تنمية المهارات لـتأمين سبل العيش المستدامة
جميل عودة ابراهيم
2023-06-24 07:17
تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن خمس سكان العالم يمكن تصنيفهم بأنهم فقراء، محرومون من الحدود الدنيا لفرص العيش الأمين. وتتفاقم مشكلة الفقر في المجتمعات النامية بشكل خاص عندما يلهث نموها الاقتصادي وراء نموها السكاني. ويرى المختصون أن الفقر مشكلة عالمية، وظاهرة اجتماعية ذات امتدادات اقتصادية، وانعكاسات سياسية واجتماعية وبيئية متعددة الإشكال والأبعاد، وهي ظاهرة لا يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات. ولكن بدرجات مختلفة من التفاوت في الحجم والطبيعة والمصدر، وكذلك في نسبة الفقراء في المجتمع.
عرف البنك الدولي الفقر بأنه "عدم القدرة على تحقيق حد أدنى من مستوى المعيشة" وعرفه علم الاجتماع بأنه "مستوى معيشي منخفض لا يفي بالاحتياجات الصحية والمعنوية والمتصلة بالاحترام الذاتي للفرد أو مجموعة من الأفراد" وعلى ذلك يمكن تعريف الفقر بأنه عدم القدرة للوصول إلى حد أدنى من الاحتياجات الأساسية. وقد عرفت الاحتياجات الأساسية بأنها تشمل على حاجات مادية كالطعام والسكن والملبس والمياه النقية ووسائل التعليم والصحة، وحاجات غير مادية مثل حق المشاركة والحرية الإنسانية والعدالة الاجتماعية. ويعتبر متوسط نصيب الفرد من دخل الأسرة أو إنفاقها مقياسين ملائمين للدلالة على مستوى المعيشة.
ولا شك أن الفقر ليست ظاهرة اجتماعية مرغوبة، بل هي ظاهرة اجتماعية قسرية، تتلبس مجموعة من الناس تحت ظروف مختلفة رغما عنهم، وهي أقرب إلى المرض من الصحة، ولها آثار سلبية كبيرة، لا تقتصر على (الفقراء) وحسب، بل تصيب كل أفراد المجتمع. ويمكن الإشارة إلى عدد من الأمراض الاجتماعية التي يكون الفقر أحد أهم أسبابها مثل الجريمة؛ والتسول والتشرد؛ والأوضاع الأسرية الصعبة التي تدفع أفرادا إلى الخروج عن إطار الأنماط الاجتماعية السليمة، وانحراف الأحداث، وتعاطي المخدرات وتداولها، وكلها ظواهر اجتماعية يساهم الفقر وما يرافقه من ظروف أسرية صعبة في تغذيتها، ويؤدي الفقر في كثير من الحالات إلى تسرب الأطفال من المدارس في سن مبكرة، وما لأغراض العمل للمساهمة في توفير دخل الأسرة، أو بسبب الظروف والأوضاع الأسرية غير المواتية، أو بسبب عدم القدرة على تحمل نفقات الدراسة، كما ويؤدي الفقر إلى تدني المستوى الصحي لدى نسبة كبيرة من الأسر الفقيرة، نتيجة عوامل مختلفة، ومنها بشكل رئيس ضعف القدرة على تحمل نفقات الخدمات الصحية.
في هذا الإطار، تسعى الدول بشتى الطرق لمعالجة الفقر والتغلب عليه، بوصفه مشكلة اجتماعية خطيرة، ولكن الكثير من هذه الدول قد تخفق في التوصل لعلاج له، وسبب إخفاقها في معالجة المشكلة يعود في الأساس إلى عدم قدرتها في تشخيص الأسباب الكامنة وراء الفقر، فالأسباب متعددة، فبعض الدول فقيرة بسبب ضعف مواردها الطبيعية، وبعضها الآخر فقير بسبب المستوى التربوي والتعليمي، أو يكون الفقر بسبب سوء توزيع الثروات بها واقتصادها على فئة معينة بالرغم من توافر الموارد الطبيعية بها.
ليس هناك حل واحد للحد من الفقر، بل هي مجموعة حلول تتضافر فيما بينها لأجل الوصول إلى نتائج إيجابية تمكن الفئات الاجتماعية الهشة من الحصول على فرصة عمل وصحة جيدة. ولعل التعليم والتدريب وتطوير المهارات والخبرات هي من الحلول الجوهرية التي تطرح في كل الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الفقر. إذ أن هناك علاقة ترابطية بين الاقتصاد والمعرفة، حيث إن الفقر الاقتصادي ربما يقود إلى نقص وفقر معرفي في المجتمع.. وكذلك فان النقص المعرفي وانخفاض المهارات والخبرات الفردية والجماعية هي الأخرى تؤدي إلى فقر اقتصادي.
حيث تعد المعرفة (اكتسابا وإنتاجا وتوظيفا) الوسيلة الكفيلة والمهمة لتحقيق الرفاه الاقتصادي على مستوى الفرد والمجتمع... وإنها المورد المهم والرابع بعد (الأرض، العمل، ورأس المال (وبذلك أصبحت المعرفة العامل الأساسي والمحرك لتطور الشعوب، ولها تأثيرا على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية).
إن انخفاض الدخل (الإنفاق) يرتبط في الغالب ارتباطا وثيقا بمستوى التعليم، وبذلك فإن الفقر لا يمكن تعريفه بوصف حالة من الحرمان من المزايا أو الركائز الاقتصادية والاجتماعي والبشرية حيث إن الركائز البشرية تشمل المهارات والمواهب، وعليه فان قدرة الأفراد على مكافحة الفقر يمكن إن تزداد عن طريق التعليم والتدريب لأنهما يتيحان المزيد من الفرص.
أما الأفراد الذين ينقصهم التعليم الرسمي فلديهم مهارات أخرى، مثل المعارف التقليدية وغيرها من المهارات البدنية والعقلية التي يمكن توظيفها في مكافحة الفقر، فقدرة الأفراد على مد العلاقات مع غيرهم هي ركيزة اجتماعية. إن الركائز الاجتماعية والمعرفية يمكن إن تساهم في خلق ركائز اقتصادية، ومن ثم تساهم في تحسين الظروف الاقتصادية عن طريق زيادة فرص العمل، من ناحية أخرى يوظف الأفراد والأسر والمجتمعات ركائزهم من أجل صياغة استراتيجيات لمكافحة الفقر.
وكلما ازدادت هذه الركائز تراجع ضعفهم وارتفعت قدرتهم على التعامل مع مشاكل الفقر. ولكن ضعف مثل هذه الركائز يؤدي إلى وقوع هؤلاء الأفراد فريسة لمشاكل الفقر. وعليه فان دعم ركائز قوة الفقراء وتوظيفها يساعدهم على مكافحة الفقر بأنفسهم.
لما كانت الحكومات هي المسؤول الأول عن الحد من الفقر، فهي كذلك المسؤول عن توفير التدريب المهني للمواطنين، وعليها أن تدمج التربية والتعليم بالتدريب وتطوير المهارات استعدادا لتوفير فرص عمل لائقة لكل مواطن، أو على الأقل تعمل الحكومات على كل ما من شأنه أن يساعد مواطنيها على الحصول على فرص عمل من خلال تعليمهم المهارات المطلوبة لكل عمل، بحيث يتمكن كل مواطن من الحصول على المهارات التدريبية التي تمكنه من صناعة فرصة عمل أو الحصول على فرصة عمل
خلاصة ما تقدم يمكن القول ما يأتي:
1. إن المعرفة وقود الرفاه الاقتصادي مثلما الطاقة وقود الحياة، وإن المعرفة منذ الخليقة والى يومنا سوف تستمر وتبقى المحرك المهم لرقي الفرد والمجتمع وتطوره، وهي بالتالي تقود المجتمعات إلى مستويات متقدمة من التنمية الاقتصادية.
2. إن التراكم المعرفي الإنساني والمهارات والإمكانات أسفرت عن رفع المستوى المعاشي وحققت الرفاهية من خلال تطويعها للمعارف والمهارات من أجل زيادة مستوى الإنتاج، وبالتالي زيادة الدخل.
3. إن التعليم والتدريب يلعبان دورا حيويا في تنمية الاقتصاد والحد من الفقر عن طريق تنمية الموارد البشرية وتطوير قدرات الابتكار. وهما عاملان مهمان في دفع التنمية القائمة على المعرفة، وإن اكتساب المعرفة وتوظيفها بفعالية من خلال التعليم والتدريب والبحث والتطوير جميعها كفيلة بالحد من ظاهرة الفقر.
4. بالتربية والتعليم يمكن محاصرة الفقر، فالتعليم يؤهل الأفراد للوظائف والمهن المطلوبة، كما أن التربية تسمو بأخلاقيات الفرد وتجعله يتعلم معنى الالتزام الذي يقوده إلى كل ما هو إيجابي في حياته والإيجابية تعني الابتعاد عن الآفات.
5. إن ضمان أن يتعلم الشباب والشابات مهارات العمل الأساسية التي تجهزهم لمجال واسع من الوظائف المحتملة له أهمية حيوية خاصة للمستضعفين اقتصادياً والمستبعدين اجتماعيا.
..........................................