نضال الأغلبية العالمية من أجل العدالة الاقتصادية

بروجيكت سنديكيت

2025-10-25 04:14

بقلم: سيكوتلين فامودي

جوهانسبرج ــ يشهد العالم الآن سلسلة من الصدوع السياسية، والبيئية، والاجتماعية، والاقتصادية. فقد تسببت مستويات مذهلة من تركز الثروة وفجوات التفاوت في تآكل مكاسب التنمية، وتسارع التفتت الاجتماعي، وتأجج الاضطرابات المدنية. وفقا لتقرير مؤشرات تغير المناخ العالمي، نحن على بُـعد ثلاث سنوات فقط من تجاوز حد الانحباس الحراري الكوكبي الذي حددته اتفاقية باريس للمناخ عام 2015 بدرجة ونصف الدرجة المئوية، وهذا كفيل بزيادة خطر حدوث تغيرات لا رجعة فيها في ظروف الكوكب.

تتلاقى هذه الأزمات المتتالية في الاقتصاد العالمي. فقد تسبب نقص تمويل العمل المناخي من جانب البلدان الغنية في دفع بعض البلدان النامية إلى مضاعفة اعتمادها على الوقود الأحفوري. علاوة على ذلك، يحبس نظام الديون غير العادل البلدان المنخفضة الدخل في دائرة دائمة من الـعُـسر: ذلك أن خدمة القروض القصيرة الأجل المقومة بالدولار بأسعار فائدة مرتفعة تمنعها من تحقيق أهداف التنمية. والبلدان الغنية غير راغبة أيضا في التعاون على وقف التدفقات المالية غير المشروعة وفرض الضرائب على أصحاب المليارات والشركات المتعددة الجنسيات، وهذا يقوض بدرجة أكبر قدرة البلدان المنخفضة الدخل على زيادة الإيرادات.

يرتبط انعدام الاستقرار الاقتصادي هذا على نحو لا ينفصم بالانحدار الديمقراطي العالمي. فعندما تتركز الثروة في أيدي قِـلة، يتبع ذلك حالة من السخط السياسي بكل تأكيد، كما يتضح من صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في الديمقراطيات الغربية.

يشكل تعزيز الديمقراطية ضرورة أساسية للتصدي لهذه الأزمات. على المستوى الوطني، يجب أن يكون المواطنون في قلب عملية صنع القرار عندما يتعلق الأمر بسياسات التنمية ونتائجها. وعلى المستوى الدولي، يجب إضفاء الطابع الديمقراطي على المؤسسات والعمليات المتعددة الأطراف ــ بما في ذلك مجموعة العشرين، ومؤتمرات الأمم المتحدة لتغير المناخ، ومؤسسات بريتون وودز ــ لاستعادة المصداقية والشرعية. حتى الآن، كانت هذه المؤسسات بطيئة للغاية في معالجة أوجه القصور التي تعيبها، ومُـفرِطة في التركيز على مصالح العالم المتقدم.

والأمثلة على الكيفية التي أعادت بها التعددية إنتاج فجوات التفاوت وفيرة. تقدم البلدان المتقدمة تمويل العمل المناخي في هيئة ضمانات للقروض التجارية، الأمر الذي يزيد من أعباء الديون بدلا من بناء المرونة والقدرة على الصمود. ومرة تلو الأخرى في أفريقيا، تعمل وكالات التصنيف الائتماني وشروط الإقراض التي يفرضها صندوق النقد الدولي على منع الحكومات من الاستثمار في النمو والتنمية الشاملين. ويتمثل الإجماع العالمي في السعي إلى التحول الأخضر بقيادة القطاع الخاص، وإن كان هذا النهج يتسبب في تفاقم المخاطر التي يواجهها أولئك الذين ساهموا بأقل قدر في الانحباس الحراري ولكنهم الأكثر عُرضة للتأثيرات المترتبة عليه.

