آية العامري لـ شبكة النبأ: زرعنا الجمال في أنبوب اختبار.. والسوسن استجاب!
أوس ستار الغانمي
2025-07-23 01:14
في هذا الحوار العلمي المميز، نُسلّط الضوء على واحدة من الأبحاث التطبيقية الواعدة في مجال زراعة الأنسجة النباتية، من خلال حوار مع الباحثة آية عامر موسى العامري، طالبة الماجستير في قسم تقنيات الإنتاج النباتي – الكلية التقنية/المسيب، إحدى تشكيلات جامعة الفرات الأوسط التقنية، والتي تناولت في رسالتها موضوعًا دقيقًا وحيويًا تحت عنوان:
"تأثير منظمات النمو في نمو وإنتاج البصيلات لنبات السوسن خارج الجسم الحي."
يتناول هذا البحث استخدام تقنيات زراعة الأنسجة الحديثة بهدف التغلب على التحديات التي تواجه الإكثار التقليدي لنبات السوسن، أحد نباتات الزينة ذات القيمة الاقتصادية والجمالية العالية. وقد تميزت الدراسة بتركيزها على عوامل نمو محددة، ودراسة دقيقة للتفاعلات الهرمونية المؤثرة في إنتاج الكالس والبراعم والأجنة الجسمانية.
في هذا الحوار، نتعرّف أكثر على الدوافع العلمية لاختيار هذا الموضوع، والمنهجيات المستخدمة، وأبرز التحديات التي واجهت الباحثة، إضافة إلى التطبيقات العملية الممكنة لنتائج البحث، ليس فقط على نطاق نبات السوسن، بل على أنواع أخرى من الأبصال الزهرية.
أهلاً وسهلاً بكِ أستاذة آية، وشكرًا لقبولكِ دعوتنا لهذا الحوار. دعينا نبدأ بسؤالنا الأول:
ما الذي دفعكِ لاختيار نبات السوسن تحديداً لهذه الدراسة؟ وهل واجهتِ صعوبات في العمل معه مقارنةً بنباتات أخرى؟
اخترت نبات السوسن لكونه من أبصال الزينة المهمة ذات القيمة التجارية والجمالية، إلا أن تكاثره التقليدي بطيء ومحدود الإنتاج. كما أن له أهمية في دراسات تنوع الأبصال الزهرية. أما الصعوبات، فتتمثل في بطء استجابة الأنسجة النباتية في مراحل معينة وارتفاع معدلات التلوث، مما تطلب دقة عالية في اختيار الوسط الغذائي والتعقيم.
كيف يمكن لزراعة الأنسجة أن تحل مشكلات الإكثار التقليدي للسوسن مثل البطء أو انتشار الأمراض؟
زراعة الأنسجة تتيح إكثار نبات السوسن بطريقة سريعة وخالية من الأمراض، وتُمكن من إنتاج أعداد كبيرة من النباتات او البصيلات المتطابقة وراثياً، كما أنها تقلل الاعتماد على الأبصال الطبيعية البطيئة التكاثر. وتسمح بالتحكم في العوامل البيئية والهرمونية لضمان أفضل نمو للأجزاء النباتية.
ما هي أفضل طريقة وجدتِها لتعقيم بصيلات السوسن؟ وهل هناك أسباب علمية تفسر تفوق تركيز معين من هيبوكلوريت الصوديوم؟
أفضل نتيجة تم الحصول عليها كانت باستخدام محلول هيبوكلوريت الصوديوم (NaOCl) بتركيز 2% لمدة 15 دقيقة، بعد الغسل المسبق ب Tween20 وماء جاري ثم الإيثانول 70%. يعود تفوق هذا التركيز إلى قدرته العالية على قتل الفطريات والبكتيريا دون أن يسبب سمية مفرطة للأنسجة النباتية.
كيف تمكنتِ من تقليل نسبة التلوث إلى أقل من 20٪؟ وما هي أكثر الملوثات شيوعاً التي واجهتِها؟
تم خفض نسبة التلوث عبر:
-استخدام بروتوكول تعقيم دقيق يتضمن الغسل بالماء وTween20ثم الإيثانول ثم NaOCI.
-استخدام الوسط الغذائي المعقم بدقة.
-العمل داخل كابينة معقمة.
أكثر الملوثات شيوعاً كانت الفطريات والبكتيريا المرتبطة بالتربة أو القشرة الخارجية للبصيلات.
ما هو أفضل جزء نباتي استجاب للتكاثر في تجاربكِ؟ ولماذا تعتقدين أنه كان الأكثر كفاءة؟
أفضل استجابة للتكاثر الخضري والكالس كانت من الساق القرصية للبصيلة، حيث أظهرت معدلات عالية جداً في إنتاج البراعم والكالس. يُعزى ذلك لاحتوائها على خلايا مرستيمية ذات قدرة انقسامية عالية.
كيف تفسرين أن بعض تراكيز منظمات النمو أعطت نتائج عالية في عدد البراعم، بينما تفوقت تراكيز أخرى في طول الأفرع؟
السبب العلمي يعود لاختلاف استجابة الأنسجة النباتية لنسب الهرمونات. مثلًا، وجد أن BA بتركيز 2 ملغم/لتر أعطى أعلى عدد من الأفرع الخضرية، بينما تفوق تركيز 1.5 ملغم/لتر BA في زيادة طول الأفرع، مما يشير إلى أن زيادة تركيز BA يحفز الانقسام الخلوي، بينما التركيز الأقل نسبيًا يعزز الاستطالة.
كيف تمكّنتِ من الحصول على كالس بنسبة عالية تصل إلى ٩٦٪؟ وهل يمكن استخدامه لإنتاج نباتات كاملة؟
تم الحصول على نسبة استحثاث كالس بلغت 96.6% عند استخدام BA بتركيز 0.75 ملغم/لتر مع
2,4-D بتركيز 0.25 ملغم/لتر. يُمكن استخدام هذا الكالس في إنتاج نباتات كاملة سواء عبر تجذيره المباشر أو من خلال الأجنة الجسمانية التي نشأت منه.
يعتبر الحصول على أجنة جسمانية تحديًا كبيرًا، فما هي العوامل التي ساعدتِ على تحقيق نسبة نجاح عالية جداً؟
أعلى نسبة نجاح (99%) تم تحقيقها باستخدام توليفة BA 1 ملغم/لتر +12,4-D ملغم/لتر + NAA 2 ملغم/لتر. ويعود النجاح إلى التوازن المثالي بين الأوكسينات والسيتوكينينات الذي يحفز تكوين الأجنة الجسمانية من الكالس غير المتمايز.
ما هي أفضل تركيبة من الهرمونات ساعدت في تجذير النبتات؟ وهل هناك فرق بين تأثير NAA و IBA؟
أفضل تجذير حصل عند استخدام NAA بتركيز 0.7 ملغم/لتر مع IBA بتركيز 1.5 ملغم/لتر، حيث أعطت هذه التركيبة 7.4 جذور لكل جزء نباتي وطول جذور 6.6 سم. ويُلاحظ أن IBA كان فعالًا جدًا في تعزيز عدد الجذور، بينما NAA ساعد في تعزيز الطول وجودة الجذر.
كيف تمت عملية نقل النباتات من المختبر إلى التربة؟ وما هي نسبة النجاح في الأقلمة؟
تمت الأقلمة باستخدام وسط مكوَّن من البيتموس والبيرلايت بنسبة (1:1)، وحققت أعلى نسبة بقاء للنباتات بلغت 80%. تم التأكد من التدرج في التهوية وتقليل الرطوبة تدريجيًا، ما ساعد في نجاح التأقلم وانتاج بصيلات من هذه المرحلة .
كيف يمكن تطبيق هذه النتائج على نطاق تجاري لزيادة إنتاج السوسن؟
نتائج البحث وفرت بروتوكولًا موحدًا وفعالًا لإكثار نبات السوسن باستخدام زراعة الأنسجة، مما يمكّن من إنتاج أعداد كبيرة من البصيلات في وقت قصير وخالية من الأمراض. يمكن اعتماد هذا البروتوكول في المشاتل التجارية، مع توظيف مزارع نسيجية لتوفير الشتلات للمزارعين والمصدرين، خاصة للأصناف ذات القيمة الاقتصادية العالية.
هل يمكن استخدام نفس البروتوكول لأنواع أخرى من الأبصال المزهرة؟
نعم، يمكن تعديل هذا البروتوكول لاستخدامه مع أنواع أخرى من الأبصال الزهرية مثل Lilium وHyacinthus، مع مراعاة الفروق الفسيولوجية لكل نوع، خصوصًا في اختيار الجزء النباتي ومنظمات النمو. البروتوكول يعتمد على مبادئ عامة لزراعة الأبصال ويمكن تكييفه بسهولة مع أنواع أخرى.
ما هي التحديات التي قد تواجه المزارعين إذا أرادوا تطبيق هذه الطريقة؟
-الحاجة إلى بنية تحتية معملية معقمة.
-ضرورة وجود كوادر مدربة على تقنيات زراعة الأنسجة.
-التكلفة الأولية المرتفعة.
الوقت اللازم للتجارب الأولية وتكييف الظروف لكل صنف. لكن على المدى البعيد، تُعد الطريقة اقتصادية بسبب تقليل الخسائر الناتجة عن الأمراض وسرعة الإكثار.
ما هي أكثر خطوة واجهتِ فيها صعوبة في البحث؟ وكيف تغلبتِ عليها؟
أصعب مرحلة كانت خفض التلوث الجرثومي في البصيلات، نظرًا لطبيعة البصيلة التي تحتوي على أنسجة داخلية معقدة يسهل أن تكون مأوى للملوثات. تم التغلب على ذلك بتجربة عدة بروتوكولات تعقيم، إلى أن تم التوصل إلى أفضل تركيبة ( 2% NaOCI لــ 15 دقائق) والتي خفّضت التلوث إلى أقل من 20%.
ما الذي تعتبرينه أهم إنجاز في هذه الرسالة؟ ولماذا؟
أهم إنجاز هو تحقيق نسبة استحثاث كالس بلغت 96.6% ونسبة أجنة جسمانية وصلت إلى 99%، مما يدل على كفاءة النظام الهرموني المستخدم في توليد أنسجة غير متمايزة يمكن من خلالها إنتاج نباتات كاملة، وهو إنجاز علمي مهم وتحدي كبير على مستوى نباتات الأبصال الزهرية.
إذا كان لديكِ وقت وإمكانيات إضافية، ما هي التجارب التي ترغبين في إضافتها؟
كنت أرغب بإجراء:
-تحليل وراثي للنباتات الناتجة باستخدام مؤشرات جزيئية )مثل RAPD أو (ISSR للتأكد من التجانس الوراثي.
-تقييم إنتاج الزهور للنباتات الناتجة بعد زراعتها في الحقل.
-مقارنة اقتصادية بين زراعة الأنسجة والإكثار التقليدي من حيث الكلفة والوقت.
ختاما آمل أن تُسهم نتائج هذا البحث في تطوير إنتاج نباتات الزينة محليًا وتعزيز استخدامها في مشاريع الزراعة الحديثة.
في ختام هذا الحوار، نعبّر عن تقديرنا الكبير للباحثة آية عامر موسى العامري على هذا الجهد العلمي المتميز، الذي يُعد خطوة مهمة في توظيف تقنيات زراعة الأنسجة لحل مشكلات الإكثار التقليدي لنباتات الزينة، ولا سيما نبات السوسن. لقد برهنت نتائج الدراسة على إمكانية تطوير بروتوكول فعال لإنتاج بصيلات سليمة، متجانسة، وخالية من الأمراض، ما يُمهد لتطبيقات واسعة في القطاعين الزراعي والتجاري.
إن هذا النوع من الأبحاث التطبيقية لا يسهم فقط في إثراء المعرفة الأكاديمية، بل يفتح آفاقًا جديدة أمام المشتغلين في إنتاج نباتات الزينة، ويعزز من فرص الاعتماد على التقنيات الحيوية في تحقيق الأمن النباتي والمحافظة على التنوع الوراثي.
نتمنى للباحثة مزيدًا من النجاح في مسيرتها العلمية، ونتطلع إلى رؤية تطبيقات هذا البحث واقعًا ملموسًا في المشاتل ومراكز الإكثار النسيجي، خدمةً للزراعة الحديثة ورفدًا للقطاع الزراعي المحلي والدولي.