الأغلبية الصامتة العربية لابد أن تجهر بالكلام
بروجيكت سنديكيت
2016-07-20 07:11
اسحق ديوان
الجزائر ــ منذ بدأ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي العمل على إعداد تقارير التنمية البشرية العربية في عام 2001، تدهور الوضع في العديد من الدول العربية من سيئ إلى أسوأ. والواقع أن المنطقة اليوم أصبحت عاجزة حتى عن الاجتماع على نشر تقرير جديد. وهو أمر مؤسف، لأن إيجاد رؤية مشتركة جديدة للشعب العربي، وخاصة الشباب العربي، شرط أساسي لتحقيق السلام والازدهار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
حَدَّد تقرير التنمية البشرية العربية الأول الذي نُشِر عام 2002 ثلاثة "نقائص كبرى تعيب التنمية" وتحول دون تقدم المنطقة: المعرفة، وتمكين المرأة، والحرية. وقد خلف التقرير الذي وُصِف بأنه "كُتِب بواسطة عرب من أجل العرب"، تأثيرا واضحا على السرد الخاص بالتنمية في المنطقة والطريقة التي كانت تتحدث بها النخب عن المشاكل التي تواجه مجتمعاتها.
في وقت صدور أول تقارير التنمية البشرية العربية، كان العالم العربي لديه أسباب للتفاؤل. فبعد انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000، انسحبت من الضفة الغربية عام 2005. ووصل إلى السلطة قادة عرب جُدد ــ مثل عبد الله الثاني في الأردن، ومحمد السادس في المغرب، وبشار الأسد في سوريا ــ فتولَّد الأمل في التغيير. وأعلنت المملكة العربية السعودية عن أول انتخابات بلدية في عام 2003 ثم عقدتها بالفعل في عام 2005. كما عقدت مِصر والعراق انتخابات ديمقراطية (في الأغلب) في عام 2005. وكانت محاولة الجزائر لإخماد الحرب الأهلية الطويلة ناجحة إلى حد كبير، ويرجع الفضل في هذا جزئيا إلى ارتفاع أسعار النفط طيلة تلك الفترة.
بعد الربيع العربي، الذي بدأ في ديسمبر/كانون الأول 2010 واكتسب المزيد من الزخم طوال عام 2011، بدأ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إعداد تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2015، والذي رَكَّز بشكل خاص على محنة الشباب العربي. وكنت عضوا في الفريق الذي أعد تقرير التنمية البشرية العربية 2015، جنبا إلى جنب مع نحو ثلاثين من المثقفين والناشطين من العالم العربي. وقد اشترك تقرير 2015 مع سلفه الأول لعام 2002 في مواضيع مشابهة، ولكننا هذه المرة انخرطنا بشكل أكثر مباشرة مع شباب عربي فعّال في تجميع أفضل البيانات الممكنة، وتسليط الضوء على الآثار المترتبة على الحروب التي تجتاح المنطقة.
في مايو/أيار من عام 2015 انتهينا من وضع تقرير 2015. ولكنه ظل راقدا في أحد أدراج المكتب العربي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في نيويورك منذ ذلك الوقت، وربما يرجع هذا في الأغلب إلى الحكم القاسي الذي أصدره التقرير على النخبة الحاكمة العربية.
ومن بين نتائج التقرير التي أستطيع أن أتناولها بشكل مباشر ظهور "أغلبية صامتة" في العالم العربي تتمتع بعقلية أكثر تحررا، وخاصة بين الشباب. ويكشف هذا الاتجاه الواعد عن نفسه في المقارنات بين الأجيال في ما يتصل باستطلاعات الرأي العالمية. فقد أصبح الشباب العربي أكثر قدرة من أي وقت مضى على الوصول إلى المعلومات من العالم الخارجي، وهم يعتنقون قيما يشاركهم فيها شباب آخرون في مختلف أنحاء العالم، وليس القيم التي تعود إلى جيل آبائهم. وبشكل خاص، يتوق الشباب العربي إلى تعظيم مشاركتهم في المجتمع المدني، والتحرر من التسلسل الهرمي الأبوي، والحصول على حيز أكبر للإبداع الفردي. وفي حين أن التعليم لم يحررهم بقدر ما فعل في بقية العالم، نظرا للمناهج المحافظة، فقد تحرر الشباب رغما عن ذلك.
في ضوء هذه النتائج، ينصح تقرير 2015 المجموعات التقدمية الوطنية والإقليمية والدولية بدعم قوى التحرر، التي تحمل المفتاح لإيجاد الحلول المحلية للتحديات المتمثلة في ضمان الحكم الرشيد، والاقتصادات الأكثر إنتاجية، والمجتمعات الأكثر مرونة وصمودا. يتمثل السبيل الوحيد لإحداث تغيير واسع النطاق في العالم العربي في إطلاق العنان للابتكار والإبداع ــ ويتطلب هذا وجود مجتمع مدني غير مقيد. ولابد من ترسيخ الحقوق المدنية الأساسية، بدعم من تغيرات عميقة في نظام التعليم، وإصلاح قانون الأسرة، وإتاحة حيز أكثر انفتاحا لوسائل الإعلام والثقافة.
الواقع أن تقرير 2015، الذي آمل أن يُنشَر قريبا، ينبغي أن يشجع الحوار الإقليمي المتعقل البنّاء. وهو يبدأ بهذا التحذير: "لقد أصبح شباب المنطقة أكثر تحررا من هياكل السلطة السياسية المتصلبة التي تهمشهم. وما لم تنتبه الحكومات إلى هذه الحقيقة الصارخة، فسوف تضطر إلى التعامل مع ما هو أكبر كثيرا من مجرد قِلة من المتطرفين".
إن الأغلبية الصامتة الجديدة هي أفضل دفاع ضد التيارات السرية الراديكالية والانتحارية التي شغلت الفراغ السياسي الذي خلقه انهيار النظام القديم. ويتعين على العرب من أصحاب العقلية الإصلاحية أن يستهدفوا توسيع المركز، بدلا من محاولة تجميع الأطراف. ويتعين على الأغلبية الصامتة أن تخرج عن صمتها. وإلا فإن الثورات ضد الوضع الراهن سوف تستمر بقيادة المتطرفين، الذين لا تحركهم سوى المظالم، وليس الطموحات والتطلعات.
كانت أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تحمل الوعد للعالم العربي، وبوسعنا الآن أن نرى الوعد يتجدد في شباب اليوم. ولابد من تشجيع الإصلاحيين في المجتمع المدني العربي على التعبير عن أنفسهم بصوت مسموع، أو نجازف بإهدار هذا الوعد لجيل آخر.