من مظاهر النظام السائد في الكون
شبكة النبأ
2021-11-18 08:34
بقلم: الشيخ جعفر الهادي-مقتبس من كتاب الله خالق الكون
من خلال البحث السابق عرفت الفارق بين ما هو وليد الصدفة، وما هو من فعل الفاعل المدبّر الهادف، فقد توصلنا هناك الى تقرير النتيجة التالية وهي ان وليد التدبير يتميز عن وليد الصدفة بالنظام، فالنظام آية التدبير والفوضى علامة الصدفة.
ولكي نرى ما اذا كان نظام الكون الذي نعيش فيه من ولائد الصدفة أم من ولائد التدبير وصنع المدبر الحكيم يتعين علينا أن ندرسه ونستعرضه لنرى ما اذا كان يتسم بالنظام والتناسق، أم تسوده الفوضى العشوائية؟
الحقيقة أن نظرة فاحصة في شتى أرجاء الكون ومجالاته وأنحائه تكشف لنا عن مظاهر للنظام المتقن، والتصميم الدقيق، والمحاسبة والدقة، وهذا ما سنعرفه من خلال ما قدمته لنا العلوم في مختلف مجالات الفلك وعالم الانجم والكواكب، وعالم النبات، وعالم الانسان، وعالم الحيوان، وعالم الحشرات وعالم الجنين وغير ذلك من العوالم، والدنياوات، واليك نماذج من هذه الحقائق فيما يلي:
مظاهر النظام في عالم الفضاء
عالم الفضاء عالم عجيب، فعلم الفلك الحديث يقول بأن مجرتنا تتألف من عدد هائل من الانجم والكواكب التي يبلغ حجم متوسطها حجم الشمس ويقدّر عدد نجومها بمأة ألف مليون نجم تقريباً.
وان النجوم أنفسها تشبه الشمس شبهاً كبيراً، وبعدها الشاسع وحده هو الذي يجعلها تبدو خافية، وخافتة النور.
وان لعدد كبير من هذه النجوم كواكب تدور حولها، وعدد كبير من هذه الكواكب يجب أن يكون على البعد الصحيح من نجمه بحيث تنشأ عليه أحوال كتلك التي تعرفها على الأرض.
وتقع ضمن هذه المجرة منظومتنا الشمسية التي تتكون من الشمس كمركز، ومن كواكب تسع تدور حولها ويدور حول كل واحد منها كوكب أو كوكبان أو أكثر الى (1۰) كواكب، وقد لا يدور حول بعضها شيء مطلقاً.
والكواكب التي تدور حول الشمس هي بالترتيب من الاقرب الى الابعد (عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ، المشتري، زحل، اورانوس، نبتون، پلوتو).
وما يلفت النظر في هذه المنظومة أمور:
أ ـ عظمة هذه الكواكب والانجم، وعظمة الشمس نفسها:
فالشمس تعتبر كرة من الغازات الملتهبة والنار المستعرة، وتصل الحرارة في داخل الشمس الى أكثر من (2۰ مليون درجة فهرنهایت)، وأكثر من (6 درجات سانتیگراد) على السطح الخارجي، والطاقة التي تصل منها الى الارض كل ساعة تعادل احتراق (21 بليون طن) من الفحم.
وبالضبط تنطلق كل ثانية من الشمس أربعة ملايين، وفي كل دقيقة (24۰ مليون طن) من الطاقة، نوراً وحرارة، وينتج هذا المعمل العجيب كل يوم (000/350 مليون طن) من الطاقة التي تتناثر في الفضاء. ويبلغ قطر الشمس (814 ألف میل) بينما لا يصل قطر الأرض التي نعيش عليها جميعاً الّا إلى (8 آلاف میل)، وبذلك فان قطر الشمس يبلغ (1۰8 مرة) قدر قطر الأرض، وحجمها (3/1 مليون مرة) مثل حجم الأرض.
