حرب على التحرش: عندما يولد العنف من رحم الغرائز

مروة الاسدي

2016-09-06 07:21

يشهد العالم بشكل يومي تعرض النساء للتحرش الجنسي في الاماكن العامة والشوارع وكذلك في الجامعات او المنتزهات خاصة في ايام المناسبات والاعياد او حتى في البيت، لدرجة لم يعد هناك سبيل تحمي المرأة بموجبه نفسها أو تتجنب هذا الانتهاك.

على اثر تفاقم هذه الظاهرة الاجتماعية عالميا، دأبت الحكومات والمنظمات الحقوقية الى شن حرب على التحرش من خلال تشديد القوانين والعقوبات وعدها جريمة كبرى بحق المرأة والاطفال الى جانب الحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي المناهضة للتحرش وتثقيف المجتمع من خلال تعزيز القيم الاخلاقية والمبادئ الدينية، وفقا لما ذكر في كتاب الله العزيز بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) سورة النور آية (19).

فيما يعزو الخبراء في الشؤون الاجتماعية انتشار ظاهرة التحرش لعدة اسباب منها: الابتعاد عن القيم الدينية و الخلقية وغياب منظومة الاسرة عن القيام بدورها الأساسي في التربية والتنشئة الصحيحة واتجاهها نحو جمع اكبر قدر ممكن من المال في ظل ظروف اقتصادية بالغة السوء والصعوبة، اختفاء دور التربية والتعليم كلاهما من المدارس والمعاهد والجامعات.

الفراغ الهائل الذي يعاني منه الشباب بسبب البطالة المتفشية و اختفاء الساحات الرياضية التي يفرغ فيها الشباب طاقاته و تحولها إلى مقالب قمامة، تنامي ظاهرة العشوائيات التي تفرز مجرمين إلى المجتمع، ارتفاع سن الزواج وارتفاع تكاليفه وتفشي ظاهرة العنوسة، تعاطي الشباب للمخدرات التي تفقد الوعي و تحث على ارتكاب التحرش أو الاغتصاب.

في حين يرى خبراء اخرون ان الردع يكمن في وضع قوانين رادعة لمن يرتكب هذا الفعل المشين وتوعية المجتمع بحجم هذه الظاهرة وخطورتها وبالتالي وسم الفاعل بالعار وليس الضحية هو الوسيلة الفعالة الوحيدة للتصدي للتحرش الجنسي.

ويجب ألا نغفل على المدى المتوسط والبعيد وفي إطار تربية وتنشئة الشباب عن استثمار طاقتهم خصوصا في مرحلة المراهقة عن طريق تشجيع وصقل المواهب سواء كانت فنية أو رياضية أو علمية بما يعزز الشعور بتحقيق الذات ويوفر لهم مجالات أخرى للتباري والتنافس عوضا عن إعمال الغرائز، ولهذا لابد من أن تبادر الجهات المسئولة المتمثلة بمنظمات التنمية الاجتماعية والأسرة والمؤسسات الحكومية والتضامن إلى اقتراح تشريعات تجرم التحرش.

مصر

بعد ثماني سنوات من حصول اول سيدة في مصر على حكم قضائي يدين رجل في قضية تحرش جنسي، يقر نشطاء ومحامون بان هناك تقدما في موقف المجتمع من هذه المسالة وكذلك في حبس عدد اكبر من المتحرشين، وفي العام 2008 كسرت نهى الاستاذ احد المحرمات في المجتمع بإفصاحها عن تفاصيل تعرضها لحادث تحرش جنسي واصرارها على محاكمة المتحرش، وتحدت الاستاذ المجتمع المصري حين روت علانية كيف اخرج السائق شريف جبريل يده من سيارته وامسك بجسدها قبل ان ينطلق بسيارته ويجرها وكيف صممت على الامساك به حين رأته يضحك وهي تسقط ارضا. بحسب فرانس برس.

التحدي الكبير في تعامل الاستاذ مع واقعة التحرش بها صنع التاريخ في مصر، فلقد صدر حكم هو الاول من نوعه بسجن جبريل ثلاث سنوات، وادت سنوات لاحقة من الحملات الشبابية الى تغيير المزاج العام تجاه التحرش الذي كان المجتمع، والسلطات العامة التي هي جزء منه، يعتبره امرا تافها ويلقي باللوم عادة على المرأة، وتقول الاستاذ في مقابلة مع وكالة فرانس برس "الان اسمع عن حالات كثيرة ، بنات يأخذن رجالا الى اقسام الشرطة.

والناس الان لديهم اعتياد اكبر على هذا التصرف"، واضافت "في الحياة اليومية، تغير كثير من الاشياء. استطيع ان اشعر شخصيا بها في الشارع"، وبحسب دراسة للامم المتحدة صادرة في العام 2013، تعرضت 99,3 من المصريات لنوع من انواع التحرش، فيما قالت 82,6 منهن انهن لا يشعرن بالامان في الشارع، وتصاعد النقاش العام حول المشكلة في أعقاب ثورة 2011 التي اطاحت بالرئيس الاسبق حسني مبارك وكان ميدان التحرير بؤرتها، وتقول مزن حسن المديرة التنفيذية لمركز نظرة للدراسات النسوية "بالطبع هناك تقدم".

التغطية الاعلامية، تؤكد الناشطة حسن ان مؤسستها كسبت 50 قضية تحرش جنسي، معظمها تتضمن احكاما بالحبس، منذ جرمت السلطات المصرية التحرش الجنسي في حزيران/يونيو 2014 قبل ايام قليلة من تنصيب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيسا للبلاد، وبفعل التغطية الاعلامية المستمرة من ميدان التحرير، فان اعتداءات جنسية حدثت خلال التظاهرات التي تلت اسقاط مبارك ساعدت في انهاء الانكار الشعبي لوجود وقائع تحرش في البلاد، واحدة من اسوأ هذه الوقائع حدثت في حزيران/يونيو 2014 اثناء الاحتفالات بفوز عبد الفتاح السيسي بالانتخابات الرئاسية، واظهرت لقطات فيديو صادمة، صورت عبر هاتف محمول، مجموعة من الرجال يحيطون بسيدة، جردت من ملابسها ومتورمة الجسد في اعتداء في ميدان التحرير، بعدها بايام قليلة، زار السيسي السيدة في المستشفى حاملا ورودا حمراء ومقدما اعتذارا رسميا لها مع وعد بمواجهة التحرش، في الشهر التالي، حكم على سبعة رجال بالسجن المؤبد واثنين اخرين بالسجن عشرين عاما في وقائع تحرش حدثت في محيط ميدان التحرير.

وتقول الناشطة حسن ان زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسيدة "كانت رسالة لمؤسسات الدولة والعاملين بها بان ذلك لم يعد مقبولا"، ويقول المحامي مايكل رؤوف من مركز النديم لتاهيل ضحايا العنف والتعذيب انه ادرك اثر مثل هذه الاحكام عندما سمع شبانا يعلقون على ملابس فتاة تمر قربهم، ويسترجع رؤوف الواقعة قائلا "احدهم كان يقول انظر ماذا ترتدي، اخوها او اباها تركوها تترك المنزل بهذه الملابس. واذا قلت اي شيء يضعوك في السجن"، ومنذ البداية، جاءت مبادرات مكافحة التحرش من افراد او منظمات مجتمع مدني او من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

نقاش عام، ظهر النقاش عن التحرش الجنسي بشكل جدي في المجال العام في سنة 2006، عندما هاجم حشود من الرجال عددا من الفتيات والسيدات في وسط القاهرة في عطلة العيد، وتجاهلت الصحف الرسمية وقائع التحرش لكن عددا من المدونين تحدثوا عنها، وفي اعقاب ثورة 2011، انتشرت لوحات غرافيتي جدارية تدعو لمكافحة التحرش في وسط القاهرة، كما شكل متطوعون مجموعات شبابية لحماية النساء من هجمات التحرش الجماعي، وتشجعت مزيد من النساء للتحدث عن تجاربهن مع التحرش الجنسي بشكل علني، وفي شباط/فبراير 2013، نزلت مئات السيدات للشارع حاملات سكاكين في تظاهرة رمزية للاحتجاج على العنف الجنسي الذي تعرضن له في تظاهرات معارضة للرئيس الاسلامي محمد مرسي.

وتقول الناشطة حسن "هناك فارق" بين رؤية المجتمع وتعامله مع ظاهرة التحرش وبين ما كان عليه الوضع من قبل، وتضيف "في 2006 كان هناك ناس يقولون عنا مجانين" لاننا نسعى لمكافحة التحرش "وفي العام 2013 كان هناك من يقولون ان هذه الاشياء لا تحدث في التحرير، الان هناك فارق"، حتى اولئك الذين يختلقون اعذارا للمتحرشين يمكن ان يغيروا رأيهم عندما يتناقش معهم المتطوعون، حسب ما قالته عليا سليمان المتحدثة باسم مجموعة "خريطة التحرش"، وتنظم مجموعة "خريطة التحرش" نقاشات عامة في الجامعات، وتدرب سائقي سيارات شركة اوبر وتبث اعلانات لحملة ضد التحرش في محطات التلفزة والراديو، الا ان التغيير في ثقافة المجتمع ليس سريعا بالقدر الكافي، بحسب يارا عبد العزيز البالغة 22 عاما، وحاولت عبد العزيز ان تبلغ عن ثلاث وقائع تحرش بها الا ان محاولاتها باءت بالفشل، وحتى في منزلها فانها تقول ان شقيقها الاكبر سنا يتحرش بها.

وتقول عبد العزيز "اعتدت الا اقول لاحد اي شيء بخصوص تحرش اخي بي لكنني الان اقول للجيمع واكتب عنه على فيسبوك"، ووجدت الشابة عبد العزيز الان قدرا كبيرا من السلام النفسي متخلصة من احساسها بالذنب والخزي وهي الان تبحث عن شقة خاصة بها لتبدأ حياتها المستقلة، وتقول نهى الاستاذ "تخيلوا لو لم نقف في وجه التحرش، ما الذي كان سيكون عليه الوضع الان؟، وتخلص الى القول "في النهاية، ما يحدث هنا يعد مقاومة".

المكسيك

في أحد الأيام عندما كان قطار الأنفاق مكتظا بالركاب، شعرت أنخليكا هيرنانديس بيدين على جسدها... لكن من الآن فصاعدا، إذا تكرر الامر معها فهي ستستخدم سلاحها الجديد وهو كناية عن صفارة توزعها البلدية لمكافحة التحرش الجنسي في العاصمة المكسيكية، تنتظر هذه العالمة النفسية دورها في الطابور عند مدخل محطة مترو قبل موعد مع أحد المرضى. وهي لا تريد شراء تذكرة بل الحصول على صفارة من الصفارات ال15 ألفا التي توزعها سلطات البلدية في إطار حملتها لمكافحة التحرش الجنسي، والهدف هو "الانتقال من الصمت (المحيط بالاعتداءات الجنسية) إلى الضجيج"، على حد قول باتريسيا ميركادو المسؤولة المحلية في العاصمة المكسيكية، وتشدد ميركادو على أن "تنقل النساء بأمان في وسائل النقل العام هي مسألة تعني الجميع". بحسب فرانس برس.

لم تنس أنخليكا هيرنانديس البالغة من العمر 30 عاما اليوم الذي تعرضت فيه للتحرش في عربة قطارات من شبكة المترو التي يستقلها كل يوم 5,5 ملايين شخص، وهي قد شعرت بشخص يلمسها في المناطق الحميمة من جسمها واستاءت جدا لأنها شعرت بأنها وحيدة وما من أحد ليساعدها، بالرغم من تواجد 1885 شرطيا في شبكة قطار الأنفاق، لكن أنخليكا تأمل الآن بفضل هذه الصفارة أن "تتدخل السلطات لمساعدتها"، وتدرك البلدية تماما حجم هذه المشكلة وقد سبق لها أن خصصت عربات قطار للنساء، لكن في ساعات الذروة وأوقات الاكتظاظ، ينجح دوما أصحاب النوايا السيئة في التسلل إلى هذه العربات، وعندما أعلن رئيس البلدية ميغيل أنخيل مانسيرا في أيار/مايو عن برنامج توزيع الصفارات بالمجان، سخر منه الكثير من مستخدمي الانترنت، باعتبار أن السلطات تطلب بهذه الطريقة من النساء تأمين حمايتهن بأنفسهن، لكن رئيس البلدية ثابر في مشروعه، إدراكا منه أن هذه الحملة قد تسلط الضوء على مشكلة التحرش الجنسي.

