نخيلنا في محنة كبيرة فهل من منقذ؟
زاهر الزبيدي
2015-08-26 07:33
"اكرموا عماتكم النخل" حديث نبوي شريف له مدلولات عظمية بأهمية أشجار النخيل ومكانتها، بل والقيمة الغذائية لما تنتجه، في العراق أهينت تلك الشجرة المباركة مثلما أهين كل شيء ومثلما عُبث بحقوق ابناء شعبنا في الحياة الحرة الكريمة، بعدما تطاول الصنوان، الإرهاب والفساد، على أخر أحلامنا في زهو الوطن ورفعة شعبه.
في العراق وبعدما كان أكثر بلد ينمو فيه النخيل ومنذ سبعينات القرن الماضي كانت هناك 30 مليون نخلة، أكثر من عدد ابناء شعبه في حينه؛ أصبح اليوم بفقدانه لأكثر من 50% من نخيله بفعل تجريف الحروب لبساتينه والاستيلاء المجحف على مواطنه الرئيسية وتحويلها الى مناطق سكنية وبالآفات اكتمل مسلسل صعوبة بقاء صامداً أمام متغيرات الزمن وعواديه المؤلمة ليتناقص اعداها الى 13 مليون نخلة ينتظر إختفاء أحد ثرواته الاقتصادية المهمة.
البصرة لوحدها كان تمتلك 600 صنف من التمور لأنواع لم نسمع بها وهي فاخرة جداً تناهبتها يد التهريب الى دول الجوار لتخسر المدينة 550 صنفاً منها، تنتج 130 الف طن سنوياً، أصبحت اليوم تحاول الحفاظ جاهدة بكل إمكانياتها الحكومية المتواضعة على ما تبقى من نخيلها حينما جرفت وقتلتها الآفات وملوحة التربة والجفاف الشديد، فمدينة «مدينة الخليل والنخيل»، كما تسمى سيحلها، بسوء العناية بتلك الشجرة المباركة، الى أرض جرداء اذا لم نشد السواعد لإعادة مجد تلك الشجرة والتي سيكون لها يوماً القدرة على تعزيز الامن الغذائي للشعب.
ملوحة الماء في مدينة البصرة اتت على كل شيء حي فيها بما في ذلك النخيل حينما تداعت جذوعها الباسقة وانحت منكبة الى الارض معلنة خسارتها معركة مقاومة العطش وملوحة الماء في المدينة والتي تصل الى 80% بعدما قطع روافد دجلة من جهة الشرق ونهر الكارون وبدأت مياه البزل التي ترد من إيران تزيد محنة المياه لأهل المدينة ونخيلها.
ومع إنهيار اسعار النفط نرى أننا بحاجة ماسة لإدامة إنتاج النخيل الذي بدأ يتطور تدريجياً ولكن ليس بالسرعة المطلوبة لإعادة القدرة على الاستفادة من أنواعه الكثيرة في التصدير وإعادة إستخدامه محلياً بشكل كبير وبما يسهم في خفض اسعاره المحلية التي تفوق أسعار بعض المنتجات الزراعية الأخرى المستوردة بأضعاف مضاعفة، حتى تسائل البعض عن سعره إذا لم يكن العراق من البلدان المشهورة بإنتاجه؟
يجب أن يتم دعم المراكز الزراعية البحثية في تطوير زراعة النخيل في كل جوانبها وتوفير المياه الصالحة للسقي وتطوير الاصناف التي قاربت على الانقراض وأن تساهم المبادرة الزراعية في دعم إنتاج هذا المحصول بشكل إستثنائي للظروف التي يمر بها المنتج في تلك المرحلة الحرجة وهنا نتساءل عن دور مركز اباء للبحوث الزراعية في هذا المجال ومدى همة رجاله في الحد من تناقص الاعداد والانواع.
الدكتور أيسير الألوسي يقول " أن التفكير بعراق من نفط، ممكن ولو في أبعد مدى، لإحتمال نفاذ هذه الثروة ولكن التفكير بعراق دون شجرته التقليدية،النخلة، يعد من الأمور المستحيلة لكون، العراق، ظل يحتفظ بأولوية عالمية في استنباتها موفراً ثروة وطنية اساسية بعد البترول".
في دولة الامارات العربية وبعد عمل مضن وبتجارب رائدة في المجال إستطاعت الدولة هناك من زيادة أعداد نخيلها الى ما يزيد على 41 مليون نخلة لتدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية منذ عام 2009 لترتفع في 2013 الى 43 رمليون ومن المؤمل أن يبلغ 60 مليون نخلة في هذا العام نخلة متجاوزة العراق بأشواط عدة ومتفوقة بدرجة كبيرة من خلال نظام التحفيز الذي اتبعته والجوائز الكبيرة لأولئك المطورين ممن ساهموا في سرعة هذا الانجاز، ولكي لا نظل نحن في تخبطنا وسوء تقديرنا لأهمية تلك الثروة الوطنية فمسحنا آلاف الدونمات من بساتينها المنتجة من أجل السكن وليس ذلك في البصرة بل في أغلب المحافظات المنتجة، وما الضير من الاستفادة من تجربة الامارات في هذا المجال ومشاركتهم سبل النجاح التي أوصلتهم الى تلك المرحلة المتقدمة من استنبات النخيل وتطويره.
نحن بحاجة الى حزمة إصلاح خاصة بأمننا الغذائي تتحرى مواطن الخلل في تأمين الاكتفاء الذاتي الكامل من كل المنتوجات الزراعية ومفاتحة دول الجوار لتأمين الكميات الكافية من المياه عبر الاطلاقات اليومية منها، بدلاً من أن يرتفع نحيبنا على فقدان تلك الشجرة.
كان حري بالعراق، الذي كان، البلد الاول في إنتاج التمور أن يستحدث جائزة دولية على غرار الجوائز في دولة الامارات العربية تمنح لمشاركين ببحوث عالية المستوى لتطوير التمور وصناعتها في البلد لنتمكن من وضع الحافز الكافي لدفع المساهمين في إغناء التطوير المطلوب لتلك الصناعة الغالية على نفوسنا وإكرامنا لتلك الشجرة المباركة، جوائز تمنح في الدول الاخرى بمئات آلاف الدولارات ولنتجاوز مرحلة الدروع البلاستيكية والزجاجية التي تمنح للباحثين والمساهمين في تطوير زراعة وصناعة التمور والتي لاتغني عن شيء من أجل التطوير وإستحداث الطرق التي تمنح النخلة كرامتها، بعدما نزعناها منها بقوة التخلف وسوء التدبير. حفظ الله العراق