إكرام الأعرجي تكشف سر النجاح: القيادة الواضحة تحدد مصير المؤسسات

أوس ستار الغانمي

2025-10-25 04:10

في عالم تتسارع فيه التغيرات وتتزايد فيه المخاطر، تبرز أهمية البحث العلمي كضوء يوجه المؤسسات نحو الفهم والتحرك السليم. ومن هذا المنطلق، تأخذنا الباحثة إكرام حميد علي الأعرجي من قسم إدارة الأعمال في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كربلاء في رحلة معرفية عميقة، عبر دراستها التي تحمل عنوان: "تأثير الجاهزية الاستراتيجية في الحد من الغموض الاستراتيجي"، والتي أُجريت تحت إشراف الأستاذ الدكتور أكرم محسن مهدي الياسري، مستهدفةً عينة من موظفي مصنع الجود للمحاليل الوريدية التابع للعتبة العباسية المقدسة في محافظة كربلاء.

اختيار الباحثة لهذا الموضوع لم يأتِ عبثًا، بل جاء من وعيها العميق بأن بيئة الأعمال في عصرنا الحالي تتسم بعدم اليقين، وأن الغموض الاستراتيجي يمثل تحديًا حقيقيًا أمام المنظمات، خصوصًا في القطاع الدوائي الحساس الذي يتسم بسرعة التطور العلمي وارتفاع مستوى المنافسة والمخاطر. ومن هنا، جاءت الجاهزية الاستراتيجية كمدخل مهم لمعالجة الغموض، واستكشاف كيفية قدرة المؤسسات على التكيف واتخاذ القرارات السليمة في ظروف غير واضحة.

في هذا الحوار، ستكشف الباحثة عن رؤيتها لكيفية ترجمة الجاهزية الاستراتيجية إلى خطوات عملية، وتوضح الفروقات بين وجهات نظر القيادات والموظفين، مع التركيز على أبعاد القيادة والثقافة والتكنولوجيا والموارد البشرية، وصولًا إلى توصيات عملية يمكن أن تطبقها المؤسسات لتعزيز قدرتها على مواجهة الغموض وتحقيق أهدافها بفعالية. كما ستشاركنا الباحثة مشاريعها البحثية المستقبلية ورؤيتها لتوسيع الدراسة لتشمل قطاعات أخرى، ما يجعل من هذا الحوار نافذة معرفية ملهمة لكل من يهتم بإدارة الأعمال والبحث العلمي.

ما الدافع الرئيسي الذي جعلكِ تختارين موضوع الجاهزية الإستراتيجية والغموض الإستراتيجي ليكون محور رسالتكِ؟

تم اختيار هذا الموضوع لأن بيئة الأعمال تتسم بعدم التأكد، مما يفرض على المنظمات مواجهة الغموض الاستراتيجي، ورأيت أن الجاهزية الاستراتيجية تمثل مدخلاً مهماً لمعالجة الغموض، وبالإضافة إلى عدم وجود دراسات سابقة تتناول العلاقة بين هذين المتغيرين.

كيف تعرّفين "الجاهزية الإستراتيجية" بلغة مبسطة يفهمها القارئ غير المتخصص؟

الجاهزية الاستراتيجية تعني أن تكون المنظمة مستعدة او جاهزة لمواجهة التغيرات او التحديات المفاجئة، وذلك من خلال امتلاكها خطط واضحة، وموارد مناسبة، وقدرة على التكيف بسرعة مع الظروف الجديدة.

برأيكِ، لماذا يعد "الغموض الإستراتيجي" مشكلة خطيرة للمنظمات الصناعية، خصوصاً في القطاع الدوائي؟

وذلك لأن القطاع الدوائي يتصف بسرعة التطور العلمي، وارتفاع مستوى المنافسة والمخاطرة، أي ان درجة من الغموض قد تؤدي إلى قرارات غير دقيقة، أو تأخير في طرح منتجات، أو ضعف القدرة على الامتثال للمعايير الصحية، بما ينعكس سلبياً على سمعة المنظمة وأدائها في السوق.

كيف ساعدتكِ مراجعة الدراسات السابقة في بناء إطاركِ النظري وصياغة فرضيات البحث؟

ساعدتني الدراسات السابقة في بناء الأساس النظري لفهم المتغيرات وتحديد أبعادها، وساعدتني على صياغة فرضيات الدراسة بصورة علمية مبنية على نتائج موثوقة.

لماذا اخترتِ مصنع الجود للمحاليل الوريدية بالذات ميدانًا لتطبيق الدراسة؟ وما يميّزه عن غيره؟

وذلك لأنه من المصانع الحديثة والرائدة في القطاع الدوائي، والذي يتميز بجودة إنتاجه وتوسعه في تلبية احتياجات السوق، ومما له من ارتباط مباشر بحياة المجتمع من خلال مساهمته في الجانب الصحي، مما يجعله ميداناً مناسباً لدراسة الجاهزية الاستراتيجية في مواجهة الغموض الاستراتيجي.

هل لاحظتِ فروقات واضحة في وجهات نظر القيادات مقابل الموظفين حول الجاهزية والغموض؟

نعم، وجود فروقات واضحة بين القيادات والموظفين، حيث ركزت القيادات على الجاهزية باعتبارها أداة استراتيجية لمواجهة تحديات البيئة وتقليل الغموض الاستراتيجي، في حين يرى الموظفون إليها من زاوية عملية تتعلق بوضوح التعليمات وتوافر الدعم والإمكانات اللازمة لأداء مهامهم.

