ساعة سكانية تروي قصة البلد الأكثر اكتظاظًا
وكالات
2023-06-27 07:12
إنها ساعة مكونة من 10 مربعات بيضاء مرقمة على لوح معدني أخضر كبير في مدينة بومباي على الساحل الغربي للهند يتوقف أمامها المارة الفضوليون لمشاهدتها وهي تسجل تاريخ أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان.
ثُبتت الساعة التي تشبه لوحة النتائج الرياضية على واجهة المعهد الدولي لعلوم السكان ويتم تحديثها يدويًا كل يوم منذ عام 1982، عندما كان عدد سكان الهند يزيد قليلاً عن 684 مليون نسمة، وفقًا لإحصاء عام أجري عام 1981.
لكن هذا الرقم زاد أكثر من مرتين منذ ذلك الحين. شهدت الهند نموًا سكانيًا سريعًا وحلت محل الصين كأكبر دولة من حيث عدد السكان مع تجاوز عدد سكانها 1,42 مليار نسمة، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة في نيسان/أبريل.
يقول البروفسور تشاندر شيخار من المعهد الدولي لعلوم السكان "أضيفت خانة إلى الساعة من قبل لأننا توقعنا أننا سنتجاوز المليار".
كانت الزيادة السكانية منذ وقت كبير مصدر قلق دفع الحكومة إلى إنشاء برنامج وطني لتنظيم الأسرة في وقت مبكر من عام 1952.
لكن شيخار يقول إن إجراءات التعقيم القسري المثيرة للجدل التي اتخذت في السبعينيات وأثارت جدلاً عامًا هي التي دفعت المعهد إلى تصميم الساعة. كل يوم، يقوم موظفون في جهاز الأمن بتغيير الأرقام بناءً على توقعات معدل النمو الطبيعي، وهو الفرق بين المواليد والوفيات لكل 1000 شخص سنويًا، بناء على تقديرات الحكومة والأمم المتحدة.
قال سالونكي في. في. المكلف الإشراف على الأمن "يسعدنا تحديث اللوحة لأن ذلك يتيح للمارة أيضًا رؤية الزيادة في عدد السكان".
يزداد عدد سكان الهند بنحو 41 ألف شخص يوميًا - أو شخص واحد كل ثانيتين - وهذا يعني نحو 15 مليون شخص سنويًا، وفقًا للتوقعات الحالية.
ميزة أم عيب؟
يبلغ معدل الخصوبة في الهند حاليًا ولادتين لكل امرأة، وهو أقل بقليل من عتبة الإحلال السكاني البالغ 2,1، متراجعًا عن تقديرات الحكومة التي كانت 4,8 ولادات لكل امرأة في عام 1981. وعتبة الإحلال السكاني تشير إلى عدد الأطفال الذي يجب أن تنجبه كل امرأة في سن الخصوبة في المتوسط لتعويض الوفيات.
ولكن هناك اختلافات جغرافية كبيرة. إذ تُسجل أعلى المعدلات في أفقر الولايات مثل أوتار براديش في الشمال وبيهار في شمال شرق الهند، وفقًا لدراسة وطنية أجريت عام 2019. ويبلغ عدد سكان الولايتين معًا أكثر من 325 مليون نسمة.
من ناحية أخرى، تسجل أغنى ولايتين هما ماهاراشترا في الوسط وتاميل نادو في الجنوب معدلات خصوبة أقل بكثير من المتوسط مع 1,56 و1,54 على التوالي.
ألقيت مهمة تنظيم الأسرة إلى حد كبير على كاهل النساء اذ يستخدم أقل من واحد من كل عشرة رجال الواقي الذكري، بينما وصل معدل تعقيم الإناث إلى نحو 38%، وفق مسح صحة الأسرة الوطني لعامي 2019-2021.
يقول شيخار الذي يبلغ اليوم 49 عامًا، إنه مال منذ سن مبكرة إلى التخصص في دراسة السكان أمام الأعداد الكبيرة من الحشود التي كان يراها أينما ذهب.
ويواصل خبير الخصوبة والديموغرافيا الاجتماعية "كنت أكره هذه الأرقام. ولكن بعد حصولي على درجة الماجستير في الإحصاء، قلت لنفسي: علينا أن نفهم، هل هذه مشكلة؟ أم أنها مسألة يمكننا حلها؟".
يقول شيخار إنه لا ينبغي لهذه الأعداد الكبيرة أن تشكل قنبلة موقوتة إذا ركزت السلطات على تحسين نوعية الحياة.
تحسنت نتائج التعليم والصحة وتراجعت معدلات وفيات الرضع والأمهات منذ عام 1982، ونما اقتصاد الهند ليصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم.
لكن في الكثير من المدن، يكافح السكان لتأمين مصدر رزقهم بينما يواجهون نقص المياه وتلوث الهواء والماء.
فقد بلغ معدل البطالة بين الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا 23,2% في عام 2022، وفقًا للبنك الدولي. في غضون ذلك، أظهرت بيانات من مركز متابعة الاقتصاد الهندي أن معدل البطالة الإجمالي بلغ 7,7% في أيار/مايو.
ويقول شيخار إن أحد المخاوف الرئيسية هو أن "الهند سوف تشيخ قبل أن تصبح غنية". ويضيف "لكي لا يحدث هذا، يجب تمكين الناس من خلال اكتساب مهارات وتوفير فرص عمل للأعداد الكبيرة من الشباب".
الهند تتقدم على الصين
يتوقع أن تتخطى الهند الصين كأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان بحلول منتصف عام 2023، بحسب تقديرات نشرتها الأمم المتحدة.
وسيبلغ عدد سكان الهند 1,4286 مليار نسمة مقابل 1,4257 مليار نسمة في الصين، وفقًا لتقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان حول حالة سكان العالم.
وانخفض عدد سكان الصين العام الماضي لأول مرة منذ أكثر من ستة عقود، على ما أظهرت بيانات رسمية في وقت سابق من هذا العام.
كما قدر التقرير أن عدد سكان العالم سيصل إلى 8,045 مليار بحلول نفس التاريخ.
ولم تجر الهند أي إحصاء سكاني منذ 2011، وبالتالي ليس لديها بيانات رسمية عن عدد سكانها.
وفي عام 2021، كان من المقرر إجراء التعداد السكاني في الهند الذي يتم مرة واحدة فقط كل عشر سنوات، ولكن تعين تأجيله بسبب جائحة كوفيد.
وتحول عقبات لوجيستية وتحفظات سياسية الآن دون حدوث ذلك، ومن غير المرجح أن تتم هذه العملية واسعة النطاق قريباً.
واتهم معارضو حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي القومية الهندوسية بتأخير الإحصاء عمداً حتى لا تنشر بيانات حول قضايا حساسة مثل البطالة قبل الانتخابات الوطنية العام المقبل.
وارتفع عدد السكان في الهند بأكثر من مليار شخص منذ 1950، العام الذي بدأت فيه الأمم المتحدة وضع البيانات السكانية، وفقًا لمركز بيو للدراسات، وهو مركز أبحاث أميركي.
وأظهرت البيانات أن الولايات المتحدة تأتي في المرتبة الثالثة بفارق كبير، إذ يُقدر عدد سكانها بنحو 340 مليون نسمة. وأوضح التقرير أن التقديرات تعتمد على المعلومات المتاحة حتى فبراير شباط 2023.
ورغم أن الهند والصين ستشكلان أكثر من ثلث عدد سكان العالم المقدر بنحو 8.045 مليار نسمة، فإن النمو السكاني للعملاقين الآسيويين يتباطأ، وبوتيرة أسرع بكثير في الصين منها في الهند.
وتراجع عدد سكان الصين العام الماضي لأول مرة في ستة عقود، وهو تحول تاريخي من المتوقع أن يمثل بداية فترة طويلة من الانخفاض في أعداد المواطنين، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة على اقتصادها والعالم.
وبلغ متوسط النمو السكاني السنوي في الهند 1.2 بالمئة منذ عام 2011، مقابل 1.7 بالمئة في السنوات العشر التي سبقتها، وفقا لبيانات حكومية.
وكشف مسح عام أجراه صندوق الأمم المتحدة للسكان من أجل تقرير 2023 أن الرأي الأكثر شيوعا في الهند، وكذلك في البرازيل ومصر ونيجيريا، هو أن عدد السكان في كل من تلك الدول "أكبر من اللازم وأن معدلات الخصوبة أعلى من اللازم"، وذلك بحسب التقرير.
وقالت ممثلة الصندوق في الهند أندريا ووجنار في بيان "تشير نتائج المسح في الهند إلى أن المخاوف من عدد السكان تسربت إلى قطاعات عريضة من عامة الشعب".
وأضافت "ومع ذلك، لا ينبغي أن تثير أعداد السكان القلق أو الذعر. بل يجب أن يُنظر إليها على أنها رمز للتقدم والتنمية والتطلعات إذا ما تم حماية حقوق الأفراد واختياراتهم".
وأشارت بونام موتريجا المسؤول في مؤسسة السكان الهندية التطوعية إلى أن الهند اتخذت العديد من الإجراءات الصحيحة للتعامل مع الزيادة السكانية.
وقالت في بيان "في الوقت نفسه، يجب أن نتأكد من عدم دفع الفتيات والنساء إلى الزواج والحمل المبكرين، وهو ما يحد من تطلعاتهن".
ويجهد الاقتصاد الهندي لتوفير وظائف لملايين الشباب الذين يصلون كل سنة إلى سوق العمل. ونصف سكان العملاق الآسيوي دون الثلاثين من العمر.
كما يعاني البلد من صعوبات كبرى في إنتاج الكهرباء وتوفير الغذاء والمساكن بكميات كافية لسكان في تزايد، وتجد المدن الكبرى صعوبات في التعامل مع الوضع.
وبحسب معهد بيو للأبحاث الأميركي، فإن سكان الهند ازدادوا بأكثر من مليار نسمة منذ 1950، السنة التي بدأت فيها الأمم المتحدة وضع بيانات ديموغرافية.
في المقابل، من المتوقع تسجيل انهيار ديموغرافي في بعض الدول وبصورة أساسية في أوروبا وآسيا خلال العقود المقبلة، بحسب بيانات أصدرتها الأمم المتحدة في تموز/يوليو حول تطور سكان العالم بحلول 2100.
وفي إفريقيا، تشير التوقعات إلى تزايد عدد السكان من 1,4 مليار إلى 3,9 مليار نسمة بحلول 2100، ما سيمثل 38% من سكان العالم مقابل حوالى 18% حاليا.
وتراجع عدد السكان خلال العقد الماضي في ثماني دول يزيد تعدادها عن عشرة ملايين نسمة، معظمها في أوروبا وبينها اليونان وإيطاليا وبولندا والبرتغال ورومانيا، بحسب بيانات تموز/يوليو.
ووفق هذه البيانات، تسجل اليابان أيضا تراجعا ديموغرافيا ناتجا عن شيخوخة السكان، مع تراجع يزيد عن ثلاثة ملايين نسمة بين 2011 و2021.
أما عدد سكان العالم، فمن المتوقع ألا يتراجع إلا اعتبارا من تسعينات القرن الحالي، بعد بلوغه الذروة إلى 10,4 مليار نسمة بحسب الأمم المتحدة.