الواقع أن القرارات والإجراءات التي اتخذت لصالح رأس المال العالمي تسببت في توسيع صفوف ما يسمى "فائض الناس". وتشمل هذه الفئات السكانية على الهامش العمال الذين أصبحوا زائدين عن الحاجة بسبب التحولات التقنية الاجتماعية المتعددة والمتقاربة، والمجتمعات التي نزحت بسبب إغلاق المناجم والصدمات المناخية، والأسر التي دفعتها أسعار الغذاء والطاقة المرتفعة إلى براثن الفقر.

ما العمل إذن؟ للإجابة على هذا السؤال، ستلتقي مجموعات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية من مختلف أنحاء الجنوب العالمي مع حلفائنا في الشمال العالمي في قمة الشعوب من أجل العدالة الاقتصادية العالمية على هامش قمة قادة مجموعة العشرين القادمة في جوهانسبرج. وبما يتماشى مع موضوع الاجتماع ــ "نحن، الـ 99%" ــ سيعمل الحاضرون معا لرسم بدائل بنيوية لـ "مجتمعات العداوة" التي أنتجتها الرأسمالية. ويتلخص الهدف في تطوير برنامج عمل ضارب بجذوره محليا، لكنه مترابط عالميا، لتحقيق العدالة الاقتصادية.

بين أهم الحلول المقترحة الـمُـنـتَـظَر تداولها في قمة الشعوب فرض ضريبة ثروة على الشركات والأفراد من أصحاب الثراء الفاحش تحت رعاية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتعاون الضريبي الدولي. مثل هذه الضريبة ممكنة من الناحية التقنية وضرورية من الناحية السياسية لمعالجة مجموعة مترابطة من الأزمات المالية، وأزمات الديون السيادية، والأزمات الاجتماعية والسياسية التي تزعزع استقرار الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء.

يتمثل حل مهم آخر في توسيع نطاق توافر تمويل العمل المناخي العام، والقدرة على الوصول إليه وتحمل تكاليفه، على النحو المنصوص عليه في اتفاقية باريس. ولأن الاقتصادات المتقدمة تعتمد على البلدان النامية في الحصول على السلع الأساسية التي تغذي نموها الصناعي، فيجب أن يتدفق الدعم المالي والتكنولوجي في الاتجاه المعاكس لضمان تحقيق مكاسب التنمية والتعويض عن الخسائر والأضرار المتكاثرة الناجمة عن أزمة المناخ المتصاعدة.

وبما أن رئاسة جنوب أفريقيا لمجموعة العشرين تركز على التضامن، والمساواة، والاستدامة، فإننا نتعامل مع هذه البدائل البنيوية كمشروع أخلاقي للإصلاح يعكس ضعفنا المشترك وينظر إلى الأرض باعتبارها بيتنا المشترك. للتخفيف من الظلم الاقتصادي والمخاطر التي يفرضها على ديمقراطياتنا، يتعين علينا أن ننسق أصواتنا، ومواردنا، وشبكاتنا لإنشاء برنامج سياسي متماسك يحترم حدود الكوكب ويبني السلطة من الأسفل.

لكن هذا البرنامج السياسي والحركات التي ستحمله إلى الأمام من غير الممكن أن تنشأ من تلقاء ذاتها. بل يجب أن تحظى بالرعاية والتنمية وأن تكون جيدة التنسيق ومزودة بالموارد. ويتعين على الحركات المدنية والاجتماعية أن تتجاوز البنية التي عفا عليها الزمن من عصر المنظمات غير الحكومية وأن تبدأ في بناء سقالات من أجل الصمود. وهذا يعني الاستثمار في المشاريع التي تعزز تطلعات الناس لتحقيق النمو والتنمية العادلة الشاملة للجميع.

* سيكوتلين فامودي، مدير مركز الاقتصاد الجديد التابع لمؤسسة المناخ الأفريقية في جنوب أفريقيا.

https://www.project-syndicate.org/

ذات صلة

كيف تغير نفسك نحو الأفضل.. وكيف تسيطر على اعصابك؟الانتخابات القادمة وجدل المشاركة والمقاطعةأدباء البلاط ظاهرة متجددة واستثناءات فريدةألا تعد الأموال المتحصلة بالكسب غير المشروع سوء سلوك؟هشاشة السلام العالمي وارتباطه بالرفاهية النفسية والصحة العاطفية