مركز دراسات يستشرف مستقبل الدين في الغرب

عصام حاكم

2019-01-20 05:12

نظم مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث حلقة نقاشية تناول من خلالها موضوعا، تحت عنوان (مستقبل الدين في الغرب..رؤية إستشرافية)، وذلك في تمام الساعة الرابعة عصر يوم الاثنين الموافق 31/ كانون الاول /2018على قاعة جمعية المؤدة والازدهار النسوية في كربلاء المقدسة.

ادار الحلقة النقاشية الاستاذ باسم الزيدي، الباحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث، بادئا حديثه بمقدمة قال فيها: "حلقة هذا اليوم تمتاز بالكثير من الاشكاليات ومن علامات الاستفهام التي يضعها الفرد الاوربي والغربي حيال فكرة الدين والماورائيات، وهذا بطبيعة الحال يجعل النقاش قائما في مدى مقبولية تلك الفكرة واستمرارها إلى ابعد من ذلك، وللتزود أكثر في تفاصيل هذا الموضوع ودراسة ابعاده التاريخية والفلسفية كان لنا هذا اللقاء مع الباحث في الفكر الإسلامي الاستاذ حكمت البخاتي، الذي بدأ ورقته قائلا:

 "اوروبا تشغل عالم اليوم بسياستها، باقتصادها، بثقافتها، لذا هي اصبحت مركز ومحور العالم الحديث، لذلك كل الاشياء في المعرفة خصوصا لابد أن تمر عبر اوروبا في هذا العصر، هذا مما يستدعي مناقشة افكار وتصورات هذه القارة المعرفية والثقافية في مسالة بالغة الاهمية وهي مسالة الدين، سواء اتفقنا أم اختلفنا فان الاثر الذي يتركه الفكر الغربي في حياتنا الثقافية والمعرفية هو اثر جدا كبير".

" اغلب الباحثين قد اشاروا إلى هذه المسالة، وهم يتفقون على أن للدين دور كبير ومؤثر في الحياة (الفنية / الثقافية / المعرفية) في اوروبا، وكثير من هذا الانجاز الاوربي في حضارات اوروبا المتعاقبة كان يبدو لدى هؤلاء الكتاب والباحثين، يبدو أن للدين موقع مهم وقوي، ولعل (نديم الجسر) في كتابه القديم (قصة الايمان) حين يتحدث عن تطورات فكرة الألوهة والانتقال إلى التوحيد الالهي، كان يبتدأ هذه المرحلة في تاريخ البشر بحكاية الاغريق في الدين وفي الاله، خلص إلى نتيجة ويؤيده بها الكثير من الباحثين كون كلما تحدث فيه الفلاسفة الاغريق في الوجود وفي اصل الوجود، انما كانوا يعنون به هو الاله ويعنون به حصرا هو الله سبحانه وتعالى".

"لكن الحقيقة عند التدقيق وعند البحث في هذا الموضوع، نجد أن الدين يحتل درجة ثانوية في الفكر الغربي وفي اوروبا، انما الاولوية المطلقة في الفكر الغربي هي فكرة الوجود.

 هناك فرق بين موضوع الوجود وموضوع الدين على المستوى التخصصي في النقاش وفي المعرفة، الدين يأتي في الجدل الاوروبي متفرعا عن فكرة الوجود، بينما في الحضارات الشرقية وهي الحضارات المتناغمة والمنسجمة مع الروح ومع الماورائيات، تأتي كل الاشياء لديها بناءِ على الدين، اما في اوروبا فان الاشياء كلها تأتي بما فيها الدين بناء على فكرة الوجود".

"هذه الحالة الفكرية لدى الاغريق انتقلت إلى الثقافة الاوربية والفكر الاوروبي واستمرت فاعلة إلى هذا اليوم، فتجد إلى هذا العصر الاولوية التي يمنحها الفكر وخصوصا ما يختص في العلوم الانسانية يمنحها لفكرة الوجود، اما بالنسبة لحضارات الشرق اعتمدت جانب الروح في فهم الوجود، لذلك عاشت هذه الحالة من الانسجام والتناغم مع الطبيعة ومع الذات، حتى ادت بها إلى حالة من الركود والتوقف، وهو ما جعل بعض الباحثين يصنفون مجتمعات الشرق بانها (مجتمعات محافظة)، أي انها استقرت على حالة واحدة من الافكار ومن الثقافات، وهذه مرجعها إلى حالة الانسجام والتناغم التي ولدتها الاديان في هذه المجتمعات مع كل الاشياء من حولها".

"لكن الأوروبيين وبسبب عدم وجود اهتمام بالروح لديهم وعدم وجود النبوة في تاريخهم وعدم ايمانهم بالوحي، جعلهم يعتمدون في فهم الوجود على العقل، ولذلك اصبح العقل هو المركز أو القطب الاساسي بالنسبة للفكر الاوروبي في فهم الوجود وفهم كل الاشياء، وهي حقيقة اسست لهذا الاتجاه الدائم، أي أن الاوروبيين ألان في عصر الحداثة وعندما قالوا بأهمية واولوية العقل وقدموه على الوحي، بعض الباحثين وبعض الكتاب يعتبرون هذا السلوك انتقالة في تاريخ اوروبا، حيث انتقلت من الكتاب المقدس إلى العقل و انتقلت من الوحي إلى العقل".

المحور الاول/ التوتر

"لكن الحقيقة أن اوروبا ومنذ البداية هي تؤمن بالعقل، لكن معارف العقل اختلفت، فحتى الكتاب المقدس وحتى المسيحية وعندما آمن بها الاوربيون، هي ليست المسيحية التي جاءت من الشرق، وانما تم التنظير لها وفق العقل الاوروبي، وذلك مستفيدين من العقل الاغريقي ومؤثرين في العقل الروماني، بطبيعة الحال افتقاد اوروبا لفكرة الانسجام والتناغم مع الوجود، جعل الذات الاوروبية تعيش حالة من التوتر الدائم والمستمر، هذا التوتر في العقل ظل يدفع بالعقل الاوروبي إلى التفكير المستمر".

" ونتيجة لهذا التوتر اتجه الفكر والعقل الاوروبي نحو التفكير المتواصل، لذا تحولت مشاكل المعرفة إلى اشكاليات مستمرة، فكان موقفهم من الوجود منقسم إلى قسمين فهناك من ينطلق من النزعة الطبيعية في التعامل مع الوجود، والبعض الاخر ينطلق من موقف النزعة التجريدية من الوجود، فمن ينطلق من النزعة الطبيعية يعتبر الوجود ازلي، وهذا الوجود لا يتخطى هذه المادة، فالفكرة المادية في الفكر الاوروبي هي ليست طارئة انما هي قديمة ومتأصلة فيه إلى ايام الاغريق، بطبيعة الحال المادية المطلقة تنفي فكرة الاله، لذلك هم امنوا بفكرة الاولية في الوجود".

"اما اصحاب النزعة التجريدية وايضا بدافع العقل وتساؤلات العقل واشكاليته، فاذا كان هذا الكون ازلي يبقى هناك سؤال محير عن هذه البدايات، فكانت اجابة العقل وليس الدين بان هناك للوجود خالق، فجاءت فكرة الألوهية مقابل فكرة الازلية، فالأزلية والالوهية بالنسبة لهم كانت عن طريق العقل وليس عن طريق النبوة أوعن طريق الوحي، فعلى هذا الاساس وعندما تفرعت فكرة الالوهية عن فكرة الوجود، تفرع الدين عن فكرة الألوهية، وهكذا يعد الدين هو الموقع الثاني في الفكر الاوروبي وهو نتاج الفكرة الرئيسية في الفكر الاوروبي وهي فكرة الوجود".

"هذا التوتر هو في الحقيقة متأصل في الذات الاوروبية، ولعل الاسطورة الغربية القديمة التي تشير إلى سرقة الانسان (للنار من الالهة) وتسمى (اسطورة برومثيوس)، وعلى اثر هذه السرقة قامت الالهة بمعاقبة الانسان ووضعت على ظهره صخرة يحملها إلى الابد وهناك طائر ينقر على راسه، هذه الحقيقة تشير إلى صورة رمزية تعبر عن كنه العلاقة بين الانسان الاوروبي وبين الاله وهي علاقة قائمة على التوتر، فالإنسان الاوروبي يريد أن يحل محل الاله، والسبب في الثقافة الاوروبية وفي جوهرية الفكر الاوروبي المركز الاول يكون للإنسان".

المحور الثاني/ اهمية الانسان في هذا الفكر وتأثير مسالة الاله بالنسبة للإنسان

"هناك قول لميشال ميسلان في كتابه ( علم الاديان) يصف فيه التمثلات الانسانية للإلهة تمر عبر الافراد في تراث اوروبا الديني، فليس هناك وحي وليس هناك شريعة، فالإله يعرف من خلال الافراد والمعرفة هذه تكون من خلال تمثل انساني للإله، المسالة الاخرى التي يذكرها (ميسلان) فيقول (إن الدين يمر للمجتمعات عبر التزامات جماعية)، أي يعني المجتمع هو الذي يتوجه إلى الدين ليس كأفراد بحثا عن الحقيقة أو بحثا عن الله، وانما هم يبحثون عن تنظيم لهم، هذا التنظيم يكون عن طريق الاله، ولذلك هذا الامر له علاقة بنظرية (دوركهايم) الذي يعتبر الاله يمثل روح الجماعة".

"بالتالي ولعدم وجود اجابة حاسمة في الفكر الغربي حول مسالة الدين، خصوصا واننا امام فكر متوتر وهذا الفكر المتوتر دائما ما يحول الاشياء إلى اشكاليات، وهي تحتاج لإجابات منفتحة ومتعددة ولا تؤمن بالإجابة الحاسمة، ولذلك نجد أن الدين نوقش ووضعت له نظريات في اكثر ثقافات العالم أي في اوروبا وفي الغرب، فهناك مثلا نظرية ( هيجل / إيمانويل كانت / ماركس / دوركهايم ) في فكر اوروبا حول الدين، بينما في الحضارات الدينية الشرقية لا نجد هذ الكم الهائل من النظريات حول الدين، فهناك شبه اتفاق واجماع على تعاريف محددة ومعينة للأديان، تقريبا كل اديان الشرق تتفق على مضمون ومعنى الدين، لكن في الغرب هناك عدد كبير من الاجابات حول معنى الدين، تختلف من فلسفة إلى اخرى ومن فيلسوف لأخر ومن مفكر إلى اخر".

"بالنتيجة اصبح من الصعب ايجاد تعريف محدد ومعين للدين في الغرب، واشار إلى هذ النقطة (جان فرنسوا دورت ) في كتابه المعنون ( معجم العلوم الانسانية)، فيقول (عثرة علينا تحاشيها وهي محاولتنا ايجاد تعريف للدين. فبعد 100 عام من الدراسات لم يتم التفاهم حول هذا الموضوع)، وهنا عندما يذكر المسافة الزمنية للدراسة يعني بها نشأة العلوم المتخصصة في علم ( الاجتماع / الأنثروبولوجيا)، التي هي تناولت موضوعة الدين خصوصا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث كان هناك ضغط كبير في اوروبا من اجل طرح النظريات والتعريفات للدين، وهذا اثر لقائهم مع المجتمعات الاخرى غير الاوروبية سواء انتقالاتهم إلى افريقيا أو إلى اسيا".

 "لذلك هم رجعوا من جديد لدراسة الدين والاهتمام به على اعتباره مادة وموضوع يشغل هذه المجتمعات، واستمر الوضع على ما هو عليه إلى القرن العشرين ولكن لم يصلوا إلى تعريف معين للدين حسب قول (جان فرنسوا دورت)، هذا مما يؤشر أن الدين ظل اشكالية قوية ومؤثرة في الفكر الغربي ولن يحصل على اجابة حاسمة، هناك تعريفات معينة للدين هذه التعريفات هي لغرض تقديم صورة مجملة عن الدين، فاحد هذه التعريفات يقول (الدين هو مجموعة الطقوس والعبادات وقصة الخلق والموت وقانون الاحوال الشخصية)، هذا في الحقيقة لا يمكن وصفه تعريفا بقدر ما هو توصيف للدين".

"لذا من الضروري هنا أن نستفسر عن سبب الاضطراب والارتباك في تعريف الدين، بينما في الشرق هناك تعريف محدد وواضح للدين، ففي الشرق الدين محوره تلك العلاقة الثنائية بين الانسان والاله، بينما الدين بالنسبة للأوربيين يمثل العلاقة بين الانسان والماضي السحيق له، فنظرية (فرويد) تتمثل حالة (سلطة الاب / قوة الاب ) واثرها في تكوين الاله، اذا الدين هو نتاج وهو علاقة بين الانسان والماضي السحيق، ايضا البعض منهم اعتبرها علاقة بين النظم الاستبدادية وبين شعوبها وهذا ما تدعو اليه النظرية (الماركسية)، بالتالي يتجلى من خلال ذلك الغاء لفكرة الاله في تفسير الدين بالنسبة للفكر الغربي الحديث، وذلك امتدادا لطبيعته في اولويات فكرة الوجود على اولويات فكرة الاله".

"اخيرا بدا الدين لديهم ينطبق على الأيدولوجيات البشرية وعلى الافكار الانسانية، وهذا يذكرنا بموقع الانسان في الفكر الغربي واولوية هذا الفكر بالنسبة للإله، لذلك هم اعتبروا ( النازية / الفاشية / الشيوعية) هذه الأيدولوجيات اعتبروها اديانا بشرية، لأنها تؤمن بالقوة والسلطة، وهذا المعنى راكز في تصورت الفكر الغربي أي أن الدين مقترن بالسلطة وبالقوة، لذا اصطدم هذا المفهوم بالحرية واصبح الدين يمثل عائقا كبيرا امام الحرية، ولذلك تم اقصاء الدين من الساحة الثقافية الاوروبية، في نفس الوقت رجحت لديهم النزعة الطبيعية نتيجة الصراع التاريخي القائم ما بين النزعة الطبيعية والنزعة التجريدية".

"وهذا مما تكلل بالانتصارات العلمية وخصوصا في القرن العشرين، ليفتح امامهم افاقا عديدة في الكون وفي الحياة ومنحهم القدرة على التفسيرات المادية، فضلا عن ذلك تلك الاجواء خلقت لديهم احساسا عاليا بالغنى عن الاله، اخيرا هم وجدوا كل مقولاتهم في الدين وكل افكارهم في الدين التي اعتمدت على العلم الطبيعي لا يمكن التعويل عليها، لان في الدين اشياء تتطلبها كينونة النفس البشرية والذات البشرية، وهذه الذات ومهما كانت هي تبقى ظامئة إلى الإله وإلى الروح وإلى الدين، وعلى طريقتهم في عدم تقديم الاجابات الحاسمة فتحوا المجال لمناقشة الدين من جديد، وتأسس لديهم علم جديد سمي (علم الاديان)، هذا العلم بالنسبة لتاريخ الفكر الاوروبي شكل انتقالة من (فكرة تاريخ الاديان إلى فكرة علم الاديان)".

"تاريخ الاديان كانت ظاهرة ثقافية ومعرفية شائعة في الغرب خصوصا في القرن التاسع عشر، وهذا هو عصر انفتاحهم على الاديان، ويشكل الاستشراق جزء من الاهتمام بهذا الموضوع، فكتبوا حينها عن ( البوذية / الكونفوشيوسية / الزرادشتية / الاسلامية / اليهودية) حتى غصت مكتباتهم بمؤلفات في تاريخ الاديان، لكنهم عندما وجدوا الانسان لا يمكن أن يتخلى ببساطة عن هذا الدين حتى في مجتمعاتهم، عادوا من جديد لدراسة الدين فاجترحوا مصطلح ومفهوم (علم الاديان) وهو يتناول دراسة تأثيرات المقدس في النفس الانسانية، ايضا كيفية تفاعل النفس مع فكرة الاله ومع فكرة المقدس، أي انه ومن خلال تلك الدراسة المخصصة للأديان يحاول اقصاء فكرة الاله".

"لذا ما زال الفكر الاوروبي في عصره الحديث كما هو في عصر الاغريق يناقش من جديد مسالة الدين ومسالة الاله، أي انه لم يصل إلى اجابة حاسمة بهذا الخصوص، فهو لم يستطع النفي ولم يقدر على الاثبات، مما يؤشر على أن الدين لا يمكن أن يكون له تلك الاولوية وتلك الاهمية القصوى في حياة الغرب، علما أن الغرب في شخصيته هو غرب مفكر وليس غربا متدينا".

{img_1}

 المداخلات

- الدكتور خالد مطلك العبودي، الامين العام لمؤسسة المسرة الانسانية الثقافية في العراق، يستفسر : "هل الدين هو عبادي ايماني أو سلوكي في الحياة الاوروبية؟، تحدثتم ايضا عن أن الاله يمثل روح الجماعة في حين الاوروبيون يعتبرون هناك ثلاثة الهة فهل يعتبرون النبي عيسى روح الجماعة؟ العلم هل هو من زاد الغرب ايمانا بالله؟.

- حامد عبد الحسين الجبوري، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، يسأل: "هل لا زالت فكرة التوتر حاضرة في اوروبا؟، فكرة مركزية الانسان لماذا تغيب عن الاديان الشرقية؟

الارهاب العدمي

- حيدر الاجودي، باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يستوضح :"هل الدين سلوك انساني ام عبارة عن تطبيقات يقوم بها الانسان؟، خصوصا أن اغلب المجتمعات الغربية تعتبر الدين سلطة رمزية للفرد، ولا يمكن لأي فرد من الافراد التخلي عن هذه السلطة ولا يتعايش مع الاخرين، لانهم يعتبرون الدين في الفكر وتغيب عنهم الروحانية، فسبب غياب الروحانية يعود لسببين، الاول هو وجود تطرف انعزالي وبالتالي هو يقدس المركزية الانسانية على حساب المركزية الالهية، وهذه تقوم بفصم عرى العلاقة بين الله والانسان، لذا هم اتجهوا نحو تقديس وتمجيد الارادة بموت الله في مذابح الانسان".

اضاف الاجودي "اما السبب الثاني يعود إلى الارهاب العدمي الذي يقوم على التشدد وقتل الانسان بمذابح الله، وما بين هذين الطريقين ضاع افراد المجتمع الاوروبي في الوصول إلى طريق الله الذي ينجيهم، فما هي الطرق السليمة التي يمكن استيعابها من اجل توحيد الاديان لتوحيد الافكار؟".

- محمد الصافي، ناشط مدني، وباحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث يستعلم: "أي الكفتين سترجح على الاخرى في المستقبل القادم هل الافكار التي تعتمد على العقل البشري بالكامل أو تلك الرؤى التي تبتعد عن مناقشة تلك الافكار والتسليم بما اتى به السلف الصالح؟".

- منار قاسم، عضوة جمعية المودة والازدهار، تسال : "هل النظام الديني في الشرق والحروب الطائفية لها تأثير على صورة الاسلام في الغرب فاذا كان الامر كذلك ما هو الحل؟".

- باسم الزيدي، باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث، يسال: "كيف استطاعت الكنيسة السيطرة على الانسان وعلى عقل الانسان الاوربي خلال قرون مع أن اغلب ممارساتها كانت تتنافى مع العقل؟، كذلك ما هو مستقبل تلك العلاقة المتوترة وكيف ستنتهي تلك الجدلية؟، بالإضافة إلى ذلك ما هو رأيك بتلك العلاقة الثلاثية مع الله سبحانه فالإنسان عندما يتعامل مع الله ويؤدي العبادات، فتتشكل علاقة ثلاثية الابعاد من حيث الانسان مع نفسه ومع الانسان ومع الله".

{img_2}

رد الباحث وتعقيباته

يرد الاستاذ حكمت البخاتي وبشكل تفصيلي على جميع الاستفسارات حيث يقول الدين يحتل مكان ثانوي في حياة الغرب، فعلى مستوى الوعي لا حضور للدين ولكن على مستوى اللاوعي، نعم هناك حضور للثقافة المسيحية في سلوك الاوربيين، أي يعني الصدق الذي يوصف به الغربيون هو في الحقيقة لم يأت نتيجة تربية دينية، انما نتيجة تربية اجتماعية عامة، واحدة من جذور هذه الثقافة هي عوامل مسيحية، فالاعتراف على سبيل المثال امام القس وهو طقس مسيحي يمارس للتخلص من الخطيئة، بالنتيجة هذا يعتبر كالتحليل النفسي الذي ابتكره (فرويد) لمعالجة مريدي عيادته، وهذا تطوير لعملية الاعتراف الطقسي التي يمارسها الفرد المسيحي امام القس".

"لذا هناك عملية تطور غير مباشرة لإنتاج عملية التحليل النفسي، الاعتراف الذي كان يقوم به الفرد المسيحي امام القس في الكنيسة ولمدة زمنية طويلة تأصل بالثقافة الاوروبية، فانتج لديهم مسالة الصدق بطريقة غير مباشرة، وهذا يعتبر موروث اجتماعي وثقافي جاء من خلال الكنيسة، بهذه الطريقة نستطيع أن نفسر تأثير الدين المسيحي في سلوك الفرد الاوروبي وفي مجالات اللاوعي الاجتماعي، اما بخصوص الاله وروح الجماعة فـ(دوركهايم) استطاع أن يستنبط نظريته من المجتمعات البدائية، خصوصا في ايام الاحتفالات التي يقيمونها فيحصل توحد في شعور افراد الجماعة، حتى يصبح فيما بينهم شعور انسجام وتماهي عاطفي وشعوري جدا قوي، وذلك من خلال استعراض ذكرى الهتهم أو ذكرى طمطمهم بالتالي هم يستحضرون روح الجماعة، واراد أن يطبقها على جميع الاديان لكنه اصطدم بعقبة كبيرة جدا مما ادى إلى تراجع نظريته هذه".

"فالثقافة الغربية والفكر الغربي من مركزياته هي ازاحة فكرة الاله لصالح فكرة الانسان، لذلك تحول الاله من عالم ما وراء (الميتافيزيقي) غير مرئي خفي إلى عالم الانسان المرئي والظاهر، عند ذاك جاءوا بفكرة (الاله الطفل) التي هي قديمة جدا من الماضي السحيق للثقافة الدينية الاوروبية، فكان في تطوراتها الايمان بالمسيح الابن الاله ومن ثم الاله، بالنسبة لـ(فيورباخ) الملحد الذي اراد أن يؤسس للإلحاد بطريقة علمية وليس بطريقة جدلية او نقاشية، أكد على أن المسيحية هي التي تؤكد ليس هناك اله، وعلل ذلك بان المسيحين انفسهم يقولون المسيح هو الاله اذا لا يوجد اله، وانما هناك انسان واصبح اله"

"اما بالنسبة للعلم وعلاقته بالأيمان، الإيمان موقف وجودي وموقف ذاتي ولا ترتبط بمسالة العلم، فالكثير من العلماء ممن يعملون في المجالات العلمية منهم مؤمنين ومنهم ملحدين، علما أن الاحصائيات السابقة تكاد توثق تصاعد نسبة المؤمنين العاملين في المراكز العلمية في الغرب، الاحصائيات الاخيرة اظهرت تراجعا في مستوى المؤمنين الذين يعملون في المجالات العلمية، الا انها بالمقابل لا تنفي وجود المؤمنين، هذا مما يعني أن مسالة الايمان اكبر من مسالة العلم، فالعلم يقدم لي الاجابة من الخارج، لكن الايمان يقدم لي اجابة من الداخل".

"اما ما يخص الفكر الاوروبي فهو في طبيعته فكر متوتر، ولذلك طالما الغيت نظريات في مختلف التخصصات العلمية والمعرفية، وحلت محلها نظريات اخرى ثم عادت لتلغى وتحل محلها نظريات اخرى، فمثلا عندما نأتي على (عصر ما بعد الحداثة) الذي نفى الحداثة بأجمعها، ولم يكتف بذلك بل وجه نقدا حادا للحداثة التي كانوا يعتبرونها هي قمة الانجاز الاوروبي وعجزت عنه الحضارات الاخرى، اخيرا اصبح هذا الشيء منتقدا لديهم، اما مركزية الانسان هل تحصل في الشرق الجواب كلا، لان الثقافة الشرقية هي ثقافة انسانية خالصة وهي دائما ما تجعل الثقافة مع الاخر فاعلة ومؤثرة ومهمة، وهذه احدى الميزات التي تمتاز بها حضارة الشرق، التي تم تغييبها واقصائها والعمل بخلافها".

 "اما الغرب فهو يعيش ثقافة الانسان الفرد، لذلك نجد الرأسمالية بلغت درجة من التوحش القصوى، حتى سلبت المجتمعات الانسانية كرامتها واقتصادها وحريتها، اليوم واحد من نتاجات الثقافة الغربية هي تلك التقنيات الحديثة التي من خلالها استحوذت الصناعة تماما على الانسان والغته، فهذا يؤكد على فقر الجانب الانساني في الرأسمالية التي هي تشكل جزء وحيزا كبيرا من الفكر الغربي، بينما ثقافتنا الشرقية هي ثقافة تؤمن بالأسرة وتؤمن بالمجتمع تؤمن بالجار وتؤمن بجميع تلك القيم، لذلك من الضروري جدا أن لا نضع فكرة الانسان الفرد مقابل فكرة الدين، بل لابد أن نضعها في مقابل القيم الاخرى التي لدينا".

"يضاف إلى ذلك الايمان بالإنسان في الغرب وصل إلى حد موت الاله، وهذه هي مقولة (نيتشه) مفتتح القرن العشرين حينما قال (لقد مات الله)، وهنا اشارة اكيدة على أن الانسان هو الذي حل محل الله، وهذا هو نتاج أو خلاصة الحداثة التي آمنت بالإنسان، لكن في نهاية القرن العشرين قال (ميشيل فوكو)(بموت الانسان)، فاذا التطرف في موقعية الانسان ادى إلى موت الاله ثم موت الانسان نفسه، فعلى سبيل المثال الكتاب عندما يصدر الاهتمام يكون على المؤلف وتقييمه بينما الان اصبحت العلاقة مباشرة بالكتاب، إلى جانب ذلك الاديان من الممكن أن تتقارب ولكن لا تتوحد، اما موضوعة العقل فهو ليس المحور والمعيار المركزي في حياة الانسان، فهناك جانب المعقول واللامعقول في حياة الانسان، بالتالي أن الرضوخ الكلي إلى العقل هو الذي قاد العالم إلى ازماته الكبرى وإلى الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية، فاذن هناك مسائل العواطف الانسانية، هناك مسائل القيم الاخلاقية، لابد أن تشكل جزءا كبيرا في توجيه وتحديد مسارات العقل".

"طبعا من الضروري أن نؤكد كون مراكز الغرب الدراسية والعلمية مدركة لأبعاد الاسلام ولحقيقة الاسلام، ولذلك ما حدث لم يؤثر بخصوص الطائفية وبخصوص الارهاب الذي انتشرت ثقافته بين المسلمين، هو لم يؤثر على النخب الفكرية الاوروبية، لان هذه النخب اكثر دراية بالإسلام من المراكز والمساجد والمدارس التي اسست للطائفية وللإرهاب، لكنه بالمقابل اثرت على الرأي العام الشعبوي بخصوص النظرة إلى الاسلام، ايضا بالنسبة لموضوعة التوتر في الفكر الغربي هو توتر منتج وتوتر ايجابي، لكن ما يحصل عندنا هو تناقض كلي ما بين النظري والسلوكي وهي واحدة من نتائج التناقض بين واقعنا الثقافي والمعرفي وبين تطورات العالم الحديث".

 "فالعالم وصل إلى مستويات من الانتاج والابداع، ولم ندرك هذا العالم وانما بقينا خارجه نعيش ازماتنا الذاتية ومشاكلنا، لذلك اصبحنا في تناقض مع العالم، هذا التناقض هو الذي قادنا للتناقض بين النظرية لدينا والسلوك، فنحن اصطدمنا بأشياء غير قادرين على استيعابها فرضها علينا العالم الحديث، علما اننا غير مؤهلين لاستقبال هذا العالم فضعنا ما بين الدين واللادين، اخيرا الكنسية المسيحية اول ما بدأت في اوروبا واحدة من وسائل ترسيخها في البلاد الاوروبية رغم حركة الاضطهاد التي كانت ضدها في البداية، هي استعانتها بالعقل الاغريقي في ترسيخ وتمرير العقائد المسيحية، ولذلك كانت تدرس افكار فلاسفة الاغريق والمترجمة من خلال (ابن رشد) في المدارس والكنائس المسيحية، فهي لم تكن تقصي العقل بل تعتمد على هذا العقل غير الناضج وغير المتطور، اما علاقة الدين في اوروبا ستبقى دائما هكذا متوترة، فالدين لا يلغى بالمطلق ولا يثبت بالمطلق، بل يبقى مترددا ما بين القبول والايجاب".

{img_3}

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–2019Ⓒ
http://shrsc.com

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي