المال مقابل أمور خمسة
حامد عبد الحسين الجبوري
2017-05-08 06:10
يمارس المال دورا مهما وكبيرا في الحياة البشرية، إذ يضفي عليها سيولة وانسيابية الحركة والتعامل مع الآخرين، ولكن مع هذه الأهمية ينبغي أن يحافظ على وظيفته وان لا يأخذ موقعاً أكثر مما يستحقه، وان يكون الإنسان هو الهدف وما المال إلا وسيلة لرفع حياة الإنسان بشتى المجالات، وبهذا الصدد يوضح السيد محمد الحسيني الشيرازي في كتابه "الاقتصاد" كيفية الحصول على الأموال، وبعبارة أخرى ما هي الأمور التي يستحق الإنسان أن يأخذ المال قبالها؟
العمل الجسدي
للإنسان حق طبيعي في الخيرات التي خلقها الخالق ولكن كيف يحصل على هذا الحق؟ فلابد من بذل الجهود العضلية للحصول على هذا الحق، إذ لا يمكن في ظل الإسلام التنعم بالخيرات على حساب الآخرين والاتكاء عليهم لأنه محرم استغلال الآخرين وسرقة جهودهم، كما لابد للإنسان من تجديد طاقته الجسدية فاللازم عليه العمل حتى يستطيع الحصول على ما يؤدي إلى تجديد طاقته من مأكل ومشرب وغيرها.
ويأتي السؤال الثاني الذي يتمحور حول قدر استحقاق العامل؟ والذي يحدد استحقاق العامل ثلاثة أمور:
الأول يتعلق بالعامل من حيث مدى تمتعه بالحيوية والنشاط والقوة الجسدية واستيعابه وأخلاقه...إلخ، فكلما تمتع بهذه الصفات يكون استحقاقه أكبر والعكس صحيح.
والثاني طبيعة العمل أي كلما يكون العمل يتطلب جهداً أكبر ووقت أطول يكون استحقاق العامل أكبر والعكس صحيح، بالإضافة إلى الأمور الخارجية فإذا كان العامل مجرد أو معيلاً فالأول استحقاقه أقل والثاني استحقاقه أكبر، وحيث لا يمكن تقدير ذلك تقديراً دقيقاً جعل العرف الميزان المتوسط للأجرة وهو حاجة العامل المتوسط العيال فمن لا عيال له يدخر الزائد لأجل عائلته المستقبلة، ومن له عيال كثيرون يساعده بيت المال لأجل سداد حاجاته، لا صدقة ولا تبرعاً، بل من جهة التكافل الاجتماعي.
العمل الفكري
ويحق للعمل الفكري الحصول على المال بل أكثر من صاحب العمل الجسدي وذلك لأسباب عديدة نذكر بعضا منها: فالصرف الذي يصرفه صاحب العمل الفكري أكثر من صاحب العمل الجسدي، فالطبيب يصرف على دراسته ومدرسته وكتبه وأساتذته ووقته وسائر لوازمه حتى يصبح طبيب، ما لا يصرفه الحمال والكناس وغيرهم، ولذا يكون عمل الطبيب أغلى من عمل أولئك، كما إن صاحب العمل الفكري يتعرض للأمراض ما لا يتعرض صاحب العمل الجسدي لها، مثل ضعف البصر من جراء المطالعة ورعشة الأصابع من جراء الكتابة...إلخ، مما لا يوجد مثلها في العمال غير المفكرين لأنهم يعملون بأبدانهم مما يوجب لهم نشاطا وصحة، وكل ذلك يجعل قيمة المفكر أكثر بناء على قاعدة ( إن عمل المعرض للخطر أكبر لذا يستحق أكثر).
كما إن المفكر أكثر فائدة، ومن المعلوم إن الأكثر فائدة أكثر أجرة، فكما إن السرير الذي يبقى خمس سنوات قيمته أضعاف السرير الذي يبقى سنة واحدة فقط مثلاً، كذلك الإنسان الأكثر فائدة، فالبّناء وعماله يبنون داراً تستريح فيها عائلة مكونة من عشرة أفراد، بينما الطبيب يريح مائة إنسان من المرض، ولذا تكون قيمته عشرة أضعاف قيمة البناء وعماله مثلاً. فضلاً عن إن المفكر يمكن أن يصبح مضراً إذا لم يحصل على أجرة أكثر كأن يبيع أسرار الذرة مثلاً لدولة أجنبية لأجل تحصيل ربح أكثر، ولذا فبعض البلاد تعطي الصك المفتوح لعلماء الذرة حذراً من أن يبيع السر لدول أجنبية.
المواد الأولية
إن الإنسان المستحوذ على المواد الأولية له تلك المواد وله الحق أن يأخذ المال قبالها، وإن كان عمله الجسدي أو الفكري الذي استحوذ بواسطته على تلك المواد لا تعادل جزءاً من ألف جزء من تلك المواد، فمثلاً عمل يوماً فأخرج ألماس تعادل قيمته ألف يوم عمل من هذا العامل، وذلك لأن المواد الطبيعية خلقها الخالق للإنسان فلكل إنسان أن يستولي على ما شاء منها ولكن بشرط أن لا يضر الآخرين من جيله ولا يضر الأجيال اللاحقة، ولا يفسد نفسه والآخرين بسبب المال، أي لا يستعمله في الإفساد، بناء على قاعدة لا ضرر ولا ضرار وقاعدة إن الله لا يحب الفساد.
فلو استولى جيل على كل موارد الطبيعة مما لا يترك للأجيال اللاحقة مجالاً، سيكون ذلك حراماً وكان عملهم غصباً، حيث أن عدم التفكير بالآخرين وعدم مراعاة القاعدتين أعلاه، سيفضي الأمر إلى نتائج سلبية، وهذا ما يعيشه العالم في الوقت الحاضر بفعل التسابق للاكتساب أكثر، ومن أهم تلك النتائج: استنفاذ موارد الطبيعة فلا تبقى للأجيال اللاحقة من الموارد، وصرف كل الموارد لبعض الجيل الحاضر على حساب البعض الآخر( غياب العدالة الاجتماعية)، بالإضافة إلى صرف موارد الطبيعة في وسائل الهدم كالقنابل الذرية والنووية والأسلحة بكافة أشكالها وأنواعها وأصنافها وصناعة المخدرات... إلخ.
العلاقات الاجتماعية
يمكن للإنسان أن يحصل على المال مقابل العلاقات الاجتماعية ويكون ذلك على أمرين: الأول بحكم رابط الصداقة ونحوها وهذا يوجب الضيافة والهدية والهبة والصلة والنذر المالي والصدقة والوصية وما شابه ذلك، وقد لا يعطي إنسان لآخر هذه الأشياء بحكم رابطة الصداقة بل لأمر آخر مثل الإعطاء للفقراء أو طلاب العلوم أو المؤسسات الخيرية أو غيرها.
وكيف كان العطاء، فالصداقة توجب الاستحواذ على المال، لا لان المستحوذ عمل جسدياً أو فكرياً، بل لان الذي عمل جسدياً أو فكرياً أو ما أشبه، الذي كان له المال، كان له أن يتصرف فيه كما يشاء تصرفاً غير مضرٍ، وإلا لم يكن له (ما سعى) وقد قرر العقل والشرع في سورة النجم ( أن ليس للإنسان إلا ما سعى)(39)، فإذا منعناه عن الصدقة أو الضيافة أو الهبة أو غيرها، كنا لم نقرر له ما سعى. وقد كان المقرر أن له ما سعى ولكن يشترط في صحة ذلك ستة أمور يمكن مراجعتها في نفس المصدر.
والثاني الإرث، أي أن الإنسان يحصل على المال إذا كان من جهة القرابة كالإرث، فالإنسان إنما يرث نتيجة عمل غيره لعدة أسباب نذكر بعضها، ففي الغالب إن الوارث سعى أيضاً في تحصيل الإرث، لان جميع أفراد العائلة يسعى بعضهم لبعض بحكم اتصالهم، ووحدة دارهم ومحل عملهم وبستانهم، كما إن المورث يريد ذلك أي يريد أن يعطي سعيه لغيره، وله الحق في ذلك بناء على أن له سعيه، وغيرها.
المكان والزمان
فمثلاً إذا كانت هناك قطعتا أرض أحداهما في وسط المدينة والأخرى في آخر المدينة، فصرف صاحبهما عليهما مليونيّ دينار حتى عمرهما داراً، فإنه لا شك في كون قيمة أحداهما أضعاف قيمة الأخرى، مع العلم إن مواد البنى وساعات العمل التي صرفت عليهما بقدر واحد، وليس التفاوت إلا لأجل شرط المكان. وكذا الحال إذا كان إنتاج احدهما أحسن نوعية من الأخرى مع الاهتمام بهما واحد.
أما بالنسبة للزمان، فمثلاً نجد الملابس الصوفية لها قيمة في الشتاء تفوق قيمتها في الصيف، وذلك لاختلاف شروط الزمان، وإلا فالمواد وساعات العمل واحدة، كما إن الثلج في الصيف له أضعاف قيمة الشتاء، وإن اللوحات الزيتية بعد مرور ألف سنة مثلاً لها قيمة فائقة أحياناً تصل إلى ألوف قيمتها وقت صنعها وكذلك الساعات وغيرها، وليس ذلك إلا لاختلاف شروط الزمان.