من خلال تجربتكِ، ما البعد الأكثر تأثيرًا في الحد من الغموض الإستراتيجي: القيادة، الثقافة، التكنولوجيا، أم الموارد البشرية؟ ولماذا؟

إن بعد القيادة تمثل البعد الأكثر تأثيراً في الحد من الغموض الاستراتيجي، وذلك لأنها المحفز الأساسي لبقية الأبعاد، فالقائد هو من يوجه الثقافة نحو الشفافية والتعلم، ويحدد أولويات الاستثمار في التكنولوجيا، ويحفز الموارد البشرية على التكيف والابتكار والابداع، وبالتالي فإن وضوح رؤية القيادة وسرعة الاستجابة في اتخاذ القرار ينعكس بشكل مباشر على قدرة المنظمة في تقليل الغموض وتوجيه الجهود نحو أهداف واضحة.

بينتِ في الاستنتاجات أن "غموض الهدف" كان منخفضًا، ما الذي يفسر وضوح الأهداف في هذا المصنع تحديدًا؟ 

يعزى وضوح الأهداف في المصنع إلى طبيعة النشاط الصحي الخاضع للمعايير الرقابية صارمة، مما يفرض تحديداً دقيقاً للأهداف.

أشرتِ إلى أن "جاهزية القيادة" كانت الأعلى تأثيرًا، كيف يمكن ترجمة هذه النتيجة إلى خطوات عملية لدى إدارات أخرى؟

يمكن ترجمتها عملياً عبر تعزيز وضوح الرؤية، وتفعيل وسائل التواصل، وتنمية قدرات القيادات الوسطى على اتخاذ القرار، مع إشراك الموظفين في فهم الأهداف، واعتماد خطط بديلة مرنة لمواجهة التغيير وتقليل الغموض الاستراتيجي.

برأيكِ، كيف يمكن لمصانع أو شركات عراقية أخرى الاستفادة من نتائج هذه الدراسة لتقليل الغموض الإستراتيجي لديها؟

يمكن للشركات العراقية تقليل الغموض الاستراتيجي من خلال تعزيز القيادة الواضحة، وترسيخ ثقافة، وتطوير الموارد البشرية، ودعم القرارات بالتكنولوجيا.

هل تعتقدين أن الجاهزية الإستراتيجية كافية وحدها لمواجهة التحديات، أم يجب أن ترافقها عناصر أخرى (مثل التمويل أو الاستقرار السياسي)؟

 ان الجاهزية الاستراتيجية ليست كافية بمفردها لمواجهة التحديات، إذ ان المنظمات تحتاج إلى عناصر مكملة مثل التمويل المستمر، والاستقرار السياسي، والدعم الحكومي، فالتكامل بين الجاهزية الداخلية والعوامل الخارجية هو ما يضمن قدرة حقيقية على مواجهة الغموض والتحديات.

ما التوصية الأهم التي ترغبين أن يطبقها مصنع الجود فورًا من نتائج دراستكِ؟

 اعتماد آلية تواصل استراتيجي منتظم يعزز وضوح الأهداف وتطوير القدرات القيادية على إدارة الغموض من خلال التدريب واتخاذ القرارات المبنية على البيانات المتوفرة.

كيف يمكن للجامعات ومراكز البحث دعم المنظمات في رفع جاهزيتها الإستراتيجية على المدى البعيد؟

 يمكن للجامعات ومراكز البحث دعم المنظمات على المدى البعيد من خلال إجراء دراسات تطبيقية، وتقديم برامج تدريبية، وتوفير أدوات تقييم الجاهزية الاستراتيجية، ونشر المعرفة الحديثة لتعزيز بيئة مؤسسية مرنة قادرة على التكيف مع التحديات.

ما هي مشاريعكِ البحثية المستقبلية بعد الماجستير؟ وهل ترغبين بتوسيع الدراسة إلى قطاعات أخرى غير الصناعات الدوائية؟

 أطمح لتطوير إطار عملي لقياس الجاهزية الاستراتيجية، بهدف تقديم أدوات علمية وتطبيقية تدعم المنظمات في مواجهة التحديات الاستراتيجية بكفاءة أعلى. وتوسيع الدراسة لتشمل قطاعات مختلفة خارج الصناعات الدوائية.

لقد فتحت الأعرجي من خلال دراستها آفاقًا جديدة لفهم العلاقة بين الجاهزية الاستراتيجية والغموض الاستراتيجي، وأظهرت كيف يمكن للقيادة الواضحة، والثقافة المؤسسية المرنة، والموارد البشرية المؤهلة، والتقنيات الحديثة أن تصنع فارقًا حقيقيًا في قدرة المؤسسات على مواجهة تحديات العصر. كما قدمت توصيات عملية قابلة للتطبيق في مؤسسات أخرى، بما يعزز من قيمة البحث العلمي التطبيقي في خدمة المجتمع والصناعة على حد سواء.

وفي ختام هذا الحوار، توجه الباحثة كلمتها الصادقة إلى مشرفها، الأستاذ الدكتور أكرم محسن مهدي الياسري، قائلة:

"أتقدم إليك يا أستاذي العزيز بخالص الامتنان والتقدير على توجيهاتك السديدة ودعمك المتواصل الذي كان النبراس الذي أضاء طريقي طوال رحلة البحث. لقد كان إشرافك الكريم وإيمانك بقدراتي مصدر إلهام لي، ومهما كتبت من كلمات فلن توفيك حقك في هذا الإنجاز."

ذات صلة

كيف تغير نفسك نحو الأفضل.. وكيف تسيطر على اعصابك؟الانتخابات القادمة وجدل المشاركة والمقاطعةأدباء البلاط ظاهرة متجددة واستثناءات فريدةألا تعد الأموال المتحصلة بالكسب غير المشروع سوء سلوك؟هشاشة السلام العالمي وارتباطه بالرفاهية النفسية والصحة العاطفية