رحلة إيران الاقتصادية الطويلة

بروجيكت سنديكيت

2017-05-27 05:50

حسن حكيميان

 

لندن - يعكس الفوز الساحق لرئيس إيران حسن روحانى النمط المألوف للاستمرارية والتغيير الذي ميز انتخابات إيران الرئيسية على مدى العقدين الماضيين.

بداية، تَحَدت النتيجة معظم التوقعات. في حين كان روحاني هو المفضل، توقع البعض نصره الكبير (ومن خلال الفوز ب 57٪ من الأصوات، متفاديا بذلك الجولة الثانية). وقد كانت الانتصارات الباهرة السابقة في إيران - تلك التي حققها الإصلاحي محمد خاتمي في عام 1997، والزعيم الشعبوي الإيراني المعروف قليلا، محمود أحمدي نجاد في عام 2005، ويمكن القول إنه حتى بالنسبة لروحاني قبل أربع سنوات - أيضا النتائج كانت غير متوقعة إلى حد كبير.

وتتمثل السمة المألوفة الثانية للانتخابات الأخيرة في ارتفاع نسبة إقبال الناخبين -حوالي 73٪- وكانت سمة مميزة لانتخاب المرشحين الإصلاحيين الشعبيين. وقد سجلت أعلى نسبة إقبال على الإطلاق -أي ما يقرب من 85٪- في انتخابات 2009 المتنازع عليها، عندما بدا فوز مير حسين مُساوي مؤكدا، لكن فاز محمود أحمدي نجاد بمنصب الرئيس في نهاية المطاف.

مثل هذا الاندفاع في إيران عادة ما يكون سببه شغف النساء والشباب، الذين يأملون الاستفادة من التغييرات التي وعد بها المرشحون المؤيدون للإصلاح. كما أن روحاني، الذي استفاد أيضا من الإقبال المرتفع عندما تم انتخابه لأول مرة في عام 2013، لديه ميزة إضافية تتمثل في تجنب الانخفاض في معدلات مشاركة الناخبين، وهو أمر شائع بالنسبة لشاغلي المناصب.

لكن العنصر المألوف الثالث -وربما الأكثر أهمية في الانتخابات الأخيرة– هو الوضعية التي جرت فيها الانتخابات. عندما وقفت إيران في مفترق الطرق، ظهر مرشح إصلاحي شعبي، ووعد برفع العزلة عن الدولية الإيرانية، ودافع منافسه المحافظ عن السياسة الحمائية لإيران والاعتماد على الذات ووعد بمنح المساعدات للشعب.

ومع ذلك، هناك مجال هام آخر ميز الانتخابات الأخيرة: الاقتصاد. ورث روحاني اقتصادا يعاني من الركود. وعلى الرغم من عائدات النفط القياسية، تقلص الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 7٪ في عام 2012، وارتفع التضخم السنوي فوق 40٪، بعد الاٍنهيار الأخير للعملة الإيرانية (الريال). عندما هبطت أسعار النفط -بنحو 70٪ منذ منتصف عام 2014- بدا الوضع أكثر تأزما.

لكن روحاني عمل بجد لتحرير الاقتصاد الإيراني من قيود العقوبات الدولية. وفي عام 2015، توصل إلى اتفاق مع ستة بلدان كالصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة - جنبا إلى جنب مع الاتحاد الأوروبي لوقف البرنامج النووي الإيراني مقابل الدعم الاقتصادي.

ومع ذلك، ورغم تخفيف العقوبات، فإن الاقتصاد الإيراني ما زال يعاني. وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم منذ بدء سريان الصفقة في عام 2016، ظل المستثمرون الأجانب حذرين بسبب العقوبات الأمريكية غير النووية المتبقية والقيود المصرفية. لا يريد أحد التخلي عن الخزانة الأمريكية.

ليس من السهل تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي والنمو الاقتصادي في وقت واحد. إن المشكلة تزداد عندما تعطى الأولوية للاستقرار، بسبب الصعوبات الاقتصادية والردود الاجتماعية التي يمكن أن تَنتج عن ذلك. وفي بعض الحالات، اقترن الاستقرار بقمع سياسي لا يرحم. وهكذا استقر نظام "الجنرال أوغوستو بينوشيه" في شيلي في السبعينات. وفي الثمانينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين، حققت تركيا أيضا استقرارا في الاقتصاد الكلي، مما تطلب جرعات كبيرة من دواء العرض - ويد الدولة الحديدية لتسليمها.

قد يبدو الدعم الشعبي المتواصل لحكومة روحاني مفاجئا، نظرا إلى أنها اتبعت استقرار الاقتصاد الكلي على حساب النمو. هذا رد فعل على التجاوزات في النظام الأساسي في عهد سلف روحاني الشعبوي أحمدي نجاد. كما يعكس جزئيا اعتماد الليبرالية الجديدة من قِبل فريقه الاقتصادي. ولعل الأهم من ذلك أن الدعم يؤكد أمل روحاني في أن تكون "أرباح السلام" من الاتفاق النووي كافية لتعزيز الطلب المحلي وتعويض أثر تشديد المالية العامة.

ورغم أن التقدم كان بطيئا، فإن إنجازات روحاني كبيرة، حيث انخفض التضخم في إيران إلى أرقام فردية (حوالي 9٪ سنويا)، وبلغ النمو 5-6٪.

ومما لا شك فيه أن النمو لا يزال متفاوتا ومتقلبا، ويعكس في معظمه نمو إنتاج النفط الذي بلغ مستوى ما قبل العقوبات بما يقرب من أربعة مليون برميل يوميا. ومكن نمو الناتج المحلي الإجمالي الإيراني غير المتوازن منافسي روحاني المحافظين من تحويل الانتخابات إلى استفتاء على سجله الاقتصادي. لكن حجم انتصار روحاني يشير إلى أن الشعب، على الرغم من قلقه الشديد إزاء حالة الاقتصاد، لديه بعض الأمل تجاه نهجه.

وإذا كان روحاني سيواصل إحراز التقدم، فإنه سيحتاج إلى النظر إلى ما هو أبعد من الظروف الراهنة للتصدي للتحديات الهيكلية الراسخة التي تواجه الاقتصاد الإيراني، فضلا عن القيود المفروضة على الأطر المؤسسية والقضائية والقانونية للجمهورية الإسلامية.

ويكمن التحدي الهيكلي الأول في اعتماد إيران المفرط على قطاع النفط. وعلى الرغم من التخفيضات الأخيرة في عائدات النفط، لا يزال القطاع يمثل أكثر من 70٪ من إجمالي الصادرات. وإذا كان على البلد أن يحقق نموا اقتصاديا مستداما وشاملا، فإن التنويع أمر بالغ الأهمية.

أما التحدي البنيوي الثاني فهو ديموغرافي. ويمكن أن يكون عدد الشباب الكبير في إيران محركا قويا للنمو. لكن للاستفادة من هذه الإمكانات، هناك حاجة ملحة لخلق فرص عمل، وبالتالي الحد من بطالة الشباب، والتي بلغت 29.4٪ في عام 2014 (عندما بلغ إجمالي البطالة 12.8٪).

لكن ما يحدد الجمهورية الإسلامية في النهاية هو بنيتها المؤسسية الفريدة من نوعها. يمكن القول إن الدولة الإيرانية تشكل النظام الديني الوحيد في العالم، مما يتطلب التوفيق بين مطالب اقتصاد سريع التغير في القرن الحادي والعشرين والقيم التقليدية للقادة الروحيين ورجال الدين المسنين. ونظرا للتحديات التي تواجه تحديث الاقتصاد ضمن معالم الدولة الدينية (الثيوقراطية)، من المرجح أن تكون عمليات التكيف الهيكلي والتكامل العالمي عمليات طويلة.

ودعا خاتمي، الذي دعم روحانى، الناخبين الإيرانيين إلى دعم برنامج الرئيس كرحلة لم تكتمل بعد. وانطلاقا من الفوز الانتخابي المدوي لروحاني ، يبدو أن الإيرانيين مستعدون لإعطائه الفرصة لمحاولة إنهاء ما بدأه.

* حسن حكيميان، مدير معهد الشرق الأوسط في لندن، ومحاضر الاقتصاد في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن، والمحرر المشارك لكتاب: إيران والاقتصاد العالمي: الشعبوية البترولية، والإسلام، والعقوبات الاقتصادية
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي