تشاطر المياه: من باطن الأرض إلى أرضية مشتركة
وكالات
2023-11-20 07:42
يغطي سهل برشيد في وسط غرب المغرب مساحة 500 1 كيلومتر مربع. وتذهب أكثر من 95 في المائة من المياه التي يتم ضخها من طبقة المياه الجوفية في برشيد إلى الزراعة.
يبُشر حدث تاريخي يخص حوكمة المياه بمستقبل أطول لطبقة مياه جوفية حيوية.
عُرِف سهل برشيد تاريخيًا بأنه صومعة المغرب، ويعود ذلك إلى إنتاجه الضخم من الحبوب والأعلاف، وفي الآونة الأخيرة تحوّل إلى مركز هام لإنتاج البقوليات. وعلى مدى العقدين الماضيين، شهد هذا السهل تكثيفًا غير منظّم للريّ. وبين عامي 2007 و2017 على سبيل المثال، زاد إنتاج الجزر بنسبة قاربت نسبة 500 في المائة. ورغم المكاسب الاقتصادية المباشرة، تسبب ذلك في الاستغلال المفرط لطبقة المياه الجوفية في برشيد، حيث تذهب أكثر من 95 في المائة من المياه المضخّة إلى الزراعة.
وأصبحت طبقة المياه الجوفية في برشيد اليوم إحدى أكثر الطبقات استنزافًا في المغرب. فكمية المياه التي استُخرجت منها تفوق قدرتها الطبيعة على التجديد. وسجّل احتياطي المياه عجزًا سنويًا بلغ 32 مليون متر مكعب (ما يعادل 12 800 مسبح أولمبي) نتيجة الاستخدام المفرط وأنماط هطول الأمطار غير المنظّمة المتزايدة. كما تعاني طبقة المياه الجوفية من تفاقم مستويات التلوث بسبب الأنشطة الزراعية.
ويعوّل المزارعون والمجتمعات المحلية الريفية في برشيد على طبقة المياه الجوفية الأساسية هذه لأجل الحياة وإنتاج المحاصيل التي تعتمد عليها مداخيل أسرهم المعيشية وأمنها الغذائي.
ومع أنه كانت لدى البلاد نظم قانونية ومؤسساتية قائمة لتنظيم استخدام المياه الجوفية، إلا أن معظم الآبار في المنطقة كانت إما غير معلنة أو غير خاضعة للرقابة لسنوات عديدة. ولم تكن رسوم المياه مدفوعة، فيما عجّل الحفر غير القانوني استنزاف طبقة المياه الجوفية.
وأفاد السيد سعيد فكري وهو مزارع في برشيد: "لقد أصبحت الحياة أكثر صعوبة مع ندرة المياه. ونحن بحاجة إلى زارعة مستدامة لا تستنزف المياه لكي يتمكن أطفالنا من مواصلة عملنا."
ضغوط متزايدة
تُسلّط حالة برشيد الضوء على إحدى أهم الهواجس في مجال إدارة المياه في المغرب عمومًا. إذ تواجه البلاد "إجهادًا مائيًا هيكليًا" بسبب النمو السكاني إلى جانب تغير المناخ والطلب المتنامي من المناطق الحضرية والصناعات على المياه.
وكما في المغرب، تُعدّ المياه موردًا ثمينًا للغاية في كل الشرق الأدنى وشمال أفريقيا. ويُشكل توافر المياه العذبة في الإقليم عُشر المتوسط العالمي تقريبًا، مع انخفاض بلغ 78 في المائة بين عامي 1962 و2018، مقارنة مع انخفاض بلغ 59 في المائة على المستوى العالمي في الفترة نفسها.
وفي حين كانت الآبار منذ عقود قليلة تضخ المياه من 50 مترًا تحت سطح الأرض، أضحى العمق اليوم ما يقارب الثلاثة أضعاف، ممّا يزيد من صعوبة الحصول على الموارد المائية.
اتفاق حاسم في سهل يحتوي مستجمعًا للمياه
في عام 2011، بدأت وكالة الحوض المائي لأبي رقراق والشاوية (ABH-BC) – وهي شُعبة حكومية تشرف على استخدام المياه في منطقتي أبو رقراق والشاوية، وتشمل طبقة المياه الجوفية في برشيد – التفاوضَ حول اتفاق لحوكمة المياه بغية كبح عجز المياه الجوفية في برشيد وضمان الإدارة المستدامة لتلك الموارد.
وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021، نتج عن هذه العملية التي تتولى تيسيرها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة)، توقيع عقدين بين وكالة الحوض المائي لأبي رقراق والشاوية واتحاديين لمستخدمي المياه، كخطوة أولى تجاه عقد أشمل يذهب أبعد من الزراعة ويشرك جميع الجهات الفاعلة في مستجمع مياه برشيد.
ويمنح العقدان وينظمان تراخيص الاستخدام السنوي للمياه الجوفية لكل هكتار. وينبغي على المزارعين تثبيت عدّادات مياه ودفع الرسوم والإبلاغ عن حجم المياه المستهلكة على أساس فصلي.
ودعم مشروع كفاءة المياه وإنتاجيتها واستدامتها في إقليم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا التابع للمنظمة حكومةَ المغرب من خلال تقديم أدلة علمية تخص توافر المياه وإنتاجيتها وتيسير الحوار، بتمويل من الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي. وساعدت المنظمة في الجمع بين الأطراف المختلفة للتوعية بشأن خطورة استخدام طبقة المياه الجوفية، وتأكيد أهمية وجود اتفاق طويل الأجل وتيسير إشراك الأطراف.
ويشكل نجاح الاتفاق بين الحكومة واتحادين من القطاع الخاص محطة بارزة بالنسبة إلى المغرب والإقليم ككل.
ووضح السيد عبد الحق لعيطي، مساعد ممثل المنظمة في المغرب: "شكلت عملية الحوكمة المتبعة في العقد الأخير مثالًا مذهلًا عن العمليات التشاركية والتي تُوجِت بطريقة النظر المسؤولة تجاه طبقة المياه الجوفية، طريقة مدركة للأجيال القادمة وتفكر في كيفية التعاون في ما بين الجهات الفاعلة المختلفة من القطاعين العام والخاص حينما تمتلك الحافز والظروف الصحيحة لذلك."
أرضية مشتركة
مع مرور الزمن، تحوّل تدريجيًا تناقص توافر المياه والتوتّرات المتزايدة والمنافسة على المياه الجوفية إلى روح تعاون في ما بين المزارعين والجهات التنظيمية الرسمية. وأظهر تجميع البيانات حول الاستغلال المفرط للمياه الجوفية ونشرها أنه لا يوجد وقت للخلاف.
وساهمت هذه العملية أيضًا في بناء التفاهم والثقة بين الحكومة والمزارعين. وبينما كان المزارعون في الماضي يرفضون توقيع العقود الخاصة بطبقة المياه الجوفية، باتوا اليوم من مناصريها.
وأدارت المنظمة المدارس الحلقية للمزارعين لدعمهم في إدارة الموارد الطبيعية بمزيد من الاستدامة، وذلك من أجل استكمال عملية الحوكمة.
وأفاد مالك حقل جزر في جماعة جاقمة في برشيد: " قدّم لنا المشروع معلومات قيّمة حول المسائل المتعلقة بالريّ والممارسات الزراعية، مما مكّننا من خفض كميات المياه المستخدمة، وبالتالي خفض تكاليف الإنتاج وتحسين الدخل."
واعتبر سعيد: "بفضل هذا، وفّرنا 50 في المائة من المياه مقارنة مع الريّ بالجاذبية. "
يُعدّ تعزيز حوكمة المياه المستدامة والشاملة نهجًا حيًّا. وسيكون استمرار الحوار والشفافية وكذلك الاستثمار في البيانات الدقيقة، مفتاح تلافي النزاعات المستقبلية التي قد تنشب نتيجة غياب المعلومات أو عدم المساواة في الوصول إلى الموارد المائية.