التحرش الجنسي في مصر.. آفة تمزق النسيج الاجتماعي
عبد الامير رويح
2015-01-31 09:49
ظاهرة التحرش الجنسي في مصر التي انتشرت بشكل مخيف بعد ثورة 25 يناير كانون الثاني 2011 والتي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وما اعقبها من انفلات امني اجتاح مصر، لا تزال محط اهتمام متزايد لدى الكثير من الجهات الرسمية والدينية ومنظمات المجتمع المدني التي تخشى ومن استفحال هذه الظاهرة غير الاخلاقية، التي اخذت وبحسب بعض الخبراء منحنى خطير بعد ان تحولت من مجرد تصرفات فردية الى حفلات جماعية يتم فيها الاتفاق بين شباب لا يعرف بعضهم بعضا على اصطياد فريسة من الفتيات والتحرش بها لدرجة تقترب من الاغتصاب، كما حدث في بعض التجمعات والمناسبات والتظاهرات التي شهدتها مصر.
وسبب انتشار هذه الظاهرة كما يقول بعض الخبراء هو ضعف الاجراءات الامنية والقانونية وغياب الرقابة الاسرية وضعف المؤسسات التربوية، يضاف الى ذلك تفشي البطالة وتعاطي المخدرات وانتشار الفضائيات والمواد والمواقع الإباحية واللاأخلاقية، هذا ولم يستبعد البعض من المراقبين وجود دوافع سياسية وحزبية وراء تفاقم ظاهرة التحرش في مصر خصوصا وان بعض الجهات والجمعيات، تسعى الى استخدام سلاح التحرش الجنسي من اجل اضعاف سلطة القانون والقوى الأمنية، التي اتهمت ايضا بممارسة مثل هكذا انتهاكات خطيرة.
وبحسب بعض التقارير الخاصة فان جرائم التحرش في مصر التي احتلت المرتبة الثانية عالمياً بعد أفغانستان، قد وصلت الى مستويات خطيرة لا يمكن السكوت عنها فهناك60% الى 85% من نساء وفتيات مصر يتعرضن للتحرش، وقد أظهرت الإحصائيات السابقة التي صدرت عن المركز المصري لحقوق المرأة: اعترف 62 % من الرجال في مصر بالتحرش جنسيًا بالنساء، وأفاد 83 % من النساء بتعرضهن للتحرش، وقال نصفهن: إن ذلك يحدث معهن بشكل يومي. وفى عام 2006 قام المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية وكما نقلت بعض وسائل الاعلام، برصد عدد حالات الاغتصاب المعلن عنها في مصر، ووجد أن نسبة الاغتصاب ارتفعت إلى 20 ألف حالة اغتصاب في السنة.
وهناك الكثير والكثير من الحوادث التي دعمت تلك الإحصائيات مثل اغتصاب " لارا لوجان" مراسلة شبكة سي بي أس الأمريكية .. واغتصاب مراسلة قناة فرانس 24 المملوكة للحكومة الفرنسية في ميدان التحرير، مما جعل صحيفة "واشنطن بوست" تقول أن مصر تحتل المركز الأول في التحرش الجنسي بالمرأة تليها أفغانستان.
عقوبة السجن المؤبد
وفي هذا الشأن قالت مصادر قضائية إن محكمة مصرية قضت بمعاقبة رجلين بالسجن المؤبد ورجل ثالث بالسجن المشدد لمدة 20 عاما في قضية تتصل بواقعة تحرش جنسي. وعاقبت محكمة جنايات القاهرة برئاسة القاضي محمد مصطفى الفقى سبعة رجال بالسجن المؤبد ورجلين بالسجن لمدة 20 عاما في أربع قضايا تتصل بوقائع تحرش جنسي بنساء في محيط ميدان التحرير بوسط القاهرة.
وأضافت المصادر أن الفقي هو من أصدر حكم الذي تضمن أيضا وضع المتهمين الثلاثة تحت مراقبة الشرطة لمدة خمس سنوات بعد انتهاء العقوبة والزامهم جميعا بسداد تعويض قدره 100 ألف جنيه (نحو 14 ألف دولار) لاثنتين من ضحايا التحرش الجنسي. وهذا الحكم قابل للطعن أمام محكمة النقض. وذكرت المصادر أن النيابة وجهت للمتهمين عدة تهم من بينها الاحتجاز وهتك العرض والتعذيب.
والأحكام التي أصدرها الفقي هي الأشد على الإطلاق في تاريخ قضايا التحرش الجنسي في مصر وربما تحد من المخاوف من أن السلطات في مصر لا تبذل الجهود الكافية للقضاء على الظاهرة المستشرية. وكان السيسي أصدر توجيهات لوزير الداخلية محمد ابراهيم بضرورة التصدي للتحرش الجنسي عقب القبض على سبعة رجال بتهمة التعدي على امرأة قرب ميدان التحرير بوسط القاهرة خلال الاحتفالات بتنصيبه. وزار الضحية في المستشفى.
ووقعت الاعتداءات اثناء تجمع ألوف الاشخاص في الشوارع وجددت القلق بشأن التزام مصر بمحاربة العنف الجنسي. وأظهرت لقطات فيديو عرضت على موقع يوتيوب امرأة مصابة بجروح وهي تجر وسط حشد من الناس باتجاه سيارة اسعاف. وأثارت اللقطات غضبا شعبيا كبيرا وشجعت الكثير من الضحايا على التقدم ببلاغات.
من جانب اخر بكت امرأة من ضحايا التحرش الجنسي داخل قاعة المحكمة بعد صدور الحكم تعبيرا عن الارتياح. وهتف المحكوم عليهم الذين تتراوح اعمارهم بين 16 و49 عاما بكلمة "ظلم". وقال شاهد إن أهالي المحكوم عليهم انتابتهم حالة من الغضب الشديد بعد صدور الأحكام وحاولوا الاعتداء على الصحفيين واتهموهم بتضخيم القضية. بحسب رويترز.
وقال نشأت أغا وهو محامي إحدى الضحايا إن الحكم عادل تماما وإن المتهمين نالوا أقل عقوبة بحق ما ارتكبوه. وقال المحامي والناشط جمال عيد "هذا الحكم يبعث برسالة قوية لكل المتحرشين وهي أن افعالهم لن يتم التغاضي عنها أو قبولها بعد الآن... لكن الحكم على القصر كان قاسيا وكان يمكن تقليله." وأظهرت لقطات فيديو عرضت على موقع يوتيوب امرأة مصابة بجروح وهي تجر وسط حشد من الناس باتجاه سيارة اسعاف. وأثارت اللقطات غضبا شعبيا كبيرا وشجعت الكثير من الضحايا على التقدم ببلاغات.
سلاح سياسي جديد
من جانب اخر بات التحرش الجنسي في مصر وسيلة للترويع والتنكيل بالمرأة، خاصة مع ازدياد نسبة مشاركتها في الحياة السياسية، وغدا أداة ممنهجة للخلاف السياسي وسلاحا موجها من كل الأطياف ضد المرأة. ورغم اختلاف الأسباب والدوافع سيظل التحرش انتهاكا جسيما لجسد المرأة. والتحرش الجنسي مأساة تعيشها المجتمعات العربية التي طالما حافظت على رباط قيمها الأخلاقية. وقد اختلفت التحليلات حول الأسباب والدوافع، إلا أنها لم تختلف على أن التحرش هو انتهاك جسيم لجسد المرأة.
هذا الانتهاك وإن بدا كغاية، إلا أنه بات يستخدم كوسيلة للترويع والتنكيل بالمرأة، ومع ازدياد نسبة مشاركتها في الحياة السياسية، غدا التحرش أداة ممنهجة للخلاف السياسي وسلاحا موجها في يد كل الأطياف ضد المرأة. التحرشات الجماعية بالتحرير خلال الاحتفاليات الأخيرة بفوز المرشح الرئاسي"عبد الفتاح السيسي"، كانت بداية لانتفاضة "إعلامية" كبيرة ضد التحرش، سرعان ما انقضت رغم اهتمام الرئيس الجديد بها وزيارته لإحدى الضحايا "إكرام" في المستشفى في مشهد لافت إعلاميًا حاملًا الورود ومصرحًا بقوله "حقك علينا".
ومع أن الموقف الرسمي للدولة من هذه الحوادث كان هو الشجب والرفض إلا أن اتهامات بالتحرش وجهت إلى الأجهزة الأمنية. والتعاطف الإعلامي الكبير مع قضية "إكرام" ضحية التحرش بالتحرير هو ما شجع ندى أشرف (24 عاما) الطالبة بجامعة الأزهر أن تتقدم أخيرًا للإبلاغ عما تعرضت له من انتهاك داخل إحدى المدرعات، في 31 ديسمبر الماضي داخل جامعة الأزهر.
من تفاصيل الواقعة قالت: "يومها كنت ذاهبة للامتحان وكان هناك مظاهرات بالجامعة، فقدت الوعي نتيجة استنشاق كميات كبيرة من الغازات المسيلة للدموع، أفقت لأجد أحد العساكر يقوم بضربي بمواسير حديدية وصناديق قمامة من الصفيح، وعندما وقفت على قدمي رأيت ضابطا يلقي القبض على فتاة ويمسكها بشدة من صدرها، قلت له حرام عليك وقمت بشدها من يدها وأخذتها إلى جانبي، فقام بتركها والتفت إلي وقال لي تعال أنت يا من تتظاهرين بالرجولة، وأخذني إلى المدرعة وكان معه عساكر يتحرشون بي طوال الطريق إلى المدرعة، ضربني على ظهري وقذفني على الأرض، من كثرة الضرب لم أستطع القيام، وأمر العساكر أن يقفوا فوق المدرعة وكان بينهم من يضحك وواحد فقط منهم كان يبكي.
جلس الضابط على يدي وصدري وأسدل سرواله وقام بوضع عضوه الذكري على فمي وصدري، وبعدها قام باغتصابي، ثم قال لي أنت لست عذراء، فقلت له أنا متزوجة وعندي أطفال يا عديم المروءة ... فهددني بأنه سيقوم بإيذائي إذا رويت ما حدث." وتواصل: "دخل العسكري الذي كان يبكي وأعطاني مناديل لأني كنت أتقيأ دما، أخذوني بعدها إلى قسم الشرطة واحتجزوني هناك ..خفت وقتها من تهديدات الضابط ولم أحك ما حدث." أخبرها محاميها بضرورة الإبلاغ عما تعرضت له من انتهاك جسدي لتأخذ حقها، وقد قامت فعلا بعمل بلاغين بالواقعة إلا أنه تم حفظهما.
وتضيف: "طلبوا مني ذكر اسم الضابط وبالطبع أنا لا أعرف اسمه ولا حتى شكله، فهو يوم الواقعة كان ملثما، وعندما بحثت على الإنترنت وجدت صور مظاهرات جامعة الأزهر وصور ضابط يقبض على البنات وله نفس الهيئة فجمعتها وقدمتها للنيابة. والموضوع ليس بهذه الصعوبة فلم يكن هناك غير مدرعتين فقط في مظاهرات هذا اليوم ومن السهل الرجوع للسجلات ومعرفة أسماء الضباط الذين كانوا بالخدمة وقتها. "وأشارت أنه بعد ظهورها على قناة الجزيرة، تم إخطار محاميها بإعادة فتح التحقيق في البلاغ، وأوضحت أن النيابة كانت متعاونة معها هذه المرة.
"ندى" لم تجد إلا اللوم والانتقاد من زوجها حين علم بالواقعة، وقال لها على حد تعبيرها: "ما الذي جعلك تقومين بشد البنت والتدخل في الموضوع؟" وغادرت بعدها منزل الزوجية. وتواصل ندى: "حاولت الانتحار بعد الواقعة بيومين لكن الحمد لله لم أنجح في ذلك، بعدها قررت أن لا شيء يستحق أن أموت وربي غاضب مني." ولم ينحصر التحرش السياسي في بنات التيارات الإسلامية فقط، فالصحفية اليسارية "إيزيس خليل" تعرضت لما لم تتوقعه أثناء تواجدها بأحد المؤتمرات الصحفية المنددة بحبس الناشطة الاسكندرية "ماهينور المصري" في مايو الماضي، تقول إيزيس: "بعد انتهاء المؤتمر طاردت قوات الداخلية والمباحث بقيادة رئيس المباحث الشباب والبنات في الشوارع المجاورة لمقر المكتب المستضيف للمؤتمر... لم نقم بمظاهرة ولا أي شيء مخالف من منظور القانون كل ما فعله الشباب بعد انتهاء المؤتمر هو رفع صورة ماهينور لدقائق فقط ثم رحلوا..
تحفظوا علي أنا وفتاة في جانب من المدخل وحدنا ووجهنا للحائط يتحرشون بنا جنسياً ويشتموننا لدرجة إنني كنت أحاول أن أخرج يد أحد عساكر الأمن المركزي من بنطالي وكلما تحركت قاموا بضربي في ظهري بالسلاح حتى لم أعد أستطيع المقاومة... ثم جاء رئيس قوات الأمن المركزي وأخرجنا في طابور أمام الناس في الشارع وهو يسبنا قائلا "تغنجي يا ‘شرموطة‘ أنت وهي." تقول "إيزيس" إنها تقدمت بمحضر للنائب العام وعندما اطلع عليه مساعده تعجب من الواقعة وسألها: "هل حدث هذا فعلا؟!" .. فقالت له "نعم!" لكن دون جدوى .
"آيات حمادة" (18 عاما) طالبة بكلية التجارة جامعة الأزهر وعضو سابق بحركة "تمرد" ترى أن ما يحدث من تحرش لا يكون بغرض المتعة، فالعساكر على حد وصفها كانوا "يقرصون" البنات من أجزاء حساسة بالجسد، لكنها تراه تحرشا بغرض الإهانة والتطاول. بينما أكدت فاطمة لاشين، 18 عاما والطالبة بالأزهر، سبب استخدام ألفاظ خادشه للحياء وتحرش باليد أثناء القبض على الفتيات من داخل الجامعة بقولها: سمعت حديث أحد الضباط أثناء احتجازي بقسم الشرطة قبل ترحيلنا وهو يقول للعساكر بحسب تعبيرها: "اضربوا البنات في الحتة اللي تفكرها إنها بنت." (اضربوا البنات في المكان الذي يذكرهن بأنوثتهن)
نيفين مسعد -أستاذ العلوم السياسية وعضو المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي لحقوق الإنسان تحدثت عن التحرش السياسي وقالت إنه دائمًا ما كان موجودًا سواء قبل 25 يناير أو بعده باستثناء الثماني عشرة يوما من الاعتصام في ميدان التحرير، لكنه بدا أوضح بعدها. وترى نيفين أن الصدام مع هذه الظاهرة بدأ حينما تم التحرش بمجموعة النساء التي توجهت للاحتفال باليوم العالمي للمرأة مارس 2011 بميدان التحرير، واتهموهن حينها بالعمالة.
وقالت: "أعتقد أن المتحرشين في هذه الحالة ينقسمون إلى فريقين، فريق يستفزهم شكل خروج المرأة بصفة عامة، وفريق من المدفوعين سواء من جهة السلطة أو من جهة جماعات الإسلام السياسي، وهو التحرش الممنهج وقد رأينا ذلك في التنكيل بالناشطات السياسيات بأفعال التعرية والإهانة، وفي الهجوم على احتفاليات تنصيب "السيسي" لتشويه سمعة الفتيات المحتفلات". لكنها نبهت أننا لا يجب أن نغفل أن هناك تحرشا يحدث للغرض الجنسي، ونبالغ في ربط كل تحرش بالغاية السياسية.
مصطفى محمود محامي مؤسسة "نظرة" للدراسات النسوية يرفض تسييس هذه الوقائع ويقول: "لا أستطيع تحديد من يقف بالضبط وراء هؤلاء المجرمين وإذا ما كانوا يفعلون ذلك بدافع سياسي أم لا ... لكن كل ما أستطيع قوله هو أن هذه الوقائع تحدث من قبل الثورة في 2011 ومستمرة إلى الآن، وأنا أرفض تسييسها لأن الأهم هو أن نتفق على التصدي للتحرش والاغتصاب الجماعي بدلا عن توجيه الاهتمام للاتهامات السياسية في ظل الاستقطاب السياسي الحالي". هذه الوقائع تم تحرير بلاغات بها وفقًا لما ذكره أصحابها، إلا أن تصريحات مساعد وزير الداخلية المصري لحقوق الإنسان لوكالة "الأناضول" جاءت نافية لوجود أي انتهاكات جسدية داخل السجون المصرية، وأضاف في تصريحاته: "لو كان ما يقلنه صحيحا لكانت السجينات قدمن شكوى للمجلس القومي لحقوق الإنسان أو بلاغ للنيابة العامة التي بدورها تنتقل لسؤال المسجونة وهو ما لم يحدث في أي حالة من المسجونات." بحسب فرانس برس.
ولا تزال الاتهامات تدور داخل دائرة مفرغة بين أطراف صراع خفية لا تتضح سوى أناملها العابثة بأجساد النساء، ولا تهدف سوى الوصول إلى السلطة، فتارة تنتهج التحرش وتارة تستهجنه، بحسب الطرف المدان، ليصبح "التحرش الجنسي" هو لعبة السياسة الجديدة لتسديد الأهداف في مرمى الخصم!
طرق جديدة للإفلات من التحرش
على صعيد متصل اختارت بعض النسوة في مصر اللجوء إلى ركوب الدراجات الهوائية في محاولة للهروب من التحرشات الجنسية التي تلاحقهن خصوصا في الحافلات، فضلا عن أن الدراجة تمثل توفيرا واقتصادا للمصاريف المالية. ولا يزال المجتمع المصري ينظر بعين التحفظ إلى ركوب المرأة الدراجة، فيما لا يعني هذا نهاية للتحرش اللفظي والجسدي بهن.
ولا يعد مشهد ياسمين محمود وهي تمضي بخفة ورشاقة فوق دراجتها وسط السيارات في شوارع القاهرة مألوفا أو مقبولا اجتماعيا للكثيرين، لكنها تصر على تحديهم ومواجهة مشكلات التحرش والزحام يوميا من فوق دراجتها السوداء. وبدأت ياسمين استخدام الدراجة قبل أربع سنوات دون إبلاغ أسرتها التي رفضت الفكرة في البداية لكنها تحظى الآن بثقتهم أثناء تنقلاتها اليومية في حيها على الأقل. وتحمل الموظفة التنفيذية (31 عاما) دراجتها من الطابق العاشر حيث تقطن للشارع لتبدأ رحلة جديدة من الاستمتاع برياضتها المفضلة لا تخلو من بعض المضايقات.
وتقول الفتاة القصيرة ذات البشرة الخمرية أمام باب منزلها الحديدي الأسود في شارع جانبي ضيق في حي مدينة نصر الراقي شرق القاهرة "للأسف من غير المقبول اجتماعيا في مصر أن تقود فتاة الدراجة في الشارع" قبل أن تنطلق ترافقها نظرات المندهشين من كسرها للعادات والتقاليد في مجتمع محافظ يعتبر الوضع الجسدي للنساء أثناء قيادتها الدراجة غير لائق اجتماعيا.
ولا تستخدم الدراجة على نطاق واسع كوسيلة مواصلات آمنة في مصر، وحتى الآن فإن الغالبية العظمى ممن يركبونها من الرجال من الطبقات العاملة أو الشباب دون النساء. وتضيف ياسمين التي كانت ترتدي سترة صفراء وبنطال جينز وشعرها يتطاير خلفها "كنت أقود الدراجة في المصايف أو النادي في سن صغيرة ثم استغرقت وقتا طويلا لأفعل ذلك مجددا. الآن هي رفيقتي اليومية".
وبينما كانت تقود دراجتها في شارع رئيسي في حيها اقتربت منها دراجة بخارية يستقلها شابان وتحرشا بها لفظيا وهو أمر -غير مستغرب- في بلد تعاني النساء فيه من التحرش اللفظي والجسدي بشكل واسع ومتزايد أخيرا. وتقول ياسمين مبتسمة محاولة إخفاء ضيقها "مشكلة أخرى هي التحرشات اللفظية والتهكمات من المارة"، ثم قالت مبتسمة "فوجئت من قبل بشاب يحاول الركوب خلفي بالقوة". لكن ياسمين التي تضع في أذنها قرطا فضيا على شكل دراجة لا تأبه لذلك وتقول بتحدي "أتحدى كل هذه المشاكل بالتجاهل وأواصل القيادة بشكل طبيعي".
وبالنسبة للصيدلانية الشابة شيماء أحمد (26 عاما) التي تلقت حديثا تدريبا لثلاثة أيام فإن الدراجة تشكل حلا سحريا لها للذهاب للعمل في أقل وقت. ورغم أنها سقطت أرضا بعد دقائق قليلة من ركوبها دراجة هوائية زرقاء في شارع رئيسي في القاهرة، إلا أن شيماء المحجبة التي كانت ترتدي زيا رياضيا داكنا قالت بإصرار وهي تنفض التراب عن ملابسها "أنا مصممة على التحدي". بحسب فرانس برس.
وفاء أحمد (50 عاما) تعتبر أن الدراجة ممارسة رياضية بسيطة وغير مكلفة. وتخطط وفاء وهي أم لشابين لشراء عجلة للذهاب بها للعمل إلا أنها لا تزال تخشى "مضايقات الناس أكثر من فوضى المرور وغياب الأمان في الشارع". وفي تموز/ يوليو الفائت، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع عدد من وزرائه في رالي صباحي للدراجات الهوائية وتبعه وزير الدفاع في يوم آخر الأمر الذي حظي بترحيب إعلامي وشعبي واسع. لكن هذا لم يترجم إلى اهتمام حكومي بتوفير مناخ آمن لقيادة الدراجات في مصر.