لماذا يجب أن يفكر الشباب بالمشروعات الصغيرة؟

جميل عودة ابراهيم

2020-02-01 04:55

لعل الكثير من الشباب والشابات الباحثين عن فرصة عمل في بلادنا لم يسمعوا بمصطلح (المشروع الصغير) أو مصطلح (المشروعات الصغيرة) أو سمعوا بهذا المصطلح على نحو الإجمال، ولكنهم يجهلون الكثير من تفاصيله، والمرء -في العادة- عدو ما يجهل. وقلة هم من الشباب الذين راحوا وراء المشروعات الصغيرة الخاصة، ولكنهم أيضا أصيبوا بالإحباط الشديد، بالنظر إلى الصعوبات التي واجهتهم في تشغيل المشروع، وفي استدامته.

انطلاقا من ذلك؛ لا يفكر الكثير منا بأي مشروع صغير، إما لأننا نجهل طبيعة المشروع الصغير وأهميته، وإما لأننا نخشى خسارة أموالنا، وبعضنا إذا أراد أن يفتتح مشروعا صغيرا؛ فهو غالبا ما يلجأ إلى شريك ليحمي رأس ماله من النقص أو الخسارة.

نحن وشبابنا الطامحون لتأسيس مشروعات صغيرة بحاجة دائما إلى معرفة جيدة بمكونات المشروعات الاقتصادية الصغيرة الخاصة، وبحاجة دائما إلى إدراك أهمية هذه المشروعات، ليس على المستوى الفردي وحسب، بل على مستوى الأسرة والجماعة والبلد، وكلما ازدادت معرفتنا لتلك المشروعات ازدادت رغبتنا في التقرب منها، وتوسعت خبرتنا في التعامل معها، وتمكنا من تحسين أدوات نجاحها.

إن الشيء المهم الأول الذي علينا معرفته هو أن المشروعات الصغيرة مع اختلاف حجمها؛ ورأسمالها؛ وعمالها؛ وآلاتها؛ وأدواتها هي عماد الاقتصاد في كل دول العالم، الغنية منها والفقرة، الصناعية منها وغير الصناعية، المتطورة منها وغير المتطورة، وهي وسيلة ناجحة لتوليد الدخل لأعداد كبيرة من المواطنين الباحثين عن العمل. وهي أفضل الطرق للحد من مشكلة البطالة التي تعصف بالكثير من الدول، لاسيما تلك الدول الفقيرة، من خلال توفير فرص عمل، وبكلفة أقل من كلفة توفيرها في المشروعات الكبيرة والمؤسسات الحكومية، فعلى سبيل المثال تشغل المشروعات الصغيرة في اليابان نحو (70%) من إجمالي القوى العاملة في اليابان، وفي أمريكا نحو (84%) من حجم القوى العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية.

وإن الشيء المهم الثاني الذي يجب معرفته هو أن المشروعات الصغيرة الخاصة تنشط في المجالات الاقتصادية كافة، وهي لا تقتصر على مجال اقتصادي دون مجال اقتصادي آخر، فيمكن أن تفتتح مشروعا صغيرا في القطاع الزراعي والثروة النباتية والحيوانية، ويمكن أن تفتتح مشروعا في القطاع الصناعي والتكنولوجي والمعلوماتي، ويمكن أن تفتتح مشروعا صغيرا في القطاع التجاري والتبادل التجاري، ويمكن أن تفتتح مشروعا صغيرا في القطاع الخدمي في مقابل أجور محددة، وهو قطاع كبير جدا، وفيه أرباح تفوق الخيال.

وإن الشيء المهم الثالث الذي يجب معرفته هو أن المشروعات الكبيرة التي نشاهدها أو نسمع بها أو نقرأ عنها هي ليست مشروعات كبيرة موحدا، بل كل مشروع كبيرة في الواقع هو مشروع مؤلف من عدة مشروعات صغيرة، أو يعتمد في إنتاجه واستدامته على مشروعات صغيرة، توفر له قطع الغيار، أو الخدمات الضرورية الأخرى التي تؤلف بمجموعها ذلك المشروع الكبير.

ولولا تلك الشركات الصغيرة ما استطاعت أن تعمل الشركات الكبيرة. فالسيارة (مثلا) لا تصنعها شركة كبيرة واحدة، بل تصنعها عدة شركات صغيرة، تعمل لحساب الشركة الكبيرة، والحاسوب (مثلا) لا تصنعه شركة كبيرة، بل تصنعه عدة شركات صغيرة، تعمل لحساب الشركة الكبيرة. وقد تصل أعداد الشركات الصغيرة إلى آلاف الشركات. وهذا يعني أن كل شركة كبيرة هي بحاجة إلى خدمات تقدمها الشركات الصغيرة، ويمكن أن يكون مشروعك الصغير يوما ما أحد هذه الشركات، بل قد يتحول مشروعك الصغير في وقت ما إلى مشروع كبير (شركة كبيرة) تستقطب المشروعات الصغيرة (الشركات الصغيرة).

إن الشواهد التاريخية تؤكد أن منشآت الأعمال الصغيرة تمثل اللبنة الأساسية، في بناء الصروح الاقتصادية الشامخة، في بلدان العالم المتطورة، فذلك المشغل الصغير قد انبثق عنه مصنع كبير، وهذا المحل التجاري المتواضع قد تطور ليصبح شركة تجارية ضخمة، وذلك الحقل الزراعي المحدود بمساحته وإمكاناته قد انطلق ليصبح حقلاً زراعياً واسعاً. ومما يؤكد ذلك أن الثورة الصناعية التي شهدتها إنكلترا وفرنسا وألمانيا في القرن الثامن عشر لم تأتِ من فراغ، وإنما انطلقت هذه الثورة من المشاغل الصناعية الصغيرة التي كانت موجودة آنذاك.

وإن الشيء المهم الرابع هو أننا لكي نبدأ حياتنا المهنية؛ وندخل إلى سوق العمل، لابد أن يكون لدينا مشروع ما، وفي العادة؛ فان خياراتنا ليست كثيرة، فنحن عندما نفكر بمشروع كبير؛ فهذا يعني أننا نحتاج إلى رأس مال كبير أيضأ، ونحتاج إلى معرفة وخبرة وتجربة، والحال إننا في بداية الطريق، بل في أول بداياته.

وعليه، فان التفكير المنطقي ينصب باتجاه المشروع الصغير، لأسباب متعددة:

أولها: أننا لا نمتلك من البيانات والمعلومات والخبرات والمهارات إلا الشيء القليل، فلا يمكن أن نقدم على خطوة نعرف مسبقا أننا ليس مؤهلين لها في الوقت الحاضر.

وثانيا: أن المشروعات الكبيرة تحتاج إلى رأس مال كبير أيضا، والرأس المال الكبير غير متوفر قطعا.

.......................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي