد والمجتمعات التي تعاني في سعيها للتكيف مع الاضطرابات، سواء المترتبة على التغير التكنولوجي السريع أو غيره من العوامل، بما فيها التجارة، وأدوات المالية العامة أمر أساسي أيضا. فعلى سبيل المثال، تشير أبحاثنا إلى أن بعض الاقتصادات المتقدمة يمكن أن ترفع معدلاتها الضريبية العليا دون إبطاء النمو، مما يوفر الموارد اللازمة للاحتياجات ذات الأولوية أو لتخفيض الديون.

وبالطبع، نحتاج إلى عمل المزيد لتحقيق الإمكانات الكاملة التي يتمتع بها نصف سكان العالم – النساء. وكما قلت مرارا في السابق، هذه مسألة بديهية من منظور الاقتصاد، إذن لنعمل على تمكين المرأة بإزالة المعوقات القانونية والتحيز الضريبي – وتقديم الدعم لزيادة المشاركة في سوق العمل، ففي ذلك تغيير لقواعد اللعبة. وفيه زيادة للنمو وخفض لعدم المساواة ودعم للتنوع، وستكون الفتيات والفتيان مؤثرا أساسيا على مستقبل العالم، ويقودنا هذا إلى الأولوية الثالثة.

القضايا الأساسية التي تشغل الشباب؟

(ج) شواغل الشباب

طبقا لآخر مسح أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي على أبرز القضايا التي تهم الشباب، هناك قضيتان تتصدران القائمة، هي الفساد وتغير المناخ.

الفساد

الفساد النظامي أمر خلافي. فهو يضعف ثقة المواطنين في الحكومة ويقلص النمو الممكن. والرشوة وحدها تكلف أكثر من 1.5 تريليون دولار أمريكي سنويا، أي قرابة 2% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، ثم هناك تحدي غسل الأموال وتمويل الإرهاب – وهو خطر يهدد كل اقتصاد ومن أهم أولويات الصندوق. وفي هذا المجال، قدمنا المساعدة الفنية إلى 120 بلدا، ويشير التحليل إلى أن الانتقال من مستويات فساد متصورة مرتفعة إلى أخرى منخفضة يمكن أن يرفع كفاءة الاستثمار العام بنسبة 50% – ويرفع نصيب الفرد من الدخل الحقيقي بنحو نقطة مئوية.

تغير المناخ

والشاغل الرئيسي الثاني لدى الشباب هو تغير المناخ، وبينما يؤثر تغير المناخ على الجميع، فمن الواضح أن الشباب والأجيال القادمة هم الأكثر تعرضا للخطر. وكما أننا مدينين لهم بألا نورثهم اقتصادا عالميا مثقلا بأعباء الديون، فنحن مدينون لهم أيضا بألا نترك لهم كوكبا يختنق بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ونحن نعلم أيضا أن البلدان منخفضة الدخل أكثر تأثرا من غيرها. وتشير تقديراتنا إلى أن ارتفاع حرارة الجو بدرجة مئوية واحدة حيث متوسط الحرارة السنوي 25 درجة – مثلما هو الحال في بنغلاديش أو هايتي أو غابون – يمكن أن يخفض نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنحو 1.5% .

وتسعير الطاقة أمر أساسي، لأن تريليونات الدولارات يتم إنفاقها على الدعم الذي يدفع انبعاثات الكربون. ومع أسعار الطاقة المنخفضة نسبيا، لدينا الآن فرصة لتخفيض هذا الدعم وإلغائه، وللقيام بهذا على النحو الصحيح، نحتاج إلى تحديد الأسعار على نحو صحيح.

2- التعاون الدولي والصندوق

وبالطبع، لا يمكن النجاح في معالجة التحديات العالمية إلا بالعمل معا. فأي بلد يمكن أن يتخذ مسارا وحده، ولكنه سيقطع شوطا أطول إذا سار مع البلدان الأخرى. هذا ما يقول المثل الإفريقي، ويصدق هذا على التحديات القديمة والجديدة والتي تتراوح بين الكوارث الطبيعية والقيود التجارية والجريمة الإلكترونية. أو فكِّروا في مسؤوليتنا المشتركة عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ونحن نعرف من التجربة أن التعاون الدولي يؤتي ثماره – من إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية منذ أكثر من 70 عاما إلى مكافحة الإيبولا منذ بضع سنوات فقط.

ومنذ لقاء العام الماضي، قدم الصندوق الدعم إلى 16 بلدا عن طريق برامج الإقراض بإجمالي أكثر من 27 مليار دولار أمريكي، بما في ذلك البرامج التي قام بها من خلال "التسهيل الائتماني السريع". وقد تحرك بسرعة نحو تعزيز أنشطته الرقابية، وهو ما شمل إصدار تحليل جديد يتناول التكنولوجيا المالية وتأثيرها على الوساطة المالية والسياسة النقدية، وأصبح أكثر تكاملا فيما نزاوله من أنشطة، عن طريق الجمع بين ألابحاث والمنظور متعدد الأطراف من ناحية، والمشورة المخصصة التي يسديها لكل بلد بشأن السياسات. والتعاون كذلك مع مؤسسات أخرى بشأن مجموعة كبيرة من القضايا.

وعلى مدار العام الماضي، أجرى الصندوق 127 جولة مشاورات مع البلدان الأعضاء مع تحليل مواضيعي لقضايا تتراوح بين التحليلات على أساس الجنس في رواندا، إلى الصلابة في مواجهة تغير المناخ في سيشل، والاحتواء والإصلاح الضريبي في الولايات المتحدة، وقد قدم أيضا مساعدات فنية وتبادل للمعرفة على أساس أكثر ملاءمة لاحتياجات البلدان. فقد أوفدنا إلى بلادكم الآلاف من البعثات للمساعدة في تعبئة الإيرادات العامة بمزيد من الكفاءة، ومتابعة الإنفاق العام على نحو يحقق مردود أعلى، وتنظيم الأسواق المالية. وقدم المساعدة في تدريب حوالي 30 ألف فرد عن طريق دورات الاقتصاد المجانية على شبكة الإنترنت.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي