قطاع النقل في العراق يحتاج الكثير ايضا
د. احمد ابريهي علي
2018-11-22 06:06
هذه بعض البيانات وملاحظات للتذكير، وهي دعوة للتفكير والبحث في شؤون النقل، ومن المعلوم ان الموارد التي يمكن اتاحتها لهذا القطاع تخضع للأولويات ومجموع التزامات الموازنة العامة والبرنامج الاستثماري وجميع القواعد التي تعتمدها الادارة الاقتصادية.
ولهذه المقالة صلة بما سبقها، وتنطلق من اعتقاد بان المستقبل يرتسم اولا في الوعي كي يتجسد في الممارسة، ولذلك لا تكفي الأطروحات بالخطوط العريضة، وان اخطاء الخوض في التفاصيل انفع للناس من روعة التصورات النظرية المجردة وفخامتها عندما تبقى في عليائها.
كان عدد السيارات الأهلية في العراق عام 2012 بالآلاف 3830 سيارة، وفي عام 2016 وصلت الى 6111 ألف، وتغيرت بنسبة 8 بالمائة عن سنة 2015 وعلى هذه الوتيرة ربما تجاوزت 7 مليون سيارة عام 2018 بمعدل 186 سيارة لكل 1000 من السكان، بينما كانت 899 ألف في عام 1989 بمعدل 52 سيارة لكل 1000 من السكان.
وتزايدت كثافة السيارات على الطرق كثيرا، ويتطلب الامر تغييرا وتوسيعا جذريا لشبكة الطرق الرئيسية والثانوية وداخل المدن وخاصة بغداد. وعندما يستمر تدفق السيارات الى العراق، مع بقاء الطرق بسعاتها الحالية، تتكاثر الاختناقات، ثم يصبح قطاع النقل عائقا للنشاط الاقتصادي وترتفع تكاليف الانتاج والاستثمار لهذا السبب. ويبدو ان شبكة الطرق الرئيسية والثانوية في العراق، عدا كردستان، بقيت تقريبا كما هي من بداية الحصار وحتى عام 2010، زيادتها طيلة تلك المدة دون 3 بالمائة حسب البيانات المنشورة، وبعد عام 2010 لا زالت امكانات تشييد الطرق محدودة وهو الظاهر.
ان جزءا من مشكلة قطاع النقل مشتركة مع كل البناء التحتي وقد تناولته مقالات سابقة من جانب البرنامج الاستثماري الحكومي وادارة المشاريع، وشركات البناء والتشييد (المقاولات)، والتدقيق والرقابة الهندسية والكلفوية... ما يتطلب تغييرا شاملا لتحقيق انجازات ملموسة على الارض. لكن مشكلات اخرى تحتم الضرورة مواجهتها والتعامل معها دون ابطاء ومنها: غياب المركز المخطط والمنسق، على الصعيد العملي، رغم وجوده رسميا في وزارة التخطيط. وتتصل هذه المشكلة بعدم فاعلية مفهوم النظام في النظر الى النقل، والمبدأ الاقتصادي وخلاصته استدناء التكاليف من زاوية الاقتصاد الوطني لمجموع خدمات النقل بكافة الوسائط، وبالتنسيق مع تصور المسار الزمني لانتشار النشاط الاقتصادي– الديموغرافي، وانماط التنمية الحضرية واستخدامات الأرض... وابعاد اخرى بما فيها البيئة.
ان مفهوم النظام في النقل يعني دائما المفاضلة والتكامل بين السكك والنقل بالسيارات وبالتنسيق مع الموانئ وحجم حركة النقل منها واليها والمنافذ البرية للتجارة الخارجية، والمطارات. ومن المعلوم ان شبكات النقل تؤثر في اختيار مواقع المشاريع الكبرى ولذلك لها اهمية في قرارات الاستثمار.
لقد عانى العراق اواسط السبعينات اختناقات حادة في النقل، وكان وقت الانتظار للحصول على الخدمة طويلا، وخاصة بين بغداد والمحافظات، وربما دفعت تلك الاختناقات لإنجاز شبكة المرور السريع والطرق الرئيسية التي استكملت عام 1982. وبعد ذلك اعدت شركة يابانية مع امانة بغداد، منتصف الثمانينات، تخطيط بغداد الكبرى لاقتراح تصاميم وبرامج تطوير اسدل الستار عنها. ومن جهة اخرى ظهرت مبادرة شبكة قطار الأنفاق في بغداد وتصميمها، ومقترح تطوير السكك على اسس مختلفة. لكن تلك المشاريع لم تنفذ لانحسار الموارد في الثمانينات ومن ثم الحصار.
ويستفاد من البيانات ان إسهام السكك في العراق محدود في نقل المسافرين والبضائع، بينما يستنتج من الإطلاع على واقع النقل في دول اخرى وخططها اهمية السكك في نقل البضائع والمسافرين ما بين المدن وداخلها. كما ان سكان العراق ومساحته يتطلبان الانفتاح على أحدث تقنيات النقل بالقطارات والانتفاع منها على أفضل وجه. ونشير الى ارتباط التخفيف التدريجي للتركز السكاني في بغداد بمستقبل نظام النقل ايضا، وبالعلاقة مع تخطيط المستوطنات البشرية ومناطق النشاط الاقتصادي في النطاق الإقليمي لبغداد، ويسري هذا المنهج على بقية المدن الكبرى في العراق. ولهذا الغرض تدرس احصائيا الرحلات اليومية بين السكن واماكن العمل والتعليم والخدمات الصحية، واماكن السياحة، فيما يسمى اصطلاحا توليد الرحلات. والذي ينفع ايضا، حتى في ظل المنظومة القائمة، لاتخاذ إجراءات تساعد على تعديل زخم التدفقات على المسارات لفك الاختناقات. إضافة على اعادة توزيع مواقع التخزين والمراكز الرئيسية لتجارة الجملة وسواها.
لتفادي الوصول الى ازمة في قطاع النقل يفضّل العمل على ربط الدوائر المسؤولة بمركز تنسيق فعال يستند الى دراسات مستقبلية وخطة شاملة. لأن وزارة النقل مشغولة بالشركات التابعة لها، بما فيها السكك والموانئ وشركة النقل البري ومهام النقل الجوي، وفي السنوات الأخيرة نافستها المحافظات.... اما الطرق داخل المدن فتهتم بها البلديات، وامانة بغداد، والطرق الرئيسية بين المدن تتولاها وزارة الأعمار، والطرق الثانوية تتوزع بين وزارة الأعمار والمحافظات. وكان استيراد السيارات من مسؤولية وزارة التجارة، ومنذ اواخر سني الحصار والى يومنا صار الاستيراد حرا.
ولذا تمس الحاجة الى المركز المنسق، وفي نفس الوقت ان يحاول كل طرف من جانبه توظيف صلاحياته للوصول الى الأمثلية على مستوى النظام. ويعرف اهل الاختصاص ان النقل محور اساسي في التخطيط المكاني، الإقليمي والحضري، ودائما تكون متغيرات النقل: الكلفة والمسافة وزمن الانتقال والمخاطر مؤثرة في اختيار الافراد لمكان السكن والعمل، وتُعَد خدمات النقل كلفة في الإنتاج والتجارة ووسيلة رفاه في القطاع الأسَري. ومن الضروري ان يهتم المعنيون بحوادث المرور، التي كانت ذروتها 10709 حادثة منها 2900 مميتة عام 2012، وانخفضت عام 2016 الى 8814 حادثة، لأن من الأهداف التي تتضمنها خطط النقل: السهولة والسرعة والأمان.