سترات وسيارات أجرة زهرية، وأكدت عدة نساء من راكبات قطار الانفاق لوكالة فرانس برس أنهن يشعرن بأمان أكبر بفضل هذه الصفارات البلاستيكية، حتى لو كن على علم بأن هذه الخطوة غير كافية لحماية النساء في بلد تسجل فيه كل يوم عمليات قتل واختطاف في حقهن، وعندما تطلب المرأة المساعدة في مكان عام، "لا يرد عليها أحد، لكن في حال أصدرت ضجيجا بواسطة هذه الصفارة، قد يسمع أحد ندائي ويلتفت إلي لتقديم المساعدة"، على ما صرحت ريميديوس راميريس (35 عاما) التي تعمل في محطة بالنتيلان التي تعد من أكبر محطات شبكة قطار الأنفاق، وبين كانون الثاني/يناير 2014 وحزيران/يونيو 2015، سجلت 274 جريمة قتل ذهبت ضحيتها نساء في العاصمة المكسيكية، بحسب مرصد جرائم قتل النساء، وفي العام 2015، تم الإبلاغ عن 1800 حالة اعتداء جنسي في أماكن عامة، 24 % منها في قطار الأنفاق، وفق أرقام رسمية. غير أن العدد الفعلي للاعتداءات قد يكون أكبر بكثير، إذ أن نساء كثيرات لا يجرؤن على الإبلاغ بها.

وهذه المشكلة مرتبطة بالعقلية السائدة في المجتمع الذي لا ينظر إلى المرأة على قدم المساواة مع الرجل، على حد قول مارغاريتا أرغوت من المعهد المخصص للنساء في الحكومة المحلية، وبالإضافة إلى العربات المخصصة للنساء والصفارات، اتخذت بلدية مكسيكو تدبيرا ثالثا للحد من ظاهرة التحرش يقضي بتوزيع سترات زهرية اللون للنساء المكلفات بالأمن في قطار الأنفاق ليتعرف عليهن بسهولة من يريد التقدم بشكوى، وطرحت البلدية أيضا أسطول سيارات أجرة زهرية اللون تقودها نساء، وتتعرض "سبع نساء لجرائم قتل كل يوم" في المكسيك، فالصفارة وحدها لا تجدي نفعا كبيرا ولا بد من اتخاذ إجراءات إضافية لرفع الوعي بشأن هذه المشكلة، بحسب ماريا كونسويلو ميخيا مديرة منظمة "سي دي دي" غير الحكومية.

فرنسا

أطلقت فرنسا حملة وطنية ضد التحرش الجنسي في وسائل النقل العامة في خطوة للحد من هذه الظاهرة التي تطال عددا كبيرا من النساء، وقام بتدشين هذه الحملة كلا من كاتبة الدولة المكلفة حقوق المرأة، باسكال بواتار، وكاتب الدولة المكلف النقل، آلان فيداليس، وذلك في محطة سان لازار في قلب العاصمة باريس، وتسعى الحكومة الفرنسية إلى كسر حاجز الصمت الذي يحيط بهذه الظاهرة في المجتمع الفرنسي.

والغاية هي تحسيس وإشراك كل مقومات المجتمع لوقف هذا السلوك السلبي، خاصة أن الضحايا غالبا ما يلتزمن الصمت، وفي دراسة أجرتها الهيئة العليا للمساواة بين الرجال والنساء في فرنسا، أكدت 600 سيدة يعشن في باريس وضواحيها بنسبة 100 بالمئة تعرضهن للتحرش الجنسي في وسائل النقل العامة مرة واحدة على الأقل في حياتهن. وأشارت الدراسة إلى أن التحرش يتفاوت بين العبارات غير اللائقة أو التصفير والمضايقة وحتى اللمس في مناطق حساسة من أجساد النساء خلال تنقلهن بالباصات أو مترو الأنفاق. بحسب فرانس برس.

وأوضحت الدراسة أن عدة عوامل تدخل في الاعتبار خلال عملية التحرش الجنسي من بينها طبيعة وسيلة النقل وتوقيت الرحلة ومكانها، إلا أن العبارات التي تعبر عن التحرش تبقى نفسها وتتميز عادة بالعنف لتتراوح بين عبارات الغزل الخفيف مثل "يا آنسة، أنت جذابة" أو "كم أنت جميلة"، إلى العبارات الجريئة أو الوقحة أحيانا، مثل: "هل ارتديت تنورة قصيرة لجذب انتباهي؟"، أو "أرغب في مجامعتك"، أو "ردي أيتها السافلة"!، الحملة، التي أطلقت عليها السلطات تسمية "توقف- كفاية"، تتضمن لافتات تحسيس ولوحات رقمية في محطات المترو والحافلات، وكذلك فيديوهات على الإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي حيث توزع أيضا منشورات ورقية تذكر بتبعات التحرش الجنسي في وسائل النقل العام والعقوبة التي تواجه مرتكبها والتي تتراوح بين السجن ستة أشهر والغرامة المالية التي قد تصل قيمتها إلى 22500 يورو في حال التهديد أو الشتم، والسجن خمس سنوات وغرامة قيمتها تصل إلى 75 ألف يورو في حال اللمس أو التقبيل عنوة، وتم تخصيص أرقام هاتف -3117- للتبليغ عن حالات الاعتداء ولنجدة ضحايا التحرش في وسائل النقل على مدار 24 ساعة وابتداء من 7 كانون الأول/ديسمبر.

السعودية

انتشر فيديو يظهر تعرض فتاتين سعوديتين للتحرش الجنسي بجدة، على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشار النار في الهشيم، وتفاجأ البعض مما حصل في بلاد، تعتبر محافظة، ولم يعرف عنها انتشار هذا النوع من الاعتداءات في الشارع. وفتح الحادث نقاشا موسعا بين السعوديين ومعهم رواد مواقع التوصل الاجتماعي من مواطني بلدان الخليج حول غياب قوانين تحمي النساء من هذه الممارسات الحاطة بكرامة المرأة.

أثار فيديو أظهر تحرش حشد من الشباب بفتاتين في ثاني أيام عيد الفطر، كانتا تمشيان في متنزه بجدة، ضجة لم ينته بعد دويها في مواقع التواصل الاجتماعي، أجبرت السلطات السعودية على التحرك لملاحقة المتحرشين، علما أن الفتاتين كانتا ترتديان اللباس التقليدي المعروف في السعودية (من حجاب وجلباب).

وأفاد موقع صحيفة "الرياض" اليوم أن الشرطة اعتقلت أحد الأشخاص الذين ظهروا في الفيديو، مضيفة أن المقبوض عليه قدم للشرطة أسماء شباب آخرين شاركوا في الاعتداء والبحث جار لتوقيفهم، ونقلت الصحيفة عن العقيد عاطي القرشي، الناطق الإعلامي لشرطة منطقة مكة، أن "الجهات الأمنية بشرطة المنطقة رصدت مقطع الفيديو الذي تم تداوله مؤخرا عبر وسائل التواصل الاجتماعي تظهر فيه مجموعة من الشبان يقومون بتصرفات غير لائقة تجاه فتاتين"، وأوضحت أن الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة، "أصدر توجيها بسرعة القبض على الشبان الذين تحرشوا بالفتاتين، وبتكثيف الحضور الأمني في الحدائق والأماكن العامة."

تنديد وجدل، خلق الحادث، الذي يبدو أنه ليس الأول من نوعه كما حاول أن يكشف عن ذلك الكثير من السعوديين الرافضين للظاهرة، سجالا كبيرا لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتقد البعض منهم التعاطي السلبي للدولة ومعها جهات محافظة الدعوات السابقة إلى فرض قانون واضح بهذا الشأن، يعاقب المتورطين في اعتداءات التحرش الجنسي، وكتبت الدكتورة هتون أجواد الفاسي، في تغريدة لها، أن " حادثة الـ #تحرش_بفتاتين_بجده تذكر بأولئك الذين وقفوا ضد فرض قانون محاربة التحرش"، معتبرة إياهم "مساهمون في هذه الجريمة"، وأضافت "شبابنا ما بين تطرف وتسيب أمر مخز،عقوق وانعدام مروءة، خلاعة وانهيار أخلاق وتربية، والأنكى المبررين"، في إشارة منها إلى الذي يحاولون إعطاء تبريرات لهذا الاعتداء.

وأعربت الكثير من النساء السعوديات عن استيائهن مما حصل للفتاتين، وقالت تماضر اليامي في تغريدة لها بعامية محلية "يا عيباه يا شبابنا الله يفشلكم فضحتونا قدام كل العالم.. ايش استفدتوا؟ أخذتوا شي؟ شوهتوا سمعتكم وسمعة بلدكم وسمعة دينكم!"، وتضامنت نساء خليجيات مع الفتاتين عبر تعليقات أو تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي. وكتبت إحداهن، تطلق على نفسها اسم "كويتية أصيلة"، منددة بما حدث: "البنات لابسين عبي وملافع، ويقولك المتخلف متبرجه تستاهل، شنو تلبس حديد يعني .! لادين ولا أخلاق"، وخلصت إلى مقولة، لها رمزيتها الخاصة، عندما قالت: "أعود وأكرر... عندما تفترض أني حلوى سواء مكشوفة أو مغطاة.. سأفترض أنك لست سوى ذبابة"، وتساءل أحد المغردين لماذا لا يتحرش بالفتيات في دول، تنعت "ببلدان الكفر"، و"يتعرض لذلك محجبة في بلد مسلم؟!"، مفارقة لم يجد لها جوابا، وطرح من خلال سؤال تتداخل فيه إشكالات دينية وسوسيوثقافية.

المتشددون وغياب القوانين، حاول التيار المتشدد في المجتمع السعودي أن يعيد إلى ساحة النقاش ما يعرف بـ"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، المثيرة للجدل، والتي ينظر لها كشرطة دينية موازية للشرطة المدنية، بل إن اختصاصاتها تسمو على مهام الشرطة المدنية، وقال أحد هؤلاء، في تغريدة على تويتر، "يطالبون أن تكون هناك قوانين مانعه للتحرش، وعندما نقول لهم هؤلاء هم المسؤولين عن تطبيقها يرفضون!!!"، في إحالة إلى هذه الهيئة، ويؤكد المختصون في القانون، وفق ما نشره موقع "الخليج الجديد"، أنه لا توجد عقوبات خاصة بالتحرش الجنسي في التشريعات السعودية، لافتين إلى أن قضايا التحرش في ارتفاع متواصل وتحتاج إلى قوانين زجرية لوقف الظاهرة، وبحسب الموقع، فإن القوانين السعودية حصرت التحرش في حال وجود علاقات أسرية، أو إعالة أو كفالة. وسجلت وزارة الشؤون الاجتماعية في منطقة مكة وحدها خلال ستة أشهر من العام الجاري 650 حالة من هذا النوع، بينها حالات عنف جسدي، وفق نفس الموقع.

اميركا اللاتينية

تتوجه سارا فيليس طالبة الحقوق البالغة 26 عاما، يوميا الى الجامعة في بوغوتا مشيا، متحملة على طول الطريق الاطراءات التي غالبا ما تتحول الى تعليق بذيء...وقد بدأت دول اميركا اللاتينية تتحرك اخيرا ازاء هذه التصرفات الذكورية، في الاشهر الأخيرة، بدأ في كل من الارجنتين وتشيلي نقاش لمشاريع قوانين تجرم التحرش في الشوارع، على غرار ما هو حاصل في المكسيك وكوستاريكا، اما في البيرو، فان السلطات تبدو الاكثر تشددا في مكافحة هذه الظاهرة، مع اقرارها قانونا يعاقب بالسجن لمدة تصل الى 12 عاما للمتحرشين، وتأتي هذه التشريعات استجابة لتحركات مدنية متنامية تطالب بوقف هذه الظاهرة التي باتت تحول حياة النساء في اميركا اللاتينية الى جحيم يومي. بحسب فرانس برس.

وتقول ساره فيليس لمراسل وكالة فرانس برس "لا استطيع ان امشي في الشارع بسلام، دائما هناك من ينظر الي او يقول لي كلاما مزعجا"، على بعد الاف الكيلومترات شمالا، في مكسيكو، لا تختلف المعاناة كثيرا، اذ تتحول ساعات الذروة في النقل العام الى كابوس لدى النساء، تعمل لاورا رييس البالغة من العمر 26 عاما نادلة في مطعم، وهي تستخدم المترو للتنقل لكنها تركب القاطرة المخصصة للنساء والاطفال حصرا، وتقول "رغم ذلك لا اشعر بالامان، لان بعض المهووسين جنسيا يدخلون القاطرة احيانا..لكن ان دخلت القاطرات الاخرى فقد يكون الامر كارثة".

في شهر ايار/مايو الماضي، روت الصحافية البرازيلية كارولينا ابل وقائع تعرضها لتحرش بشع موثقة كلامها بالصور، وفي تشيلي، تقول 90 % من النساء انهن يعانين من التحرش الجنسي في الاماكن العامة، وتقول 70 % منهن ان ما تعرضن له كان قاسيا جدا، بحسب دراسة اجراها في العام 2014 مرصد مكافحة التحرش في الشوارع، وتتشابه هذه النتائج مع تلك الصادرة في العام نفسه عن منظمة "اكسيون ريسبيتو" الارجنتينية والتي تشير الى ان 94 % من النساء تعرضن لالفاظ نابية في الشوارع، لكن يبدو ان نساء تلك الدول عاقدات العزم على مواجهة هذا الواقع.

ويقول فابيان سانابريا استاذ علم الاجتماع في جامعة كولومبيا ان "الاطراء في الشارع هو نوع من السلوكيات الذكورية المنتشرة في اميركا اللاتينية، لكن هذه السلوكيات الذكورية تصبح قيد الانتهاء مع انفتاح العالم على بعضه"، ومن مظاهر الوعي الحقوقي لهذه القضية في اميركا اللاتينية تأسيس المنظمات المتخصصة، على غرار مرصد مكافحة التحرش في تشيلي الذي توسع بعد ذلك الى الاوروغواي ونيكاراغوا وكولومبيا والبيرو والارجنتين والسلفادور، وترى ماريا فرانشيسكا مديرة الفرع التشيلي للمرصد ان مواقع التواصل الاجتماعي تؤدي دورا اساسيا في هذا الوعي، بموازاة ذلك، تنظم بين الحين والآخر حملات تشارك فيها وجوه معروفة، مثل البطلة الاولمبية ناتاليا مالاغا التي اطلقت حملة فريدة في البيرو بافكار مبتكرة.

فهذه الحملة تعمل على تحديد هوية الشباب المتحرشين، ثم تقنع بعد ذلك والداتهم بان يمشين في مناطق تجمعهم بثياب مثيرة مع تغيير ملامح الوجه، وما ان يتعرضن للتحرش من ابنائهن حتى ينزعن القناع ليجد الشاب انه تحرش بامه، في زمن تدخل فيه النساء سوق العمل بشكل متنام في اميركا اللاتينية، لم يعد من الجائز في نظرهن الصبر طويلا على هذه الممارسات، وبات ملحا التحرك السريع لانهاء ظاهرة التحرش في الشوارع، بما في ذلك التحرش اللفظي الذي ينطوي على اطراء، لكنه ليس سوى "شكل من اشكال العنف".

بولندا

وافق مجلس النواب في البرلمان البولندي الذي تهيمن عليه أغلبية من حزب "الحق والعدالة" المحافظ، على قانون ينص خصوصا على إنشاء سجل مفتوح للعموم يتضمن أسماء مرتكبي الجرائم الجنسية، بمن فيهم المتحرشون بالأطفال، وبموجب هذا النص الذي وافق عليه 275 نائبا وعارضه نائبان من المعارضة وامتنع 166 نائبا عن التصويت عليه، ستفتح وزارة العدل سجلا متاحا للجمهور يتضمن البيانات الرئيسية الخاصة بالمجرمين الجنسيين وخصوصا هؤلاء الذين، تحرشوا بأطفال وارتكبوا أعمالا عنيفة وكرروا فعلتهم، من دون تحديد عنوان إقامتهم لكن مع ذكر المدينة التي يعيشون فيها. بحسب فرانس برس.

وستعد وزارة العدل أيضا سجلا أكثر تفصيلا مع صور الأشخاص وعناوينهم المحددة يقدم للهيئات القضائية العامة والشرطة وممثلي الإدارات العامة، وانتقد نواب المعارضة والمفوض البرلماني هذا المشروع الذي يسمح بالتعرف على ضحايا الاعتداءات الجنسية الذين غالبا ما يكونون من أقرباء المجرمين ومعرضين لخطر الثأر، ومن المرتقب أن ترسم الشرطة خريطة للاعتداءات الجنسية تحدثها بانتظام وتتيحها للجمهور.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي