اقتصادات الخليج والتكيف مع انحسار الموارد
د. حيدر حسين آل طعمة
2017-10-24 06:27
يدخل هبوط اسعار النفط عامه ثالث وسط انحسار الآمال المعقودة على عودة الاسعار لمستويات ما قبل حزيران 2014. الجديد المعتاد لأسواق النفط الخام خلف ضغوطات مالية حادة على موازنات البلدان النفطية، ألزمت حكوماتها على التعايش مع سعر نفط منخفض.
وقد خلف انهيار الايرادات النفطية عن المستويات التي تطبعت عليها الموازنات النفطية الى اعادة النظر بتصميم الادارة المالية العامة للتكيف مع دورات الرواج والكساد النفطي التي تشهدها اسواق النفط العالمية باستمرار.
في هذا السياق، نجحت الاقتصادات الخليجية (لغاية الان) في مسايرة تذبذب اسعار النفط بفضل صناديق الثروة السيادية وما وفرته من موارد مالية شكلت طوقاً مالياً ساعد في ابعاد الموازنات العامة عن الجزء الحاد من الازمة. مع ذلك، فان ما توفره هذه الصناديق من موارد مالية بعيدة عن الاستدامة يجدد التساؤل حول السياسات البديلة اللازمة لفك ارتباط اقتصادات الخليج عن موارد الريع النفطي والتحول نحو التنويع الاقتصادي للقاعدة الانتاجية وبما يضمن مزيداً من الاستقرار لمالي وتحقيق التنمية المستدامة.
تجربة صندوق الثروة السعودي
أسهم تراكم الفوائض النفطية، ابان فورة اسعار النفط ما قبل حزيران 2014، في دعم رصيد المالية العامة في المملكة العربية السعودية وانشاء صندوق ثروة سيادي، كان قوامه قرابة 750 مليار دولار حتى نهاية العام 2014. كما عززت الفوائض النفطية آنذاك من استقرار الاقتصاد الكلي ورفع مستويات المعيشة وتحسن ميزان المدفوعات وتقوية البنية التحتية واعادة بناء الهوامش الوقائية فضلاً على تسديد كافة الديون الحكومية المتراكمة منذ عقود. ولم تعاني المملكة العربية السعودية من فجوات كبيرة في التمويل ولم تكن بحاجة إلى الاقتراض لتمويل الموازنة العامة، حتى مع هبوط اسعار النفط الخام الى دون 30 دولار للبرميل عام 2015، نظرا لمتانة المصدات المالية المعدة اساساً لغرض امتصاص تقلبات المورد النفطي.
مع ذلك، ادى استمرار اسعار النفط بالتراجع وتقلص الموارد النفطية الى دون النصف خلال السنوات الماضية الى تفاقم عجوزات الموازنة العامة وقضم جزء كبير من رأس مال الصندوق السيادي السعودي، ليفقد قرابة الثلث خلال عامي 2015 و2016، ويصل لنحو 500 مليار دولار عام 2017. ويتوقع خبراء ومختصون افلاس صندوق الثروة السيادي بحلول العام 2022 اذا ما استمرت اسعار النفط والنفقات العامة على ذات الوتيرة.
ازاء هذه التحديات بادرت المملكة العربية السعودية الى اعتماد سياسات اقتصادية ومالية جديدة في التمويل والنمو الاقتصادي لضمان استقرار الاقتصاد الكلي والمحافظة على موارد صندوق الثروة السيادي. وقد بدأت المملكة ببعض خطوات الاصلاح المالي، ضمن رؤية 2030، كان اهمها ضبط معدلات الانفاق العام ورفع معدلات الضرائب والرسوم والبدء ببرنامج اقتراض عام عن طريق اصدار سندات الدين الحكومية لامتصاص اكتناز ومدخرات القطاع العائلي وضخها في الدورة الاقتصادية من جهة وتخفيف العبء على صندوق الثروة السيادي من جهة اخرى.
مع ذلك فان الحاجة ملحة لاتخاذ عدد من الخطوات المسبقة لنجاح خطط التمويل الحكومية الجديدة، اهمها:
1- لتجنب الانزلاق الى فخ المديونية ينبغي ربط الاقتراض العام المستقبلي بمشاريع انتاجية وتنمية البنية التحتية اللازمة لتحفيز القطاع الخاص.
2- إنشاء مكتب لإدارة الدين العام تحت إشراف وزارة المالية والبنك المركزي، يتولى مسؤولية وضع الأطر القانونية وأطر الحوكمة وإدارة المخاطر من أجل إدارة الدين بكفاءة.
3- انشاء حساب باسم صندوق تعويضات الدين العام، تودع فيه اية زيادة ناجمة عن تحسن اسعار النفط فوق المعدل المستهدف في الموازنة العامة يستخدم لتسديد اقساط وفوائد الديون الداخلية والخارجية.
4- تحديد استراتيجية متوسطة الأجل لإدارة الديون العامة لأجل المفاضلة بين استراتيجيات الدين البديلة.
5- تنفيذ حزمة من الاجراءات الرامية لتنمية وتطوير بنية أسواق الدين المحلية لأجل تحريك المدخرات الفردية واكتناز القطاع العائلي المقدر بمليارات الدولارات.
لقد الزم الانهيار الاخير في اسعار النفط العالمية المملكة العربية السعودية على تصميم برنامجاً للتحول الاقتصادي، في إطار رؤية 2030، يسعى الى اعادة هيكلة الاقتصاد الوطني باتجاه التنويع الاقتصادي وفك الارتباط بالريع النفطي وتحفيز القطاع الخاص ليكون محركاً بديلاً عن القطاع العام في ادامة زخم النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل. فضلا على اتخاذ خطوات تدريجية لتعبئة الايرادات غير النفطية (ضريبة القيمة المضافة مثلا) وضبط وترشيد النفقات العامة وتعزيز القدرات الاستثمارية للبلد.
ويدور الجدل مؤخراً حول مدى السرعة التي ينبغي ان تسير بها عملية الاصلاح المالي في المملكة العربية السعودية، خصوصاً مع وجود هوامش مالية وقائية وامكانية التعايش مع هبوط أسعر النفط الخام لسنوات إذا ما تم ضبط وترشيد النفقات العامة. ورغم توقعات ارتفاع النمو الاقتصادي غير النفطي في المملكة العربية السعودية هذا العام، الا ان معدل نمو إجمالي الناتج المحلي الاجمالي قد تقترب من الصفر بسبب انخفاض إنتاج النفط الناجم عن انخراط المملكة في اتفاق تقليص الانتاج، والهادف الى رفع مستويات الاسعار لمستويات توازنية مقبولة. وتنبع المخاطر في الأساس من عدم اليقين بشأن مستقبل أسعار النفط ومدى تأثر الاقتصاد السعودي بالإصلاحات الجارية.