ب ـ الفواصل الدقيقة والحركات المنتظمة:
أن من أهم ما يلفت النظر في المنظومة الشمسية هو المسافات الدقيقة التي تفصل الشمس عن الكواكب التابعة لها، والحركات المنتظمة لهذه الشمس والكواكب، وما يتولد عن ذلك، أو يترتب عليه من الاحوال اللازمة كالفصول والليل والنهار وما شابه ذلك.
فالبعد بين الشمس والأرض يبلغ حوالي (۹3 ملیون میل).
وتبعد عطارد من الشمس مثلا بـ(36 مليون ميل) والزهرة بـ(67 مليون ميلا) والمريخ بـ(142 مليون ميلا)، وتبعد بلوتو عن الشمس بـ(3671 مليون ميلا).
وهذه المسافات البعيدة بين الكواكب والشمس تكشف أيضاً عن مدى سعة الفضاء في حين تشكل منظومتنا الشمسية بأقمارها، وكواكبها، هذه جزءا من مجرتنا (1).
والعجيب أن هذه المنظومة مع توابعها من الكواكب، وتوابع توابعها من الانجم، مع مسافاتها الشاسعة تدور في نظام دقیق ضمن المجرة دون أن تضل أو تخرج عن مدارها.
ويجدر بنا هنا أن نذكر ان لأرضنا هذه خمس دورات:
1 / دورة واحدة حول نفسها في كل أربع وعشرين ساعة، يتولد منها الليل والنهار.
2 / دورة حول الشمس في كل سنة دورة واحدة أيضاً وتتولد منها الفصول الأربعة.
3 / حركة تبعاً الشمس التي تسير مع توابعها بالنسبة الى النجوم المجاورة لها.
4 / حركة ضمن مجرة التبانة أي أن المجرة هي التي تدور وتتحرك مع الشمس وتوابعها حول نفسها.
5 / حركة ضمن مجرة التبانة متباعدة عن أخواتها، كما تتباعد أخواتها عنها.
هذا والملفت للنظر هو حدوث كل هذه الدورات منذ آلاف السنين دون أن يحدث أي اصطدام، أو انحراف أو خلل ومن دون أن تكون هذه المنظومة والكواكب والمجرة معلقة بشيء أو مستندة إلى شيء.
بل والأعجب من ذلك ما يراه علماء الفلك من ان مجرات النجوم يتداخل بعضها في بعض فتدخل مجرة تشتمل على ملايين من السيارات المتحركة في مجرة أخرى (تتحرك سياراتها هي أيضاً) ثم تخرج منها بسياراتها جميعاً دون أن يحدث أي تصادم بين سيارات هاتين المجرتین.
هذا إلى جانب:
جـ ـ قانون الجاذبية العامة التي تنشا بسبب دورات هذه الكواكب، وتشد هذه الكواكب الهائلة الكثيرة بعضها الى بعض وتحفظها في مداراتها ومساراتها.
د ـ مقدار النور المنبعث من الشمس بحيث يتناسب مع متطلبات الحياة على الأرض.
هـ ـ مقاییس الزمن المضبوطة التي تنشأ من هذه الدورات بشكل يناسب مستلزمات الحياة وغير ذلك من الأمور.
ألا يدل كل هذا على وجود نظام دقيق يسود هذا الكون الرحب الفسيح، ذلك النظام الذي تتوقف عليه استمرارية الكون وسلامته، اذ لو اختل هذا النظام قید شعرة تحطم كل شيء.
وهل يمكن أن نعزي هذا النظام الى نفس المادة الصماء العمياء أو الی الصدفة والاتفاق في حين يدل على القصد والتصميم والتدبير الذي تفتقر اليه الصدفة، كما أسلفنا.
لماذا لا نأخذ هذا النظام الدقيق العجيب دليلا على وجود خالق مدبر، وحكيم هو الذي أوجد هذا النظام وأرساه في هذا الكون.
مظاهر النظام في عالم النبات:
أن النظر الى النباتات يهدينا الى أن عالم هذا النوع من الكائنات هو الاخر عالم عجيب تحكمه المعادلات الدقيقة، ويزخر بالعمليات والفعاليات المدهشة، هذا إلى جانب ما نجده من عجيب التركيب في خلقة النباتات، بأنواعها المختلفة. وقد سببت هذه الامور والأسرار العجيبة في عالم النباتات إلى ظهور علوم مختلفة مثل علوم تركيب النبات وشكله، وعملية التخليق الضوئي، وعلم تقسیم النبات، وعلم وظائف أعضاء النبات، وعلم البيئة، وعلم أمراض النباتات، وعلم وراثة النباتات.
ان شكل النبات وتركيبه وما يدور في أوراق الأشجار من عملية (التمثيل الكلوروفيلي) وهي عملية حيوية مهمة تقوم بها النبات، ووجود المعامل المتنوعة والعديدة التي تمثلها النباتات والتي تزود الانسان، والحيوانات بما يناسب من الغذاء الضروري للحياة أمور تدل على مدى النظام والمحاسبة السائدة في عالم النبات.
ونحن هنا نشير الى نقطتين مهمتين من بين عشرات النقاط الهامة في عالم النبات:
1 / قانون الوراثة في عالم النبات الذي يبقي على سلالة النباتات على مر الدهور والعصور دون أن تخطيء وأن تعطي بذرة ثمرة معينة، نوعاً آخر من الثمر، وذلك عن طريق الجينات (أي وحدات الوراثة).
ان الجينات هذه تحفظ التصميم وسجل السلف والخواص التي لكل شيء حي، وهي تتحكم تفصيلا في الجذور والجذع والورق والزهر والشمر لكل نبات تماماً كما تقرر الشكل، والقشر والشعر والأجنحة لكلّ حيوان بما فيه الانسان.
ان جوزة البلوط تسقط على الأرض فتحفظها قشرتها السمراء الجامدة، وتتدحرج في حفرة ما في من الأرض، وفي الربيع تستيقظ الجرثومة فتنفجر القشرة، ويزود بالطعام من اللب الشبيه بالبيضة الذي اختفت فيه (الجينات) وهي تمد الجذور في الأرض، واذا بك ترى فرخاً أو شتلة (شجيرة). وبعد سنوات شجرة، وان الجرثومة بما فيها من (جينات) قد تضاعفت ملايين الملايين، فصنعت الجذع والقشرة وكل ورقة وكل ثمرة مماثلة لتلك التي لشجرة البلوط التي تولدت عنها، وفي خلال مئات السنين قد بقى في ثمار البلوط التي لا تحصى نفس ترتيب الذرات تماماً الذي انتج أول شجرة بلوط منذ ملايين السنين (2).
ألا يدل وجود هذا القانون الذي لا يخطئ منذ آلاف السنين والذي بوساطته يمكن الابقاء على انواع النبات على وجود خالق مبدع حكیم.
2 / قانون صعود الماء الى المعامل الموجودة في الأوراق، فان المحركات الالية الضخمة ذات قوة مأة حصان تعجز عن تصعيد الماء الى مسافة (2۰ متر)، أما الأوراق الرقيقة في الشجرة فهي قادرة على أكثر من ذلك بفعل قوتي «الضغط الجذري والشد الورقي».
ترى كيف نظمت الانابيب في الشجرة بحيث تحمل العصارات والمياه من أعماق الأرض إلى أعالي الشجر، وكيف يتعاون الجذر مع الأوراق في هذه العملية العجيبة.
هل لنا أن ننسب وجود مثل هذه العملية المعقدة الدالة على نظام دقيق الی نفس المادة الفاقدة للشعور أم أنه من فعل خالق عاقل خبير عليم بما تحتاج اليه هذه العمليات من قوة وأجهزة وأدوات؟.
وعلى الجملة فان الناظر إلى هذه العمليات وهذه الأجهزة في عالم النبات يقضي قضاء باتاً بأن ذلك كله من فعل التدبير لا من فعل الصدفة اذ يرى فيه النظام والمحاسبة الذين هما علامة التدبير.
مظاهر النظام في خلقة الانسان:
لو قلنا بأن الانسان من أعجب الكائنات وأكثرها اثارة للدهشة لم نكن في ذلك مبالغين، وذلك لاننا نجد في هذا الكائن كل ما تفرق في المخلوقات مضافة الى أجهزة معقدة أخرى.
ومن الأجهزة التي تثير الدهشة لكثرة ما فيها من عجائب وأسرار، وأنظمة وقوانين:
1) عالم الخلايا التي تشكل جسم الانسان.
2) جهاز الهضم الذي يهيئ الغذاء المناسب لمختلف أعضاء الجسم.
3) جهاز الدورة الدموية الذي يتكفل ايصال الدم الى جميع أجزاء الجسم ليضمن لها البقاء والحياة.
4) جهاز التنفس.
5) جهاز المخ والأعصاب الذي يمثل جهاز القيادة والادارة المملكة الجسم.
6) العين والأذن والأنف وغيرها من الحواس التي تكون بمثابة أجهزة الرصد في الجسم البشري.
وها نحن نشير الى احد هذه الأجهزة:
المخ والأعصاب:
لعل أكثر أقسام الجسم البشري تعقيداً ونظاماً هو «المخ» باعتباره مركز القيادة و «الاعصاب» باعتبارها وسيلة اتصال المخ بالجسم وبالعكس.
ففي المخ يوجد (ألف مليون خلية عصبية) ومن كل هذه الخلايا تخرج اسلاك تنتشر في سائر الجسم وتسمى هذه الأسلاك بـ «الأنسجة العصبية»، وفي هذه الأنسجة يجري نظام استقبال وارسال الاخبار بسرعة (سبعين ميلا) في الساعة وبواسطة هذه الانسجة نتذوق ونسمع ونری ونباشر أعمالنا. بل أن هناك (ثلاثة آلاف من الشعيرات المتذوقة)، ولكل منها سلك عصبي خاص متصل بالمخ، وبواسطة هذه الشعيرات نحس بالمذاقات المختلفة وتوجد في الأذن (عشرة آلاف خلية سمعية) ومن خلال نظام معقد يسري من هذه الخلايا يسمع مخنا وفي كل عين (مأة وثلاثون مليوناً من الخلايا الملتقطة للضوء) وتقوم بمهمة ارسال المجموعة التصويرية إلى المخ وهناك شبكة من الأنسجة الحسية على امتداد جلدنا، فاذا قربنا إلى الجلد شيئاً بارداً فان (ربع مليون من الخلايا) التي تلتقط الاشياء، تحس به وعندئذ يمتلئ المخ بأثرها، ويرتعد الجسم، وتتسع الشرايين الجلدية فيسرع مزيد من الدم اليها، ويزودها بالحرارة، واذا أحست هذه الخلايا بحرارة شديدة فان مخابرات الحرارة توصلها إلى الدماغ وحينئذ تفرز (ثلاثة ملايين من الغدد) العرقية ـ تلقائياً ـ عرقا بارداً الى خارج الجسم (3).
ألا يبرهن هذا النظام الدقيق المبني على المحاسبات الدقيقة على وجود خالق له هو الذي عرف حاجة الجسم إلى مثل هذا النظام المعقد وأوجده فيه؟
هل لعاقل أن يسمح لنفسه بأن يعتقد بأن المادة العمياء المجردة من العقل والحكمة هي التي أوجدت لنفسها هذا النظام المتقن أوان هذا النظام جاء بفعل الصدفة؟
اذا كان العقل لا يسمح لنفسه بأن يعزي عقلا اليكترونيا يقوم ببعض العمليات الحسابية المحدودة، ولا يمكنه أن يتجاوز حدود ما رسم له، وأعطي من معلومات الى الصدفة فكيف يجوز له أن ينسب ما هو أكثر تعقيدا من العقل الاليكتروني (أعني المخ) هذا الجهاز الذي يدبر الجسم ويحفظه أمام الأخطار ويفكر، ويتذكر ويحفظ المعلومات، ويختزن العلوم، والالوان والاصوات والاشكال والذكريات بل ويختار عند اللزوم ودون تهيؤ سابق الى الصدفة؟
النصوص الاسلامية تشير الى النظام الكوني:
ان ما ذكرناه من مظاهر النظام العجيبة في الكون بشكل جزء صغيراً واشارة خاطفة ونماذج قليلة جداً في هذا المجال اقتصرنا عليها رعاية الاختصار.
وقد أشارت النصوص الاسلامية في القرآن والحديث الى هذه النظم والقوانين في الكون، نذكر بعضها هنا لكونها تقودنا إلى مزيد من الحقائق في هذا المجال لا من باب الاستدلال بها والاستناد اليها، لعدم صحة الاستدلال بالرسالة قبل ثبوت المرسل، فذكر هذه النصوص وأمثالها هنا في مبحث اثبات الخالق انما هو لكونها تفتح أذهاننا وأبصارنا على أمور لا نعرفها ولا نلتفت اليها لولا هذه النصوص.
واليك فيما يلي بعض هذه النصوص من الآيات والأحاديث التي تشير الى مظاهر النظام الكوني وتلفت أنظارنا اليها.
ففي الكتاب العزيز قال الله سبحانه:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (البقرة ـ 164) ـ.
فالآية تدعونا إلى البحث والفحص في علل هذه الظواهر الطبيعية والتأمل في كيفية نشأتها، وما يسودها من نظم وقوانین طبيعية.
ويقول سبحانه أيضاً:
﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ (الملك 3 ـ 4)
ويقول سبحانه:
﴿اللَّـهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ
عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ۖ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (الرعد 2 ـ 4)
إلى غير ذلك من الآيات التي ترشد إلى مواطن التأمل والتفكر في هذا الكون العظيم، وهذا الوجود المليء بالأسرار والعجائب.
ان هذه الآيات تدل وجود خالق لهذا النظام أولا كما تدل ثانياً على توحيده ثم على قدرته ثم على علمه ثم على رحمته (4).
وأما الحديث فنجد فيه اشارات كثيرة وعديدة إلى مظاهر النظام في الكون جدير بأن نستعرض شيئا منها هنا:
1 ـ قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):
«ولو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق وخافوا عذاب الحريق... افلا ينظرون الى صغير ما خلق؟ كيف أحكم خلقه وأتقن تركيبه وفلق له السمع والبصر وسوى له العظم، والبشر، انظروا الى النملة في صغر جثتها ولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر كيف دبت على أرضها، وضنت على رزقها، تنقل الحبة الى جحرها وتمدها في مستقرها تجمع في حرها لبردها، وفي ورودها لصدرها... لو فكرت في مجاري أكلها، في علوها وسفلها... وما في الرأس من عينها وأذنها لقضيت مسن خلقها عجباً، ولقيت من وصفها تعباً... فويل لمن أنكر المقدر وجحد المدبر، زعموا أنهم كالنبات ما لهم زارع والاختلاف صورهم صانع»(5).
2 ـ وفي حديث مفصل للامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) حول خلقة الانسان وما فيها من نظم وأسرار وحكم وقد أدلى بهذا الحديث الى تلميذه المفضل بن عمرو قال فيه: «فكر یا مفضل في أعضاء البدن أجمع وتدبیر كل منها للأرب، فاليدان للعلاج والرجلان للسعي والعينان للاهتداء والفم للاغتذاء والمعدة للهضم والكبد للتخليص والمنافذ (أي النوافذ) لتنفيذ الفضول، والأوعية لحملها وكذلك جميع الاعضاء اذا تأملتها وأعملت فكرك فيها ونظرك وجدت كل شيء منها قد قدر لشيء على صواب وحكمة» (6).