التنمية الإدارية
آية الله السيد مرتضى الشيرازي
2024-05-12 05:26
إنّ من أهم أسس التنمية الاقتصادية والبشرية والمستدامة والشاملة: التنمية الإدارية، وللتنمية الإدارية أبعاد وجوانب، أهمها التحديد الدقيق والشامل لوظائف المدير والإدارة، إذ أن نجاح أي مشروع اجتماعي أو اقتصادي أو غيره مرتهن بدرجة كبيرة بالتخطيط الإداري السليم والمتكامل.
وظائف الإدارة ومهام المدير في عهد الإمام علي
والتحقيق العلمي وفقه الحديث يكشفان لنا بوضوح: أن وظائف الإدارة ومهام المدير حسب أحدث ما توصل إليه علماء الإدارة في القرن الأخير، قد تجلّت بأدق الصور في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر واليه على مصر، تارةً بشكل صريح، وأخرى بشكل ضمني، بمعنى أننا نشهد أوامره وتوجيهاته تشكل تجسيداً واضحاً ودقيقاً لتلك المهام والوظائف الإدارية، أو فقل: إنها مبنية عليها ومنطلقه منها.
وهذا العهد وإن كان يمثّل دستوراً موجهاً من الإمام (عليه السلام) إلى الحاكم الأعلى لمصر، ولكن مبادءه وأسسه وقواعده وتوجيهاته تصلح دليلاً مرشداً لكافة المسؤولين والمدراء في مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية(1)، وسيكون من الحيوي والنافع أكبر المنفعة لصانعي السياسات المالية والنقدية، ولكل مستثمر أو مالك مصنع أو معمل، أو مدير شركة أو مؤسسة مالية أو مُنتِجٍ، في أي مستوى كان، أن يستلهم من هذا العهد قواعد النجاح في كافة مراحل مسيرته الاقتصادية، وسيجد مدى تأثير ذلك وفاعليته في النمو وزيادة الإنتاج من الناحية الكمية، وفي تحسين جودته من الناحية الكيفية وزيادة الإنتاجية Productivity.
وعلى مستوى الاقتصاد الكلي، فإن عهد الإمام (عليه السلام) لو تحول إلى منهج عام يحكم الحياة الاقتصادية للأنام، فإن الكل سيشهد زيادة مطردة في نمو الناتج المحلي الإجمالي (GDP) وزيادة الإنتاجية (Productivity) وسيرى تحقق التنمية المستدامة long term development والرفاه، وسيكون من السهولة بمكان بعد ذلك، التحكم إلى حد كبير في الدورات الاقتصادية Business cycles.
ومقوّمات الإدارة الرشيدة على مستوى الاقتصاد الجزئي والكلي والتنمية الشاملة سبعة، وهي: التخطيط، والتنظيم، والتوظيف، والتوجيه، والرقابة، وتحمل المخاطرة، وإدارة الميزانية:
أولاً: التخطيط
إن أهم ركن من أركان التخطيط هو (تحديد الأهداف)، وفي مطلع عهده (عليه السلام) لمالك الأشتر، يقوم الإمام (عليه السلام) بتحديد الأهداف العليا والأهداف الوسطى، إضافةً إلى تحديده في نصوصه الأخرى الاستراتيجيات والسبل الموصلة إليها وغير ذلك من أركان التخطيط السليم ومقوماته كما سيأتي، إذ يقول: (هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ، فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ: جِبَايَةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلَادِهَا)(2).
الأهداف الوسطى للتنميـة
والأهداف الوسطى ـ المباشرة، حسب النص العلوي السابق هي:
أ ـ عمران البلاد، بالزراعة والعمارة والصناعة ونظائرها، والعمارة تعم إعمار البلد بالمدارس والمعاهد والمساجد والمكتبات والشركات والمصانع والمعامل وبالحدائق والجسور والسدود والطرق الواسعة وغير ذلك، لصدق (عِمَارَةَ بِلَادِهَا) على ذلك كله عرفاً، وبالحمل الشائع أيضاً، من غير انصراف إلاّ البدوي منه، وذلك هو المعادل الموضوعي للتنمية الاقتصادية.
ب ـ استصلاح الناس وإصلاح أمرهم سياسياً واقتصادياً وثقافياً وأخلاقياً وما إلى ذلك، وذلك هو المعادل للتنمية البشرية.
ج ـ حماية الوطن من العدو الغازي، وذلك مما يشكّل ركناً من أركان التنمية المستقلة والتنمية السياسية.
د ـ توفير التمويل، عبر الخراج، لهذه الأهداف الثلاثة، ولكن بطريقة عادلة مشفقة، وبما يعود نفعه إلى الناس مائة بالمائة، إذ يقول (عليه السلام): (وَتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ وَصَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ، وَلَا صَلَاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلَّا بِهِمْ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ).
ويقول (عليه السلام): (وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ)(3).
ويقول (عليه السلام): (وَلَا يَثْقُلَنَّ شَيْءٌ عَلَيْكَ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَئُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلَادِكَ، وَتَزْيِينِ وِلَايَتِكَ، مَعَ "اقتِنائِكَ مَوَدَّتَهُم و"(4) اسْتِجْلَابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ(5) وَتَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ "وَالخَيْرِ"(6) فِيهِمْ، "وما يُسَهِّلُ اللّهُ بِهِ مِن جَلبِهِم.
فَإِنَّ الخَراجَ لا يُستَخرَجُ بِالكَدِّ والإتعابِ؛ مَعَ أنَّها عُقَدٌ تَعتَمِدُ عَلَيها إن حَدَثَ حَدَثٌ كُنتَ عَلَيهِم"(7) مُعْتَمِداً لفَضْلَ قُوَّتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ، وَالثِّقَةِ مِنْهُمْ، بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ، فِي رِفْقِكَ بِهِمْ)(8).
الأهداف القصوى للتنميـة
ومن مدخل الأهداف المباشرة أو القريبة، ينطلق الإمام (عليه السلام) إلى تحديد الأهداف العليا المطلوب الوصول إليها عبر تلك الأهداف الوسطى الأربعة الآنفة، إذ يقول (عليه السلام): ("تَحَرَّ رِضا اللّهِ، وَتَجَنَّبْ سَخَطَهُ"، وَلَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ، وَلَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ "فَإِنَّهُ لا مَلجَأَ لَكَ مِنْهُ إلّا إلَيهِ").
(أَنْصِفِ اللَّهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ)
(وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا "لِطَاعةِ الرَّبِّ، و"لِرِضَى الرَّعِيَّةِ؛ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ)(9).
فالأهداف القصوى التي يجب على الحكام والمسؤولين أن لا يحيدوا عنها أبداً هي:
أ ـ رضا الله تعالى.
ب ـ رضا الناس.
وهذان هما الهدفان اللذان لا يمكن أن يتحققا إلاّ عبر سلوك:
أ ـ أوسط السبل في الحق.
ب ـ أعم الأمور في بسط العدل.
ج ـ إنصاف الله تعالى وإنصاف عامة الناس من النفس ومن خاصة الأهل ممّن يهواه الوالي / المدير من رعيته وأتباعه وموظفيه.
فبذلك كله تتوفر أسس التنمية المستدامة والشاملة.
وتلك بأجمعها تشكّل ذخيرة العمل الصالح الذي يجب أن يكون أحب الذخائر والأرصدة وأفضل الكنوز لدى الإنسان، إذ يقول (عليه السلام):
(فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، "بِالقَصدِ فيما تَجمَعُ وما تَرعى بِهِ رَعِيَّتَكَ").
والذخيرة هي ما تدّخره ليوم الحاجة، وأية ذخيرة أعظم من العمل الصالح في شؤون الرعية ومن الإحسان إليهم، كما ورد في شطر آخر من كلامه (عليه السلام).
والعمل الصالح ذخيرة للدنيا والآخرة جميعاً:
أما الآخرة فواضح.
وأما الدنيا فلأن الحاكم إذا لم يَحِد عن العمل الصالح في إدارة رعيته وعن الإحسان إليهم، أحبّوه وآزروه ونصروه، وبذلك يضمن أساساً من أهم أسس التنمية المستدامة، كما أنه يخلّف بذلك أفضل الذكر وأحسن الأثر على امتداد التاريخ.
من مقوِّمات التخطيط والعمل الصالح ومبادئه
وأما مقوِّمات العمل الصالح في شؤون الرعية ومبادئه التي يجب أن تتوفر في الحكام وصانعي السياسات، فإنها تتنوع بين ما يكون على مستوى التخطيط، وبين ما يكون على مستوى التنفيذ:
أ ـ القصد فيما تجمع وترعى
القصد، وذلك بحسب ظاهر (الباء) في كلامه (عليه السلام): (بِالقَصدِ فيما تَجمَعُ وما تَرعى بِهِ رَعِيَّتَكَ)(10).
والقصد يعني الاعتدال والتوسط والعدل والنزاهة(11)، (فالقصد) لابد أن يكون المبتدأ والمنتهى وفي جميع المراحل التي تقع بينهما.
والقصد في المبتدأ يعني أن يكون المنطلق للتخطيط والموجّه للمخطط والإطار العام لتفكيره هو القصد بمعانيه.
والقصد في المنتهى يعني أن تترجم القرارات عملياً على أرض الواقع إلى تجليات القصد الأربعة...
وأما فيما بينهما فيراد به على امتداد المسيرة التي تبدأ من أول الفكر وتنتهي بآخر العمل.
وهذه الجملة: (بِالقَصدِ فيما تَجمَعُ)، تشير إلى الضد من السياسة المالية التضييقية، فإن ذلك معنى الجمع في كلامه (عليه السلام)، والضد هو السياسة المالية التوسعية(12) tight - money policy، فذلك مفاد (القصد فيما تجمع)، وذلك بأن تفرض الحكومة خراجاً أقل وضرائب أقل.
كما تفيد بعض كلماته (عليه السلام) الأخرى أن تكون السياسة المالية توسعية في الإنفاق في الدفعات التحويلية وعلى المشاريع الاستثمارية(13).
وأما (بِالقَصدِ فيما... ما تَرعى بِهِ رَعِيَّتَكَ) فهي مشيرة للاعتدال والتوسط والعدل النزاهة في إدارة شؤون المملكة لتشكل الاستراتيجية العامة في السياسة الإدارية.
ب ـ الشح عما لا يحلّ
الشحّ والإمساك عن الظلم والعدوان واتباع الأهواء ووساوس الشيطان الذي أشار الإمام (عليه السلام) إليها بقوله: (وَشُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ)، ومن ذلك مصادرة أموال الناس وحقوقهم والمحاباة في الامتيازات والتراخيص والمناقصات، وبذلك نضمن سلامة التخطيط واستقامته.
وقد أشّر الإمام (عليه السلام) على الوجه الآخر الإيجابي المقابل للشح بقوله: (الْإِنْصَافُ مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ) والشح والإنصاف كسابقهما (أي: القصد) لابد أن يكون المنطلق والمبتدأ والمنتهى والمختتم، وفي ما يقع بينها من المراحل، فتدبر.
الوجه الآخر المظلم لصنّاع السياسات
ثم إنه (عليه السلام) رَسَم لنا الوجه الآخر المظلم للحكام، وصنّاع السياسات الذي يجسد أظهر تجليات الشحّ وأعلى درجات عدم الإنصاف، والذي يمنحنا مقياساً واضحاً يستدل به كل أحد على هوية الحاكم وماهيته وشاكلته وحقيقته ومدى اقترابه من تلك الأهداف الآنفة وعدمه، فقال:
(وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ)
فالمقياس هو: أن لا يكون ممن يتحين الفرص للاستحواذ على المغانم ومشاركة الناس في الغنائم!.
ولاغتنام الحاكم أُكُل الناس، تجلياتٌ ومظاهر اقتصادية وقانونية محددة، خفية تارة، وواضحة تارة أخرى:
فمنها: زيادة العرض النقدي عبر طبع العُملة بحجم يفوق حجم غطائها، حيث إن ذلك يخفض من قيمتها، فهو نوع من أنواع السرقة المقنعة من أموال الناس.
ومنها: إلزام المزارعين أو غيرهم بخفض الأسعار على الضد من قاعدة العرض والطلب(14).
ج- الانطلاق من منطلقات الرحمة والمحبة واللطف
والعلّة المعدّة لذلك كله والتي تشكّل أولى الضمانات التي تتكفل بالتخطيط السليم وبحركة المسؤولين الصادقة نحو تلك الأهداف، حددها (عليه السلام) بقوله:
(وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ).
وذلك لأن قلب الحاكم إذا امتلأ بالرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، لم يحِد عن إنصاف الناس، ولم يؤثر شيئاً على عمارة الأرض وطلب الصلاح والإصلاح لهم وإحقاق الحق، والعمل الصالح الذي يجسد ذلك كله! وذلك لأنه إذا تبرعمت الرحمة والمحبة واللطف في شخص، الأمّ مثلاً، كان قمةً في الإنسانية، وإذا تجذّرت في المدير والحاكم كان أفضل المدراء والحكام.
كما أنه (عليه السلام) قام بتسليط الأضواء على بعض صفات المحكومين كتمهيد لتحديد نوعية التعامل معهم والذي يصب في طريق تحقيق الأهداف العليا والوسطى الآنفة: (الإنصاف، العدالة، رضا الناس... إلخ)، فقال: (يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، وَيُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ) فهذه هي مواصفات الإنسان بحسب طبعه: الخطأ والزلل والعلل، فإذا كانت حالتهم كذلك فإن موقفك يجب أن يكون: (فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَوَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ؛ وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَابْتَلَاكَ بِهِمْ)(15).
ومن هنا، فإن علينا في مرحلة انتخاب الحكام والمسؤولين أن نفتش عن شاكلتهم النفسية(16)، وعما انعقدت عليه ضمائرهم وانطوت عليه قلوبهم؛ وما ترسّخ فيها وتجذّر وما بَطَنَ منها وظهر.
د- الانطلاق من قاعدة الحقوق المتكافئة
ولم يكتف الإمام (عليه السلام) بذلك كله حتى حدد المنطلق الحقوقي العام الذي لابد أن يحكم العلاقة بين الحاكم الأعلى والناس، والقاعدة التي تنطلق منها كافة القواعد والمقررات الأخرى، وهي: (فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ)، فليست للحاكم مزية على الناس، ولا له حق مضاعف أو زائد، وبذلك يكون (عليه السلام) قد حدّد الموقع الحقوقي ـ القانوني للحكام والمدراء والمسؤولين بالضبط(17).
هـ - الاستشارات المكثفة
ولكنّ عملية التخطيط حيث كانت هي الموجّه العام لمسار الحكم والعمل كله، لذلك كان لابد من الاستشارة المكثفة من أهل الخبرة وذوي الاختصاص وهم العلماء والحكماء، ولذلك قال (عليه السلام):
(وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ، وَمُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ، فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلَادِكَ، وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ(18)؛ "فَإِنَّ ذلِكَ يُحِقُّ الحَقَّ ويَدفَعُ الباطِلَ، ويُكتَفى بِهِ دَليلاً ومِثالاً")(19).
مواصفات المستشارين
ولم يكتف (عليه السلام) بذلك حتى حدّد (عليه السلام) بشكل أكثر تفصيلاً مواصفات الجهات الاستشارية التي يجب أن يشركها المدير في عملية التخطيط، إذ قال:
(وَ لَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلًا يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ، وَيَعِدُكَ الْفَقْرَ.
وَلَا "تُشرِكَنَّ في رَأيِكَ" جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الْأُمُورِ.
وَلَا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ.
فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ ـ تعَالى ـ "كُمُونُهَا فِي الأَشْرَارِ")(20).
والبخيل يدفع باتجاه سياسة مالية تضييقية، بخفض الإنفاق العام، وبذلك وغيره فإنه (يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ، وَيَعِدُكَ الْفَقْرَ).
كما أن البخيل، إذا كان حاكم البنك المركزي مثلاً، لا تجده يوصي بسياسة نقدية توسعية حتى إذا كانت تثمر تنشيط الاقتصاد وخفض نسبة البطالة، ورغم أن الأموال ليست ملكاً له إلاّ أنه يضنّ بها عن الإنفاق، كونها تحت سلطنته، والإنسان كثيراً ما يبخل بما هو مسلط عليه كما يبخل بما هو مملوك له، فهو كمن وصفهم الله تعالى بقوله: (الَّذِينَ يَبخَلُونَ وَيَأمُرُونَ النَّاسَ بِالبُخلِ)(21).
والجبان يثبّط الحاكم عن مواجهة سراق المال العام وجماعات الضغط غير المنصفة والكارتلات والكوربوقراطيات.
والحريص يدفع باتجاه تكديس الأموال وزيادة الضرائب، التي تشكل الركن الآخر للسياسة التضييقية وحتى مصادرة أموال الناس، بعنوانٍ وآخر.
أخيراً: فإن الاستشارة مع أهل الخبرة والعقل والحِجى لا تتحدد بالمقوّم الأول من مقوّمات الإدارة الرشيدة، بل تتمدّد لتشمل كافة المراحل السبعة: (التخطيط، التنظيم، التوظيف، التوجيه، الرقابة، تحمل المخاطرة، وإدارة الميزانية) لكنّ مرحلة التخطيط حيث كانت بمنزلة العقل الموجه للمسيرة كلها، لذلك كانت الحاجة فيها للمجلس الاستشاري أشد ضرورة وأكبر.
{img_1}
ثانياً: التنظيم
وفي مرحلة عملية التنظيم يقوم (عليه السلام) بتحديد الهيكل العام للدولة، لا للحكومة فقط، ثم بتوزيع الأدوار وتقسيم الأعمال والمهام والسلطات على مستوى الشعب والحكومة، فيقول الإمام علي (عليه السلام): (وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ، لَا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ، وَلَا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ.
فَمِنْهَا: جُنُودُ اللَّهِ.
وَمِنْهَا: كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، "وَكُتَّابُ الدَّوَاوين".
وَمِنْهَا: قُضَاةُ الْعَدْلِ.
وَمِنْهَا: عُمَّالُ الْإِنْصَافِ وَالرِّفْقِ.
وَمِنْهَا: أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ.
وَمِنْهَا: التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ.
وَمِنْهَا: الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ،
وَكُلٌّ قَدْ سَمَّى اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ، وَوَضَعَ عَلَى حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ، أَوْ سُنَّةِ [مِنْ] نَبِيِّهِ (صلى الله عليه وآله) عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً).
و(سَهْمَهُ) هو حقوقه وامتيازاته،
و(حدّه) هو حدوده التي ينتهي إليها ويتوقف عندها، ومنها سلطاته ومسؤولياته التي تتنوع إلى الفرائض والسنن.
تحديد المواقع والمسؤوليات والحقوق
وعن موقع كل طبقة من هذه الطبقات وأدوارها أو مهامها المتوخّاة منها، وعن العلاقة التي يجب أن تربط بعضها بالآخر وما هو (قوام) كل منها، يقول الإمام (عليه السلام) مبتدئاً بالجنود:
(فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللَّهِ حُصُونُ الرَّعِيَّةِ، وَزَيْنُ الْوُلَاةِ، وَعِزُّ الدِّينِ، وَسُبُلُ الْأَمْنِ "وَالخَفْضِ"؛ وَلَيْسَ يقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِهِمْ).
وهذه ليس مجرد عملية استعراض للصفات، بل إنها تعود في جوهرها إلى تحديد الوظائف والمسؤوليات والمهام، فالجنود هم أولئك الذين يقومون بمهمة الحصن والحماية للرعية، وهم الزينة للولاة عبر إقرار العدل، وكما تقع عليهم مسؤولية إعزاز الدين في مقابل الطغاة والظلمة والجائرين، كذلك مسؤولية توفير الأمن في المدن والطرق والأطراف والأكناف.
ولئن لم تكن تلك الصفات إخباراً في مقام الإنشاء فإنها من الإخبار المبتني على الإنشاء والكاشف عنه أو المستلزم له، وخروج (زَيْنُ الْوُلَاةِ) عن دائرة الأمر الاختياري أو عن دائرة الوجوب لخصوصيةٍ في مادته، لا يستدعي خروج سائر أشباه الجمل. بل إنّ (زَيْنُ الْوُلَاةِ) داخل كما ظهر مما سبق، إذ أرجعناه إلى أمر اختياري هو (إقرار العدل)(22).
وعن حقوق كل طبقة من الطبقات السابقة، والتي يمكن أن ندرجها في دائرة التوظيف، يقول (عليه السلام) مبتدئاً بالجنود أيضاً: (ثُمَّ لَا قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلَّا بِمَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ، الَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ، وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ، وَيَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ).
والإطار العام الذي يضعه هنا لحدود حقوقهم هو (مَا يُصْلِحُهُمْ)، و(وَيَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ)، والحاجة تشمل التغذية السليمة، والمسكن والمركب، والملبس، والرعاية الصحية، والتعليم ورعاية الأسرة، وشبه ذلك، و(ما يصلحه) ترمز إلى ما يقارب ما يسمى الآن بمقومات دولة الرفاهية، هذا، إن لم نقل بأن العطف تفسيري؛ فإنه خلاف الظاهر.
(ثُمَّ لَا قِوَامَ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلَّا بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَالْكُتَّابِ؛ لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ، وَيَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ، "وَيُظْهِرُونَ مِنَ الإنْصَافِ"، وَيُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَعَوَامِّهَا).
وقد تمّ تحديد مسؤوليات هؤلاء (القضاة والعمال والكتاب) بكل دقة، وهي إحكام معاقد الأمور والحيلولة دون ألوان التسيب الإداري والوظيفي والمالي فكيف بالانفلات، وحفظ منافع البلاد والعباد، والسير فيهم بالإنصاف، مجانبين أنواع الأَثَرة والإلحاف، والمحافظة على الأمانة سواء على مستوى الشؤون العامة أم على مستوى الأحوال الشخصية.
(وَلَا قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلَّا بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ، فِيمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ، وَيُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ، وَيَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ، مَا لَا يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ).
الضمان الاجتماعي
(ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَمَعُونَتُهُمْ).
وهذا النص واضح الدلالة على أن ما يسمى الآن بالضمان الاجتماعي والدفعات التحويلية وشبهها هو حق لجميع طبقات الشعب المحرومة وكل المحتاجين، والرفد هو العطاء والصلة والعون، ومعونتهم تأكيد، أو الرفد للأموال والمعونة لغيرها من حاجاتهم(23).
(وَفِي "فَيْءِ" اللَّهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ؛ وَلِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ)(24)، (25).
الهيكل الإداري والتناسق
وعن الهيكل الإداري وتوزيع الوظائف والأدوار ومركزية القرار في الشؤون الاستراتيجية يقول (عليه السلام):
(واجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ، لَا يَقْهَرُه كَبِيرُهَا، ولَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْه كَثِيرُهَا)(26)،
وكونه رأساً لا ينافي وجوب الاستشارة عليه، بل وجوب الشورى عليه، فإن الشورى في التخطيط ومرحلة اتخاذ القرار وكونه رأساً في مرحلة التنفيذ كما فصّلناه في كتاب (شورى الفقهاء)(27).
وعن (التناسق بين الموارد المالية والبشرية) الذي يعد أهم دعامة للتنظيم وأهم هدف له، يقول (عليه السلام):
(وَتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ وَصَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ، وَلَا صَلَاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلَّا بِهِمْ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ.
وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ. وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلَادَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلَّا قَلِيلاً)(28).
فقد حدّد الإمام (عليه السلام) الأطراف الأربعة الأساسية التي يستهدف التنظيم التنسيق بينها والتوازن وهي: (صلاح الخراج، صلاح أهله، صلاح من سواهم وعمارة الأرض).
والأول والرابع يشيران إلى الموارد المالية والطبيعية، والأوسطان يشيران إلى الموارد البشرية.
تحديد الهدف
كما وحدّد (عليه السلام) الهدف من العملية التنظيمية بدقة، فأثبت هدفاً ونفى آخر: فالهدف المطلوب المحدد بدقة هو (عمارة الأرض) و(صلاح الأطراف الثلاثة)، والهدف المرفوض هو (استجلاب الخراج فيما إذا أضرّ بالعمارة) والذي يشمل حتى استجلاب الخراج بدون الإعمار الكافي والعمران الوافي، فهذا الهدف هو الضابط الذي يهندس للتناسق بين الموارد البشرية والمالية.
تحديد قنوات الاتصال والمرجعية
أ ـ كما وحدّد (عليه السلام) (قنوات الاتصال) بقوله:
("فَاجمَع إلَيكَ أهلَ الخَراجِ مِن كُلِّ بُلدانِكَ، ومُرهُم فَليُعلِموكَ حالَ بِلادِهِم، وما فيهِ صَلاحُهُم ورَخاءَ جِبايَتِهِم، ثُمَّ سَل عَمّا يَرفَعُ إلَيكَ أهلُ العِلمِ بِهِ مِن غَيرِهِم")(29)،
فهاتان قناتان للاتصال متوازيتان: (أهلَ الخَراجِ مِن كُلِّ بُلدانِكَ) و(عَمّا يَرفَعُ إلَيكَ أهلُ العِلمِ بِهِ)، وبذلك يضمن الوالي والحاكم والمدير، دقة المعلومات التي تتدفق إليه وشموليتها، كما يضمن عدم التلاعب بها أو التزوير المتوقع فيما إذا كانت جهة واحدة هي التي ترفع التقارير أو تتحكم في قنوات الاتصال.
ب ـ ثم حدّد (عليه السلام) له مرجعية عليا للاتصال، وفتح له خطاً مباشراً مع الحاكم الأعلى، فقال:
(وَارْدُدْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ، وَيَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ، ذَلِكَ خَيرٞ وَأَحسَنُ تَأوِيلًا)(30).
وَقَالَ ـ تَعَالَى ـ: (وَلَو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُۥ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلا)(31))(32).
ثالثاً: التوظيف
وعن اختيار الفرد المناسب للموقع المناسب وكيفية اختياره، يقول (عليه السلام): (ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً، وَلَا تُوَلِّهِمْ "أَمُورَكَ" مُحَابَاةً وَأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ "لله، وإدخالُ الضَّرَرِ عَلَى النّاسِ، ولَيسَت تَصلُحُ الاُمورُ بِالإِدغالِ).
وقد حدّد (عليه السلام) مواصفات الولاة بدقة ووضوح شديدين، فقال:
(فَاصطَفِ لِوِلايَةِ أعمالِكَ أهلَ الفِقْهِ والوَرَعِ وَالعِلمِ وَالسِّياسَةِ"، وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ، مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلَاقاً، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً)(33).
والظاهر أن التشدد في الشروط، ككونهم من أهل البيوتات الصالحة والقدم المتقدمة، خاص بالولاة، لأن موقعهم حساس جداً، ولا يعم مستويات المسؤولين المختلفة، وإلا للزم إقصاء الكثيرين من ذوي الكفاءات لمجرد عدم توفر هذين الشرطين فيهم.
وأما الولاة فالأمر مندرج في باب التزاحم، وحيث إن رعاية مصلحة الناس ـ عامة الناس ـ أهم، لذا اشترط هذين الشرطين، وذلك في ما إذا تكافأ المرشحان من جهات الخبروية وشبهها، ولكن تخالفا في توفر هذين الشرطين، وأما لو ترجح أحدهما بهاتين الصفتين وترجح الآخر بكونه أكثر كفاءةً، فلعل الحديث لا يشمله بإطلاقه، أي هو منصرف عنه، فتأمل. وقد يقال: بالتخيير حينئذٍ.
وقد يقال: إن تعليل الإمام (عليه السلام) هو المرجع لا إطلاق النص، فأي منهما أحرز أنه (أَكْرَمُ أَخْلَاقاً...) رجّح، وإنما رجّح الإمام واجدي ذينك الشرطين لكونهما أمارة عرفية على تحقق ما علله به، فإن أحرز غيره في غيره رجح عليه أمره، والله العالم.
وقال (عليه السلام) أيضاً عن القضاة وعن المواصفات المثالية التي يجب أن يتمتعوا بها: (فَاختَر لِلحُكمِ بَينَ النّاسِ أفضَلَ رَعِيَّتِكَ في نَفسِكَ، "وأنفُسِهِم لِلعِلمِ وَالحِلمِ وَالوَرَعِ وَالسَّخاءِ"، مِمَّن لا تَضيقُ بِهِ الاُمورُ، ولا يُمَحِّكُهُ الخُصومُ، ولا يَتَمادى فِي "إِثْبَاتِ" الزَّلَّةِ، ولا يَحصَرُ مِنَ الفَيءِ إلَى الحَقِّ إذا عَرَفَهُ، ولا تُشرِفُ نَفسُهُ عَلى طَمَعٍ، "وَلا يَدخُلُهُ إعْجَابٌ"، ولا يَكتَفي بِأَدنى فَهمٍ دونَ أقصاهُ.
أوقَفَهُم فِي الشُّبهاتِ، وآخَذَهُم بِالحُجَجِ، وأقَلَّهُم تَبَرُّماً بِمُراجَعَةِ الخَصمِ، وأصبَرَهُم عَلى تَكَشُّفِ الاُمورِ، وأصرَمَهُم عِندَ اتِّضاحِ الحُكمِ؛ مِمَّن لا يَزدَهيهِ إطراءٌ، ولا يَستَميلُهُ إغراءٌ، "ولا يَصغى لِلتَّبليغِ بأنْ يُقَال: قَالَ فُلانٌ، وقَالَ فُلانٌ.
فَوَلِّ قَضاءَكَ مَن كانَ كَذلِكَ"، واُولئِكَ قَليلٌ)(34).
وقد تساءل بعض العلماء بقوله: (قد يقال: هذا في دولة الفرد، أما في دولة المؤسسات فلا يحتاج إلى ذلك، لكنه فضل وحسن، فتأمل، لأن كل موظف يضطر أن يكون كذلك حتى لا يطرد من الوظيفة!) ـ انتهى.
أقول:
1 ـ وهل توجد دولة مؤسسات حقيقية؟ أم أن أعرق الدول في المؤسسات إنما هي مؤسساتية في الجملة لا بالجملة؟ ولذلك نرى التأثير الكبير لجماعات الضغط على مسار تقنين القوانين وعلى التنفيذ، خلافاً لمصالح الناخبين، كما فصّلناه في موضع آخر.
2 ـ وهل تصنع دولة المؤسسات من الأفراد معصومين؟
3 ـ وما أكثر ما يتحايل الأفراد في دولة المؤسسات على القانون، وما أكثر ما يتواطؤ المسؤول مع الموظف على تجاوز بعض الحدود!.
قواعد التسلسل الوظيفي وضوابط الترقية
وعن قواعد التسلسل الإداري وضوابط الترقية الوظيفية والتقدير الاعتباري والاجتماعي يقول (عليه السلام):
(ثُمَّ ليَكُن آثَرُهُم عِندَكَ أقوَلَهُم بِمُرِّ الحَقِّ، وأقَلَّهُم مُسَاعَدَةً فيما يَكونُ مِنكَ مِمّا كَرِهَ اللّهُ لِأَولِيائِهِ، واقِعاً ذلِكَ مِن هَواكَ حَيثُ وَقَعَ؛ "فَإِنَّهُم يَقِفونَكَ عَلَى الحَقِّ، ويُبَصِّرونَكَ ما يَعودُ عَلَيكَ نَفعُهُ"(35).
وَالصَق بِأهلِ الوَرَعِ وَالصِّدقِ؛ ثُمَّ رُضهُم عَلى ألّا يُطروكَ ولا يُبَجِّحوكَ بِباطلٍ لَم تَفعَلهُ؛ فَإِن كَثرَةَ الإِطراءِ تُحدِثُ الزَّهوَ، وتُدني مِنَ الغِرَّةِ، "وَالرِّضا بِذَلِكَ يُوجبُ المَقَتَ من الله.
وَإنَّ أكثرَ القولِ أنْ يُشرَكَ فيهِ الكذِبُ، تزْكيةُ السُّلطانِ، لأنه لا يُقتصَرُ فيهِ عَلَى حُدُودِ الحقِّ دُونَ التَّجاوُز إلى الإفرَاطِ"(36).
لا يَكونَنَّ المحُسِنُ وَالمُسيءُ عِندَكَ بِمَنزِلَةٍ سَواءٍ؛ فَإِنَّ ذلِكَ تَزهيداً لِأَهلِ الإِحسانِ فِي الإِحسانِ، وتَدريباً لِأَهلِ الإِساءَةِ عَلَى الإِساءَةِ.
وَأَلزِم كُلّاً مِنهُم ما ألزَمَ نَفسَهُ "أدَباً مِنكَ يَنفَعُكَ اللّهُ بِهِ، ويَنفَعُ بِهِ أعوانَكَ"(37))(38).
المستبعدون من التوظيف
كما حدّد الإمام (عليه السلام) بدقة أولئك الذين يجب أن يستبعدوا من التوظيف والتوزير ومواقع المسؤولية، فقال (عليه السلام):
(وَاعْلَمْ إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلْأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً. وَمَنْ شَرِكَهُمْ فِي الْآثَامِ، "وقامَ بِاُمورِهِم في عِبادِ اللّهِ"(39)، فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً؛ "تُشرِكُهُم في دَوْلَتِكَ، كَما شَرِكوا في سُلطانٍ غَيرِكَ، فَأَردَوهُم مَصارِعَ السّوءِ. ولا يُعجِبَنَّكَ شاهِدُ ما يَحضُرونَكَ بِهِ"(40)؛ فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثَمَةِ، وَإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ "وعُبابُ كُلِّ طَمَعٍ ودَغَلٍ")(41).
كما وطرح الإمام (عليه السلام) ضوابط البديل وشَفَعَهُ بالتعليل الذي يروي الغليل:
(وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَنَفَاذِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَأَوْزَارِهِمْ، مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ، وَلَا آثِماً عَلَى إِثْمِهِ؛ "ولَم يَكُن مَعَ غَيرِكَ لَهُ سيرَةٌ أجحَفَت بِالمُسلِمينَ وَالمُعاهِدينَ"(42). أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَؤونَةً، وَأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً، وَأَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً، وَأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً؛ فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَحَفَلَاتِكَ)(43).
منح الموظفين السلطة والمكافآت
وعن منح الموظف السلطة والمكانة، وهو من دائرة الركن الثاني الماضي (التنظيم) لدى تحديد السلطات وعند التنظير، ولكنه يندرج في الركن الثالث: التوظيف، بعد مرحلة الاستخدام وفي مرحلة التنفيذ، يقول: (وأعطِهِ مِنَ المَنزِلَةِ لَدَيكَ ما لا يَطمَعُ فيهِ غَيرُهُ مِن خاصَّتِكَ، لِيَأمَنَ بِذلِكَ اغتِيالَ الرِّجالِ لَهُ عِندَكَ؛ "فَلَا يُحَابِيَ أَحَداً لِلرَّجَاءِ، وَلَا يُصَانِعَهُ لِاسْتِجْلَابِ حُسْنِ الثَّنَاءِ"(44))(45).
وعن إسباغ المكافآت المادية: (وَافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ)(46)،
وعن المكافآت المعنوية والاعتبارية: (وأحسِن تَوقيرَهُ في صُحبَتِكَ، وقُربَهُ في مَجلِسِكَ، وأمضِ قَضاءَهُ، وأنفِذ حُكمَهُ، وَاشدُد عَضُدَهُ)(47).
ويقول (عليه السلام) أيضاً: (وَوَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، "ولَطيفِ التَّعَهُّدِ لَهُم رَجُلاً رَجُلاً"، وَتَعْدِيدِ مَا أَبْلَى ذَوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ "في كُلِّ مَشهَدٍ"؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ "مِنكَ" لِحُسْنِ فِعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ وَتُحَرِّضُ النَّاكِلَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى).
وعن (الرقابة)، وهي من دائرة الركن الخامس الآتي، ولكنها ههنا الرقابة لاستكشاف الإيجابيات وحميد الخصال وجميل الفعال، يقول (عليه السلام):
"ثُمَّ لا تَدَع أن يَكونَ لَكَ عَلَيهِم عُيونٌ مِن أهلِ الأَمانَةِ وَالقَولِ بِالحَقِّ عِندَ النّاسِ، فَيَثبِتونَ بَلاءَ كُلِّ ذي بَلاءٍ مِنهُم، لِيَثِقَ اُولئِكَ بِعِلمِكَ بِبَلائِهِم حتَّى كَأنَّكَ شَهِدْتَهُ".
ويقول (عليه السلام) في موضع آخر عن المكافآت تأكيداً:
(ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَى؛ وَلَا تَضُمَّنَّ بَلَاءَ امْرِئٍ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلَائِهِ.
"وكافِ كُلّاً مِنهُم بِما كانَ مِنهُ، وَاخصُصهُ بِكتَابٍ مِنكَ تَهَزُّهُ بهِ، وتُنبِئُهُ بمَا بَلَغَكَ عَنْهُ"(48))(49).
رابعاً: التوجيـه
والتوجيه في كلماته (عليه السلام) صريح ومباشر وشامل، وهو يتنوع بين قانوني ودستوري وأخلاقي وإداري، إذ يقول (عليه السلام)(50):
1ـ ("تَحَرَّ رِضا اللّهِ، وَتَجَنَّبْ سَخَطَهُ"(51)، وَلَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ، وَلَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ "فَإِنَّهُ لا مَلجَأَ لَكَ مِنْهُ إلّا إلَيهِ")(52). أخلاقي ـ دستوري.
2 ـ (إِيَّاكَ وَمُسَامَاةَ اللَّهِ فِي عَظَمَتِهِ، أوِ التَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ، وَيُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ "فَخُورٍ"). أخلاقي ـ دستوري.
3 ـ (وَإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً، فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللَّهِ فَوْقَكَ، وَقُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ). أخلاقي ـ تربوي.
4 ـ ("وَتَفَكَّرْ في المَوْتِ وَمَا بَعدَهُ"، فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ، "وَيُلَيِّنُ مِنْ جِمَاحِكَ"، وَ يَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ، وَيَفِيءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ). أخلاقي ـ تربوي.
5 ـ (وَلَا تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ، وَلَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ). أخلاقي.
6 ـ (وَلَا تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً). قانوني.
7 ـ (وَلَا تَقُولَنَّ: إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ. فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ، وَمَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ، وَتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ. "فَتَعوَّذ بالله مِنْ دَركِ الشَّقَاءِ"). قانوني.
8 ـ (أَنْصِفِ اللَّهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ. فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ؛ وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَمَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَكَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ. وَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ، وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ، مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ المَظْلُومينَ، وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ). قانوني ـ تربوي.
9 ـ 12: (وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَأَجْمَعُهَا "لِطَاعةِ الرَّبِّ، و"(53) لِرِضَى الرَّعِيَّةِ؛ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ)(54). قانوني ـ دستوري.
13 ـ (وَأَمَّا بَعْدَ هَذَا؛ فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتَجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ، وَقِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ. وَالِاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتُجِبُوا دُونَهُ، فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمْ الْكَبِيرُ، وَيَعْظُمُ الصَّغِيرُ، وَيَقْبُحُ الْحَسَنُ وَيَحْسُنُ الْقَبِيحُ، وَيُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ.
وَإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ. وَلَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ. "فَتَحَصَّنْ مِنَ الإدْخَالِ فِي الـحُقُوقِ بِلِينِ الحِجَابِ"(55))(56). قانوني ـ إداري.
14 ـ 15: (وَإِيَّاكَ وَالْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ، وَالثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا، وَحُبَّ الْإِطْرَاءِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ). أخلاقي ـ تربوي.
16 ـ 18: (وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ، أَوِ التَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ، أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ. فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الْإِحْسَانَ. وَالتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ. وَالْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللَّهِ وَالنَّاسِ. "وَقَدْ" قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفْعَلُونَ)(57) ). أخلاقي ـ قانوني.
19 ـ 22: (وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا، أَوِ التَّسَاقُطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا، أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ، أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ. فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ، وَأَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ). أخلاقي ـ إداري.
23 ـ 24: (وَإِيَّاكَ وَالِاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ، وَالتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ، مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ؛ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ. وَعَمَّا قَلِيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الْأُمُورِ، "وَيَبْرُزُ الجَبَّارُ بِعَظَمَتِهِ"(58) وَيُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ). قانوني ـ تربوي.
25 ـ (امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ، وَسَوْرَةَ حَدِّكَ، وَسَطْوَةَ يَدِكَ، وَغَرْبَ لِسَانِكَ؛ وَاحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ، وَتَأْخِيرِ السَّطْوَةِ. "وَارْفَعْ بَصَرَكَ إلى السَّمَاءِ عِندَمَا يَحْضُرُكَ مِنْهُ شَيءٌ"(59) حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الِاخْتِيَارَ. وَلَنْ تَحْكُمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّك)(60). أخلاقي ـ قانوني.
خامساً: الرقابــة
أ- الرقابة على المسؤولين
وعن الرقابة يقول الإمام (عليه السلام): (ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ، وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ، وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ).
والتغيير الأساسي الذي نشهده في عهده (عليه السلام)، هو تغيير اتجاه الرقابة، ذلك أنه (عليه السلام) أمر بوضع الرقابة وبعث العيون على المسؤولين ليلتزموا بالأمانة وليرفقوا بالرعية، فهي رقابة على المسؤولين لصالح الناس، أما الحكومات فهي تضع الرقابة والعيون على الناس لصالح المسؤولين!
("ثُمَّ تَفَقَّد ما غابَ عَنكَ مِن حالاتِهِم، وأُمُورَ مَنْ يَرِدُ عَلَيكَ رَسَائِلُهُ، وَذَوِي الحَاجَةِ، وكَيفِ وِلايَتِهِم، وقَبُولِهِم، وَلينِهُمْ، وَحُجَّتَهُم. فَإِنَّ التَّبَرُّمَ وَالعِزَّ وَالنَّخوَةَ مِن كَثيرٍ مِنَ الكُتّابِ، إلّا مَن عَصَمَ اللّهُ")(61).
ويحدد (عليه السلام) صفات العيون والرقباء:
"وَاحْذَرْ أَنْ تَسْتَعْمِلَ أَهْلَ التَّكَبُّرِ وَالتَّجَبُّرِ وَالنَّخْوَةِ، وَمَنْ يُحِبُّ الْإِطْرَاءَ وَالثَّنَاءَ وَالذِّكْرَ وَيَطْلُبُ شَرَفَ الدُّنْيَا، وَلَا شَرَفَ إِلَّا بِالتَّقْوَى")(62)، وذلك إضافة إلى الصفتين السابقتين في قوله (عليه السلام): (أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ).
ب- الرقابة لاستكشاف الحاجات
وفي موضع آخر، يحدثنا (عليه السلام) عن نوع آخر من الرقابة، وهي الرقابة لاستكشاف الحاجات، التي تقابل الرقابة لاكتشاف المعايب.
والنوعية الأُولى من الرقابة هي التي يمكن أن نسمّيها بالرقابة الإيجابية(63):
قال (عليه السلام): (ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا. وَلَا يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ، وَلَا تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَإِنْ قَلَّ؛ فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ.
وَلَا تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالًا عَلَى جَسِيمِهَا، فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَلِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ)(64).
("ثُمَّ لَا تَدَعْ أَنْ يَكُونَ لَكَ عَلَيْهِمْ عُيُونٌ مِنْ أَهْلِ الْأَمَانَةِ وَالْقَوْلِ بِالْحَقِّ عِنْدَ النَّاسِ، فَيُثْبِتُونَ بَلَاءَ كُلِّ ذِي بَلَاءٍ مِنْهُمْ، لِيَثِقَ أُولَئِكَ بِعِلْمِكَ بِبَلَائِهِم حَتَّى كَأَنَّكَ شَهِدْتَهُ")(65).
والنوعية الثانية من الرقابة هي التي يمكن أن نسميها الرقابة السلبية وهي التجسس على المعايب: (وَلْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ، وَأَشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ، أَطْلَبُهُمْ لِمَعَايِبِ النَّاسِ؛ فَإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا).
والحاصل: أنّه (عليه السلام) يؤطر الرقابة على الشعب، وخلافاً لسيرة حكومات العالم عادةً، بإطار واحد فقط، وهو أن يكتشف الحاكم بذلك حاجاتهم فيسدها، أو مظالمهم فينصفهم فيها:
قال (عليه السلام): (وَلا يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ(66) بَطَرٌ، فَإِنَّكَ لا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ "الصَّغيرَ"(67) التَّافِهَ لِإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ. فَلا تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ، وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ. "وَتَوَاضَعْ لِلَّهِ ـ سُبحَانَهُ ـ الَّذي رَفَعَك، وَاِخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلضُّعَفَاءِ"(68)،
وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ، وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ. فَفَرِّغْ لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَالتَّوَاضُعِ، "مِمَّنْ لا يَحْتَقِرُ الضُّعَفَاءَ، وَلا يَستَشْرِفُ العُظَمَاءَ"(69)، فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ.
ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالإِعْذَارِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ تَلْقَاهُ، فَإِنَّ هَؤُلاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الإِنْصَافِ "وَالتَّعَاهُدِ"(70) مِنْ غَيْرِهِمْ. وَكُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ.
وَتَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ "وَالزَّمَانَةِ"(71)، وَذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ، مِمَّنْ لَا حِيلَةَ لَهُ، وَلَا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ؛ "فَأَجْرِ لَهُمْ أَرْزَاقاً؛ فَإِنَّهُمْ عِبَادُ اللَّهِ. فَتَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ بِتَخَلُّصِهِمْ، وَوَضْعِهُمْ مَوَاضِعَهُمْ فِي أَقْوَاتِهِمْ وَحُقُوقِهِمْ؛ فَإِنَّ الْأَعْمَالَ إنَّمَا تَخْلُصُ بِصِدْقِ النِّيَّاتِ"(72))(73).
سادساً: تحمل المخاطرة
وعن تحمل المخاطرة وأهميتها وقيمتها وضرورة المكافأة عليها، وتوفير البيئة الآمنة للمخاطرين يقول الإمام (عليه السلام):
(ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً؛ الْمُقِيمِ مِنْهُمْ، وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ، وَالْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ(74). فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ، وَجُلَّابُهَا مَنِ الْمَبَاعِدِ وَالْمَطَارِحِ، فِي بَرِّكَ وَبَحْرِكَ، وَسَهْلِكَ وَجَبَلِكَ، حَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا، وَلَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْهَا. "فَاحفَظ حُرمَتَهُم، وآمِن سُبُلَهُم، وخُذ لَهُم بِحُقوقِهِم"(75)؛ فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ، وَصُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُهُ)(76).
وهكذا نجد أنه (عليه السلام) يمنح مخاطرة التجار التي لا يجرؤ عليها غيرهم، قيمةً كبرى، فإنهم بذلك كانوا مواد المنافع وأسباب المرافق وجلابها من أقصى البلاد..
وعلى ضوء ذلك يأمر بإثابتهم عليها، بحفظ حرمتهم وتوفير الأمن لسبلهم والأخذ لهم بحقوقهم.
سابعاً: إدارة الميزانية
وعن تقدير التكاليف والعوائد، وإدارة الميزانية يقول الإمام (عليه السلام):
("فَاجمَع إلَيكَ أهلَ الخَراجِ مِن كُلِّ بُلدانِكَ، ومُرهُم فَليُعلِموكَ حالَ بِلادِهِم، وما فيهِ صَلاحُهُم ورَخاءَ جِبايَتِهِم، ثُمَّ سَل عَمّا يَرفَعُ إلَيكَ أهلُ العِلمِ بِهِ مِن غَيرِهِم".
فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلًا أَوْ عِلَّةً، أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ، أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ. "وإن سَأَلوا مَعونَةً عَلى إصلاحِ ما يَقدِرونَ عَلَيهِ بأموالِهِم، فَاكفِهِم مَؤونَتَهُ؛ فَإِنَّ في عاقِبَةِ كِفايَتِكَ إيّاهُم صَلاحاً، إِنْ شَاءَ الله").
ويعلّل (عليه السلام) هذه الطريقة المميزة في إدارة الميزانية، وهي خفض الضرائب من جهة، وإتباع سياسة مالية توسعية بتدفق الإنفاق من جهة أخرى، بقوله:
(وَلا يَثقُلَنَّ عَلَيكَ شَيءٌ خَفَّفتَ بِهِ عَنهُمُ؛ فَإِنَّهُ ذُخرٌ يَعودونَ بِهِ عَلَيكَ في عِمارَةِ بِلادِكَ، وتَزيينِ وِلايَتِكَ، مَعَ "اقتِنائِكَ مَوَدَّتَهُم و"(77) اسْتِجْلابِكَ حُسنَ نِيّاتِهِم، وَتَبَجُّحِكَ بِاستِفاضَةِ العَدْلِ "والخَيرِ"(78) فيهِمْ، "وما يُسَهِّلُ اللّهُ بِهِ مِن جَلبِهِم.
فَإِنَّ الخَراجَ لا يُستَخرَجُ بِالكَدِّ والإتعابِ؛ مَعَ أنَّها عُقَدٌ تَعتَمِدُ عَلَيها، إن حَدَثَ حَدَثٌ كُنتَ عَلَيهِم"(79) مُعْتَمِداً، لِفَضلِ قُوَّتِهِم بِما ذَخَرتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ، وَالثِّقَةِ مِنهُم بِما عَوَّدتَهُم مِن عَدلِكَ عَلَيهِم، ورِفقِكَ بِهِمْ.
فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيهِمْ مِنْ بَعْد احْتَمَلُوهُ طَيبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ.
فَإِنَّ الْعُمْرَانَ يَحْتَمِلُ مَا حَمَّلْتَهُ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ، وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ، وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ)(80).
(وَاحْفَظِ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ "فِيهِمْ"(81)، وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ، وَقِسْماً مِنْ غَلّاتِ صَوَافِي الإِسْلامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ؛ فَإِنَّ لِلأقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلأدْنَى، وَكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ)(82).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.